أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - أحمد الناصري - عودة لمناقشة ( مشروع ) لجنة التنسيق اليسارية وقضايا أخرى















المزيد.....


عودة لمناقشة ( مشروع ) لجنة التنسيق اليسارية وقضايا أخرى


أحمد الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 2555 - 2009 / 2 / 12 - 09:26
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


نشرت في يوم 7. 1. 2009 بعض الملاحظات والآراء عن مشروع (لجنة التنسيق) اليسارية، الصادر في بغداد، وكانت الردود متفاوتة، بين مؤيدة ومعارضة للآراء كما هي بالنسبة للمشروع الأصلي، وهذا أمر طبيعي. وقد ذكرت أنني لم أشارك في صياغة المشروع رداً على أسئلة من أصدقاء وتأكيداً للقيمة المعنوية والأدبية لما يصدر من الداخل وعن الداخل. ولتخفيف ثقل الجدل والسجالات والردود، فقد مرت على خاطري فكرة طريفة وصغيرة، وهي أن يتأخر الأخ الصديق الدكتور عبد العالي الحراك في الرد ليوم واحد أو ليومين على الأقل، كي يتسنى له وقت مناسب للرد، لكنه لم يرد على ما كتبت وذكرت فيه أسمه. وكنت قد كتبت له رسالة سابقة اقترحت فيها عليه التقليل من الردود وعدم الانشغال بها والاهتمام بكتابة ونشر الآراء، لأنه يرد على أغلب الآراء والملاحظات تقريباً، وقد خالفني في ذلك، لكنه طبق مقترحي علي فقط، واعتبرت إن الأمر طبيعي جداً، لكنه كتب رده يوم 6. 2، أي بعد شهر تقريباً، بعد إن قرأ رأيي ( عن طريق الصدفة ) كما يقول، لا يهم، لكنني أهتم بآراء الأصدقاء ولا أطلع عليها عن ( طريق الصدفة ). خاصة من دخلت في حوار معهم حول قضايا اليسار وأزمته ومحاولة التوصل الى حلول فعالة ومناسبة وسريعة قدر الأمكان.
يبدو أنني سأضطر لطرح ملاحظات شكلية كثيرة لتصويب الآراء والردود ولتوخي الفائدة وللوصول بالحوار الى شواطئه المفيدة والمحددة. فبعد أن يكتب الأخ الحراك (اطلعت عن طريق الصدفة على مقالة للأخ احمد الناصري, يحاول من خلالها مناقشة مشروع (لجنة التنسيق)، يقول في المقطع التالي ( ابتدأ الأخ احمد مقالته بالعبارة التالية ( كنا ننتظر مبادرة وخطوة أولية على طريق التحرك اليساري الوطني المنشود)، وأنا لم أبدأ مقالتي بهذه العبارة بل جاءت في نهاية المقطع الأول، لكنها جملة مركزة ومفيدة قصدتها بالتحديد، فنحن لم نزل بحاجة الى مبادرات وخطوات أولية على طريق التحرك اليساري الوطني، والمشروع المطروح هو خطوة على هذا الطريق الطويل والشائك. كما يصر الأخ الحراك على إن كلمة المشروع تعني البرنامج، ويقول إن المشروع يختلف عن المسودة، كما جاء في نقاشه مع الأخ عبد الحسن يوسف، حيث يقول ( كلمة مشروع يعني برنامج للعمل وليس للنقاش وإذا كان كذلك يفترض آن يسمى مسودة للنقاش والطلب من الآخرين دراستها وإبداء الرأي...) وكلمة مشروع لا تعني البرنامج، إنما تعني الصيغة الأولية المطروحة للنقاش والحوار والاغناء ومن ثم القبول أو الرفض، حيث يقال عادةً مشروع للنقاش، ولا يوجد مشروع من دون مسودة أولية طبعاً، لذلك يقال مسودة المشروع، ومشروع البرنامج، ليتحول المشروع بعد ذلك الى برنامج أو الى وثيقة نهائية بعد الإقرار، لذلك فمشروع ( لجنة التنسيق) مطروح للنقاش ولم يقر