أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - مدخل باب الوهم نظرية في العلاج والإرشاد النفسي















المزيد.....


مدخل باب الوهم نظرية في العلاج والإرشاد النفسي


جودت شاكر محمود
()


الحوار المتمدن-العدد: 2336 - 2008 / 7 / 8 - 11:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تحاول هذه المقالة أن تقدم وصفاً لتقنية أو مهارة نفسية فنية وهمية تصورية. فقد حاول صاحب هذه النظرية تقديم كيفية تأثير هذه التقنية في حياة العديد من المرضى النفسيين، وقدم لنا اقتراحا بهذه التقنية والتي اسماها بـ(مدخل باب الوهم أو الخيال) والمشار إليها بـ(FDA)، والتي هي مختصر لـ(Fantasy Door Approach) والتي تعمل كمقوم أو كحلقة وصل بين وظيفة النصفين الأيمن والأيسر للدماغ.
إن نظرية باب الوهم تستند إلى مفاهيم وأفكار ووجهات نظر عديدة. فهي نظرية ذات مفاهيم ظاهرية إلى جانب أخرى سلوكية وعناصر جشتالتيةGestalt كما جاء بها بيرلزPerls . فهي تتبنى المذهب الاختياري أو الانتقائيEclecticism ( وهو مذهب لا يتبع صاحبه نظاما أو منهجا واحدا بل يتخير كل ما يعتبره الأفضل في مختلف الأنظمة لكي يستخدمه في عمله) حيث يختار القائم بها بشيء من الحرية كل ما يراه مناسبا في عمله من مصادر وتكنيكات متنوعة متاحة له. كما يصرح Gunnison 1976 إلى إن تلك التكنيكات المختلفة تتظافر في بناء علاقات ذات مستوى عالٍ من العمق بدلا من أفكار ذات فهم جزئي وسطحي ضمن عملية أطلق عليها بـ(عمليةSynergism). وقد تم تحديد معالم هذه النظرية بناءً على التأمل المكتسب من العمل في المجاز والاستعارة الخيالية حيث يشيرWatzlawick 1978 Paul إلى إن اللغة لا تعكس الواقع بقدر ما تخلقه، وكذلك وظائف الجزء الأيمن والأيسر للدماغ. فعملية Synergic هي مثالا على عملية تآزر تلك الاستراتيجيات المختلفة على العمل معاً، كما لو كان عملاً مشتركا لأفكار متباينة ومتفاوتة، أو وظائف تنتج حاصلا اكبر وأكثف من حجم الأجزاء المشاركة في إنتاجه. كما إنها العملية التي تكمن فيها أماكن أو مواقع ذات ثنائيات متعارضة(مثل الحقيقة والكذب)، والتي فيما بعد تسمو وتتجاوز الحدود إلى مستويات احدث واكبر من العلاقة. لذلك فأن(FDA) ربما تكون تقنية تبرهن على وجود حلقات وصل وربط بين نصفي الدماغ الأيمن والأيسر.
