أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدّين بن عثمان - تاريخ الصّهيونيّة والصّهيونيّة المسيحيّة: الجزء الثّاني















المزيد.....



تاريخ الصّهيونيّة والصّهيونيّة المسيحيّة: الجزء الثّاني


عزالدّين بن عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2416 - 2008 / 9 / 26 - 09:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قلت في الجزء الأوّل إنّ اليهود كانوا يعشون في أروبّا منذ آلاف السـّـنين وكانت الأغلبيّة منهم مندمجة في المجتمعات الأروبيّة وقد جاء أكثر من النـّـصف منهم إلى الوجود نتيجة الزّواج المختلط بين اليهود والمسيحيّين. لكنّ يهود الغطـّـوهات كانوا ممقوتين نتيجة الأعمال الإجراميّة التي كان يقوم بها الكثير منهم. ولمّا جاءت الثـّـورة الفرنسيّة رفعت شعار الحرّية والمساواة والإخاء، وبما أنّ الثـّـورة الفرنسيّة كان لها تأثير عالميّ تقريبا فقد وضعت البلدان الأروبيّة التــّـشريعات كخطوات عمليّة من أجل إحقاق المساواة بين الأروبيّين واليهود. غير أنّ الصّهاينة وهم حفنة من المثقـّـفين اليهود استغلـّـوا تلك الأوضاع ليرفضوا الإندماج وراحوا يتحدّثون عن وجود صراع بينهم وبين الأروبيّين لا يمكن حلـّـه البتـّـة. صاغوا مصطلح "المشكل اليهوديّ" وصوّروا في الصّحافة حياة اليهود على أنـّـها مأساة ورفعوا شعار "العام المقبل في القدس" وقالوا إنّ المشكل اليهوديّ لا حلّ له سوى بتكوين دولة يهوديّة في فلسطين. وقد راح الصّهاينة يكوّنون العصابات المسلـّـحة استعدادا للقتال من أجل الانفصال عن المجتمعات الغربيّة ويثيرون الشـّـغب في كلّ البلدان الأروبيّة، مستغلـّـين الأحزاب اليساريّة بمختلف اتـّـجاهاتها وخاصّة منها الأحزاب والتـّـنظيمات الفوضويّة، لكي يجبروا الأروبيّين على منحهم وطنا في فلسطين. وبما أنّ اليهود كانوا ينتمون لأعراق مختلفة ومتفرّقين في جميع أنحاء العالم فقد أخذ الرّبابنة على عاتقهم إحياء اليهوديّة والعبريّة ونشرهما بين صفوف اليهود. وكحلّ لمسألة اليهود الذين ولدوا نتيجة الزّواج المختلط، اليهوديّ المسيحيّ، قال الرّبابنة إنّ اليهوديّ هو كلّ شخص أمـّـه يهوديّة. ولم يكن همّهم في ذلك سوى جمع ذلك الشـّـتات الذي لا يشترك سوى في الدّيانة لما كانوا ينادون به.

لم يكن الصّهاينة سوى عناصر تسعى لمصالحها الشـّـخصيّة: تكوين الثـّـروة وتحصيل الشـّـهرة والمجد من خلال السـّـيطرة على فلسطين أوّلا ثمّ الهيمنة على العالم بأسره فوضعوا عبارة "معاداة السّامية" ولازالوا يستعملونها إلى اليوم. وسرعان ما أدركت الحكومات الأروبيّة الإستعماريّة أنّ الصّهيونيّة وسيلة فعـّـالة في تحقيق أهدافها التـّـوسّعية وفي القضاء على الإمبراطوريّة التـّـركيّة التي كانت تسمّى آنذاك "الرّجل المريض". تبنـّـت بريطانيا وفرنسا وأمريكا مطالب الصّهاينة لكنّ الصّهيونيّة كان لها مخطـّـط مختلف عن مخطـّـطات البلدان الأروبيّة.

عودة إلى تيودور هارتزل:

لم يكن تيودور هارتزل كاتبا مرموقا ولا منظـّـرا أو فيلسوفا بل كان مجرّد صحفيّ يعمل بجريدة "الصّحافة الحرّة الجديدة" (Neu Freie Press) الفينـّـية اليهوديّة لا همّ له سوى تحقيق الشـّـهرة والثـّـروة. لقد اعترف هارتزل صراحة أنّ معاداة السّامية لم تكن شيئا باطلا أو غير عادل فيهود الغطـّـو كانوا يجسّدون خصائص لا اجتماعيّة في سلوكهم. وقد شدّد على أنّ تحرير اليهود من الغطـّـو (بالرّغم من أنّ تحريرهم قد حدث فعلا) لن يفيد شيئا لأنّ تركيبة اليهود ظلـّـت في الواقع تركيبة رجال قضـّـوا فترات طويلة في السـّـجن، وفي سنة 1893 اقترح القتال من أجل تحسين أوضاع اليهود. وفي العام نفسه نادى بضرورة أن يعتنق اليهود المسيحيّة لكي يرسّخوا أنفسهم في المجتمعات الأروبيّة من أجل خدمة المصالح الصّهيونيّة. وفي العام نفسه وجـّـه نداء إلى البابا جاء فيه: ساعدنا على حلّ المشكل اليهوديّ وفي المقابل نتزعّم حركة يهوديّة تحقـّـق اعتناق اليهود للمسيحيّة. وهذا يدلّ على أنّ إدماج اليهود لم يكن في واقع الحال قضيّة بل إنّ الصّهيونيّة استعملته كوسيلة في تبرير مطالبها الإستعماريّة. وهذا يدلّ أيضا على أنّ هارتزل كان هدفه الزّعامة وأنـّـه كان متذبذبا في أفكاره حتـّـى أنّ اليهود أنفسهم كانوا يعتبرونه مصابا بجنون العظمة.

هذه الدّعوة التي وجـّـهها للبابا لم تجد آذانا صاغية من طرف اليهود أنفسهم لأنّ القضيّة التي يتحدّث عنها الصّهاينة (المشكل اليهوديّ) لم يكن لها أيّ وجود واقعيّ فتخلـّـى تيودور هارتزل سريعا عن الاستعانة بالبابا ووضع مخطـّـطات عمليّة بديلة في كرّاسه الذي عنوانه "يوميات الصّهيونيّة". قال في مقدّمة ذلك الكرّاس إنّ المخطـّـط الصّهيونيّ له طابع الحلم ولذلك يجب عليه أن يطلب العون من أثرياء اليهود لكي يساعدوه في تحقيق حلمه. اتـّـصل في جوان 1895 بالبارون هيرش وقابله وبمعيّته صاغ مخطـّـطا صهيونيّا جديدا. في تلك الفترة كان هارتزل يعتبر نفسه زعيما لليهود فقال للبارون هيرش: "أنت رجل المال العظيم وأنا أمثـّـل الرّوح اليهوديّة". رفض هيرش مساعدته بادئ الأمر إذ أنّ بعض أثرياء اليهود لم يكونوا مهتمّين بمثل تلك القضيّة التي تتحدّث عنها الصّهيونيّة. لكنّ هرتزل أقنعه بأن يقدّم له قرضا ضخما يموّل بواسطته هجرة اليهود إلى فلسطين وقال له إنّ ذلك القرض سيكون قرضا وطنيّا تتكفـّـل الدّولة اليهوديّة التي لم تقم بعد والتي سوف ينشئها بتسديده لهيرش وأكـّـد إنـّـه قرض من أجل عـَـلــَــم، من أجل دولة. قال له هيرش العـَـلـَـم عمود خشبيّ في أعلاه خرقة من القماش فردّ هرتزل: العلم أكثر من ذلك؛ بفضله يُـقاد النـّـاس ومن أجله يعيشون وفي سبيله يموتون. ولعلّ القارئ قد فهم أنّ مخطـّـط هرتزل الجديد تمثـّـل في المضيّ قدما نحو السـّـيطرة الفعليّة على أرض فلسطين عن طريق القوّة.

