أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادر قريط - حوار (إحتجاجي) مع طارق حجي















المزيد.....

حوار (إحتجاجي) مع طارق حجي


نادر قريط

الحوار المتمدن-العدد: 2574 - 2009 / 3 / 3 - 09:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد تكون اللغة العربية أداة مراوغة لممارسة نقد حقيقي فالتورية والتمويه وتقاليد المحاباة هي جزء من ثقافتنا، لذا أجد صعوبة في تناول كتابات أستاذ صديق ومثقف كبير ناهيك عما يمتلكه من تجربة ومعرفة موسوعية وأسلوب كتابي رشيق يجمع العمق والسهولة والحفر في صخر والغرف من نهر.
وقبل الإستمرار أشير إلى مشكلة تعترض النقد وتسقطه في العبثية خصوصا عندما يضطر المرء (ـة) إلى إقتباسات مجتزأة تهمل إطلالة إستشرافية لبانوراما أفكار الكاتب (مشاهدة العالم من ثقب الباب)
وتجنبا للوقوع في هذه الإشكالية وجدت ألا أقتبس شيئا من كتابات الأستاذ طارق حجي، سيما أنها غزيرة ومتنوعة وبلغات عديدة ( أكثر من عشرين كتابا ومئات المقالات لم أطلع إلا على شذرات منها) وأكتفي بمحاولة حوارية لتعميق أفكار "التنوير" الإصلاحي الليبرالي (وهي جوهر ومحتوى رسالته الفكرية) وألتمس العذر فما لو ألقيت على هذا النص بعض "اليسار الفوضوي" وهموم وإشكاليات ترتبط في العمق مع قيم " الضمير والعدالة والجمال " بمفهوهها الكوني وليس القبلي الصحراوي.
وبعيدا عن التعويم سأركز على مثال الكوريتين الذي طرحه الأستاذ حجي في مقال شيق، وهو مثال معبر وشمولي يكفي لإستدراج المعاني الغائبة وفتح النقاش على أفق مركب وشديد العقلانية، إذ لا جدال بأن كوريا الجنوبية تفوقت على توأمها الشمالي، وهذا أمر لاتتناطح فيه عنزتان، فالمثال دامغ وذكي، وسهل ممتنع، وفرضية لاتقبل الدحض والمساومة، بل إنها تنزل على دماغ القارئ كالقضاء والقدر ؟ فالأستاذ طارق حجي يقول بكلمات أخرى: أنظروا شطر الكوريتين، وتمعنوا يا أولي الألباب، لقد منحنا كوريا الجنوبية "النظام الديمقراطي الغربي" فإزدادت رزقا ومالا وثمارا وخيرا جما، ومنحنا كوريا الشمالية " النظام الشيوعي الماوي" فأمعنت في الظلم والفساد والفاقة وقلة العافية فبأي آلاء الديمقراطية تكذبون؟؟

لكن قبل ذلك أود أن أعرج على فكرة نظرية أساسية تتعلق بإشكالية "التنوير" كنقطة إجرائية ضرورية لمتابعة أفكار التنوير المضادة لأفكار التثوير التي غدت وكأنها مخلفات ديناصورية يجب وأد ما تبقى من أحيائها:

مفهوم التنوير: Die Aufklärung

في نص بعنوان: حول تجاذبات الإجابة عن سؤال التنوير في السياق العربي الإسلامي. يقول أستاذ الفلسفة التونسي د. جمال بن عبد الجليل (1):
إن تحرّر العقل من سلطة وسلطان اللاهوت والانعتاق من ربقه، وقدرة العقل على وضع قواعده و تعريفاته بشكل متحرّر، كان محدّدا هامّا لبلوغ هذا العقل رُشده المبتغى حسب قول فيلسوف التنوير إيمانويل كانط، فالتنوير عنده ليس إلاّ خروج الإنسان من حالة العجز و القصور (عدم الرشد) وتحقيقه للرّشد من خلال اعتماده على عقله وحده دون الخضوع لأقوال الآخرين ويختصر المقصد الأقصى للتنوير في القدرة على التفكير بشكل ذاتي مستقل وفي القدرة على الممارسة النقدية المتواصلة (إنتهى)