ونظرية باب الوهم تتقارب أو ذات مقاربات مع نظرية العلاج المتمركز حول العميل (المسترشد) والتي جاء بها (روجرزRogers ) والتي تستند إلى افتراضين أساسيين هما: الأول أن للفرد انسياق فطري ناحية الكمال، أما الثاني هو إن هذا الانسياق يتمثل عندما تكون هناك علاقة مساعدة تتم مشاهدتها أو ملاحظتها. أما نظرية(FDA) فهي تتمركز كلياً على الشخص أي إن العميل(المسترشد) هو مركز تلك العملية، أنها في البداية تمثل خيال الفرد مع متابعة خصوصيتها وخفاياها الموضوعية. إن النجاح في جلسة العلاج أو الإرشاد تعتمد بشدة على طبيعة العلاقة، فعندما يخلق الجو النفسي المفعم بالثقة والأمن فان العميل(المسترشد) يبدو بحالة أكثر من الحرية ليستخدم ميوله الطبيعية ناحية السلوك الأفضل، وكذلك تمده بمعرفة إمكانية مسيرة الأحداث واحتمالية صدقها. حيث يعمل المعالج والعميل تحت ظروف عمل واحده، مما يمهد ذلك لحدوث تقارب بينهما حيث يسهل للمعالج معرفة ما يحدث أو يدور بعالم العميل( المريض)، مما يقود ذلك إلى معرفة حدوث تصرفات أو سلوكيات من المؤمل أو المتوقع أن يقوم بها العميل مستقبلاً. إن(FDA)عبارة عن إستراتيجية تستخدم للحصول على سلوكيات يقوم بها العميل(المسترشد) ضمن جلسة العلاج أو الإرشاد. وهذه النظرية تقوم على أربع مراحل هي:
1. المرحلة الواقعية(الملموسة) وهنا يشجع العميل لجعل قضيته أو نقطة ضعفه أو مشكلته والتي في نفسه شيء واقعي وملموس، وتشجيعه على تصوّر موقع حلولها في الجسد.
2. المرحلة الثانية(الاسترخاء) تتمثل بمساعدة العميل على الاسترخاء، من خلال استخدام بعض التمارين التي تحقق له الاسترخاء.
3. المرحلة الثالثة (التخيل) وهي تتم من خلال استخدام الوهم أو الخيال كدليل لمسيرة العميل إلى أن يصل إلى( باب) مفترض أي من صنع الخيال، والذي يسعى العميل إلى فتحه ومعرفة ما ينتظره هناك.
4. المرحلة الرابعة (المواجهة) وهي المرحلة الحرجة والحاسمة، وهي تجيب على ما سوف يكون أو يحدث خلف ذلك الباب بعد فتحه، وهناك بالضبط يواجه العميل ذلك الجزء من العالم المحيط به والذي أحبط فيه. وعادة تحدث اكتشافات وقرارات جديدة في هذه المرحلة الحاسمة.
كيف تطورت نظريةFDA:
لقد ظهر هذا التكنيك كما بالنسب للعديد من التقنيات العلاجية الأخرى. فهو عبارة عن محاولة أو سعي من كل من طرفي عملية العلاج أو الإرشاد للوصول إلى نهاية ايجابية تؤدي إلى مساعدة العميل على مواجهة مشكلاته. فمن غير الممكن أن نتصور بان هذه التقنيات أو المنظومة الكلية لهذه النظرية يمكن لها من أن تتطور من فراغ. إن المعالج(المرشد) والعميل(المسترشد) يشكلان معاً علاقة تسعى إلى استعادة الخبرات والتجارب السابقة واستعراض أخطارها ونقاط ضعفها، بغية حلها، وأن هذه العلاقة تتضح وتتشكل من خلالها تقنيات جديدة ونظريات جديدة لتجارب الإنسان وسلوكه.
فقد ظهرت تلك النظرية عندما عرف كل من المعالج والعميل الاتجاهات التي يرغب العميل(المسترشد) أن يتحرك بها، إضافة إلى معرفة ما يرغب أيضا في تغييره. وان خبرة المعالج(المرشد) والتي هي معرفته بالطرق والفنيات والتقنيات والنماذج والأساليب والاستراتيجيات، كلها عبارة عن عملية انتقاديه تقويمية، ولكن يبقى العالم ومقاييسه هو من يحظى بالتركيز أولا وحسب منظور العميل. إن كلا من المعالج والمريض اختلقا هذه النظرية(FDA) كوسيلة مناسبة لحدوث التغيير. ومن جانب آخر يمكن استخدام التقنيات السلوكية ونظرية العلاج الواقعي وأخريات غيرهما عندما تنعدم الاستفادة من(FDA)، وكذلك يمكن استكشاف وسائل علاجية أخرى، ومع ذلك فأن كلٍ من المعالج والعميل قد حاولوا في صياغة نموذجا ما. علماً بان هذه النظرية تبدو مجدية ونافعة بصورة فذة ومنقطعة النظير.