“It is essential that the sufferings of Jews. . . become worse. . . this will assist in realization of our plans. . . I have an excellent idea. . . I shall induce anti-semites to liquidate Jewish wealth. . . The anti-semites will assist us thereby in that they will strengthen the persecution and oppression of Jews. The anti-semites shall be our best friends”.
From Herzl s Diary

كان جدّ هارتزل، سايمون لوب هرتزل، من المعجبين بأعمال الحاخام ألكلاي Alkalai الذي يُعتبر من أوائل الصّهاينة، وقد نقل بعضا من أفكاره الدّينيّة لحفيده. ولم يكن هارتزل موهوبا، كما يؤكـّـد ذلك ولتر لاكور. ويذكر هارتزل نفسه أنّه لم يستطع الإجابة عن سؤال يتعلـّـق بما يسمّى النـّـزوح الكبير الذي تتحدّث عنه التـّـوراة حين كان طالبا لكنّه قال بعد ثلاثين عاما إنـّـه يستطيع، وقتئذ، الإجابة على أيّ سؤال متعلـّـق بخروج اليهود من مصر. وكان هرتزل معجبا بالإمبراطوريّة الألمانيّة وبالقيصر الألمانيّ القويّ ولذلك نظـّر لدولة أرستقراطيّة في فلسطين لإيمانه بأنّ الحكم ينطلق من القمّة نحو القاعدة.

المهمّ أوضح هارتزل مخطـّـطه الجديد في مذكــّـرة كتبها في جويلية 1895 وسـّـع فيها ما طرحه في كرّاسه الذي عنوانه يودنشتات (Judenstaat) وشدّد على أنّ تحقيق دولة يهوديّة يستدعي المال من أثرياء اليهود الذي سيستعمله في تهجير اليهود إلى فلسطين واتـّـصل مرّات عديدة بعائلة روثشيلد طلبا للمال. وفي مذكـّـراته كتب إنـّـه لم يشكّ أبدا في عظمته ورسالته وأنّ اسمه سوف يُسجـّـل في التـّـاريخ ضمن أعظم النـّـاس الذين خدموا الإنسانيّة. وفي هذا الكلام دليل على إصابته بداء العظمة النـّـاتج عن البارانويا والسكيزوفرينيا. وما يثبت أنّ أطروحاته كانت استعماريّة مرضيّة في جوهرها هو قوله إنّ تكوين دولة يهوديّة ضرورة عالميّة. وتجمع كتابات الصّهاينة أنفسهم على أنّ هارتزل كان يعاني من حالات إحباط ويأس وتشنـّـج جعلت زواجه يفشل. يذكر الصّهيونيّ ولتر لاكور (Walter Lqueur) في كتابه "تاريخ الصّهيونيّة" ص 90 أنّ هرتزل كان يقول لجماعات الصّهاينة المتصارعة على الزّعامة: "لست أذكى من أيّ واحد منكم، لكن بما أنـّـي مصمّم (أي متشبّث بمخطـّـطه) فتصميمي يجعل الزّعامة ملكا لي". ويقول أيضا إنـّـه لم يكن زعيما على أحد ولم يكن يعلم ببيانه (Der Judenstaat) الذي كان بصدد كتابته سوى أقلـّـية كانت واثقة من أنـّـه مصاب بالجنون نتيجة الإفراط في العمل. ولمّا نشر ذلك البيان أكـّـد فيه على أنّ العالم في حاجة إلى دولة إسرائيليّة تقوم في أرض فلسطين واستبعد فكرة الإدماج. لكنّه يناقض نفسه فيقول إنّ اليهود مندمجون أصلا في فرنسا وبريطانيا وألمانيا لكنّهم لن يخسروا شيئا إذا ما تأسّست دولة إسرائيل. وإنّي أستشهد بولتر لاكور لأنـّـه أستاذ بارز في التـّـاريخ عاش في ظلّ الاستعمار البريطانيّ لفلسطين بين سنوات 1930ـ 1953 وانخرط في تثبيت الصّهاينة على أرض فلسطين ثمّ ارتحل إلى بريطانيا ثمّ إلى الولايات المتـّـحدة الأمريكيّة ليشغل مناصب مرموقة في الجامعات البريطانيّة ثمّ الجامعات الأمريكيّة، وله مؤلـّـفات فاق عددها الخمسين.

لكنّ الأمر الذي شرحه هارتزل والذي به أقنع باقي الصّهاينة المتردّدين هو قوله إنّ بناء الدّولة اليهوديّة وكذلك الإستحواذ على الاراضي سيتـّـخذان شكل عملـيـّـات تدريجيّة. وقد اعتمد أسلوب الدّمغجة فكان يقول إنّ تكوين الدّولة اليهوديّة حلّ بسيط لأنّ الأوضاع مواتية، في نظره، وكان يؤكـّـد إنـّـها سوف ترفع اليهود إلى قمّة المجد. وفي حقيقة الأمر كان الصّهاينة طامعين في الاستيلاء على الأراضي والأنهار والممرّات البحريّة لأنّهم يعلمون أنّ فلسطين والشـّـرق الأوسط يمثـّـل قلب العالم ويربط أروبّا بآسيا وفيه تتركـّـز الخيرات والمعادن والنـّـفط. لهذا السـّـبب كان المشروع الصّهيونيّ مشروعا استعماريّا لا غير. عقد هارتزل المؤتمر الأوّل في بازل لمناقشة مخطـّـطه فتمّ الإتـّـفاق على أنّ الأدوات اللاّزمة لدفع النـّـشاط الصّهيونيّ تتمثـّـل في شيئين أساسيين: المال والدّعاية.

