أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - القارة الثامنة















المزيد.....

القارة الثامنة


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2383 - 2008 / 8 / 24 - 11:41
المحور: الادب والفن
    


ما من أحد هدأ روعي إلاّ تلك المرأة الغامضة،لم أرغب أن يخوض في تأويل رؤياي أحد،كتمت الأمر وقفلت على لساني خشية أن أسقط في حبائل واشي ليفسر حلمي وفق ما يشتهي قبل أن يعد تقريره ويقدمني قرباناً مقابل حفنة مال،عرّافون ورجال دين ونسوة يدعون أنهم للرؤيا مفسرين،وكنت على يقين أنهم سيقولون:أضغاث أحلام..!!
***
كنت أجوب الشوارع،لا رغبة لي سوى تهدئة جسدي من الضجيج في محاولة التملص من الكابوس والعودة لمزاولة كتاباتي بعد أن وجدت نفسي أهرب مذ رأيت ما رأيت ..نادتني تلك المرأة،كانت في الستين،خلتها من السائلات،حشود نساء برزن إلى واجهة الأيام ورحن يجبن الأزقة والطرقات بحثاً عن محسنين..!!
ـ أراك كمن أضاع شيئاً..
ـ فعلاً مثلما تقولين ..
ـ فتاة مثلاً..
ـ ذهبت بعيداً ..
ـ لا تخف..بإمكاني أن أجعلها تأتيك طائعة..
ـ سحّارة..
ـ معاذ الله..
ـ صاحبة خرزة..
ـ أقرأ الكف والفنجان وأفك ألغاز النجوم والكواكب ..
ـ إذاً أنت ضالتي المنشودة ..
كانت تجلس على الرصيف،ربما مررت بها كثيراً،ورصدتني جيداً قبل أن تباغتني بجرس صوتها الوسنان،خلتها متسولة،كانت تتلفع بعباءة سوداء،تجلس لصق شجرة سدر،جلست أمامها ورأيت في عينيها بريق رغبة وأمواج شهوات تتفاعل لتندفع ، مسكت كفي اليمين وغرزت عينيها في عيني..!!
ـ قل إن شاء الله..
سحبت كفي وأنا أرتعش من سطوتها الغامضة ورائحة أغوارها اللاذعة ..
ـ ليس ما تظنين..
ـ لا تخشى من نظراتي،كأنني رأيتك،لا أدري أين ..
ـ ربما أشبه زبوناً مر بك..
ـ لن أخطأ،لا..لن أخطأ يا ولد..
ـ دعينا من الظنون،رأيت حلماً تعذر تأويله..
هزت رأسها ووضعت إبهامها على خدها،سحبت نفساً عميقاً،حررت آهة وتمتمت هامسة:
ـ ماذا رأيت..
ـ رهط ينشد صلبي..
ـ بلا سبب..
ـ لا أعرف..
ـ ألم أقل أنني رأيتك،إذاً أنت هو..أنت هو..!!
***
دولة واحدة رفضت منح صوتها لصالح القرار وحصل لغو كاد أن يتحول إلى عراك بالأيدي في قاعة غصّت بسفراء الأمم المتحدة تحت أنظار البشر المراقب لما يجري من حدث جلل منقول عبر الفضائيات،وفي ظرف أسبوع بدأت سفن عملاقة تنطلق من شتى موانئ البلدان مترنحة بأثقالها وهي تشق متاهات البحار والمحيطات المضببة،في جزيرة متوهجة بالأنوار،تستقيم عمارات سكنيّة،تتناثر حدائق مرتسمة بدقة ترفل بخضرة أشجار وتشكيلات ورود وجداول ماء رقراقة،تنويعات من طيور غريبة يتداخل الهديل بالتغريد وتتماوج نسمات رطبة ومنعشة ترقص لها الأفنان،صوت كمان يسحر الفضاء الهادئ بلا انقطاع،كل عمارة مدينة،ترفرف راية فوقها وكل راية تمثل دولة قاطنيها،تم توزيع السجناء كل حسب دولته،ليسوا سجناء بالأحرى،مبعدون عن أوطانهم،بعدما عمّت الفوضى وحصلت حروب طحنت