هذه الخلاصة المهمة هي جوهر مقالة كتبها كانط عام 1784بعنوان: (الإجابة على سؤال: ماهو التنوير) Beantwortung der Frage: was ist Aufklärung في إطار رده على أحد اللاهوتيين والمهم أن لفظ Aufklärung لم يحظى بترجمة حقيقية، لذا تم إقتباسه في معظم اللغات الأوروبية إلى جانب ترجمات تقريبية محلية، بينما تم إدراجه في فضاء العربية بإستخدام مصطلح" تنوير أو أنوار" الذي يوحي بخلط مفاهيمي (مع الكهرباء والشموع)، فجوهر التنوير الأوروبي هو تأهيل العقل لبلوغ الرشد بدون وصاية اللاهوت والقدرة على التفكير بشكل ذاتي مستقل؟؟
هنا قد نتفق عموما، بفشل حركة التنوير العربية (خلال القرن الماضي) في إحداث قطيعة مع الدين لكونها لم تحقق الهدف الأساس لبلوغ الرشد بشكل ذاتي مستقل من خلال تطوير ممارسة النقد.. ومرواحة النخب العربية بين التبعية السياسية والنخبوية وثقافة الصالونات وبين تملق الموروث وترك الجسد السكاني يحبو في ظلمات الماضي. وعدم القدرة على تخصيب التربة لإستنبات شجرة "المعرفة".
عليه لم تكن حركة النهضة العربية إلا محاولة عشوائية لإقناع راعي الإبل بأهمية موسيقى باخ وبيتهوفن. فما ان غادر المستعمرون بعيد الحرب الثانية حتى إنهارت الأبنية المشيدة على الرمال. وإستعادت قوة الموروث زمام الأمور.
من هذه النقطة الجوهرية يستطيع المرء (ـة) تخمين فرق جوهري بين حدث التنوير كجهد خلاق ترفعه الأمم بتضحياتها وسهرها وبين إنتصاب برج العرب في دبي بفعل فياغرا البترول؟ لكن أود قبلها صياغة السؤال ثانية: هل الفرق الجوهري بين الكوريتين هو الفرق بين نظامين أحدهما ( ديمقراطي غربي، تحميه القواعد الأمريكية) وآخر (شيوعي ماوي إستبدادي) ؟ كل عاقل سيقول بلى!! وهنا لا أكتفي بمثال الكوريتين بل أضيف إمعانا في قبول الفكرة مثال هونكونغ (دخل الفرد حوالي 40ألف $ ويعادل ضعف مثيله في كوريا الجنوبية) وكذلك تايوان وكلاهما جزء من الصين (أرضا وشعبا). أصبحا من مراكز المال والإستثمار العالمي وتحولا إلى جنان " تجري من فوقها وتحتها الأنهار" في زمن كانت فيه الصين الشعبية الماوية تعاني الجوع والكوارث أعقاب"الثورة الثقافية".
لكن السؤال الأكثر عمقا هل الفرق الجوهري في طبيعة النظام السياسي، أم في مركبات الحرب الباردة، وتمركز القواعد العسكرية والرأسمال الأورو ـ أمريكي وبحثه على جزر للإستثمار والربح والتنمية؟