تماشيا مع ذلك الطـّـرح أنشأت الصّهيونيّة منظـّـمات عديدة:
أوّلا: الجمعيّة اليهوديّة (Jewish Society) التي ستصوغ المخطـّـط السّياسيّ للمشروع الصّهيونيّ وتشرحه بالتـّـفصيل وتوفـّـر له الدّعم السّياسيّ.
ثانيا: تكوين الصّندوق القوميّ اليهوديّ (Otzar Hityashvut Hayehudim) سنة 1902، وهي شركة مساهمة ابتدأت برأسمال قدره 50 مليون جنيه استرليني.
ثالثا: إنشاء جريدة صهيونيّة (Die Welt) ستعمل على نشر الأفكار الصّهيونيّة.
رابعا: إنشاء المنظـّـمة الاستئمانيّة الصّهيونيّة (Jewish Colonial Trust) عند وفاه هارتزل فترأسها دافيد فولفزون (David Wolfsohn). هذه المنظـّـمة الإستئمانيّة ستصبح لاحقا البنك الإسرائيليّ البريطانيّ (Anglo-Eretz-Israel Bank Ltd). ثمّ تصبح بعد ذلك بنكا إسرائيليّا تولـّـى تمويل الإستيطان (Bank Leumi Le-Israel).
وبما أنّ هارتزل قد درس المحاماة فإنـّـه كان يعلم كيف تـُـنشأ المؤسّسات الماليّة، وفي كرّاسه يودنشتات فسّر كيفيّة جمع الأموال وكيفيّة نتظيم الهجرة اليهوديّة وتحدّث عن تكوين ملكيّة ديموقراطيّة شبيهة بالملكيّة البريطانيّة أو جمهوريّة أرستقراطيّة موضّحا أنّ كلّ المجتمعات تحكمها الأرستقراطيّات. وفي حقيقة الأمر كان الصّهيونيّ الصّربيّ النـّـمساوي ميناحيم أيسلر (Menahim Eisler) قد كتب كتابا سنة 1885 نشر في فينـّا وضع فيه أسس الدّولة الصّهيونيّة ووضع لها دستورا يتكوّن من 1500 بندا. استثمر هارتزل ذلك الكتاب ليتحدّث بطريقة مقتضبة، في يودنشتات، عن تأميم البنوك وبناء الطـّـرق وإنشاء شركات التـّـأمين وكيفيّة تهجير اليهود وكيفيّة نقل البضائع لهم وعن تكوين جيش يهوديّ يقاتل من أجل الإستيلاء على الأرض ووصف حتـّـى الملابس التي سوف يرتديها رجال الدّين والرّجال والنـّـساء والعساكر.

ومن المعلوم أنّ الصّهيونيّة قبل هارتزل كانت قد اتـّـخذت أسلوب التـّـنويت أي زرع النـّـواتاة اليهوديّة على الأرض الفلسطينيّة لكي تكون تلك النـّـواتات مستعمرات لاحقا يتمّ توسيعها شيئا فشيئا لكنّ هارتزل قال إنّ التـّـنويت أسلوب غير عمليّ ولذلك يجب الإستعاضة عنه بالتـّـهجير المنظـّـم لليهود وإنشاء المؤسّسات في فلسطين التي من شأنها أن تستولي على فلسطين وكذلك ضمان الموفقة الدّوليّة على انتزاع فلسطين. وبما أنّ هارتزل والصّهاينة جميعا يريدون الإستيلاء على الأراضي العربيّة الممتدّة من البحر حتـّـى الفرات فإنـّـهم قد جعلوا تأسيس دولة في فلسطين منطلقا لتوسّعهم على مرّ السـّـنين. ولا زال هذا الطـّـموح يمثـّـل قلب المشروع الصّهيونيّ إلى اليوم. وبما أنّ المشروع الصّهيونيّ مشروع استعماريّ في جوهره فقد راح الصّهاينة يقولون إنّ تأسيس الدّولة اليهوديّة سوف يكون جدارا منيعا يحمي البلدان الأروبيّة والعالم المسيحيّ ويضمن لهم النـّـفوذ في الشـّـرق الأوسط وفي آسيا ويضمن لهم الهيمنة على العالم بأسره. وقد كتب هارتزل إنّ الصّهيونيّة تحتاج إلى ملايين الفقراء المعدمين من اليهود لكي يرتحلوا بسهولة لإسرائيل وقال إنّ الرّجال المتشائمين الذين لا أمل لديهم هم المستعمرون بامتياز. ما فعله هارتزل في حقيقة الأمر هو إحياء اليسوعيّة اليهوديّة التي تعود إلى تلمود القرون الوسطى تقوده في ذلك نرجسيّة وأطماع لا حدود لها.

إسرائيل زانغفيل: Israel Zangwill

ولد إسرائيل زانغفيل Israel Zangwill (1864 - 1926) لمهاجرين من لاتفيا (أمّه من لاتفيا وأبوه من بولندا). كرس حياته لخدمة الصّهيونيّة والدّعاية لتحرّر اليهود وفي كتاباته أعطى للصّهيونيّة معنى جديدا إذ ربط ما يسمـّـيه الصّهاينة "تحرّر اليهود" بالأرضويّة (territorialism) وراح يوسّع منها ليجعلها حركة تحرّر وطنيّة، وكما قال ولتر لاكور، كان الصّهاينة في عهد هارتزل يتحدّثون عن دولة لا أرض لها أو وضعوا الأسس النـّـظريّة لدولة غير موجودة (نظريّة) وآلوا على أنفسهم أن يقوموا ببنائها. وكان لابدّ للكتـّـاب الصّهاينة أن يقوموا بترسيخ ما يسمّونه القوميّة اليهوديّة والأرض اليهوديّة في الأذهان لكي يضربوا نهائيّا فكرة إندماج اليهود في المجتمعات الغربيّة. كواحد من أولئك الكتـّـاب، كان إسرائيل زانغفيل أوّل من استعمل مصطلح "البوتقة المنصهرة" (The Melting Pot) لبعبّر عن استيعاب اليهود في المجتمع الأمريكيّ. كان ذلك عنوان رواية للأطفال عنوانها "أطفال الغطـّـو"، وعندما تمّ تحويلها إلى مسرحيّة شاهدها روزفلت وأعجب بها شديد الإعجاب. وسرعان ما تبنـّـت الولايات المتـّـحدة الأمريكيّة ذلك المصطلح للتـّـعبير عن أرض تنصهر فيها كلّ القوميّات والإثنيّات هي الأرض الأمريكيّة. وتقول بعض المصادر الصّهيونيّة إنّ زانغفيل قد صاغ شعار: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" كوصف ليس فقط للطـّـموح الصّهيونيّ إلى الأرض التـّـوراتيّة بل أيضا لإيهام العالم بأنّ أرض فلسطين لم تكن مأهولة. وفي حقيقة الأمر لم يكن زانغفيل هو الذي صاغ ذلك الشـّـعار بل إنــه نقله عن اللـّـورد شافتزبوري، Lord Shaftesbury إلاّ أنّ الصّهيونيّة سرعان ما تبنـّـت ذلك الشـّـعار وفسّرته أحيانا بأنّ فلسطين كانت أرضا فارغة أي فيها عدد قليل من السـّـكـّـان under-populated.

