أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - طرق ومصادر المعرفة















المزيد.....



طرق ومصادر المعرفة


جودت شاكر محمود
()


الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 10:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المعرفة هي مجموعة الأحكام والأفكار والتصورات والاتجاهات والآراء، والتي تتحكم بالمنظومة الفكرية والوجدانية لمجموعة من الناس يعيشون ضمن إطار اقتصادي واجتماعي وسياسي معين، والتي تكونت لديهم عبر العصور ومن خلال التجارب والممارسات السلوكية والملاحظات اليومية، وبالاعتماد أحيانا على البحث الموجه لفهم الظواهر والمواقف البيئية المحيطة بهم بشكل عام أو من خلال الصدفة العارضة.
ولكن يتبادر إلى أذهاننا سؤالين هما:

* كيف نستطيع الحصول على تلك المعرفة ؟
* كيف توصل أو أكتسب الإنسان إلى تلك المعرفة؟


للإجابة على تلك الأسئلة لابد من الإشارة إلى أن هناك طرق لاكتساب هذه المعرفة كما أن هناك مصادر نستقي منها تلك المعرفة والتي توصل إليها غيرنا ضمن المسيرة البشرية.فالإجابة على السؤال الأول يمكننا من أن نتعرف على تلك المصادر التي يستقي الإنسان منها معرفته وهي:

مصادر المعرفة:
المعرفة أشبه بصرح هائل أسهم في بنائه علماء من كافة أرجاء المعمورة، وعلى امتداد تاريخ وجود الإنسان على هذا الكوكب، تتميز بالبعد التراكمي التأريخي الاجتماعي الجدلي، فهي تنمو وتتطور بسرعة لا يستطيع العقل البشري أن يجمع كل أبعادها وحقائقها، وان يلم إنسان ما بكل تفاصيل وجوانب النشاط المعرفي، فالإنسان يبدأ من حيث انتهى غيره. إذن للإجابة على السؤال: كيف نستطيع الحصول على تلك المعرفة؟ يضعنا أمام عدد من مصادر كان ومازال يستقي منها الإنسان تلك المعرفة التي توصل إليها غيره. ومن هذه المصادر :