بعد. ومن الملاحظات الشكلية الأخرى التي أريد أعادتها وتأكيدها، فقد ذكرت بأن مشروع الورقة كتبه الأصدقاء في الداخل، وهذه حقيقة بسيطة وثابتة، لا حاجة لإثباتها، وقد ذكرت ما يلي ( لم أساهم في كتابة وصياغة المشروع المطروح للنقاش، لكنني شاركت في مناقشته وإبداء ملاحظات أساسية عنه، وعن الخطوات والاقتراحات اللاحقة. في البداية أود التأكيد على أن المشروع كتبه رفاق وأصدقاء الداخل، في بغداد ومدينة الثورة وديالى والفرات الأوسط والجنوب وكردستان، وهو ليس من إنتاج الخارج، كما يحاول البعض الإيحاء بذلك، رغم إن تلك القضية ليست تهمة وليست عيباً، ونحن ضد اختلاق تعارض وتناقض مفتعل بين الداخل والخارج)، لكن الأخ الحراك يصر أيضاً على إن من كتب الورقة ليس الأصدقاء في الداخل ويقول بهذا الصدد ما نصه ( اعتقد بان كاتب الديباجة والنقاط هو الأخ (صباح زيارة الموسوي) أو احد امتداداته, كي أكون أكثر صراحة ووضوحا, لأنها تعبر عن أسلوبه في الكتابة والمخاطبة التي تعتمد على الماضي المأساوي ذي الطابع الهجومي والعدائي لمن يخالفه الرأي) وهذه معلومة غير صحيحة واستنتاج خاطئ، وكان يمكن للأخ الحراك أن يعتمد على ما ذكرته، من باب الثقة الأساسية والضرورية بين المتحاورين، أو يستفسر مني أو من أي صديق آخر لمعرفة الجهة المصدرة للورقة، لذلك كانت صراحته ووضوحه في غير محلها، وكشفت عن جزء من الخلاف الشخصي والشخصنة. ومن الأمور الأخرى التي طرحها الأخ الحراك قوله ( لكن الوقت يضايقني ويا ليتي لاجئا كغيري يستلم راتبه متفرغا للكتابة والتعليقات ولا اقصد به الأخ احمد, وإنما جميع الإخوة المتفرغين وهم كثر, إلا أني أعاني من ضيق الوقت وقصاصات وريقاتي تملأ جيوبي)، ورغم إن الملاحظة لا تنطبق علي عملياً ولا تعنيني، فأنا لازلت غير مستقر لحد الآن وموزع بين بلدين، بلد فيه أوراق إقامتي التي كانت مسحوبة، وبلد فيه عائلتي وأطفالي، ولا يحق لي الى الآن الالتحاق بهم والعيش معهم والعمل في البلد الذي يعيشون فيه، وهي محنة إنسانية طويلة ومريرة، رغم أنني تركت بيتي ومدينتي في نهاية عام 78 بعد اعتقالين داميين ولجوء طويل الى الجبال، ولا أملك من حطام الدنيا الفانية غير دراجة هوائية قديمة أستعملها للتنقل والتسوق والرياضة، مع ذلك فأني مستعد لكل عمل مهما كان لدعم معيشة أطفالي وأهلي. ولكن من حق من يكتب أن يتفرغ للكتابة التي تحتاج الى جهد المتابعة والدراسة والإطلاع والتركيز، وهذا ما هو سائد في الصحافة الورقية، ليكون الرأي المكتوب نافعاً ومفيداً وجديداً ورصيناً، والعمل الآخر يتعارض مع مهنة الكتابة من جميع النواحي وخاصة من ناحية الوقت، والتفرغ ليس عيباً أو عاراً، ومشكلة اللجوء والمنفى مشكلة كئيبة ومعقدة وحزينة، ولا يمكن التعامل معها بهذه البساطة، أو على إنها راتب في بلدان اللجوء، وللعلم فراتب اللجوء لا يحقق (التفرغ) الذي تتصوره، وينطوي على الكثير من العوز والكفاف وبعض الذل، وربما يصح ذلك على اللاجئين لأسباب اقتصادية أو إنسانية نتيجة الأزمات والمشاكل والحروب. وكان على العزيز الحراك أن لا ينزلق الى هكذا تعليق ليس في محله. أما بصدد الوقت الكافي واللازم للكتابة فيمكن للأخ الحراك أن لا