كان شافتزبوري ينتمي لحزب المحافظين. وفي سنة 1838 أقنع وزير الخارجيّة البريطاني بالمرستون Palmerston بضرورة إرسال قنصل بريطانيّ إلى القدس. وقد كان شافتزبوري مسيحيّا متعاطفا مع الصّهيونيّة لما وجد فيها من المزايا السّياسيّة والاقتصاديّة التي تعود على بريطانيا بالمنفعة وكان يقول إنّ عودة اليهود هي تجسيد لمشيئة الله. ولتحقيق تلك المشيئة قام شافتزبوري بإطلاق حرب القرم سنة 1854 زاعما أنّها كانت حربا غرضها التـّـصدّي لمحمّد علي السـّـلطان العثمانيّ. في سنة 1853 كتب شافتزبوري لرئيس الوزراء آبردين (Aberdeen) بأنّ سوريا دولة بلا أمـّـة وأنـّـها بحاجة إلى أمـّـة مقترحا إرسال اليهود إليها. وفي مذكـّـراته كتب إنّ تلك المناطق الشـّـاسعة والخصبة كانت بدون حاكم وقال إنـّـها ستكون أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض.

سرعان ما راحت الصّهيونيّة تستعمل ذلك الشـّـعار ونسبته لواحد منها؛ وهكذا ربطت الصّهيونيّة ما يسمّى "المشكل اليهوديّ" بالأرض على لسان زانغفيل الذي كان مؤيّدا لتيودور هارتزل. لكنّه جعل للصّهيونيّة توجـّـها جديدا ثمّ انشقّ عن حركة هارتزل ليؤسّس منظـّـمته الخاصّة التي أسماها "Territorialist" سنة 1905. وقد جعل كهدف لتلك المنظـّـمة العمل على خلق وطن لليهود في كلّ ما يمكن الحصول عليه من الأراضي في العالم. وقد عملت منظـّـمته على توطين اليهود في كندا وأستراليا وبلاد ما بين النـّـهرين وفي إفريقيا وسريلنكا. أمّا ما نفهمه من هذا أيضا فهو الطـّـبيعة الاستعماريّة التي اتـّـخذتها اليهوديّة إذ لم تعد تكتفي بالتـّـنويت، اي بزرع النـّـواتاة الإستيطانيّة في فلسطين، كما أسلفت ولكنـّـها صارت تعمل على الاستيطان في الأراضي علنا.

فيليب مايكل نيفلينسكي:

أدّى تعاون إسرائيل زانغفيل مع هارتزل إلى تغيير ذلك الأخير من محتوى المخطـّـط الصّهيونيّ إذ صارت الصّهيونيّة تعمل بالفعل على امتلاك الأراضي وتهجير اليهود إلى فلسطين. ولكي يضمن هارتزل الشـّـرعيّة الدّوليّة لدولته التي أصبحت فكرة ثابته تعذب ذهنه إلتقى فيليب مايكل فون نيفلينسكي Michael Philipp Von Nevlinski ، وهو الذي كان يعمل كديبلوماسيّ بولنديّ في آسيا الصّغرى. في المراحل الأولى كان هرتزل يسترشد من نيفلينسكي في كلّ عمل يقوم به في القسطنطينيّة واعتمد عليه خصّيصا في أن يرتـّـب له الأجواء وأن يضمن له مقابلة السـّـلطان محمّد علي. ذهب إلى اسطامبول في يونيو، 1896 لكنّه لم ينجح في مقابلة السـّـلطان. كان هرتزل يعتقد، بناء على المعلومات التي قدّمها له نيفلنسكي، أنّ الخزينة التـّـركيّة تعاني من المصاعب فكان يأمل أن يوافق السـّـلطان محمّد علي على أن يسدّد الصّهاينة جزءا من ديون الإمبراطوريّة العثمانيّة التي بلغت في سنة 1881 مائة وستـّـين مليون جنيها استرلينيّا لقاء منحهم فلسطين. تلك الدّيون جعلت الدّول الأروبيّة تتدخـّـل في شؤون تركيا ومكـّـنت الدّيبلوماسيّين البريطانيّين من أن يضمنوا له مقابلة السـّـلطان في السـّـرّ.

عاد هرتزل إلى لندن في صيف 1896 حيث تم التـّرتيب لعقد لقاء مع زعماء اليهود البريطانييّن. التقى كلود مونتيفيوري Montefiore وفريدريك موكاتـّـي Mocatte ، وممثـّـلين عن الرّابطة الإنجليزيّة الصّهيونيّة. لم تكن تلك القيادات متعاطفة معه لكنّه تمكـّـن من التـّـأثير على السير صمويل مونتاغو Montagu الذي كان يملك بنكا والعقيد جولدسميث Goldsmid فوافقا على التـّـعاون معه في مسعاه لإنشاء دولة يهوديّة تحت سيادة تركيا وكان للبارون دي هيرش 10000000 جنيه استرليني وضعها تحت تصرّفه من أجل إنجاح خطـّـته؛ وقد أصبح البارون إدموند دي روثشيلد عضوا في اللـّجنة التـّـنفيذيّة للجمعيـّة اليهوديّة المقترحة آنذاك. أمّا العقيد غولدسميث فقد كان من وايلز ويروى أنـّـه قال لهرتزل: "أنا دانيال دوروندو، (بطل رواية جورج إيليوت) وُلدت يهوديّا لكنّي اعتنقت المسيحيّة؛ أمّا الآن فسأكرّس حياتي لخدمة القضيّة اليهوديّة". كما أنّ روثشيلد أعرب عن تشبـّثه بفكرة هارتزل المنادية باستعمار فلسطين، لكنّه أوصى بالحرص على عدم إثارة العداء. وكما قلت اضطلعت المنظـّـمة اليهوديّة بتنظيم اليهود وتنظيم هجرتهم إلى فلسطين.

كان نيفلينسكي قد حضر المؤتمر الصّهيونيّ الأوّل وكان قد أنشأ بعد إفلاسه جريدة تصدر في تركيا تحت اسم "مراسلات الشـّـرق" (Correspondance de l Est)، وكان هرتزل قد عزم على استعماله كآداة مذ قابله (تاريخ الصّهيونيّة لولتر لاكور ص 99)، وعندما مات نفلينسكي سنة 1899 اتـّـضح أنّ جريدته كانت خديعة تـُـستعمل في ابتزاز الأموال ولم يكن لديها سوى اثني عشر من المشتركين. وفي الحقيقة كان نيفلينسكي يعمل جاسوسا لصالح تركيا ويقول الصّهاينة إنـّـه خدع هارتزل وصار يتجسّس على الصّهيونيّة لصالح العثمانيّين.