ولماذا نذهب بعيدا ألم تكن دبي قبل ثلاثين سنة أقل أهمية من طنطا وبني سويف وصنعاء، هل هناك فرق جوهري بين شعب "سيدنا البدوي" وشعب "دبي" في نواحي التعليم والثقافة؟ والإنتماء لفضاء عربي إسلامي، أم أن نظام الإمارات (الأميري الصحراوي) أكثر ديمقراطية من دولة محمد علي!! أوليس النظام السياسي في كلا البلدين نظاما مواليا للغرب منذ ثلاثة عقود على الأقل؟ لماذا تطورت دبي لمركز عالمي (للمال والأعمال والرفاه والبنين) ولماذا تعاني مدن أخرى من إنهيار النظام الصحي، وإختلاط منظومة الصرف بمياه الشرب وإنعدام مقومات المدنية؟ سؤال عبيط مع الآسف !! لإكتشاف أن طبيعة النظام السياسي لم تلعب دورا مهما، فالحكاية وما فيها "إستثمار ورأسمال وريع بترولي" وقرار وإرادات تمنع النمو هنا وتسمح به هناك.

وبما أننا نتجادل بلغة الأرقام الماكرة إسمحوا لي أن أذهب إلى منطقة أخرى قريبة من سواحل أميركا وأتناول مثالا أخرا في بيئة الكاريبي ذات السياق التاريخي الإقتصادي المتشابه وأقتصر على هاييتي وكوبا لأنهما مثال وتجربة إنسانية حافلة ومليئة. وأبدا بالأولى لما في درسها من ألم وحزن يدمي القلوب:
هايتي:
يبلغ سكانها حوالي تسعة ملايين يعيشون على رقعة 27ألف كيلو متر مربع، وهي من أفقر دول العالم (دخل الفرد 600$ في العام) جزيرة (إكتشفها) كولومبس عام 1492 وتم إبادة سكانها الأصليين الذين عُرفوا بإسم Arwakasفي القرن 17، ثم تحويلها إلى سجن لتجميع عبيد أفريقيا وإستخدامهم في زراعة قصب السكر. عام 1697 أصبح ثلثها الغربي يسمى سان دومنيك وإنتقل من السيطرة الإسبانية للفرنسية، وكان من أغنى مستعمرات فرنسا في القرن 18 (أكرر من أغنى مستعمرات فرنسا)، عام 1791 شهد أول ثورة لتحرر العبيد قمعت بدموية شديدة، وفي عام 1804 إستقلت هاييتي عن فرنسا مقابل فدية دفعتها عدة عقود ثمنا لحرية عبيدها (بلغت 90مليون فرنك ذهبي: تعادل حاليا 17مليار يورو ) وبين أعوام 1915ـ 1935 خضعت لسيطرة أمريكية مباشرة ومنذ 1957 تتقاذها حكومات إنقلابية قريبة من المطبخ الأميركي. وفي عام 1994 أثمر عدم الإستقرار تدخلا عسكريا أمريكيا مباشرا لإعادة الرئيس ارستيد وفق مشروع إسمه: Operation Uphold Democray؟ وتعد هاييتي الآن إلى جانب الصومال والكونغو من البلدان الأكثر تفسخا في العالم. وهنا يقفز السؤال المهم: لما يا ترى لم يتح قرن من السيطرة الأمريكية على هاييتي خلق نظام ديمقراطي ولما لم تتدفق الإستثمارات وإمكانية النمو كما هو الحال في كوريا الجنوبية؟ ولماذا بقي هذا البلد البائس القريب من شاطئ ميامي مخرأة لقوات المارينز؟؟