البشر،واجتمعت آراء دعاة حقوق الفرد على ضرورة صياغة مسّودة قرار في هيئة إدارة شؤون الأمم لإنقاذ الأدباء من مخالب الإبادة الجماعية والملاحقات من لدن ساسة بلدانهم،بعدما قامت فئات سريّة بتمرير شائعات،أن سبب بلاء العباد على وجه البسيطة وسر تواصل الحروب هم الأدباء،مثيروا الفتن ومشعلوا الحرائق ونافخوا الروح في الرماد،بعد نقاش حاد وتنازلات من لدن أصحاب النزعات التمجيدية للتخلي عن شعراءهم،تم وضع جزيرة الأحلام منتجع الملوك والرؤساء الأثرياء تحت تصرف هيئة الأمم لتحويلها إلى (قارة ثامنة)على أن يتم إبعاد الأدباء قسراً كي يمارسوا مهنتهم وفق ما يشتهون بعد توفير مناخات الحرية وكل وسائل الترفيه لهم،مطابع تطبع بلا رقيب أو توسط،كل شيء مهيّأ وفق ما يتخيله أصحاب الأحلام العريضة،يجلس الأديب في غرفته ويكتب على جهاز الحاسب،أسلاك تمتد من كل جهاز إلى أسنان المطابع،كل حسب لغته، لتخرج الكتب منزّهة من الحماسيات الفارغة والمفردات التدميرية للعقل البشري، كتابات تصب مضامينها في بؤرة توحيد البشر وغرس روح الجمال على وجه البسيطة ،كل شيء مرتب بدقة متناهية،لا داعي أن ينشغل المبدع بروتينيات الحياة،مطاعم خمس نجوم،تدق ساعة في كل عمارة فتنطلق الجموع،كل فئة إلى مطعمها الخاص،ليس هناك حساب نقدي،يتم ذلك وفق نظام دقيق،هناك بطاقات ممغنطة يتم إدخالها إلى فم جهاز لأجراء حسابات آليّة،يتم استقطاعها من مستحقات التأليف المتراكمة في بنوك مؤهلة أن تعمل ذاتياً،صالات مسارح لعرض النشاطات وإقامة الاحتفالات وبثها عبر شبكة المعلومات العالمية(الإنترنت)ملاهي ومشارب ومتنزهات ومسابح ورياض أطفال،تحولت الكتابات إلى مناجم ذهب بعد زوال عامل الخوف،وصار كل كاتب يمتلك حصانة عالمية،له الحق في تعرية من توارى خلف الأقنعة،وبدأت وسائل الاتصال تجني أرباحاً بلا حدود،وصار العالم كله يسهر أمام الكومبيوترات وهم يلتهمون كنوز إبداعية دفعتهم لنبذ كل ما هو قديم،لقد تخلصت الحكومات المتفتحة من دبيب الأدباء الفارين وطالبي اللجوء وتوقفت مطاردات رجال المخابرات وظاهرة الاغتيالات المتنامية لكل أديب لا يصالح رئيسه أو لا يوظف قلمه لصالح سياسته الرعناء،وجاء ضمن القرار الأممي بنداً يجبر الحكومات القادمة ترحيل كل من يغدو أديباً في قوادم السنين بعد تقديم كتاب إبداعي يؤكد أهليته،مما دفع بالناس البحث عن السبل التي تصنع من الإنسان قاصاً أو روائياً أو مسرحياً أو شاعراً في أسوء الاحتمالات،وتفشت ظاهرة بيع وشراء المطبوعات في السوق السوداء من قبل أناس سأموا العيش كعبيد،خمدت حدة التناحرات السياسية وانحسرت الأضواء الكاشفة عن ملامح الطغاة،تقدم بعض الأدباء بقرار إلى هيئة رئاسة شؤون القارة بضرورة تغير الزمن استجابة لمقتضيات المرحلة،وتم تحويل الليل إلى عمل والنهار إلى نوم وراحة،كون الليل ينابيع تمنح رقراق الأفكار،خلاف النهار لا تأتي إلاّ الأكاذيب والمشاهد المختلقة،ووصل الأمر ليصرخ شاعر في ذكرى