شيئا فشيئا انضمت مجموعات صهيونيّة لهارتزل خاصّة من غاليسيا ورومانيا والنـّـمسا، ومن بينهم اللـّـيطوانيّ فولفزون Wolfsohn الذي صار تاجر أخشاب في مونيخ وزعيما للمنظـّـمة الصّهيونيّة "أحبّاء زايون" Hovevei Zion التي تحدّثت عنها في الفصل الأوّل. ومن بين الصّهاينة الذين ساندوا هارتزل كذلك الهنغاريّ ماكس نورداو Max Nordau. توجّه هارتزل مرّة أخرى إلى اسطامبول وعاد منها خائبا لكنّ الصّهاينة نشروا بين صفوف اليهود قصصا مبالــَـغا فيها مفادها أنّ السـّـلطان محمد علي قد وافق على مطلب هارتزل لكي يجمعوا شتات اليهود ويجعلوهم مؤمنين بالمشروع الصّهيونيّ. تلك القصص جعلت اليهود يقابلونه في محطـّـة القطار ويقبـّـلون يديه في بلغاريا وفي هنغاريا. ولعلّ فكرة الاعتماد على عامـّـة اليهود قد خطرت بباله عندما عاد من تركيا في المرّة الأولى لكنّ عامّة اليهود لم تكن مهتمـّـة بخطـّـة الصّهاينة؛ للتــّـدليل على ذلك أذكر أنّ جريدة "دي فالت" التي أسّستها الصّهيونيّة لم يشترك فيها سوى يهوديّان بعد عددها الأوّل لكنّ عدد المشتركين ارتفع إلى 280 بعد 10 أشهر. لكنّ صهاينة أروبّا صاروا يسمّون أنفسهم حكومة اليهود السـّـرّية؛ هذا الأمر جعل الأروبّيّين يعتبرون أعمالهم خيانة ونشرا للتـّـفرقة إلاّ أنّ المنظـّـمات الصّهيونيّة، التي ارتفع عددها من 117 منظـّـمة كانت موجودة من قبل سنوات قليلة إلى 918 منظـّـمة خلال المؤتمر اليهوديّ الثـّـاني (1898)، مضت في التـّـمويه ناشرة قصّة مصطنعة تقول إنّ السـّـلطان التـّـركيّ قد وافق على منح اليهود أرض فلسطين. كما أنـّـها راحت تشيد بأنّ فلسطين سوف تصبح عاصمة ثقافيّة.

أمّا الأسلوب الثـّـاني الذي توخـّـته الصّهيونيّة فقد تمثـّـل في التـّـركيز على وصف مدى التـّـخلـّـف الذي كان ينخر المدن والقرى الفلسطينيّة فزعمت الصّحافة بأنّ شوارع القدس الضّيـّـقة كانت قذرة تفوح منها روائح نتنة لا تحتمل وأرجعت ذلك إلى مائتي سنة من الحكم العثمانيّ المتعفـّـن. وقد ركـّـزت الصّهيونيّة على ذلك لأنّ القدس عاصمة دينيّة ووصفها بتلك الكيفيّة يجلب المساندة للمشروع الصّهيونيّ الذي يزعم أنّه سيخرج فلسطين من التـّـخلـّـف ويجعلها عاصمة ثقافيّة. بالرّغم من الدّعاية المكثـّـفة لم ينجح هارتزل في استمالة السـّـلطان العثمانيّ ولذلك وجـّـه جهوده نحو الإمبراطوريّة البريطانيّة منذ المؤتمر الصّهيونيّ الرّابع الذي انعقد سنة 1901 خاصّة بعد فشله في استمالة الإمبراطور الألمانيّ. منذ ذلك العام اتـّـخذت الصّهيونيّة منحى جديدا إذ ربطت نفسها بالإستعمار البريطانيّ وقبلت بأن تكون آداة في يده. كتب ولتر لاكور : "كان لهرتزل طموح مستعر بأن يحقـّـق الشـّـهرة ككاتب ومسرحيّ لكنّه في تلك الميادين لم يكن موهوبا وكان منغمسا في الحياة الغير يهوديّة الأرستقراطيّة ويمقت المثـقـّـفين اليهود مقتا بالرّغم من كونه واحدا منهم. لكنّ الشـّـهرة جاءته عن طريق العمل. كان نرجسيّا، وحيد الفكر كلـّـية ويطلب من أتباعه الانصياع التـّـامّ" (تاريخ الصّهيونيّة ص 132). ويجمع كثير من النـّـقـّـاد على أنـّـه لم يكن يحيا حياة يهوديّة على الإطلاق وهذا يدعم ما ذهبنا إليه من أنّ المشروع الصّهيونيّ كان في جوهره مشروعا استعماريّا. كان هرتزل في أسلوبه ارستقراطيّا ويفضّل الدّيبلوماسيّة السـّـرّية وبعد موته تخلـّـت الصّهيونيّة عن الصّهيونيّة السـّـياسيّة وعادت إلى الصّهيونيّة العمليّة التي تمثـّـلت في الاستعمار الفعليّ لفلسطين.

بعد هارتزل:

كان الصّهاينة في عهد هارتزل يومنون بأنّ استعمار فلسطين على نطاق واسع لا يمكن أن يتمّ إلاّ إذا حصلت الحركة الصّهيونيّة على الدّعم الدّوليّ وعلى موافقة السّلطان التـّـركيّ وكانت ذلك مذهب الصّهيونيّة السّياسيّة، لكن قبل موت هارتزل بقليل دبّ تململ في صفوف الصّهاينة وخرج عنه الصّهاينة الرّوس لأنـّـهم ارتأوا أنّ سياسة هارتزل وأساليبة لم تحقـّـق شيئا. في تلك الأجواء من الغضب عقد المؤتمر السّابع الصّهيونيّ سنة 1905 في بازل فقرّر رفض مشروع أوغندا الذي تقدّمت به الحكومة البريطانيّة ممّا أغضب "الأرضويّين" الذين كان يقودهم زانغفيل وجعلهم يقاطعون المؤتمر. أكـّـدت اللـّـجنة الصّهيونيّة الرّوسيّة التي يقودها يوسّيشكين (Ussishkin) بأنّ الدّيبلوماسيّة السـّـريّة لهارتزل لم تؤدّي إلى نتيجة وطالبت بضرورة وضع استراتيجيا جديدة. وكانت النـّـتيجة أن تمّ إعادة الصّهيونيّة نحو الممارسة العمليّة المتمثـّـلة في إنشاء المستوطنات في فلسطين. رفض المؤتمر السّابع الصّهيونيّ إذن الاستعمار على نطاق صغير أو ضيّق وتبنـّـى الاستعمار على نطاق واسع الذي من شأنه أن يعزّز المستعمرات الصّغيرة أو النـّـواتاة التي تمّ إنشاؤها حتـّـى ذلك العام وخرج بمقرّرات تهتمّ بتطوير الزّراعة والصّناعة اليهوديّة في فلسطين. تمّ انتخاب لجنة تنفيذيّة جديدة في ذلك المؤتمر تمثـّـلت في الأسماء التـّـالية:
ـ ثلاث من دعاة الصّهيونيّة التـّـطبيقيّة: ووربورغ (Warburg)، يوسيشكين (Ussishkin)، وكوغان برنشطاين (Kogan-Bernstein).
ـ ثلاث من الصّهيونيّة السـّـياسيّة: ليوبولد غرينبارغ (Leopold Greenberg)، جاكوبوس كان (Jacobus Kann) وألكسندر مارموريك (Alexander Marmorek).
وقد انتخب دافيد فولفزون رئيسا للجنة العمل الدّاخلي ورئيسا للمنظـّـمة الصّهيونيّة ككلّ. وقد أشاد في خطاب له بأنّ أزمة الصّهيونيّة قد أنتهت عندما اتـّـخذت اتجاها جديدا خلال ذلك المؤتمر.