• مصادر السلطة والثقة:
تعتبر السلطة مصدر من مصادر المعرفة، التي يسعى الإنسان الوصول إليها، والتي لا يمتلك القدرة على الوصول إليها، وتتخصص تلك السلطات بذلك النوع من المعارف. فقد اعتمد الإنسان ومنذ القدم على تلك السلطات وبكل رموزها وأنواعها، والتي تتمثل في كبار السن وزعيم القبيلة أو المدينة والعرافين والحكماء ورجال السياسة والزعماء، من اجل تكوين صورة ما لبعض الظواهر التي كانت تعترض ذلك الإنسان، ومن اجل التقليل من حيرته واضطرابه، حينما كان يقف حائرا أمامها.
أن البحث عن تفسير أو تعليل لتلك الظواهر، من خلال تلك المصادر لعب دورا بارزا في علاقة ذلك الإنسان بتلك القوى والسلطات، والتي كان يرجع إليها للإجابة عن بعض تلك الأسئلة والاستفسارات. وكان هذا يحدث في أقدم الحضارات، فكان الإنسان يستجدي العراف والكاهن لمساعدته على طرد الأمراض وتجنيبه الحوادث والتقليل من آلامه وآلام أفراد أسرته، ويسألهم المساعدة في الحصول على قوته، ودرء خطر الموت والفيضانات والزلازل والحيوانات المفترسة. وكان لدرجة الثقة والقدسية التي تتميز بها تلك السلطات أثراً على مدى قدرته للاقتناع بتلك المعلومات والمعارف، كذلك للخبرة الطويلة التي يمتلكها أولئك الكهنة والعرافين ورجال الدين دوراً كبيراً بأصباغ تلك المعلومات بالدقة وبالطابع القيمي، أكثر من المعلومات التي مصدرها شخص آخر لا يمتلك الخبرة والدراية بذلك الجانب.
كذلك لسلطة القبيلة أو الدولة أو الحكومة ومدى قوتها الأثر ذاته على الأفراد، مما يؤدي كل ذلك إلى أن يفقد هؤلاء الأفراد استقلالهم ألإدراكي وملكتهم النقدية والخضوع الكامل لتلك السلطات، وأصباغ صفة القدسية والتعظيم عليها وعلى ما يصدر منها من معارف ومعلومات، واعتبارها المرجع النهائي للشؤون الفكرية والحياتية والمقرر له على اتخـاذ القرارات التي لها مساس بحياته. وكان الإنسان ولا يزال يتلقى تلك التفسيرات ويقبل بها دون مناقشة أو تمحيص، باعتبارها قد صدرت من جهات تملك قدرات خاصة لا يملكها هو، فهم لا يخطئون وان أفكارهم صحيحة وذات قيمة كبيرة له.
أن القيمة والثقة التي تمتلكها تلك المعلومات والمعارف تزداد كلما كانت تصدر من مصدر سلطة قديم وذو بعد تاريخي عميق، حيث إنها متوارثة عن الأجداد، وكلما كانت أكثر قدما كانت اشد وثوقا ويقينا، وخاصة حينما ترتبط تلك المعرفة بشخصيات لها تأثيرها الديني والقيمي على أولئك الأفراد واعتبارها صادرة عنهم. كما إن ذلك الرأي أو المصدر يكتسب سلطاته وقوة تأثيره أكثر وأكثر كلما أزداد عدد الأفراد المؤمنين والمؤيدين له. حيث أن الرأي يكتسب صوابه ومصداقيته ودرجه قربه إلى الحقيقة، كلما زاد عدد المؤمنين به.
أن اختيار المعرفة عن طريق هؤلاء الأفراد، قد تم نتيجة لاتفاق اجتماعي على اعتمادهم منتجين لهذه المعرفة، ولكونهم المؤهلين لذلك، ويملكون قدرات راجعة إلى قوى طبيعية أو فوق الطبيعة، كذلك الاعتقاد بان هؤلاء قادرون على اكتشاف الحقيقة الثابتة في كل العصور. وان الإنسان لا يستطيع إن يحصل على المعرفة عن نفسه أو العالم إلا بالرجوع إلى هؤلاء، أو ما تركوه فقط لمعرفة تلك الحقيقة. كما إن لإصباغ هؤلاء القدسية على أنفسهم ساهم مساهمة كبيرة في قدسية ما يصدر عنهم من معارف.
كل ذلك أدى إلى إن يخضع الإنسان في تفكيره إلى تلك المصادر، وان يلجأ إليها كي تفكر بدلا عنه وأن تحل له مشكلاته، من خلال تقديمها المعرفة الجاهزة، وبذلك ألغى ذلك الفرد دوره الايجابي والفاعل في الوصول إلى تلك المعارف وعظم دور الآخرين، وقد تم ذلك أما تحت تأثير وسطوة تلك المصادر ومدى تأثيرها على الآخرين، أو الخضوع لها طواعية باعتبارها أسلوب مريح لحل المشكلات. إلا انه يجب الإشارة إلى أن اعتماد الأفراد على تلك المصادر للمعرفة قد لا يكون وسيلة ناجحة للبحث العلمي، بل ربما يؤدي ذلك الاعتماد إلى أن يضل أولئك الأفراد عن طريقهم الصحيح.
علما بان السلطة الدينية والسياسية والاجتماعية لا يزال دورها واضحاً ومؤثراً بما تقدمه من معارف ومعلومات للإفراد، بل أزداد تأثيرها عليهم ورفضها لكل ما يتعارض مع ما تؤمن به هي، وذلك من خلال تعدد وتنوع مصادر تلك السلطات، إضافة للبعد التاريخي الذي تغلف به أفكارها ومعارفها من خلال ادعاءها ونشر ذلك الادعاء والاعتقاد الزائفين بان المفكرين القدامى قادرون على اكتشاف الحقيقة الثابتة في كل العصور، وأن الإنسان لا يستطيع أن يحصل على المعرفة عن نفسه وعن عالمه إلا بالرجوع إلى ما تركه هؤلاء القدامى فقط لمعرفة تلك الحقيقة.
ورغم ذلك فان لهذه السلطات دور إيجابي في تقديم معرفة صادقة بالجوانب التي تتعلق بشؤونها مع أعطاء الحرية في مناقشة ونقد تلك المعلومات.