يستعجل في الكتابة اليومية أو شبه اليومية، حتى يحقق غرض الكتابة والنشر. والملاحظة الشكلية الأخيرة، هي إن الأخ الحراك قولني ما لم أقله وأقصده بالضبط، فقد ذكر (بعض المواقف والأفكار تأتي من الموقع الأخر) ويقصد بالموقع الآخر الحزب الشيوعي العراقي كما افهم).. بينما كنت أقصد وبشكل واضح وجلي، وكما ورد في النص الذي اجتزأه الأخ الحراك ( فبعض المواقف والأفكار والتعليقات تأتي من الموقع الآخر، الذي أنتقل وانحاز وحسم أمره مع العدو ومع المشروع الأمريكي في بلادنا ومنطقتنا، ويمارس نشاطه وتشويشه حسب الدور الوظيفي المنوط به. وهي أفكار وتعليقات لا تستحق التعليق والرد، إنما تكشف عن فضيحة فكرية وسلوكية كبيرة. وهناك آراء وأفكار مسبقة تستهدف أشخاص لا أفكار أومشاريع) و كما تعلم صديقي الحراك فهذا طيف واسع يشمل كل من أيد الاحتلال وتعاون معه من أحزاب وحركات وشخصيات ومراكز فكرية وثقافية وصحف ومواقع، وهي كثيرة جداً ومعروفة، لذلك لم أجد حاجة أو فائدة من ذكرها، وهذا فرق جوهري بين ما قصده وبينما تصورته وفهمته أنت.
أعود لمناقشة الورقة ووضع اليسار ومناقشة ملاحظات الأخ الحراك، وهي فرصة أخرى لتعميق الحوار حول الكارثة الوطنية التي نمر بها، ووضع وأزمة اليسار وشكل اليسار الوطني ومهماته المطلوبة، وهو موضوع يحتاج الى جهود إيجابية مكثفة وخطوات عملية للخروج باليسار الوطني من أزمته العميقة الراهنة، وأبدأ بمقطع من تعليق الصديق إبراهيم البهرزي على المادة التي نشرتها يصف فيها حال اليسار حيث يقول (يجب أن نتفهم جميعا وبحسن نية مطلقة إن وضع اليسار في العراق حرج جدا وطرح مشروع (أو مشاريع ) لا يعني تصديع ما هو مصدع أصلا )، فنحن نتحدث عن يسار يمر ( بوضع حرج جداً)، بل إن الوضع حرج الى أبعد الحدود، واليسار يعاني من التشتت والتراجع والتشرذم والضعف، مع غياب في النشاط الفكري والثقافي والسياسي والتنظيمي، والأسباب كثيرة، قديمة وجديدة، وهي تحتاج الى دراسة موضوعية وجريئة للمساهمة في تشخيص الحالة وفي العلاج أيضاً. هذه هي الصورة الكارثية التي أقف أمامها وأنظر إليها، والتي أتحدث عنها وأتعامل معها. علينا أن نعرف حجم ونوع الخراب والركام كي نعمل. فكيف يمكن لنا أن نتعامل مع هكذا حالة حرجة وصعبة؟؟ وما هي الإمكانيات الحقيقية والفعلية لليسار الوطني؟؟ وماذا ينتج في الوقت الحالي عن هذه الحالة؟؟ أوليس علينا أن نعمل ونراقب ونساهم في خطوات صغيرة وبسيطة على طريق طويل وصعب؟؟ لذلك فانا أتعامل مع هذه الحالة بصبر وموضوعية وأحاول أن أساهم في أية خطوة مخلصة على هذا الطريق الطويل والصعب، لكنني ضد التوقف الجمود الى النهاية، وبالنسبة لنا فنحن لم نتوقف في أصعب الظروف التي مررنا بها منذ عقود. هذا هو السبب الرئيسي لتعاملي الإيجابي مع جميع المشاريع والخطوات اليسارية الوطنية مهما كانت بسيطة وصغيرة من خلال إبداء آرائي وملاحظاتي الأساسية والدقيقة بواسطة النشر العلني أو النقاش الداخلي التفصيلي لمعرفة الظروف والأسباب التي أدت الى هذا الموقف أو ذاك، وطرح الاختلافات والاعتراضات حول بعض النقاط والقضايا. وهذا الموقف لا يدخل في باب المجاملات والمحاباة لبعض الأصدقاء كما يظن الأخ الحراك.