دافيد فولفزون: David Wolfsohn

ولد بليتوانيا على الحدود الألمانيّة وتلقـّـى تعليما دينيّا تقليديّا. دخل تجارة الأخشاب في ألمانيا فصنع ثروة كبيرة وقد انتمي لجمعيّة "أحبّاء زايون" مذ كان شابّا وكان من المساندين المتشدّدين لهارتزل، وفي حقيقة الأمر كان هارتزل هو الذي أوصى قبل موته بأن يخلفه فولفزون. لم يكن فولفزون مثقـّـفا ولم يكن صاحب أفكار جديدة ولكنـّـه أظهر تفوّقا على هارتزل في التـّـنظيم. وكان الصّهاينة الرّوس المطالبين بضرورة اتـّـخاذ الخطوات العمليّة، أي الاستعمار، قد رضوا به رغم علمهم بأنـّـه كان من أتباع هرتزل الأوفياء لأنـّـهم يعلمون أنّ وجود يوسيتشين ووايزمان وكذلك شوكولوف الصّهيونيّ البولنديّ سوف يرجّح الكفـّـة لصالحهم. أولى فولفزون اهتماما خاصّا بالعلاقات العامّة فواصل اتـّـصالاته بروثشيلد في باريس ونجح في الحصول على دعمه وفي سنة 1908 أرسل ثلاثة عناصر صهيونيّة إلى اسطامبول لكي يقيموا فيها ويعملوا على الدّعاية للحركة الصّهيونيّة ولجعل الحكومة العثمانيّة تتراجع عن قانون منع الهجرة اليهوديّة.

تقدّم دافيد فولفزون بمشروع صفقة جديدة للحكومة التــّـركيّة تنصّ على توطين خمسين عائلة يهوديّة في فلسطين في مكان غير القدس على أن يكونوا رعايا عثمانيّين مقابل إعفائهم من دفع الضّرائب لمدّة خمس وعشرين عاما. طلب الأتراك 26 مليون فرنك لكنّ الصّهاينة عرضوا عليهم مليونين فقط وبذلك لم تنجح المفاوضات. وبالرّغم من صعود "الأتراك الشـّـبّان" في تلك السـّـنوات (الذين سمّيت حركتهم "تركيا الفتاة" وهي حركة مؤيدة لإصلاح الإدارة في الإمبراطورية العثمانية لم يشأ فولفزون التـّـفاوض معها لأنّ الصّهاينة كانوا ماضين في ما أسموه الاستعمار على نطاق واسع. كانت حركة تركيا الفتاة، مذ ظهرت، حركة دستورية متصدّية للسّطلة المطلقة للسلطان عبد الحميد الثاني. وعند تأسيس جمعية الإتـّحاد والتـّرقي في 1906، ضمّت تلك الجمعية أعضاء كثر من تركيا الفتاة لكنّ الصّهاينة قد استبعدوا نهائيّا فكرة التـّـفاوض واكتفوا بنشر جريدة "Le Jeune Turc" في تركيا للدّعاية لمخطـّـطهم. في تلك السّنوات كان الدّكتور نوسّيش (Dr Nossig) من الصّهاينة الأوائل الذين خرجوا عن الحركة لاستبعادها التـّـفاوض مع تركيا فأعدمه الصّهاينة، لاحقا، في غطـّـو وارسو وعمره ثمانين متـّـهمين إيّاه بأنـّـه كان يعمل لصالح الغستابو إبّان الحرب العالميّة الأولى. وقد تولـّـى بعض الصّهاينة مهمّة إعلام الأتراك بأنّ نوسّيش لم يكن يمثـّـل سوى نفسه. قد ارتأى الصّهاينة أنّ الحوار مع الأتراك لا طائل من ورائه وبالتـّـالي ركـّـزوا جهودهم على تهجير اليهود إلى فلسطين مشدّدين على أنّ فلسطين يجب أن تكون العاصمة الثـّـقافيّة اليهوديّة. وفي ذلك الوقت ذهب الصّهيونيّ الألماني ليختهايم ليعمل في تركيا فتنبـّـأ بقرب سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة. رأى الصّهاينة أنّ الحرب الإيطاليّة التـّـركيّة حول ليبيا لسنة 1911 التي فازت فيها إيطاليا بطرابلس وفزّان وزرنيكا إلى جانب جزر تقع على ساحل الأناضول وكذلك حروب البلقان التي خاضتها اليونان وسربيا وبلغاريا ضدّ تركيا (1912 ـ 1913) قد أضعفت الإمبراطوريّة العثمانيّة إلى أبعد الحدود. كثـّـفوا من تهجير اليهود إلى فلسطين لأنّ الأمبراطوريّة العثمانيّة لم تعد قادرة على منعهم من ذلك. وقد كانوا يتعلـّـلون بحماية الأقلـّـية اليهوديّة المسمـّـاة ييشوف التي ذكرتها في الجزء الأوّل.

لم تكن الصّحافة البريطانية بغافلة عن أفواج الهجرة اليهوديّة ولذلك كتبت إنّ الصّهيونيّة آداة في يد الإمبراطوريّة الألمانيّة ما دامت معظم منظـّـماتها موجودة بألمانيا فاتـّـخذ عزرائيل وايزمان على عاتقه مهمّة إقناع البريطانيّين. قابل بلفور سنة 1906 وجاء شوكولوف إلى بريطانيا سنة 1912 ليقابل عددا من أعضاء الحكومة البريطانيّة. وبما أنّ فرنسا قد رأت أنّ صراعا سيندلع لا محالة بينها وبين بريطانيا في منطقة الشـّـرق الأوسط فقد أعرب وزير الخارجيّة الفرنسيّ لماكس نورداو Max Nordau المقيم بفرنسا عن تأييده للصّهاينة في محاولة منه لجذب اليهود نحو فرنسا. لكنّ جهود فولفزون تركـّـزت حول توحيد صهاينة الشـّـرق فقام باتـّـصالات عديدة في روسيا وأروبا الشـّـرقيّة لكي يضمن للصّهاينة حرّية النـّـشاط. وكنتيجة لجهودة تمكـّـن 13 صهيونيّا من التـّـرشـّـح للدّوما ففاز منهم خمسة في 10 ماي 1906. وقد عرفت فترة رئاسة فولفزون للحركة الصّهيونيّة منذ سنة 1905 بتكوين نواة أعضاؤها متفرّقون في سبع مناطق أروبيّة سمّيت "لجنة العمل الدّاخليّ": كولونيا، لندن، باريس، لاهاي، برلين، أوديسّا وييكاتيرينوسلافا (Yekaterinoslav). جعل تفرّق تلك اللـّـجنة فولفزون يقود المنظـّـمة بكلّ ديكتاتوريّة ولذلك واجه نقدا شديدا. وقد وجـّـه له عزرائيل وايزمان النـّـقد الشـّـديد وأسمى صهيونيّته بالصّهيونيّة الاصطناعيّة. وخلال المؤتمر العاشر الذي انعقد بهانبورغ سنة 1911 وجّه له المؤرّخ الصّهيونيّ بومه (Böhme) نقدا لاذعا أيضا. في ذلك المؤتمر سيطر الصّهاينة الرّوس على لجنة العمل الدّاخليّ:
‹Victor Jacobson, Shmariyahu Levin, Nahum Sokolov›
تزعـّـم القيادة الجديدة البنكي الهامبورغيّ أوتـّـو ووربورغ فوجـّـه اهتمامه حصريّا للإستعمار في فلسطين. انتهى الصّراع في صلب المنظـّـمة بهيمنة الصّهاينة الرّوس فأرسلوا الخبراء الزّراعيّين لفلسطين لمساعدة المستوطنين اليهود ولمساعدة روبين (Ruppin) الوكيل العقاريّ في مشاريعه الاستيطانيّة. لكنّ جناح الصّهيونيّة السّياسيّة ظلّ ينقد القيادة العمليّة الجديدة متـّـهما إيّاها بالإفتقار إلى الخيال السيّاسيّ والعمل الدّيبلوماسيّ.

