لم يكن ( مسيلمة الكذاب ) في نظر أتباعه ومريديه كذاباً أو محتالاً رخيصاً أنما كان يرون فيه قائداً وحكيماً ونبياً يتقاسم النبوة ً مع النبي محمد ( ص ) كما زعم في رسالته التي بعث بها الى الرسول حين أظهر أمره وزعم أنه نبي مرسل يشترك في النبوة في السنة العاشرة للهجرة وكتب الى رسول الله يقول :- (( أني أشركت معك ، فلك نصف الأرض ، ولي نصفها ، ولكن قريش قوم لا يعدلون )) ، فأجابه الرسول برسالة يقول فيها :- (( من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب أما بعد فأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين )) . ورحل النبي عن الدنيا دون أن يشهد نهاية مسيلمة الكذاب ، ولهذا السبب تجد أن أعوان وأتباع القائد الكذاب موجودين في كل زمان ومكان ولقاعدته الجماهيرية أسبابها ودوافعها .
وقد نستغرب حين نعلم أن مسيلمة قاتل قتالاً مستميتا وقاتل معه خلق عظيم ممن آمن بشخصه وبعقيدته وقتل نتيجة ذلك من المسلمين أعداد كبيرة وشخصيات مهمة ، وواجه مسيلمة ومن معه جيوش المسلمين ، وقاومها وقاتلها قتالاً مريراً ، وقام أبا دجانة الأنصاري أثناء المعركة وطعن مسيلمة الذي مات على أثر ذلك في حين هربت شريكته سجاح وماتت في البصرة ويقال انها اسلمت قبل ان تموت والله اعلم .
وأذ تتمعن في مؤازرة هذا الخلق وهذه الجماهير المقاتلة لنبي كذاب وقائد يخدع الجماهير ويوهمها بأهدافه الخالية من النبل والخير والمبطنة بغايات وأهداف تحقق خيالاته وأحلامه ، فتجد بعض منها مخدوع حتى العظم والبعض الآخر من يجد مصالحه وأحلامه تتوافق مع أحلام القائد الكذاب فيصبح مصيره مرتبطاً بمصير هذا القائد الكذاب .
ومؤازرة المرتدين لم تقتصر على مسيلمة أو سجاح فقد ظهرت حركات الارتداد رغم القوة والثبات والحزم في المعالجة الذي ظهر بهما الأسلام ، ورغم الانتشار الواسع للدين آلا أن التاريخ يذكر أن حركة المرتدين لم تتوقف ومثلما لم يتوقف التأييد لها والدفاع عنها والقتال معها والموت في سبيلها .
فقد ظهر بعد ذلك الأشعث بن قيس والنعمان بن المنذر التميمي بالبحرين ولقيط بن مالك وذا التاج في عهد الخليفة أبي بكر ( رض ) وأستمر الارتداد والإدعاء بالنبوة حقب كثيرة من الزمان ، اللافت للنظر هو الالتفاف الذي تلاقيه دعوات الارتداد المبنية على الباطل والدجل والكذب والتلفيق والخداع .
وتطور الأمر في الزمان الحديث لتظهر قيادات سياسية وزعامات دول تدعي ما ليس فيها وتزعم كذبا أنها ستحقق ما لاتؤمن به ويصفق لها الناس ويتدافعون لكسب ودها والدفاع عنها وهذه القيادات والزعامات يكشفها الزمن و تتلمس الجماهير أفعالها المخالفة لأقوالها ومواقفها المتناقضة مع وعودها وسلوكها المريض ، ولهذا تظهر لها المعارضات الواسعة والحركات المضادة والمعادية والمتقاطعة معها ، ورغم كل الحقائق التي تشير الى وقوف هذه القيادات في الصف المعادي للناس وللخير وللحق والتطور وأنها تدعو للباطل بأسم الحق وتنشر التخلف تحت راية التطور التقني والعلمي المزعوم ، وتخدع الجماهير بشعارات لاأساس لها من الواقع ، وحتى توفر لنفسها والمقربين من العائلة تحقيق أحلامها وخيالاتها على حساب دماء والآم ومشاعر الناس ولقمة عيشهم ، ورغم كل ما عرف عنها من أبتعادها عن الموقف الصحيح والصادق ، لم تزل بعض الأصوات المخدوعة بها أو المنتفعة منها تنادي بالدفاع عنها أو القتال معها والأيمان بمبادئها وأهدافها ، وستنتهي حتما ً هذه القيادات والزعامات والتي ستنكشف أغطيتها وحقائقها بعد رحيلها للمخدوعين بها فتبدو عارية آلا من حقيقتها لكن قيادات وزعامات أخرى تمتهن الدجل والارتداد والخداع لابد أن تظهر في الزمن الجديد .
والخداع في الزمن العربي للجماهير تم اعتماده منذ بدء نشوء الحضارة في العراق ، وليس صحيحاً ما يشاع من حب أهل العراق للطغاة والدكتاتورية ، وليس صحيحاً أيضاً أن العراقيين يحبون سفك الدماء .