اليسار كلمة عمومية كبيرة، ومصطلح غير محدد، واليسار حركة اجتماعية وفكرية وسياسية وثقافية واسعة، تتسع الى المزيد من الموضوعات التي تطرحها الحياة باستمرار، وينطوي اليسار على درجات وأشكال عديدة، وأنني الآن في العموم مع اليسار الوطني، ومع الحركة الوطنية في بلد محتل، ولكنني أنتمي بالتحديد الى اليسار الماركسي. وبلادنا المحتلة بحاجة متزايدة الى حركة يسارية وطنية قوية وكبيرة، للمساهمة في الخروج من الكارثة الحالية. لذلك لا أجد خللاً في الموقف العام من النشاطات اليسارية الوطنية والمشاريع اليسارية، وأنني مع هذا المشروع وكل المشاريع الأخرى، على ( أن يكون ( المشروع ) واضحاً ومحدداً فكرياً وسياسياً، في طرح مبادئ يسارية وطنية، أساسية وعامة، وأن يحدد ويتخذ موقفاً واضحاً من الحقبة ( الفاشية) السابقة، ومن مرحلة الاحتلال الخطيرة، ويطالب بطرد الاحتلال وإنهاءه بكافة الأساليب الوطنية، وهذا هو المحور الأساسي والمهمة الرئيسية في العمل الوطني لبلد محتل، والذي جرى حوله الانقسام والخلاف الداخلي والوطني، بين موقفين، موقف رافض للاحتلال وآخر مؤيد له، وليس على أية قضية أخرى، وسوف يستمر هذا الخلاف والصراع الى النهاية. وأن يعالج المشروع مشكلة الاتفاقية الجائرة، وقضية القواعد العسكرية والتواجد الأمريكي في بلادنا، وقضية التبعية السياسية والاقتصادية للإدارة المحلية له، ويحدد المشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمر بها بلدنا، من طائفية وإرهاب وخراب شامل. ويمكن تعميق هذا المحور وصياغته بطريقة واضحة ومحكمة. ثم أن ينتقل المشروع لرفض وإنهاء ومعالجة كل نتائج وآثار وخطوات وبقايا الاحتلال، وهذه هي المهمة الوطنية الأخرى في المستقل. إذن فالمشروع يتحدث بشكل واضح لا لبس فيه عن الوضع السياسي الحالي في بلادنا، وينتقل الى المهام الوطنية التدريجية اللاحقة. وهذه الرؤية والمهمات الوطنية المطلوبة والملحة، التي يمكن اللقاء حولها) وهنا لا أجد أي ضعف أو ركاكة أو غموض في هذا الموقف، وهو يتطابق الى حد بعيد مع أفكار وفقرات المشروع المطروح علينا، لأنه يعالج المشاكل الرئيسية الخطيرة في بلد محتل، ولا يقول غير ذلك، وهذه نقطة أساسية يمكن لليساريين الوطنيين أن يلتقوا حولها ويعملوا على تعميقها وتطويرها بشكل جذري وواضح لا لبس فيه.
بالنسبة لي فالمهمة الرئيسية في بلادنا المحتلة، هي رفض الاحتلال، وتكريس العمل بكافة الأساليب لطرده وإنهاءه، وإنهاء عمليته السياسية الأمريكية،( التي تديرها المخابرات الأمريكية مباشرة وبشكل علني، لا يحتاج الى نقاش أو إثبات)، وكافة خطواتها ونتائجها، خاصة الإرهاب الفاشي الدموي، بكافة أشكاله وألوانه ومصادرة، والتخلص من الطائفية والمواقف القومية التقسيمية الضيقة، وحل المشاكل الأمنية والاقتصادية والسياسية والصحية والتعليمية، وتوفير الخدمات الأساسية السريعة للناس، ومعالجة كل ما يتعرض له بلدنا من تدمير وتخريب منظم على يد الاحتلال وأعوانه. هذه هي المهام الأساسية لليسار الوطني، وسوف لن تتبدل ما دام البلد يقبع تحت الاحتلال. والخلاف الأساسي بين اليساريين وعموم السياسيين، ( عدا أطراف معروفة أيدت الحرب والغزو والاحتلال وكانت جزء منه، فالبعض منهم يقول تم إسقاط النظام بواسطة القوات الدولية)، ليس حول وجود الاحتلال من عدمه، لأن ذلك متحقق وقائم على الأرض، وقد كرسته الاتفاقية الأخيرة بشكل نهائي، ولكن حول كيفية التعامل معه والموقف الوطني الصائب منه، وما هي البرامج والشعارات والمواقف الوطنية المطلوبة، وهذه قضية أساسية وخطيرة الى أقصى الدرجات، أنتجت ووسعت وعمقت الانقسام من جديد.
