أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - اضطهاد المثقفين















المزيد.....

اضطهاد المثقفين


سيار الجميل

الحوار المتمدن-العدد: 2435 - 2008 / 10 / 15 - 09:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المثقفون الحقيقيون يدفعون الاثمان الباهضة

المثقفون الحقيقيون هم نخب من المبدعين المنتجين المحترفين المخصبين .. الذين يقفون في مقدمة ابناء المجتمع ، كما هو الحال عند امم تحترم نفسها ، ولكنهم في مجتمعاتنا ، انما يدفعون الاثمان الباهضة ، ليس لأنهم اصحاب دماء زكية زرقاء ، بل لأنهم يشكلون خطورة على كل الاطراف .. وما دامت تلك الاطراف بقضّها وقضيضها تعيش الفجاجة والرعوية والتخلف ومأساة غياب الوعي وامتلاك السلطة والقوة والمال فهي طفيلية فارغة وتافهة .. وان الخصم اللدود لها امام الجميع هو هذا " المثقف الحقيقي " الرافض لكل اساليبها وزيفها ومناوراتها واساليبها وكل افعالها الرعناء .. انه الذي يمتلك فهم الماضي ، والوعي بالحياة ، والخوف من المستقبل ، وقوة الكلمة، واصالة الرأي ، والدفع بالحجة كي ينسف بها كل الابنية المشّوهة الشاهقة المبنية على الرمال المتحركة ، ويهّدم كل الجدران الكئيبة السامقة التي اقيمت لاغراض دنيئة وخاصة .. انه الذي باستطاعته كشف الساسة المزيفين ، وفضح اكاذيب اللاعبين ، وتجريد القدسية الماكرة من الملالي الافاقين ، وتحرير الاخرين من كل اوراقهم .. انه يتكلم باسم المسحوقين في المجتمع ، وهو الذي من الواجب ان يرسم للدولة طريقها السوي ويضيئه بالانوار ، بل باستطاعته نسف اي خطاب لا يراه يتسق وقيم الحياة الطبيعية والانسانية .. وهو الذي تنجذب اليه كل الاجيال من القادمين .

المثقف والسلطة

المثقفون لا يسعون الا لكسب رزقهم ، فهم ليسوا بافواه طامعة بالمال ولا بالجاه ولا بالسلطة .. ربما للمثقف كبرياؤه ومكابرته جراء قوة حجته وكونه لا يبارى في اي محفل يجمعه بثلة من الساسة او بجماعة من رجال دين ، او بفئات من المتحزبين او اشباه المتعلمين .. ان الثمن الذي يدفعه المثقف الحقيقي في مجتمعاتنا كبير جدا .. فهو مضطهد من قبل السلطة ، سلطة الدولة وسلطة المجتمع ، كونها لا تريد ان يكون ازاءها احد ممن يفضحها ، ولا يتستر على مساراتها الخفية ولا اجندتها الخطيرة .. وقد تنجح سلطات عدة في دول ومجتمعات كثيرة بتجنيد بعض المثقفين ليكونوا ابواقا لها ، ولكنهم يحسبوا تحت يافطة ( مثقفي سلطة ) ! ان اضطهاد المثقفين ليس في مقاطعتهم ولا في قطع الارزاق عنهم .. بل حتى في سجنهم وقتلهم ..انني اعتقد اننا مقبلين على مرحلة متوحشة من اضطهاد المثقفين في مجتمعاتنا العربية ، خصوصا وانها مجتمعات تعيش فراغا سياسيا وديمقراطيا مع غياب حتى هامش الحريات .. ان من اصعب ما اجده اليوم في مجتمعاتنا المتعبة ان يختلط تقويم المثقف الى جانب السياسي .. ونحن نعلم الفرق الكبير بين الاثنين ، وكما كنت قد كتبت يوما .. ان باستطاعة المثقف ان يكون سياسيا ، ولكن من المستحيل ان يكون السياسي مثقفا . والثقافة ليست كلمة عابرة في حياتنا العربية كما غدت عليه اليوم ، وكما تبدو من سذاجة اصحابها في الخطاب المعاصر ، لكنها ـ عندي ـ اسمى واكبر واثقل واخطر بكثير مما يتصوره المرء !