ويمتد الخداع طيلة الحقب الزمنية ينطلي على غير الحصيف والذكي ، ومن الطبيعي أن يتلبس الطغاة والدكتاتور بلبوس الدين والدفاع عن أبرز المسائل المهمة للأمة والشعب ، ويمكن أن تكون القضية الفلسطينية من أهم المسائل التي تتعكز عليها السلطات في تبرير أفعالها ، فيستوجب أن يسكت الشعب عن حقوقه الأساســية مادام الدكتاتور ينادي بشعارات فارغة وكاذبة عن قضية فلسطين ، ويجب أن تصمت أفواه الجماهير مادام الطاغية يعد العدة لتحرير الأرض العربية السليبة ، ويمتد الزمن ليعبر الربع قرن وهو لم يزل لم يفي بوعوده ويطلب فترة زمنية أخرى قد تمتد لربع قرن آخر .
وخلال هذه الأرباع من القرون تبقى الجماهير ترزح تحت نير الطغيان والكبت والخوف والظلم والشعارات الجوفاء المبطنة ، وتتخلف مسيرتها في اللحاق بركب الإنسانية الحضاري والعلمي والثقافي ، ويعم الخراب وتتردى القيم وتنتهك كل أسس وأركان البناء الاجتماعي في البلاد .
ويحق لنا أن نسأل ماهي الفترة التي يريد بها الطاغية أن يختبر قدرته في تنفيذ وعوده وزعمه للجماهير ، وكيف لنا أن نجعله يفهم أن الزمن لا يعوض وأن مجرد لوك الشعارات لا يفيد في هذا الزمن ، وأن التنحي عن السلطة يجب أن يكون خلال فترة زمنية معقولة ومن غير المعقول أن يتم حكم شعوبنا من قبل قلة من الرجال الفاشلين لزمن طويل ، ونحن أمة نرفض كل أشكال التسلط في الحكم والخروج عن القوانين والتمسك الأبدي بكراسي السلطة .
وستنكشف حقائق كثيرة للجماهير عن دجل الدكتاتور والطاغية وعن عدم صحة شعاراته الزائفة والرماد الذي ذره في عيون السذج من جماهيرنا العربية ، وستتكشف خفايا كثيرة ظاهرها شعارات العمل القومي وباطنها الأضرار بالعمل القومي وبالشعوب العربية ، وستتوضح العديد من القضايا التي تبرهن يوماً بعد يوم على أن القيادات التي تخدع الجماهير امتدادا من مسيلمة الكذاب ومروراً بالقطارات الأجنبية التي حكمت العراق أن الشمس لابد أن تبزغ كل يوم بالرغم من الستائر والأغطية التي ارادوا لها أن تحجب الشمس .
وستتوضح حقائق عن رشاوى وهبات وهدايا يستلمها دعاة وأقلام رخيصة وضمائر معروضة للبيع كلها تزين طريق الدكتاتور وترسم صوره غير صورته الحقيقية كونها مستأجرة منه ولكل واحد منها ثمنه ومايستحقه من ألأجور .
وعلى أمتداد التاريخ كان الطغاة يحجبون الحقائق ويوهمون الجماهير ويشترون الضمائر الضعيفة ويرشون الضمائر الميتة ، وعلى أمتداد التاريخ كان الطغاة يبدأون كلامهم بما ينسجم من طموحات وأحلام الجماهير ، وحين تستقرأ تجربة العراق في التاريخ ستجد أن الدكتاتور الطاغية لا يفتأ يبدأ خطاباته بآيات قرآنية وهو لم يقتنع بآيات الله في يوم ما ، وحارب بكل قوة رجال الدين وعلماء الدين ومدارس الدين والأحزاب الدينية ، وتمشدق بالوطنية ومارس أعتى صنوف القتل والإرهاب والمطاردة لكل القوى الوطنية العراقية ، ونادى بالوحدة ورص الصفوف وشرد الطاقات والكفاءات والعلماء في شتى أصقاع الأرض ، ويزعم أنه يعمل من أجل إسعاد الجماهير التي جاعت أكثر مما تجوع بلدان أفريقيا البائسة وضاقت بها سبل الحياة وأذلها وضيع كبريائها وعنفوان كرامتها وجعلها خبراً تتداوله الأمم .
فأين الشعارات من الواقع وأين الكذب من الحقيقة ؟؟
وماذ بعد كل هذا الزمن الذي تبــــعثر فيه العراق وضاع ربع شعب العراق في مجاهل بلدان العالم ؟؟
وماذا بعد أن أثبت الزمن كذب الشعارات وزيف الأدعاء وعدم وجود عقل أصلاً للطاغية .
فهل علينا أن ننتظر مهلة أخرى لنزيل هذا الكابوس الذي يجثم فوق صدورنا وصدور أهلنا ؟؟
هل ننتظر قدر أهلنا كلهم ليثبت العالم أننا شعب يحترق مثل الهشيم بفعل نار الدكتاتور و عود ثقابه المستمرالأشتعال ؟
وهل يستمر مسيلمة الكذاب في الأدعاء بالوطنية والقيادة والشجاعة والنصر بعد أن فضحه الله والتاريخ والزمن وعرفته الجماهير .
وماذا بعد قوائم كوبونات النفط وقوائم المرتشين والقابضين والمؤجرين ضمائرهم وشرفهم والذين يفلسفون الرشوة العربية وبيع الضمير والشرف الى الظالم العربي باعتباره عملاً مقبول في زمن هجين ؟
وماذا بعد أن تكشفت لنا الحقائق وتبينت خطط مسيلمة وجيشه في العراق ؟