لذلك فالمشهد واضح بالنسبة لي، ولا اخلط أو أساوي مثلاً بين المشروع الأمريكي الإمبريالي الكوني، وإمكانياته وحجمه ومخاطره، وبين الخطر والمخطط الإيراني لمد نفوذه المتعدد داخل العراق، ومحاولة العبور الى الضفة الثانية من الخليج، بواسطة أساليب وأدوات داخلية وخارجية قذرة. وأعرف بشكل دقيق حجم ومخاطر كلا المشروعين. وإيران رغم كل الضجيج لا تزال جزء من المخطط الكوني وتخضع لتأثيراته بمعاني وأشكال عديدة. فإيران دولة إقليمية محدودة الإمكانيات الاقتصادية ومن ثم العسكرية، رغم كل الدعاية والجعجعة الحالية، فهي بلد لا يزال متخلفاُ ولم يصل الى درجة التطور المتوسط مثلاً، والملف النووي ليس مؤشر دائم على حالة التطور العلمي والتقني الحديث، وله باب آخر سياسي وعسكري ونفسي، مثل حالة الباكستان النووية لكن المتخلفة. وإيران حتى في زمن الشاه كانت تلعب دور وظيفي تابع لمصالح النفوذ الخارجي لتوفير النفط وحماية ممراته والتنسيق مع الأمارات النفطية العربية، على الشاطئ الآخر من الخليج العربي، وتخريب وتصفية الحركات والأحزاب الثورية في منطقة الخليج وعموم الشرق الأوسط. وعندما قامت ثورة 14 تموز عام 58 في بلادنا أسقطت وبحركة واحدة حلف بغداد، وحدت من دور إيران وتركيا والباكستان، لكن بعد انهيار وسقوط الثورة، وعدم نجاح ثورات وطنية أخرى في البلدان العربية وفي المنطقة، فتح المجال للتحرك الإقليمي المضاد من جديد، ثم حصلت التطورات الدراماتيكية المعروفة في العراق وإيران خلال العقود السابقة، واندلعت نيران الحرب الرجعية الطاحنة بين البلدين، و( بالمناسبة فالحرب لم تحسم الموقف العسكري والسياسي لصالح إيران في فرض السيطرة على العراق، نتيجة لعوامل كثيرة من أبرزها محدودية الإمكانيات الإيرانية)، ثم جاء الاحتلال الأمريكي لبلادنا وخلخل المعادلات الداخلية والإقليمية، وتحركت إيران لتستفيد من الفراغ الأمني وسقوط وانحلال الدولة والوضع المشوه الجديد. لذلك يظهر لنا إن كل الأحداث مرتبطة بالدور الغربي القديم والأمريكي لاحقاً والذي وصل الى درجة الغزو المسلح لبلادنا وعموم المنطقة، لأسباب نفطية واقتصادية وعسكرية وتاريخية كثيرة، ومن هنا تبرز قيمة مسألة التحرر والاستقلال الحقيقي. ومن يراجع المنشورات الشيوعية واليسارية السابقة، ومنها مجلة الثقافة الجديدة، والتي نشرت دراسات ووثائق بالأرقام حول بداية تاريخ وخطط التسلل والتواجد العسكري الأمريكي في الخليج وفي المنطقة، وشرحت أسبابه ودوافعه ومخاطره على شعوبنا ومستقبل ومصير بلداننا، باعتبار ذلك جزء من المخطط الأمريكي للسيطرة على منطقتنا، وهذا ما تحقق اليوم بشكل تام ومكشوف. والسؤال الذي يتبادر الى الذهن لماذا كانت مجلة الثقافة الجديدة تتخذ ذلك الموقف الواضح آنذاك؟؟ وهل كان ذلك الموقف مرتبط بالصراع بين النفوذين الأمريكي والسوفيتي في منطقتنا؟؟ وماذا تبدل من طبيعة وجوهر المشروع الإمبريالي الأمريكي ووضع الأنظمة التابعة له لكي تتبدل المواقف نسكت عنه أو نلتقي معه مثلما يجري الآن؟؟ الجواب يجعل المواقف والمواضع الجديدة واضحة ومحددة. إن طرد الاحتلال والتخلص منه، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية المستقلة، هو الذي سيقضي على النفوذ الإيراني بسهولة كبيرة، وليس الاحتماء خلف البوارج والدبابات الأمريكية مهما كثر عددها، وهي الأشد خطراً على الجميع.