وصف لبعض التطبيقات
هناك عدد من الحالات التي تم التعامل معها في ضوء هذه النظرية، ومن هذه الحالات:
الحالة الأولى:
شابة جامعية تدعى (سوزان) وصفت حالة هلع غامض وعدم راحة تعتريها في حياتها، وقد تلقت جلسة علاج نفسي مع معالج سابق، لكنه حقق نسبة نجاح ضئيلة، مع أنه استخدم معها أنواع مختلفة من الأساليب العلاجية. وعلى الرغم من ذلك فان حالة الغموض والإبهام والشعور بالقلق بقيت مستمرة، وتؤثر على حياتها، وأصبحت لا تستطيع التركيز، وأصبح نومها صعباً، وكانت تجد صعوبة بالغة في القيام بأعمالها الجامعية. وقد لخصت حالتها بكلماتها:( أنني خائفة وجِلَة ويسيطر عليّ شيء غامض وغير معروف بالنسبة لي). يقول معالجها حيناً بعد حين حاولنا الاقتراب مما كان يحدث لها وما كان يجلب لها الخوف.
وأخيراً شعرت (سوزان) بأنه إذا كان باستطاعتها أن تضع شكلاً لهذا الشعور المبهم لوصفه، ربما يُحسّن من وضعها ويؤدي إلى فهم حالتها وتقديرها. بالإضافة لذلك تساءل الاثنان (هي والمعالج) حول مكان استقرار ذلك الشكل في جسدها. وسرعان ما وصفت ما يجري بـ( عالم حالك السواد وكتلة أو كومة تتلوى وتتضور وسكون قاتل، ثم سواد وومضات بيضاء سرعان ما تنطفئ)، وكلها تستقر في عمق تجويفها الصدري، ويجعل خوفها واقعي وملموس، وبتخيلها لهُ على إن لهُ شكل وجوهر، إذن فمن الممكن الآن التعامل معه، وفي ضوء ذلك بدءا باستخدام وتطوير نظرية باب الوهم على حالتها.
وبعد عملية استرخاء عميق قادت (سوزان) مجموعة من الافتراضات مفتوحة النهايات فعلى شكل خيال أو وهم، قادها ذلك إلى ممر عبر حقل يتخلله جدول عبر تلّ في قاعدته يوجد باب واسع. ومن ثم تم اقتياد (سوزان) من الباب الخارجي إلى قناة تتخلل عمق التل ثم تنحني إلى اليمين، وفي الجهة اليسار يوجد باب آخر خلفه يقبع الغموض والخوف(الخلوة الموحشة السوداء) بأسفل عمق صدرها. يبدو من الملائم الوقوف هنا. وفي الخيال وجدت نفسها واقف أمام هذا الباب وتتخيل ما يدور خلف هذا الباب، وعندما تم إعادتها لوعيها وصفت كونها على تمام المعرفة بأن هناك شيء ما خلف ذلك الباب، وهي تشعر بمزيج من الخوف واللهفة للتطلع إلى ما وراء ذلك الباب، وهي على وشك معرفة حدوث شيء ما. ثم خلال الجلسة الثانية قررا(سوزان ومعالجها) أن تفتح سوزان الباب وتحاول الاطلاع على ما يحدث خلفه، ويجب عليها تقرير ما يجب عمله. وأبدا أنه من المهم أن تعقد جلستين على الأقل قبل أن تقرر نهائياً فتح ذلك الباب.