مرور سنة على تأسيس القارة الثامنة(لا حياء في الأدب)نال رضى الحشود المحتفلة وتم المصادقة شفهياً على دعوة الشاعر،فتعرت الحياة وصار كل شيء على فطرته،وأنجرف ذلك إلى الخيال وشاع أدب وحدوي خال من تلفيق وتخمين ورموز،ألقت الأجساد أسمالها،فأختلط الرجال بالنساء ولم يعد هناك عيب وحياء،ومن جديد بدأ اللغط يتصاعد يوم بدأت الدولة المناهضة للفكرة بتمويل مشاريع سريّة وشراء ذمم لسن قرارات توقف زحف الظواهر القادمة من وراء المحيطات والتي بدأت تفك مفاصل الحضارات القديمة،في وقت بدأت أصوات الناس ترتفع وتطالب بلا خوف بتمزيق كل ما هو تليد،واستبدال المناهج وفق التيارات المتنامية استجابة لمتطلبات العصر،خلت مسارح الدول من الناس وفرغت الشوارع من التجمهرات وقفلت المزارات أبوابها،سكتت المآذن وهجر الناس المقاهي،لم يعد هناك من يذهب إلى المدرسة،صار العلم يأتي مجاناً والشباب بدءوا يتحولون إلى كتابة الشعر كونه الطريق السهل إلى دنيا الحرية والنعيم الأبدي والتخلص من الحياة الساذجة،صارت (القارة الثامنة) أكثر قوّة ومالاً وبدأت النفوس تطمح في سيادة العالم،بعدما استعمروا الرؤوس وسلبوا النفوس وجمعوا الفلوس،لم تحتمل الدولة الوحيدة والتي ظلت تعاند كل إجماع أممي ومضت تبذل ما تملك من غالي ونفيس إزاء ما يجري أمام خرس الساسة،بدأت تهيئ أنيابها وتمد مخالبها وفعلاً حصل ما كان غير متوقعاً،كانت القارة هاجعة في النهار لحظة حدث زلزال وعم غبار برتقالي،كل شيء ذاب في لمحة بصر،ذلك ما حدث..!!
***
ـ قلت لي أنك شاعر..
ـ مذ رأيت ما رأيت لم أعد أشعر بشيء يشعرني أنني كنت شاعراً..
ـ وهل كنت الناجي الوحيد من الغبار الذري ..
ـ رأيت بعضهم يتوارون داخل مجاري المياه ..
ـ وكيف كانوا الذين تبعوك ..
ـ أشباح تمد مخالب حديدية،رأيت كيف بقروا بطن كل من مسكوه وكيف التهموا أحشاءه..
ـ وماذا رأيت أيضاً..
ـ ساد العالم عماء وظلام..
ـ لا تقصص رؤيتك لأحد،وتخلص من كتبك وكتاباتك ..
***
بعد مرور يومين على حرق مكتبتي ودفاتري الشعرية،كان الوقت صباحاً،أقتحم رهط رجال الأمن وغربلوا المنزل وتم اقتيادي ووقعت تعهداً على أن لا أحمل كتباً في تجوالاتي..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل الذي أطلق النار
- في حوادث متفرقة
- مسرحيات مفخخة//حين يكون المبدع أداة مجابهة// محي الدين زنكن ...
- أينما نذهب ثمة ورطة
- إنهم يبيعون الإهداءات
- أغتيال حلم..أو شاعر آخر يتوارى
- تواضعوا..يرحمكم الله
- سيرة الدكتاتور..من الفردانية..إلى الأفرادية..
- بلاد تائهة..
- سر هذا الضحك
- من سيربح العراق
- لا تلعنوا آب رجاء..
- هل حقاً كاد أن يكون رسولا..
- ما الشعر
- لغة الثقافة ولغة السلطة..تاريخ شائك بالتحديات
- أصل الكورد والبحث عن الهوية


المزيد.....




- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...
- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - القارة الثامنة