المؤتمر الحادي عشر:

عُقد المؤتمر الحادي عشر في سبتمبر 1913. حضر ذلك المؤتمر روبين الذي كان متـّـهما بكثرة الإنفاق على المستوطنات فدافع عن نفسه قائلا إنّ الصـّـهيونيّة العمليّة ما دامت في بداياتها كان لا بدّ لها من الإنفاق لتوسيع المستوطنات لأنّ يهود الشـّـتات سوف يعتمدون هم أيضا على المستوطنات اليهوديّة. وفيما بين سنوات 1905 ـ 1914 عرفت فلسطين أمواجا كثيرة من الهجرة اليهوديّة إذ بلغ عدد اليهود الذين قدموا إلى فلسطين عشرات الآلاف وفي سنة 1914 وحدها حلّ بفلسطين ما يقارب السّتّ آلاف من اليهود. وكما قلت في الفصل الأوّل بدأت الصّهيونيّة العالميّة الإستيطان بفلسطين منذ أسّس روبين المكتب الصّهيونيّ في يافا سنة 1908. وعند اندلاع الحرب العالميّة الأولى تمتـّـع الصّهاينة باستقلاليّة تامّة فبنوا المدارس وأصدروا جريدتين في القدس ناطقتين بالعبريّة ووسـّـعوا المستوطنات وعندما احتلّ البريطانيون فلسطين وجدوا اليهود قد ثبـّـتوا أنفسهم فيها. ولعلّ القارئ قد تبيّن من خلال التـّـاريخ المقتضب أنّ الأقلـّـية من اليهود العرب الذين كانوا يعيشون من قبل في فلسطين لم يكونوا هم الذين سعوا إلى الإطاحة بالأمبراطوريّة العثمانيّة أو إلى إقامة دولة يهوديّة بل إنّ الصّهيونيّة الأروبيّة التي ارتبطت بالإستعمار هي التي سعت إلى استعمار فلسطين.

الصّهيونيّة إبّان الحرب العالميّة الأولى:

وجدت الصّهيونيّة التي كانت عبارة عن عصابات مافياوية محكمة التـّـنظيم في اندلاع الحرب العالميّة الأولى فرصة سانحة لتمضي قدما في استيلائها على فلسطين. جمعت تلك الحرب ألمانيا والإمبراطوريّة النـّـمساويّة المجرية والأمبراطوريّة العثمانيّة ضدّ بريطانيا وفرنسا وروسيا. أمّا الدّور الذي لعبته الصّهيونيّة في ذلك الوقت فتمثـّـل في العمل على جرّ الولايات المتحدة الأمريكيّة إلى دخول تلك الحرب الأروبيّة الدّمويّة لأنّ الألمان والنـّـمساويين المجريّين والأتراك كانوا على وشك كسب الحرب منذ سنة 1916. روسيا كانت تعاني من الإضطرابات الدّاخليّة وعلى وشك أن تقتلع الفيصرَ الحاكم فيها الثـّـورة البلشفيّة، وفرنسا كانت خسائرها فادحة أمّا بريطانيا فقد كانت تحت الحصار الألمانيّ التـّـامّ. أبرمت الحكومة البريطانية مع زعماء الصّهيونية صفقة وعدت بموجبها زعيم الصّهيونيّة العالمية حاييم وايزمان الذي أصبح أوّل رئيس لدولة إسرائيل فيما بعد. وقد تمثـّـلت الفكرة الصّهيونيّة في استخدام نفوذها لجرّ الولايات المتـّـحدة إلى الحرب كما قلت إلى جانب بريطانيا مقابل أن تمكـّـنها هذه الأخيرة من إقامة دولة في فلسطين. وقد ارتأت بريطانيا أنّ تحالفها مع الصّّيهونيّة ورقة قويّة في الإجهاز على الإمبراطوريّة العثمانيّة وحلفائها. وقد أدرك الصّهاينة أنّ استيلاء بريطانيا على الشـّـرق الأوسط سوف يسمح لهم بتكثيف الهجرة نحو فلسطين.

توجـّـه كثير من الصّهاينة (برنارد باروخ ، لويس برانديز ، بول واربورغ أب الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة وغيرهم) إلى الولايات المتـّـحدة الأمريكية لمقابلة وودرو ويلسون. وقام البقيّة بدعاية في الصّحافة الصّهيونيّة حاثـّـين الولايات المتـّـحدة على دخول الحرب. وفي سنة 1916 دخلت أمريكا الحرب تحت ذريعة جعل العالم أكثر أمنا.

وفى الوقت نفسه ، في ألمانيا حيث القوة الصّهيونية متركـّـزة وتمارس تأثيرا هائلا عبر الصّحافة وجّه العمـّـال وقادة النـّـقابات والأحزاب الماركسيّة بتوجيه من الصّهيونيّة ضربات لمصانع الأسلحة الألمانية عاملين على تخريب ألمانيا من الدّاخل. وما إن دخلت أمريكا الحرب حتـّـى حسمت الحرب لصالحها ولصالح بريطانيا فتمّت إعادة رسم الخريطة العالميّة من جانب الدّول المنتصرة من خلال معاهدة فرساي سنة 1918. وقد حضر مناقشات فرساي وفد صهيونيّ ترأسه حاييم أو تشايم وايزمان. وقد كانت بريطانيا العظمى أصدرت وعد بلفور في تشرين الثاني، نوفمبر 1917، قبل عام واحد من نهاية الحرب. لكنّ وعد بلفور كان في الواقع قد تمّ إعداده منذ سنة 1916 وقد تضمّن إعلانا يسمح بالهجرة الجماعيّة اليهوديّة إلى فلسطين في حين احتلّت بريطانيا فلسطين لتمكين اليهود من بناء دولة لهم. احتجّ الفلسطينيّون لكن لم يكن هناك شيء يمكن أن يقوموا به لوقف الأفواج اليهوديّة القادمة من جميع أنحاء العالم. وكانت هذه الخطوات الأولى سببا فيما سوف يصبح دولة اسرائيل سنة 1948.