أن الفواصل الزمنية تبدو كمساعد لزيادة وترسيخ معنى لتجربتها هذه، إضافة إلى تقديمها لها الوقت الكافي لتقوية القرار أو المقترح بأنها قادرة على خوض التجربة. وبعد رحلتها الثانية في الجلسة الثانية وصفت القمة الموحشة على أنها: (وحدة) وهي رموز لكائنات بشرية ولكل العصور ولمختلف الحضارات. ثم قالت( سمعت أصوتهم، وصمتهم، وأحست بآمالهم، وخيبة أملهم، قوتهم وهشاشتهم، وسمعت ضحكاتهم ونواحهم. كانوا واحداً، كانوا جماعة، كانوا مرتبطين نوعا ما، ولكن كل واحداً كان منعزل على الآخر الرغم من كوننهم جماعة، ولم أغلق الباب عندما عدت لذلك فأن الوحدة هربت للعالم معي).
الحالة الثانية:
امرأة تعاني من توتر الأعصاب عند مضاجعة زوجها، وتجد صعوبة حادة في ذلك وقد استشفت هذه الصعوبة من صعوبة خوض التجربة مع أبيها واكتشفت من جراء التفكير في ذلك إحساس بالنفور، والتي بتقديرها تبدو من صميم صعوباتها. تصف حالها في هذه الكلمات فتقول: ( لقد ترسخ وتقوى الإحساس بالتخلي والنفور عندي إلى أن أصبح سواد مشئوم ونحس يتمركز خلف رأسي ويحوم بالقرب من أذني اليسرى، وقد أطلقت عليها اسم(الكرة)، وعرفت إنها تمثل الخوف من التخلي والهجر). وعندما دخلتُ من الباب عبر القناة ذهبتُ إلى غرفة كان يوجد فيها حزمة كثيفة ضوئية من أشعاع ضوئي، والتي بدأت بالتفكك وكأنها قطرة أو بقعة من الدهان وتفككت، وفي داخلها يوجد ملايين من أنواع المخلوقات الحشرية، وكان من الضروري إبادة وهلك كل واحدة من تلك المخلوقات. وفي النهاية بقيت واحدة وقد سحقتها بقدمي. ومن ثم جلستُ تحت الضوء وقد أمتلئتُ به، وقد اعتراني إحساس مادي(جسماني) من الخفة، وقد أطلق سراح استجابتي الجنسية، وأيضاً أصبحتُ عارفة بحاجتي لأعاد استجابتي حالما تخلصتُ من النمط القديم بآخر جديد حسب ما دعت حاجتي له).
الحالة الثالثة:
امرأة شابة تدعى(Anne) أبعدت نفسها عن أي نوع من الشعور العميق، فقبل خمسة أشهر ماضية تعرض صديقها الشاب وأغلب أفراد عائلته إلى القتل وبوحشية وبدون أي رحمة أو شفقة. وقد غالب (Anne) شعور بأنها لا شيء، وقد أصبحت باردة ولا تبالي بأي مشاعر، وأصبحت عندها ردة فعل معاكسة اتجاه عالمها، وليست لديها أي مبادرات ، وليس لها أي تعامل مع الموتى أو الموت. وبدأت تشعر بخوف لا يطاق وقلق يملئ يقظتها وساعات نومها وبتزايد مستمر. خوف من أنها ستكون الضحية التالية. وكان الباب الذي وقفت أمامهُ(Anne) ودخلت نفق ضخم وهائل، وقد أغلق بعنف خلفها. ثم تبدأ بوصف ما وراء الباب بعد دخولها فتقول: ( كانت الظلمة حالكة خلف هذا الباب، وأحياناً هناك أضويةٌ ملّونةٌ تومض، وكان هناك ممر مشيتُ فيه ويمكنني أن أرى ضوء مشع صغير من بعيد، كما أنني كنت أشعر حينها بوجل