الذاكرة التاريخية الصعبة

انني اسأل نفسي مرات عدة : لماذا قتل اشهر الكّتاب والمفكرين القدماء ، وها هو احد ابرز الكتّاب بالعربية : ابن المقفع قتلة شنيعة بوضع جسدا عاريا على مسامير حادة في تنور وبعد ان نزف طويلا اوقدوا التنور ليسجر حيا ! اهذه مكافأة المثقف عالي المستوى في الحياة العربية ابان عصر الازدهار ؟ .. لماذا سجن ابو حنيفة ؟ لماذا محنة ابن حنبل ؟ لماذا هرب الشافعي من بغداد الى مصر ؟ لماذا اضطهدت الائمة ؟ لماذا قتل المتنبي ؟ لماذا ابعد ابن خلدون ؟ لماذا قّضى احدهم حياته فوق مئذنة ؟ لماذا لوحق احدهم من بلد الى آخر ؟ وذاك الملك الصالح الذي اتوا به عاريا ليدهنوا جسده بالسمن والعسل ويتركوه مربوطا على عمود في قلب الصحراء حتى تجتمع عليه الحشرات والذباب لتأكله وهو حي !! ويمكن للقارئ الكريم ان يقرأ عشرات الامثلة على اضطهاد المثقفين الحقيقيين ، وصولا حتى يومنا هذا الذي نتساءل فيه : لماذا انتحر بعض المثقفين اللبنانيين ؟ لماذا اعدم بعض المثقفين في كل من مصر والعراق ولبنان ؟ لماذا مات اغلب كبار شعراء ومثقفي العراق المعاصر في غربتهم ، وتفرقت قبورهم بين القارات ؟ لماذا قتل العديد من الصحافيين في لبنان والعراق والجزائر ؟ لماذا اختفت بعض الاسماء نهائيا من واجهتنا الثقافية العربية ؟ وما نجده من قطع الرؤوس علنا امام العالم كله نساء ورجالا .. وحتى صور اليوم البشعة في العراق والجزائر واليمن ولبنان لا يمكن ان يتقبلها اي عقل ..

نحن والآخر : تبدل الزمن وتطور الوعي

هنا ، هل يمكننا ان نكتفي بسرد الامثلة والنماذج التاريخية والمعاصرة من دون التعمق طويلا في فلسفة هذا التوحّش الاجتماعي ، وهذه العدمية لكل مقاييس الحياة وانعدام الاخلاق ؟؟ .. بل وان السكوت سيجعل من هذه الامراض الاجتماعية اوبئة تاريخية ليس لحاضرنا ، بل لكل مستقبل العرب والمسلمين الذين طالما تشدقنا بحضاراتهم .. فلا يمكن ان نشهد التضادات بمثل هكذا تنافر ! بل ليبدو الامر كما لو اننا نعيش ـ حقا ـ حياة الغاب .. وحتى حياة الغاب ، بل أي جنس لا يمكن ان يكون ضد بني جنسه .. ان الجسد ليبدو بلا ثقافة عند العرب ، وان العرب والمسلمين لا يمكن اعتبارهم كلهم يحملون هذا الوباء ، بل ان هناك من الاطياف الجميلة المسالمة التي تتطهر باكرام ليس روحها حسب ، بل حتى جسدها . ان ثمة تخريجا لكل التوحش الانساني وما تفعله بالاجساد والارواح من اضطهادات وقمع ، ذلك ان الامر لا يقتصر على العرب والمسلمين وحدهم .. فتواريخ المجتمعات والامم الاخرى قد شهدت توحشا وافعالا لا يمكن ان يصنعها بشر في الدنيا . ان من قتل وسحق وعّذب واوذي وحرق وقطّعت اوصاله وهو حي .. او دقت عظامه او خرمت اقفيته بالخوازيق او دق عنقه بالمقصلة او بحد السكين .. او رمي به في اقفاص مليئة بالوحوش .. كلها افعال انسانية بحق الانسان ، تمّرس على فعلها الانسان في كل بيئات الارض .. ولكن جرى ذلك في ازمان غير زمننا بالرغم من ان المشكلة لا يمكن حصرها عند عرب ومسلمين فقط! ولكن عقلية الاضطهاد لم تزل تعشش في مجتمعاتنا ..

المشكلة ان العالم كله قد تغيّر واختلف من خلال الوعي بالماضي ازاء حجوم المستقبل ، على عكس ما تعانيه مجتمعاتنا من تخّلف عارم على مستوى فهم الماضي وعبادته وايقاف التفكير بالحاضر وتحريم الرؤية الى المستقبل تماما . ان كل العالم اليوم يعيش توازنا ، او اي شكل من اشكال التوازن بين المثقف وبين الحياة ، بل وان تجسيرا حقيقيا يقوم اليوم بين صنّاع القرار ونخب المثقفين . ان الحياة لا يحكمها السياسي لوحده ، فالدولة مجموعة مؤسسات يقف على رأسها كبار المثقفين المحترفين ، والمجتمع بنفس الوقت لا يمكنه ان يخطو خطواته الى الامام من دون ابداعات المثقفين ومتابعتهم وخصب اعمالهم وتجديد اساليبهم .. وقيمة كلمتهم وحجتهم في كل الميادين .