عند اندلاع الحرب العالميّة الأولى ، لم يتوقـّع الصّهاينة انهزام الامبراطوريّة العثمانيّة الضّعيفة فحسب بل عملوا على إسقاطها ففوز بريطانيا يجعلها تدعم الهجرة اليهوديّة،كما قلت، كخطوة أولى نحو تحقيق الهيمنة اليهوديّة في نهاية المطاف. وحتـّـى في سنة 1914 بعد الهجرة المكثـّـفة لم يبلغ عدد اليهود سوى 12 بالمائة فقط من مجموع سكّان فلسطين. فهم حاييم وايزمان ، وكان داهية ورجل دولة محنـّـك أنّ خريطة الشـّـرق سوف تحدّدها القوى المنتصرة في الحرب ولذلك عمل على أن يجعل بريطانيا هي الرّابحة. وإذا ما ملكت بريطانيا قناة السـّـويس فإنّ ذلك يجعلها تلعب دورا مهيمنا في مصر وفي الهند وآسيا. وكانت بريطانيا تجري في ذلك الوقت اتـّـصالات مع شريف مكـّـة حسين، جدّ الملك الأردني الذي يزعم أنـّـه ينحدر من سلالةعلي بن أبي طالب. وفي شهر فيفري، شباط، 1914، ذهب الأمير عبد الله ، بن الشـّريف حسين، الى القاهرة لزيارة اللورد كيتشنر، وكيل القنصل البريطانيّ العامّ في مصر، حيث طلب أن توفـّـر له بريطانيا دعما في تمرّد ينوي القيام به ضدّ الأمبراطوريّة العثمانيّة. ظلـّـت بريطانيا، عن طريق اللـّـورد السّير هنري ماكماهون، تماطل شريف مكـّـة حسين وتعده بمملكة في الجزيرة العربيّة لا تشمل اليمن والهلال الخصيب. وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى في أوت، أغسطس 1914، صار اثنان من أبناء حسين ملكين، عبد الله، في الأردن ، وفيصل، في سوريا (طرد من قبل الفرنسييّن في 1920) والعراق (1921-33) وهو الذي قابل وايزمان كما قلت في الفصل الأوّل، وأبرم معه اتـّـفاقيّة صداقة بين العرب واليهود.

وبتشجيع من بريطانيا، ابتدأ شريف مكـّـة حسين، يوم 5 جويلية، 1916 ما أسماه الثـّـورة العربيّة ضدّ تركيا وأعلن نفسه "ملكا على العرب". وبعد هزيمة بريطانيا في الدّاردنيل سنة 1915، راحت تفاوض فرنسا حول تقاسم الشـّـرق الأوسط بعد الفوز في الحرب سعيا منها لطمأنة فرنسا بنواياها الحسنة. وفي شباط فيفري 1916 عقدت وإيّاها اتـّـفاقيّة سايكس بيكو التي اتـّـفق فيها الطـّـرفان على تفاسم الشـّـرق الأوسط، وقد نصّت تلك الأتـّـفاقيّة على أن تـُـدار فلسطين من قبل بريطانيا وفرنسا وروسيا. إلاّ أنّ اللـّـويد جورج الذي صار وزيرا أوّل في بريطانيا وكذلك وزير خارجيّته جيمس بلفور رأيا أنّ توطين اليهود في فلسطين يخدم الأهداف الإستراتيجيّة البريطانيّة. وقد عملت بريطانيا على السـّـيطرة على فلسطين لقربها من قناة السـّـويس حيث بلغت الحامية البريطانية هناك أكثر من 300000 رجل. بدا الصّهاينة كحليف لبريطانيا يعملون على إدخال أمريكا الحرب وكذلك على الإبقاء على البلاشفة في الحرب بعد ثورة 1917. لكنّ وعد بلفور أحدث تغييرا جذريّا إذ سرّع هجرة اليهود والمنظـّـمات الصّهيونيّة بأجنحتها العسكريّة فقتـّـلوا الفلسطينيّين وأجبروا أغلبيّتهم على ترك أراضيهم، مقتسمين الغنائم فيما بينهم، متجاهلين ما أوصت به بريطانيا من ضرورة المحافظة على المواطنين العرب في أراضيهم. وفي 24 جويلية تمّوز 1920 وافقت عصبة الأمم على شروط الانتداب البريطانيّ على فلسطين وتكوين وطن لليهود فيها. وفي 30 جويلية، حزيران 1922 وافق الكنغرس الأمريكيّ على ضرورة توطين اليهود في فلسطين. وقد اعترفت وثيقة الانتداب البريطاني على فلسطين بالحقّ التـّـاريخيّ لليهود في فلسطين وأكـّـدت التزام بريطانيا بضمان إنشاء وطن "قوميّ" لليهود عبر التـّـعاون مع المنظـّـمة الصّهيونيّة العالميّة؛ لهذا السـّـبب كتب اليهوديّ شلومو زند إنّ بريطانيا كانت متعاطفة مع الصّهيونيّة.

أرجو أن أكون قد وضـّـحت كيف أنّ الصّهيونيّة كانت تتغذّى من كذبة اسمها "معاداة السـّـامية" وكذبة أخرى اسمها "اضطهاد اليهود" وأرجو أن يكون القارئ قد كوّن فكرة عن مراحل الصّهيونيّة: الصّهيونيّة الحالمة ـ الصّهيونيّة السـّـياسيّة ـ الصّهيونيّة العمليّة أو التـّـطبيقيّة ثمّ الصّهيونيّة الاستعماريّة. وأؤكـّـد في الختام أنّ الصّهيونيّة لم تنتهي مع بناء الدّولة الإسرائيليّة بل إنّ المشروع الصّهيونيّ مازال مستمرّا إلى يومنا هذا لكي يضمن توسّع إسرائيل لكي تلتهم الأراضي العربيّة وتمتدّ من البحر إلى النـّـهر كما تقول الصّهيونيّة.

الفصل القادم: الاتـّـجاهات الصـّـهيونيّة والصـّـهيونيّة المسيحيّة.



#عزالدّين_بن_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ الصّهيونيّة والصّهيونيّة المسيحيّة: الجزء الأوّل
- اختراع اسمه الشّعب اليهوديّ
- مدخل إلى علم الجغرافيا السّياسيّة:عناصرها ومفاهيمها ومراحلها ...
- الحروب القادمة من أجل موارد الطّاقة وسعي أمريكا إلى الهيمنة ...
- اللّغة والثّقافة
- مأساة أختين: قصّة تراجيديّة
- مأساة أختين توأمين: قصّة تراجيديّة
- الثّقافة والدّراسات الثّقافية
- الدّين في العلوم الإجتماعيّة: الدّين ودوره في الثّقافة
- خرّب العرّاف بيتي: فصّة
- خرّب العرّاف بيتي: قصّة
- حبّ صنعته القسوة: قصّة
- العولمة والبروبغندا الأمريكيّة وجهان للهيمنة على العالم:
- تعطّل وظيفيّ: قصّة
- أنا القاتلة
- علاقات السّلطة في المجتمع: فصل من كتاب في علم الإجتماع
- معنى استقلاليّة القضاء وشروط المحاكمة العادلة
- حكم الحزب الواحد والتّعدّدية المزيّفة في البلدان العربيّة ود ...
- حكم الحزب الواحد والتّعدّدية المزيّفة في البلدان العربيّة ود ...
- حقوق الإنسان ومضمون نظريّات حقوق الإنسان:


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدّين بن عثمان - تاريخ الصّهيونيّة والصّهيونيّة المسيحيّة: الجزء الثّاني