بينما أنا أمشي بخطى ثقيلة. وفي طريقي قابلتُ(Charles) (صديقها المقتول)، وكان يرتدي الملابس التي قد التقطت له صورة فيها وهو مقتول، وقد لف وسطه بملاءة بيضاء. نظرت له لبرهة ثم احتضنا بعضنا البعض وتعانقنا، حيث أنها كانت احتضانة ذات معنى خاص، وقد كان يبغي من ورائها تهدئة روعي وطمئناني، ولم أكن أريد أن أفارقه. ثم حَملَقتُ في وجههِ ومرة أخرى طمأنني، وقال لي أن استمر بالمشي وبأنني سوف أجدهُ هنا عندما أعود. وترددتُ لفترة قبل أن أمشي، وعندما واصلتُ السير كنتُ أنظر متلفتة إلى الوراء إلى أن وصلتُ إلى الضوء الذي كان بعيداً وصغيراً ووجدتها غرفة كبيرة ومضيئة. جلستُ في ممر الباب واسترخيتُ لبرهة من الزمن، ثم بعد ذلك قمتُ وعدتُ أدراجي وشعرتُ كما لو كنتُ أراقب نفسي وأنا عائدة عبر الممر. وشعرتُ أيضاً بوجود أناس من حولي وكانوا يتوعدونني، ولكنني لم أر أي منهم، ولم يلمسني أحد منهم، حيث أنني شعرتُ بأنني آمنة من أذاهم. وعدتُ إلى المكان الذي تركت فيه(جارلس) وبحثتُ عنهُ ولكنني لم أجده. وجلستُ وبكيتُ بشدة، الشيء الذي لم أفعلهُ على مدى الخمسة أشهر الماضية وبعد بكائي شعرتُ بتحسن وبأن كل شيء على ما يرام، وكنتُ مستعدة لمغادرة المكان).
المناقشة
من الضروري مناقشة معنى(تجربة الخيال) لعدة أسباب. فهي من جانب تساعد على تجلي وتعزيز المعرفة، ومن جانب آخر فأنها تخلب وتسحر وتغمر الشخص في التأمل والذي من خلالهِ يُعبر الفرد عن وظيفة الدماغ اليسرى مع حدوث إعادة للتنظيم الإدراكي. حيث ناقشWatzlawick 1978 بأن الغرض من هذا العلاج هو لتغيير صورة العالم السائدة والمطبوعة على النصف الأيمن من الدماغ مع تقليل التباين والاختلاف بين نصفي الدماغ. على أية حال ومهما يحدث فان المناقشة العقلانية لمعنى التجربة تبدو قيّمةٌ، وأما وجهة نظر(Anne) حول تفسير التجربة فهي تقول : (أن مقابلتي مع (جارلس) كانت حدث جيد بالنسبة لي وكان واضحاً جداً وجلي بالنسبة لي ما كان يعكسه الخيال. وقد شعرتُ بتحسن بعده، وقد جعلني اشعر وكأنني أتذكر (جارلس) في حياته الاعتيادية وليس فقط صورته عن موتهِ ملفوفاً بالملاءات البيضاء والتي بقيت عالقة في ذهني. وأيضاً شعرتُ بأنه يمكنني أن اسمح لنفسي بمواصلة حبهِ حتى بعد موتهِ. أما بالنسب للناس الذين كانوا محيطين بي، فقد كانوا غير معروفين بالنسبة لي، وكانوا يهددون حياتي وقد تيقنتُ الآن من وجود أناس في العالم مهددين وهم ربما محيطين بي ولكني لم أواجههم بعد. أما الخوف الذي كنت أشعر فيه، هذا لأنني لم اعرفهم، وكانوا مجهولين بالنسبة لي. ومن الصعب توضيح ذلك، ولكني عندما كنتُ أمر بهم كنتُ أشعر بالثقة وأعرف أنه يجب عليّ أن أستمر كما استمريتُ بذلك الوهم).