إن هذا السرد السريع والتحليل والرأي لا يعني لا من قريب أو بعيد الموافقة أو التقليل أو الصمت عن النفوذ والتغلغل الإيراني، السياسي والاقتصادي والأمني، بواسطة أساليبه وعملاءه المعروفين والسريين، ولا نسيان التخريب الاقتصادي والثقافي والطائفي، وترويج ونشر الحشيش والعملات المزورة، وتصدير وتصريف البضائع الفاسدة بواسطة الوكلاء الفاسدين وعمليات التهريب الواسعة، والسطو على حقولنا النفطية الوطنية، والتجاوز على الحدود، الى جانب القتل والخطف والتصفيات المنظمة والإرهاب ودعم فرق الموت الطائفية القذرة، وتحريك جيش العملاء والخلايا النائمة، من جميع الأصناف ومن مخلفات الحرب والفيالق الطائفية، وفرض وزرع وتوزيع عملاء وعيون إيران على المناصب الكبيرة والصغيرة، الحساسة وغير الحساسة في المدن الرئيسية، واعتبار العراق ورقة للضغط والتفاوض والمساومة في الملف النووي أو غيره من الملفات الأخرى. لكننا هنا نتحدث عن الأدوار والمواقع والمخاطر الرئيسية والإستراتيجية، والتغلغل الإيراني من نتائج الغزو والاحتلال الأمريكي الخطيرة لبلادنا.
عزيزي الحراك لا توجد مجاملة لأحد، كما لا يوجد تناقض في موقفي، فكلامي هذا مثل ذاك ومثل جميع مواقفي، من قضايا الاحتلال والكارثة الوطنية التي نمر بها، وأزمة اليسار الوطني وجميع المواضيع الأخرى. ونحن لا نزال في حالة حوار وجدل معمق حول الوضع في بلادنا ووضع اليسار الوطني وإمكانياته وحالته الحقيقية. وأنني منسجم مع قناعتي وتجربتي وتقديري للوضع الخطير الذي نمر به جميعاً، وهذا لا يؤجل ولا يقلل من رأيي الخاص وملاحظاتي الأساسية، وعندما أرى الخطأ سوف أشير أليه بشكل علني وأمام الجميع، وسوف انسحب من أي عمل لا يتوافق مع الشروط والمبادئ الوطنية واليسارية العامة في بلد محتل. وأكرر مرة ثانية إن هذه الخطوة وهذا التحرك ليس موجهاً ضد أحد، لكنني لا أعرف بالضبط التفاصيل الدقيقة والكاملة حول اللقاءات التي تمت في الداخل بين الأطراف والمجموعات اليسارية الوطنية، ولا الى أين وصلت؟؟ وما هي الخلافات والمشاكل التي برزت؟؟ وما هي الجهود والمبادرات المطروحة الآن للقاءات والحوارات المشتركة؟؟. وأنني أتطلع الى اللقاء وتوسيع الحوار مع الجميع كطريق سليم للعمل المشترك الناجح.