• خبرة الفرد والآخرون:
الخبرة Experience هي المعارف التي اكتسبها الإنسان في مرحلة من مراحل حياته، والتي لها علاقة بالإنسان ذاته أو بالآخرين من حوله، والذين يرتبط معهم بعلاقة. فالإنسان ومن خلال ما يمتلك من حواس ومن قدرات عقلية، يدرك كل ما يحيط به من ظواهر وأحداث، والتي تمر به في كل لحظة من لحظات حياته، كل هذه المعلومات والبيانات التي يكتسبها عن العالم المحيط به تمثل خبرة مكتسبة ومخزون معرفي يسعى لاستخدامها كي يحقق المزيد من المعرفة، والتي قد تسمح له بالتطور نحو الأفضل، والتعرف على ما يحيط به من ظواهر، أو التنبؤ بما سيحدث مستقبلا.
يقول جون ديوي (John Dewey) إن المصدر الأساسي للمعرفة الإنسانية هو الخبرة والنشاط الذاتي للفرد، فأي معرفة يكتسبها الفرد إنما هي ناشئة عن خبرته وتفاعله مع عناصر البيئة المحيطة به، وعن نشاطه وكفاحه من أجل البقاء والحصول على لقمة العيش والكساء والمأوى ومن اجل التغلب على المشاكل التي تواجهه في الحياة (الشيباني – 1971).
فالأفراد يعملون ويصلون إلى نتائج أعمالهم بدون أن تكون لهم خطة ثابتة تعزز المسالك والطرق التي يسلكونها، إذ يستخدم كل واحد منهم تلك المعارف والخبرات التي اكتسبها في فترة ما في معالجة المواقف الجديدة، والتي تتطلب منه حلا ما. فوجود ذلك الفرد في موقف مشكل أو عند شعوره بصعوبة ما، فان أولى الخطوات التي يقوم بها هي عملية استدعاء للمخزون المعرفي الذي تم تكديسه وحفظه في نطاق ذاكرته، ثم يقوم بالبحث عن حلول لهذا الموقف أو الصعوبة، والبحث عن علاقات متشابه بينها وبين المواقف والتجارب التي مر بها سابقا، ويتوقف كل ذلك على مدى ما يتميز به الموقف الجديد من صعوبة وغموض.
لذا يعد استخدام الخبرة الشخصية أمراً شائعاً لدى الإنسان، باعتبارها أولى المصادر التي يستقي منها معرفته الجديدة، ولكنها وسيلة قد تؤدي إلى نتائج خاطئة، إذا استخدمت بدون تدقيق وتمحيص لتلك الخبرات والتجارب.
فضلا عن ذلك فان لخبرة الآخرين دوراً أكبر في الحصول على المعرفة، إذ إن للآخرين ممن يحيطون بنا رغم اختلافهم أو اتفاقهم معنا، رأي أيضا حول ما نحمله من أفكار، أو ما نريد تحقيقه من مهام وأعمال. وآراءهم تلك قد تساعدنا على التحقق من صحة المعلومات والبيانات التي نحصل عليها أو التي نحملها، ونريد استخدامها في حل مشكلة أو صعوبة ما رغم الاختلاف بين هؤلاء الأفراد وبيننا حول صحة تلك المعلومات. وقد تطورت عملية الإستأناس بآراء الآخرين، وخاصة أولئك الأفراد الذين لهم علاقة بالموضوع الذي نحن بصدد البحث فيه، أو إيجاد حلا له. وهم ما نطلق عليهم تسمية الخبراء(Jury)، فان أولئك المختصين في حقل من حقول المعرفة، تكون لهم معرفة ودراية كبيرة بالمعلومات المعرفية التي نرغب في الحصول عليها، وأرائهم وسيلة جيدة لتحقيق ذلك، رغم أن معرفتهم تتركز بالضرورة على ما تعلموا من قراءاتهم ومشاهداتهم وقدراتهم الفكرية، وبحكم ما يتمتعون به من ذكاء وتدريب وخبرة، إلا أنهم قد يتعرضون للخطأ، لذا تبقى خبرتهم رغم ذلك ناقصة، ويجب أن لا تأخذ تلك الآراء كحقيقة مطلقة، وإنما يجب علينا عرض تلك المعلومات للمناقشة والتدقيق والمقارنة العقلية بينها وبين ما نحمله من خبرات من جانب وبين مصادرها المتعددة من جانب أخر.
نحن كثيرا ما نلجأ إلى استشارة الكثيرين من ذوي الاختصاص في حياتنا اليومية، نستشير المحامي والطبيب ورجل الدين والمعالج النفسي والرجل الاقتصادي والأستاذ والمهندس وكلا حسب تخصصه. أو قد نقوم باستشارة مجموعة من الخبراء أو المختصين في مجال معين أو عن موضوع ما، وهؤلاء هم الذين نطلق عليهم تسمية المحكمين أو الخبراء (Jury), وخاصة عند القيام بأجراء البحوث والدراسات.