استنتاجات : الاحرار لا يعيشون في اقفاص

قلما نجد من نخب المثقفين الحقيقيين الذين كانوا قد تحرروا من شرانق الماضي الصعب .. وطوال القرن العشرين ، عاشت مجتمعاتنا في العقود الاخيرة ، وهي في مزايدة علنية بين ثقافة حقيقية وبين عهر سياسات مؤدلجة .. لقد خدع الناس على امتداد عقود طويلة من السنين بـ " مثقفين " روجّوا لأنفسهم مجموعة شعارات زائفة ، اذ كانوا وما زالوا من الديماغوجيين الذين لا يريدون الوقوف على حقائق الاشياء مع نزق كتاباتهم الانشائية ، والاخطر من هذا وذاك تقلباتهم ذات اليمين وذات الشمال ، تجده ماركسيا تقدميا وفجأة يعلن عن انتماء طائفي يدافع عنه دفاعا مستميتا .. وتجده بعثيا وقوميا يؤمن بمبادئ الوحدة والحرية والاشتراكية ( كذا ) .. وفجأة تجده مع ذيل جوقة احزاب اسلامية .. تجده يحكي بالقيم الوطنية والتراب المقدس ، وفجأة تجده يسّوق لمشروعات غير نظيفة البتة .. او العكس ، ان حياتنا العربية لن تؤخرها الا التناقضات ، وغياب الاحرار ، وغياب المثقفين الحقيقيين .. ان المثقف الحقيقي هو مغترب في ارض بلاده ومغترب في المهجر .. انه الخصم اللدود عند اشباه المثقفين .. انهم لا يريدونه ولا يريدون ان يحيا كي لا يكشف بضاعتهم وتفاهتهم .. انهم يشاركون في اضطهاده والامعان في قمعه .. ولكنه اقوى منهم ، واكبر منهم ، وافضل منهم ، بالرغم من تهميشه وتجاهله وهو يعيش محنه ومكابداته .. ان الجيل الجديد بحاجة الى زمن ليس بالقصير للوعي بمثل هذه الحالات والمطلوب ان ينقلب ضدها انقلابا جذريا . لقد طفحت حياتنا العربية بالطفيلية والطفيليين الذين حملوا للمجتمع كل الموبقات مع ضياع القيم ، وتبدد ثبات المواقف .. بل ولم يعد المثقف الحقيقي بمستعد للاضطهاد هذا اليوم بعد ان سحقت معنوياته واحبطت آماله ، ولم يعد يفكّر بتحقيق احلامه في صالة يكثر فيها الذئاب !




#سيار_الجميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الاوليغارشية- تهدّد المجتمع العراقي
- مكابدات الوعي هل يكون العراق او لا يكون ؟
- بَرويز مُشَّرف : هروبٌ غَير مُشِّرفْ !
- العراق : مشروع دولة متمدّنة التجربة التكوينية
- اغتيال كامل شّياع : فجيعة مؤلمة لكلّ المثقفين العراقيين
- جورجيا : وَرطةٌ جَديدة !!
- كَثُرَ الراحِلون ... قلّ القادِمون !
- بازار المخفيّات المتبادلة
- تكوين العراق المعاصر
- عولمية عربية بلا تشريعات حيوية
- الأحْياء يخْسَرَهُم الأمْوات ! رِسالَةٌ عابِرةٌ الى كُلّ الأ ...
- الصحافة العراقية تاريخ رائع يدخل متاهة الانفلات !
- المسيري : الرحيل الاخير
- مبادئ وخطوات لا صناديق وشعارات !
- مَن يُنقِذُهُنّ مِن أيدِي البَرابِرة الجُددْ ؟
- هل من ضوابط قانونية للصحافة الالكترونية ؟
- باراك حسين اوباما : البدل الامريكي الضائع !
- مسّلة الجوع : أين سلال الغذاء العربية !!
- إشكالية - التاريخ - في الثقافة العراقية
- وقفة عند مؤرخي اسرائيل الجدد


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - اضطهاد المثقفين