كلمتي الأخيرة للعزيز الحراك، كان عليه أن يكمل نقده وآراءه الكثيرة حول هذه الخطوة، وحول المشروع المطروح، بأن يساهم هو وأصدقاءه في طرح ورقة أخرى تسد وتتجاوز النواقص التي يعتقد إنها موجود في المشروع الحالي، وهذه خطوة هامة وحاسمة في إيجاد بدائل متطورة أخرى، وسوف أساهم معه في نقاشها وإبداء الملاحظات حولها والعمل الجاد لتنفيذها في حالة الاقتناع بها.
هناك نشاطات ولقاءات يسارية وماركسية، عراقية وعربية وعالمية، سوف أشارك فيها، وأقول رأيي، بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف معها.

قضايا أخرى

هناك قضيتان تتعلقان بحالة موقع الحوار المتمدن الفكرية والسياسية وعن باب التعليقات الجديد أود تسجيل موقفي ورأيي بصددهما:-
1- لا بد لي من تسجيل رأيي في حالة موقع الحوار المتمدن الفكرية والسياسية، فانا أعتبره في حالته الراهنة موقعا ًليبرالياً عاماً، رغم بقايا من روائح وأطروحات يسارية وماركسية نادرة، بل ينحاز الموقع في حالات وأحيان كثيرة الى مواقع ( الليبرالية الجديدة) وفكرها وسلوكها ودعايتها ونسختها العربية المهلهلة، من خلال الكم الهائل والأعداد الكثيرة من (الليبراليين الجدد) الذين يتصدرون النشر أو ينشرون فيه، ويتجسد ذلك بوضوح في الموقف من الاحتلال الأمريكي لبلادنا، ومن عموم المشروع الإمبريالي في منطقتنا، والعدوان الصهيوني الهمجي على عزة، ونذكر مادة بعنوان ( شكراً إسرائيل) على سبيل المثال لا الحصر، والذي أخزنني نشرها، والتي كانت تؤيد وتحتفل بالعدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، وغيرها العشرات .. يبدو لي إن الموقع وقع تحت تأثير وتوجهات ونشاطات ( الليبراليين الجدد) لأسباب أجهلها، ولم يعد ( بالنسبة لي على الأقل) موقعاً يسارياً، دع عنك ماركسياً، وأنني أتعامل مع الموقع من هذه النظرة ومن هذا الموقف.
لقد كتبت هذه المادة قبل صدور ( البلاغ عن اجتماع عام لهيئة إدارة الحوار المتمدن ) المنعقد يوم 8 .2 .2009 . والذي جرى الاتفاق فيه في مجال الخط الفكري العام للحوار المتمدن ( التأكيد على تعزيز الخط اليساري العلماني للمؤسسة). أنني أتمنى وأدعم تمسك الموقع بالخط اليساري أو العودة إليه، وربما هناك آراء متنوعة واختلاف داخل هيئة التحرير، لكنني أن أتساءل أي نوع من اليسار جرى الاتفاق والتأكيد عليه؟؟
2- ما يتعلق بباب التعليقات الذي وفره موقع ( الحوار المتمدن)، فهو مجال واسع وسريع للحوار والتفاعل وعرض الآراء، لكنني أخشى من فشله أو إفشاله، من خلال فقدانه لرصانته وجوهره ووظيفته، وذلك باستغلاله بطريقة بدائية ومتخلفة وجره نحو الشخصنة والتجريح والشتائم، كما جرى للصديقين الجيلاوي وجمال محمد تقي، وكأن من يرد ويكتب التعليقات مجموعة موجهة ومكلفة بهذا الفعل البدائي، من غرفة عمليات واحدة، أو كأنه شخص واحد، لكن كما يبدو لي إن غرفة العمليات التي تدير وتطلق الردود متخلفة وبائسة الى أبعد الحدود، وهي تكرس البؤس والفضيحة. وهذه المجموعة لا تناقش الآراء التي تعتبرها خاطئة، إنما تنتقل الى شخص الكاتب وتتناوله بطريقة بدائية عبر اتهامات جاهزة ومتكررة. فقد تعرض الصديقين محسن الجيلاوي وجمال محمد تقي الى حملة شخصية مركزة، وقبلهما تعرض الصديق إبراهيم البهرزي الى نفس السلوك البدائي. فمثلاً أحد