• وسائل الأعلام والاتصال الحديثة:
لم تعد السلطة أو الخبرة المصدر الوحيد للمعرفة بل انه من حسن الحظ أن مصادر المعرفة بكافة أنواعها ومجالاتها وخاصة المعرفة العلمية منها، قد تعددت وتنوعت، بحيث شملت الكتب والمراجع الكثيرة والمتنوعة، ودوائر المعارف والمجلات بكافة أنواعها ومجالاتها المدعومة بالصور والرسوم البيانية ذات الطباعة والإخراج الجيدين والأسلوب المشوق والدقيق في عرض مادتها العلمية.
وهاهو العصر الحديث يتميز بالتسارع الهائل في سائر المجالات، وخاصة في مجالات المعرفة وتقنية المعلومات والاتصالCommunication، فبعد أن كانت السينما وأفلامها مصدراً للمعرفة، جاء الراديو والتلفزيون والصحافة ووسائل الأعلام بكافه أنواعها، ولكن بسرعة عجيبة وبتسارع مطرد، أصبح الخيال حقيقة والحلم واقعا، وها نحن نعيش في عصر من سماته التجدد والتطور بقفزات كبيرة، عصر الثورة المعلوماتية، الذي أصبح يدار بالحاسوب وأنظمة التحكم عن بعد، مما أدى إلى تحول هذا العالم إلى قرية صغيرة، فها هو الحاسب الآليComputer وهاهي شبكة المعلومات الدولية (الانترنيت Internet) وشبكتها العنكبوتية (Web) والكثير من قواعد البيانات Data-Bases والتي تعتبر مخازن للمعلومات التي يمكن استدعائها في أي وقت، وهاهو البريد الإلكتروني e-mail، الذي يعتبر من أرقى ما وصلت إليه تقنية الاتصال والمعلومات في العصر الحديث، كذلك الأقراص المدمجة CD-Room والتي يمكن أن تحتوى كما هائلا من البيانات, إضافة إلى القنوات الفضائية والتي تنقل الأحداث والمعلومات مباشرة وقت حدوثها عبر الأقمار الاصطناعية.
كل هذا الكم الهائل من البيانات والمعلومات المتجددة، والتي تصل عبر وسائل عديدة وحديثة، دفعت الفرد إلى تنوع مصادر معلوماته وتحديثها، ورغم ذلك فانه لم يتخلى عن مصادره القديمة، رغم ما تتميز بها من عدم الدقة وغياب الموضوعية في معلوماتها إلا انه يحاول التنوع والمزاوجة في تلك المصادر، ويوظف فكره لتدقيق تلك المعلومات من أجل التأكد من صحتها قبل أن يستغلها أو يتبناها في حياته اليومية.

