أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كريم كطافة - قصة طف معلن














المزيد.....

قصة طف معلن


كريم كطافة

الحوار المتمدن-العدد: 766 - 2004 / 3 / 7 - 09:29
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


وقعت الجريمة. وكانت تشبه (قصة موت معلن)*، كل شيء كان معروفاً، مرصوداً قبل الحدوث بأيام وأسابيع وأشهر.. مصرحاً به. لا أسرار، لا طلاسم، لا احجيات يفك رموزها عرافون سياسيون، ولا غموض يغلف الأهداف والنوايا. الفاعل والضحية متعارفان، ومسرح الجريمة ممهد. كان الصحفيون الباحثون عن صيد ثمين، قد أعدوا كاميراتهم منذ أيام، ونشروا لاقطاتهم وعيونهم على مسرح الجريمة. الضحايا يتابعون بعيون مفتوحة الصحفيين وآلاتهم الغريبة ومعها وقائع موتهم المعلن. الوضوح هو سيد الحدث القادم على وقع الطبول، وأهازيج الحزن الحسيني. كان البعض من الضحايا أقتنع أنه سيمارس واقعة (التشابيه) الحسينية ذاتها، ويعلم أنه سيموت إن كان من جيش الكفار أو جيش الحسين، لا بد له من أن يموت لتكتمل واقعة التشبه بتلك الواقعة البعيدة.. لكنه سيكون موتاً كاذباً، نوع من طقس يريد تجسيد تلك المأساة الكربلائية البعيدة. سيكسب بهذا ثواباً مضاعفاً، هناك من قال أن مقياس الثواب هو واحد بسبعين.. نعم واحد بسبعين.. من ا لخطوة التي يخطوها المؤمن على درب الآلام الحسينية، وصولاً إلى تجشم عناء التشبه وتمثيل مسرح الجريمة التاريخية البعيدة.. واحد بسبعين.. الثواب القادم سيكون سبعين.. الأجر المؤجل سيكون سبعين.. وأصحاب الحسين سيد الشهداء كانوا سبعين.. لا شيء يدعو للتردد. كانت وجوه الضحايا فرحة، مستبشرة، بموتها المعلن.. بطفها المعلن.
المجاهدون من على الخندق الآخر، كذلك كانوا فرحين، مستبشرين. خلاصهم القادم من هذه الفانية العاهرة اقرب من نبض قلوبهم، لم يعد أبعد من ضغطة زر صغير في متناول أيديهم.. تخففهم من أوزارها مرة وإلى الأبد في متناول أيديهم.. لا شيء يدعو للتردد.. الحور المنتظرات في فيافي الجنة كذلك سبعين.. لكل مجاهد بدل الواحدة سبعين. على الخندقين.. خندق الضحايا.. خندق الفعلة.. وجوه مستبشرة.. فرحة.. لهفا للقاء لا يحصل إلا مرة كل سبعين سنة.. لسان الطرفين يلهج بسؤال أبله.. ترى كم من السبعينات في هذا العمر الرذيل..؟ لا شيء.. هي سبعين واحدة لنلحقها قبل أن تلحقنا.
و... وقعت الجريمة.. عاد الطف القديم متجسداً.. وقعت تماماً كما أرادها المجاهدون، وكما توقعها الصحفيون، وكما افترضها الضحايا أنها ضرب من تشابيه.. نُفذت الجريمة بالحزام الناسف والرمانة اليدوية وقذيفة المدفع وما ملكت أيمانهم.. سقط الضحايا مضرجين بدمائهم.. اختلطت أشلائهم.. تمازجت.. حتى تعذر التفريق على الباحثين عن المسؤول والمسؤولية.. أشلاء من هذه الملتصقة بقميص أو ساعد أحدهم.. لأي خندق تعود.. وهذا نصف الجمجمة المحروق لمن يعود.. لرجل أو لامرأة.. أو لعلها جمجمة طفل كان قبل الانفجار يتلعثم ما زال بأبجدية الحياة الأولى.. تحققت تنبؤات الجميع، رؤاهم، توقعاتهم السياسية وغير السياسية، فراساتهم العسكرية والمدنية. ارتدى المحللون السياسيون على طول الخارطة المشبوهة من الماء إلى الماء طقومهم الجديدة، لكل محلل سياسي طقم مفصل للفضائيات.. ومارست الزوجات عادة شد ربطة العنق الجديدة.. مسحوا وجوههم للمرة العاشرة بعطر الكولونيا الباريسية.. مذيعات الفضائيات للمرة الأولى لم يحتجن إلى من يلقنهن السؤال.. كان السؤال جاهزاً منذ أيام.. تدربن عليه.. وهو أبسط وأقصر الأسئلة.. من يا ترى يكون المسؤول عن الجريمة..؟ والجواب على طرف اللسان.. من يكون غير أمريكا المتجبرة وربيبتها إسرائيل..؟ يرد المحلل السياسي على السؤال بسؤال.. يفحم المذيعة الجميلة، ومن ورائها جمهور الخارطة المشبوهة.. جمهور كان يردد الرد قبل سماعه من فم المحلل السياسي.. تشكر المذيعة الجميلة بابتسامة ناعمة المحلل السياسي الخشن، ويرد لها المحلل الابتسامة بأنعم منها.. يتفرغ الهواء لينقل لنا الفاصل الإعلاني الذي يروج لشماغ البسام البصمة اللندنية.. كل حقق نبوءته ومشى.. والضحايا ما زالوا يفترضون أن الأمر ضرب من تشابيه.. لم يصدقوا بعد.. لم يفهموا بعد كيف تحول الأمر من تشابيه إلى حقيقة.. كانوا ضحايا من نوع الذين تعوزهم تنبوءات الصحفيين وشطارة المحللين السياسيين.. من أين لهم التصديق أن للطف تجسدات زمانية.. وإذ كان الطف الأول قد أُنجز بالسيف والرمح والسهم.. لماذا لا يتجسد الطف الجديد بالحزام الناسف والرمانة اليدوية وقذيفة المدفع.. لكل عصر طفه وسلاحه.. وكل مجاهد وما ملكت يمينه. وصل رقم الضحايا ساعة كتابة هذا البلاغ إلى مئة وسبعين.. مع ثلاثة عشر كيس بلاستيك أسود فيه أشلاء لا تُعرف لمن.
6/3/2004
* قصة موت معلن.. هي رواية قصيرة للروائي الكولومبي غارسيا ماركيز



#كريم_كطافة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا يكون لنا طريق ثالث..!!؟
- ماذا تعرفون عن العلمانية لتطردوها..!؟
- أيها الإسلاميون من كل الأطياف.. رفقاً بدينكم!!
- هل يتحول مرقد الإمام علي (ع) إلى لجنة اولمبية جديدة!!!!
- ألفت انتباه السادة المشاهدين..إلى حلقة الاتجاه المعاكس القاد ...
- من أجل أن لا يضحك علينا الفرنسيون..
- انتخابات.. نعم.. لكن ليس بأي ثمن وبأي شكل
- خواء المستنقع
- ماذا نريد..؟


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كريم كطافة - قصة طف معلن