المعلقين على الصديق الجيلاوي يحاول الإيحاء لمرتين عن سبب تركه أو طرده من الحزب كما يدعي، والقضية لا تحتاج الى إشارات ورموز، وقد عبر عنها الراحل ( أبو عامل ) الذي قال( الآن أكثر الحزب خارج الحزب)، ومنهم الجيلاوي. وإذا كان المعلق يمتلك معلومات خطيرة فليقلها ويفيدنا بالدرر أو يصمت ولا يشير أو يغمز في قضية واضحة وعتيقة زمنياً، وآخر يعيره بالقلادة الذهبية التي تظهر في صورته، كما عيّر أحدهم الشاعر سعدي يوسف بصورته الإنترنيتية الجميلة والشهيرة. كما لا زالت قضية التنكر بأسماء وهمية ملثمة تحاول ممارسة الإسكات وفرض الصمت والإرهاب والقمع، وهي ظاهرة مضحكة ومحزنة في آن، لكن لها دلالاتها الواضحة. ومن يمتلك رأياً، يمتلك أيضاً القدرة على طرحه والدفاع عنه. فماذا يفعل إبراهيم البهرزي إذا كان تصريح المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي أبسط وأبرد من ملاحظات المفوضية العامة (غير المستقلة) للانتخابات؟؟ وهذه الهزيمة الجديدة، هل هي تعبير بليغ عن شئ ما أم لا؟؟ وهل هي مؤشر على خلل ما؟؟ وهل تحتاج الى كشف حساب حقيقي ووقفه حقيقية لمعرفة أسبابها وعدم اللجوء الى التبرير والإنشاء الفارغ عن الحيوانات الأليفة، والماضي التليد والبقايا، أو الارتباك واللوذ بالصمت، بينما الواقع يفرض حقائق ووقائع أخرى يجب الاقتراب منها لمعرفتها.
أخيراً بالنسبة لي مثلاً أستطيع أن أرفض وأمنع التعليق، وأسمع آراء أصدقائي بما أكتب، مثلما يستطيع فعل ذلك بسهولة أي كاتب آخر. لكنني أتمنى أن تنجح هذه التجربة، وأن يبقى هذا الباب مشرعاً، من خلال التعليق برأي حول القضايا الكثيرة المطروحة، مهما كان حجم ونوع الخلاف. لا أنطلق في ملاحظاتي هذه من علاقتي بالأصدقاء الجيلاوي وتقي والبهرزي، فهناك اختلافات في المواقف والرؤى، وهي طبيعية وضرورية، وبيننا نقاش واختلاف، وعندي نقاش ورد على آراء ومعلومات للصديق جمال وردت في مقالة سابقة له عن الأنصار، وقد تأخر نشر الرد لأسباب فنية، وإن موقفي هذا يشمل الجميع من الناحية المبدأية.





#أحمد_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مساهمة جديدة في النقاش الدائر حول اليسار
- غزة داخل المحرقة النازية الجديدة وفي حالة الإعدام الجماعي ال ...
- بهدوء.. دفاعاً عن الوطني العراقي منتظر الزيدي الصحفي والإنسا ...
- بوش يغادر مرفوع الرأس لكن الى الأسفل
- التوقيع والمصادقة على اتفاقية العار
- بعض نماذج التهريج والوقاحة والنفاق السياسي الصارخ
- النصيرات بطلات وأمهات وملائكة الثورات
- اتفاقية العار ومسألة الانسحاب الأمريكي من بلادنا
- العار واتفاقية العار
- أمريكا والاحتلال ومستقبل بلادنا بعد فوز أوباما
- ماكين الى النسيان
- مياه الشرب الملوثة وانهيار شبكة المجاري من أخطر أسلحة الدمار ...
- بوش - ماكين إلى الجحيم
- لعنة العراق
- الأزمة الرأسمالية الجديدة وطابعها البنيوي العميق
- الماركسية وأطياف كارل ماركس
- المعاهدة المفروضة كما هي
- عن دمشق والإجازة والصيف ولقاء الأصدقاء وأحداث وأشياء كثيرة أ ...
- ثلاثون عاماً من المنفى والتشرد والملاحقة والأمل
- دلال المغربي


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - أحمد الناصري - عودة لمناقشة ( مشروع ) لجنة التنسيق اليسارية وقضايا أخرى