أما للإجابة على السؤال الثاني فيتم من خلال ما يسمى بطرق اكتساب أو تعلم المعرفة
وهي :

طرق اكتساب المعرفة

تمتلك الإنسانية كم هائل من المعرفة، توصلت إليها عبر فترات زمنية طويلة من تاريخ وجودها، ولكن: كيف توصلت البشرية إلى هذه المعرفة ؟ هذا هو السؤال الذي يجب الإجابة عليه، حيث أن هذه المعارف لم تأتي من فراغ أو أنزلت عليه مرة واحدة وستبقى على ما هي عليه والى الأبد، إنما هي جهد إنساني كبير معفر بالعرق والدم بذله هذا الإنسان ومنذُ اللحظة الأولى لوجوده على هذه الأرض ولا زال يبذله ولحد الآن. هذا الجهد الذي أخذ طرق عدة تماثلت بمحتواها مع طرق التعلم والتفكير، إلا إنها تقاطعت معها في التسمية، إذ طلق عليها أسم طرق اكتساب المعرفة، والتي هي طرق للتعلم والتفكير معا وهي :
• طريقة الارتباط والاشتراط Condition and Correlation Method
أن معظم السلوك الإنساني هو نتاج عمليات التعلم المختلفة، والتي تنطوي على تفاعل الإنسان مع البيئة التي يعيش فيها، وإحدى تلك الطرق هي عملية الارتباط أو الاقتران بين مثيرات معينة، والتي تقود ذلك الإنسان إلى أن يستجيب, أو يسلك بطريقة معينة.
فالتعلم ينشأ نتيجة لحدوث ارتباط بين مثير ما واستجابة معينة، بحيث إذا ظهر هذا المثير مرة أخرى فان الاستجابة التي ارتبطت به سوف تظهر هي الأخرى. وأولى هذه المثيرات التي تعرض لها الإنسان هي المثيرات الطبيعية التي وجدت في بيئته والتي منها الرعد، المطر، الحيوانات المفترسة، الجوع، العطش، الفيضانات، الهزات الأرضية، البراكين، البرد.... وغيرها. مما أدى إلى حدوث استجابات انفعالية مشروطة لديه كالخوف والقلق والانفعال والسرور والنفور، والتي كانت اللبنة الأولى في هرم معرفة الإنسان الفرد.
إذ إن ما يعرفه إنسان ما، إنما ينجم جزئيا مما يتعلمه هذا الإنسان من بيئته المادية والاجتماعية، أي من عالم الناس والأشياء، ولم يكتفي بذلك فقط، وإنما كان للارتباط العرضي بين حادثين اثر في النمو المعرفي لذلك الإنسان. فالطفل يكتسب اللغة التي يتعلمها عن طريق حدوث هذه الارتباطات بين الألفاظ والأشياء التي ترمز لها هذه الألفاظ. ولا تقتصر هذه الارتباطات على مجرد تفسير تعلم الاستجابات اللفظية، بل تتعداها إلى نطاق تعلم الانفعالات والأفكار المختلفة.
كما أن الإنسان لم يقف عند ذلك الحد من المعرفة وإنما جال ببصره بالظواهر الطبيعية من حوله وأول ما حاول ملاحظته هو أوجه التشابه في تلك الطبيعة، والتي بينت له أن الكائنات الحية لا تلد إلا الشيء الذي يشبهها، وأولى أفكاره تلك تجسدت واضحة من خلال ممارساته السحرية الموثقة برسوماته التي تركها على جدران الكهوف التي سكنها، حيث أن تلك الرسوم قد بينت لنا بان أول أفكار الإنسان السحرية قد اعتمدت على مبدأ أن العلل المتشابهة ينتج عنها نتائج متشابهة، ولذلك سمي المختصون هذا المبدأ بقانون التشابهLaw of similarity. ويقوم هذا القانون على ضرورة الربط بين المعلومات الجديدة والتي لم يكتسبها الفرد بعد ويروم اكتسابها وبين المعلومات أو المعلومة (الموجودة) لدى الفرد، وهكذا نجد أن هذا القانون يعد أداة فعالة في تسهيل عملية بناء المعرفة.
ومن خلال ذلك اعتقد الإنسان بأنه قد اكتشف سر الحياة، فبات يؤمن بأنه يستطيع أن يحصل على ما يريد إذا ما قام بعمل شبيه لذلك الشيء الذي يبتغيه. وبالتأكيد إن الممارسات السحرية التي اعتمدت على قانون التشابه قد حققت بعض النجاحات النسبية في زيادة قدرة الإنسان على صيد الحيوانات، وهذه النجاحات بطبيعة الحال لم تكن نتيجة الممارسات السحرية ذاتها، ولكنها كانت نتيجة ازدياد ثقة الإنسان بنفسه وبقدرته على صيد الحيوان، إلى جانب قيامه بممارساته السحرية (رشيد – 1995).
وفي أحيانا كان الإنسان يتغذى على بعض الحيوانات المفترسة أو بعض من أعضاءها أو يحمل جزءاً منها معه من أجل أن يكتسب قوتها, أو يأمن شرها, وفي حالات أخرى كان يأكل قلب عدوه أو يشرب بعضاً من دمه كي يكتسب القوة التي كان يتمتع بها ذلك العدو. علماً بأننا لا نزال نرصد هذا السلوك لدى الإنسان الحالي مغلفاً بصبغة علمية، وضمن مجالات عديدة قد يكون أقرب مثالا على ذلك هو تناول الإنسان لعضو من حيوان ما يؤدي إلى تقوية ذلك العضو لديه, أو تناوله لنبات وثمر يشبهه عضواً من أعضائه يؤدي إلى تقوية ذلك العضو.
فالإنسان الذي يقوم بالملاحظة قد يكتشف (قاعدة) تكمن وراء هذه الأنماط المحسوسة من السلوك الملاحظ، ونتيجة لذلك يقوم بتوليد أنماط مشابهة لذلك السلوك في مختلف المواقف الاجتماعية. كما إن عملية الاسترجاع والتعرف, أو أي عملية تتضمن استرجاع للمعلومات من الذاكرة وبصورة حاسمة تنطوي على الإفادة من قانون التشابه. فالتعرف وهو أهم العمليات الأساسية في التذكر، أنما يتحدد بصورة حاسمة بفعل التشابه بين خبرة جديدة وخبرة سابقة. وكلما أزداد التشابه بين المثيرات الأخرى والمثير الشرطيConditional stimulus كلما أزداد احتمال استدعاء هذه المثيرات للاستجابة الشرطيةConditional response، وكلما قل التشابه بين المثير الأصلي والمثيرات الأخرى كلما قل حجم الاستجابة.