كوبا: على كيلومترات قليلة من هاييتي تقع الجزيرة الخلابة كوبا على مساحة 110ألف كم 2 ويبلغ سكانها حوالي 12 مليون. وهي مستعمرة إسبانية لغاية 1898، ومنذ 1905 أصبحت مستعمرة أمريكية. ويحكمها منذ عام 1959 نظام شيوعي (شرير مستبد) يعيش على إقتصاد قصب السكر والسيكار (وصور وخطابات الرفيق كاسترو) لكنها للصدفة تمتلك أحسن نظام تعليم في أمريكا اللاتينية حسب إستطلاع اليونسكو (نشرة حديثة) إذ تبلغ نسبة الأمية 0% ، (وبمحض الصدفة) تملك نظاما صحيا جيدا (نسبة وفيات الأطفال 7 لكل ألف، وهي الأفضل في أمريكا اللاتينية، ومتوسط عمر 77 عاما، وطبيب لكل 163 شخص وهي الأعلى عالميا) وكذلك فإن المستوى المعاشي لكوبا يحتل المركز الثاني في أمريكا الوسطى بعد كوستريكا وتعادل مثيلها في بلغاريا وروسيا (حسبHumen Development index وهي نشرة عالمية لا تصدرها مخابرات كاسترو بل الأمم المتحدة)
ولكي لا أطيل في هذا الحوار أود أن أختم بما يلي:
إن النمو والرخاء ودخل الفرد في كوريا الجنوبية أو هوكونغ أو قطر لا علاقة له بطبيعة النظام السياسي إنما نتج لأسباب جيو إستراتيجية تتعلق بتمركز رأس المال والريع البترولي وإرادات سياسية (أنتجتها الحرب الباردة).
صحيح أن برج العرب وقصور الأمراء والسيارات الفارهة هي دليل رخاء وعمران لكنها ليست دليلا عى نمو إنساني حقيقي طالما أن معادلة التنوير التي نوهت عنها فقيرة ومجدبة لهذا وبعيدا عن الأرقام الماكرة لا أتمنى لأولادي العيش في مدن ثرية باذخة تحكمها خيزرانات المطوعين، وسيوف الوهابية، بل في مدن غنية بالحياة الإنسانية والإبتسام والموسيقى ورقص السالسا، وأظن أن هافانا (الفقيرة) مكان غني يتدفق بالحب والشمس.

هوامش: http://jamelbenabdeljelil.maktoobblog.com/

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=161684



#نادر_قريط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعقيبا على فراس السواح: -أهل الكهف- نموذجا
- عبيد الدولار (قراءة أخرى)
- وفاءا للسلطان (كتاب عن إستنبول)
- فصلُ الحوار فيما يكتبه فؤاد النمري وكامل النجار.
- الثقافة النافقة واللغة المنافقة
- داوود وسليمان: أركيولوجيون يحلّون لغز الأسطورة
- ما بعد غزة، الجزيرة: سلطة رابعة؟
- في وداع أمير الدراجي (نخلة عراقية في صقيع النرويج)
- غزة وسقوط نظرية شعبولا
- عندما يصبح الموت هدية من السماء
- غزة ورقصة الفالس
- شكرا لدولة إسرائيل
- إذا لم يكن الحوار متمدنا يصبح خوارا
- مصر تدحض الزمن
- فصول من السيرة النابية
- اللغة وأنسنة الرموز
- إختلاق -الشعب اليهودي- متى وكيف؟
- إعادة فتح مكّة!
- كازينو الرأسمالية؟
- أنا وعصا موسى


المزيد.....




- بريطانيا: فرض عقوبات على إسرائيليين متشددين بسبب أعمال عنف ف ...
- السعودية.. وفاة و20 حالة في العناية المركزة بتسمم غذائي بمطع ...
- السعودية تكشف جنسية وافد عربي ابتز فتاة ودردشتهما -مموهة-
- الأردن.. الملكة رانيا تكشف عن نصيحة الملك الحسين لها عندما ت ...
- من هو المرشح الرئاسي الذي قد يستحوذ على دعم الشباب في تشاد؟ ...
- المشروب الكحولي الأقل ضررا للكبد
- المشكلات الصحية التي تشير إليها الرغبة الشديدة في تناول الحل ...
- أنطونوف: اتهامات واشنطن بتورط روسيا في هجمات إلكترونية على أ ...
- انجراف التربة نتيجة الأمطار الغزيرة في هايتي يودي بحياة 12 ش ...
- الجزائر تطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن المقابر الجم ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادر قريط - حوار (إحتجاجي) مع طارق حجي