لذلك فأن تقنية (FDA) تركز على العالم الداخلي لشخص، وتتألف من أربعة مراحل، تبدأ بالتركيز على الفكرة ثم يتبعها استرخاء عميق ثم خيال يقود الشخص عبر تجربة إلى المرحلة الأخيرة وهي دخول الباب. ولفهم المراحل الأربع لنظرية(FDA) ولتوضيح كيفية عملها يبدو من المناسب أولاً سبر غور العلاقة بينimagery الخيال والتعبير المجازيhypnosis ، التنويم المغناطيسي وبين وظيفة الدماغ (القسم الأيمن منه) .
إن عملية التركيز على الفكرة وجعلها واقعية ملموسة، ربما تساعد المريض أكثر على الوضوح وتجلية الأمر أكثر مما سواها. وفي هذه المرحلة الأولى يبدو المريض أكثر استعداداً للتركيز على العناصر التي أحدثت عنده حالة التشويش والإرباك في بداية الأمر على الأقل، حيث إنها تعده لشيء ما سوف يحدث خلف الباب.
وفيما يخص المرحلة الثانية من الاسترخاء العميق هي أقرب إلى الخيال والوهم الذي يقود الشخص نحو الباب في المرحلة الثالثة. إن من الملاحظ بصورة اعتراضية بأن نوع الاسترخاء (أو الوهم الذي يقود) هو ليس ضرورياً، وبالمقابل يجب أن يكون هناك تقنية استرخائية ووهم يقوده ويكون متناسباً مع مهارات المعالج(المرشد) ومساحة إدراك العميل(المسترشد).
أن شخص ما يعتريه شعور بالخوف من الأماكن المغلقة ستشعره بالاسترخاء في حيز مغلق لَهوَ أمرٌ سخيف وغير معقول، كعدم معقولية اقتياد شخص ما من داخل المدينة إلى مرج جبلي بري موحش، وانه لمن المفترض من كل من الاسترخاء العميق والخيال الذي يقود الإنسان للباب، بان (العميل) يجرب ظاهرة قريبة من التنويم المغناطيسي. أن بعض من له علاقة بهذا التكنيك النفسي قد قدموا حجة دامغة ومناقشة عميقة حول التطابق الكلي والقريب الحاصل بين الاستعارة والمجاز(الخيال)، والذي يقود الشخص وبين التنويم المغناطيسي. في الحقيقة لقد أقروا بأنه من الواضح بأن الظاهرة التي وصفناها بأنها التنويم المغناطيسي متعلقة بعمليات التصور والتخيل للمواضيع. علما بأن تلك العمليات التصورية التخيلية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوظيفة النصف الأيمن للدماغ. إضافة إلى إن التنويم المغناطيسي يغلب ويسود على مسؤولية الجزء الأيمن من الدماغ. لذلك فأن الاسترخاء والتشبيه أو المجاز الخيالي ودمج التنويم المغناطيسي معهم هي وسيلة الدخول إلى الجزء الأيمن للدماغ.
أن رحلة الخيال عبر هذا الممر، والحقل، والجدول، وعبر القناة، والتل. هي نظام من مجموعة مقترحات(المزروعة كزرع النبات) على الرغم مما يحدث خلف الباب وضمن حدود القناة الوهمية(الممر)، وهي في الأصل من أنتاج الشخص نفسه، وهي عادة ما توصف على أنها تحمل صفات الحلم. هناك على وجه الاحتمال عملية بزل واستخلاص للجزء الأيمن من الدماغ، وهناك أيضاً احتمالية وجود إمكانية للخداع، والسبب واحد هو إمكانية توظيف نظرية(FDA) في الوقت الذي تكون فيه طرق علاجية أخرى تتميز بعقلانية أكثر لا يمكنها القيام بذلك، حيث تكمن الصعوبة في عمل النصف الأيمن للدماغ. ربما تلك الطرق تميل إلى أن تكون موضوعية، منطقية وعقلانية مثل(ERT) والعلاج الواقعي(Reality Therapy) وعلاج القرار(Decision Therapy) والتي تشمل النصف الأيسر للدماغ. أما التقنيات العلاجية مثل(FDA) فأنها تكون متصلة بنصف الدماغ الأيمن.
وفسلجيا فان حلقة الوصل بين نصفي الدماغ تتألف من حزمة كبيرة من الحبال تسمى(Corpus Callosum) أي الجسم الجاسئ (وهو عبارة عن كتلة من الألياف العصبية التي تصل أو تربط بين نصفي كرة الدماغ)، وان الجلسة العلاجية المؤثرة فأنها تؤدي وظيفة هي أشبه كثيراً بوظيفة الجسم الجاسئ في التوصيل بين نصفي الدماغ. فالتكامل، والاندماج، والصحة النفسية، هي مصطلحات تصف عملية (Synergic) لنصفي الدماغ. فعلى سبيل المثال يقول احدهم: عندما أحس بإحساس معين اتجاه الأشياء التي فيها أو حولها عوجُ ما، أو شيء ما غامض في عالمي وغير معروف، فأنني بالواقع استجيب إلى نصف دماغي الأيمن، ويا لهُ من تغير مدهش عندما يقدم الجزء الأيسر إنتاجاً " أشعر بالحزن لان صديقي يغادر ويتركني " ، الآن فأن الجزء الأيسر بمنتهى المساعدة والقوة الدافعة يمثل أحساس الجزء الأيمن واشعر حينها باني مختلفاً.
الخاتمة
في بعض الأحيان يكون تأكيدنا على العالم الخارجي، تصرفاتنا وردود أفعالنا، أو أي أحداث خارجية أخرى تمنع وتحجب فهمنا وتقديرنا لعالمنا الداخلي. وان الكثير من وعينا ولا وعينا وإحساساتنا حول(النفس) يشكل جزءً من ذلك العالم الداخلي. بالمقابل يشكل عالمنا الداخلي الجزء الأعظم مما نسميه(بالنفس) إنها "خاصة بحتة" بذات الوقت تكون مفردة تخص الفرد الواحد ولا يمكن لأي شخص أن يجرب العالم الداخلي الخاص بشخص آخر بدقة.
نحن نختلق واقعنا بلغتنا وبإدراكنا وبالطريقة التي نتحدث بها مع أنفسنا وبالمقياس الذي من خلاله نقيم عالمنا. وإذا كان بمقدورنا أن نخلق واقعنا فأذن بذات الوقت يمكننا من أن نخلق آلامنا وأحزاننا، مشاكلنا وحتى حيرتنا. وهي بذلك تتفق مع (ألبرت أليس) في نظرته والتي مفادها انه ليس الحدث الخارجي الذي يسبب الصعوبات التي نواجهها بقدر ما تسببه هلوساتنا وأوهامنا.
إذن نحن من يخلق الصعوبات والإشكالات، فلماذا لا نستخدم ذات العملية من الوهم والخيال لنبدد بها تلك الصعوبات ونغيرها ونعيد ترجمتها وشرحها ؟ إن الوهم والخيال وبالتحديد ما تذهب إليه نظرية باب الوهم(FDA) ربما تشكل واحداً من عدة طرق لعبور وتجاوز النصف الأيمن من الدماغ.



#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)       #          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان والعراق والديمقراطية
- إرشاد ولكن!!!!!
- إيران والمنطقة والضربة الموعودة...,وجهة نظر
- إهداءُ من القلب
- فكر معي رجاءً
- التخيل والإرشاد والعلاج النفسي
- متعةٌ ولكن!!!!!
- البحث العلمي وأنواعه
- العراق والفكر ألاستئصالي
- طرق ومصادر المعرفة
- العلم والتفكير العلمي
- المعرفة الانسانية وأنواعها
- وجهات نظر: أفيون ولكن !!!!!
- وجهات نظر: امرأة واحدة ولكن!!!!!
- وجهات نظر: نظرية أنسانية ولكن....


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - مدخل باب الوهم نظرية في العلاج والإرشاد النفسي