• طريقة المحاولة والخطأ Trialed Error Method
إن لخبرة الفرد وتجربته الذاتية الدور الأكبر والأساسي في وصوله إلى جملة من المعارف والأفكار، التي تميزت بها المرحلة الأولى للوجود البشري، حينما كان الإنسان لا يبدي اهتماما بالعلاقات بين الظواهر التي يلاحظها، أو يحاول التعمق بالأسباب الكامنة خلفها، وإنما كانت معارفه تتركز على المعرفة من أجل البقاء واستمرار ذلك البقاء. وفي هذه المرحلة لم يكن لدى الإنسان شرح منطقي لجميع الظواهر التي يلاحظها، إذ كانت اغلب ملاحظاته عرضية وآنية، فقد كان يتحرك بطريقة غير منتظمة، فهو يتخبط في سلوكه، ويكرر محاولاته كي يجد حلا معقولا لما يعترضه، رغم أن تلك المعارف كان يتم الوصول إليها بالمصادفة (Chance) في أغلب الأحيان. إذ تعد المصادفة من أقدم الطرق التي ساهمت في تطوير المعرفة نتيجة لتعرض الفرد لموقف معين، ولعدد من التجارب الحياتية الغير مقصودة، والناتجة عن أسباب عرضية، أدت إلى خلق خبرة ذاتية لدى الفرد، أهلته لبناء تعميمات نقلها إلى الآخرين كمعرفة لم يكن عنصر القصد متوفر فيها، أو كخبرة يقوم بتعميمها على مواقف أخرى. إلى جانب ذلك كان يصل إلى تلك المعارف من خلال محاولاته المقصودة، فقد كان ينتقل بمستوى المعرفة إلى مستوى البحث عن أسباب وتفسيرات لتلك الظواهر. ويذهب إلى ابعد من ذلك عند محاولته بالتجربة المتكررة التوصل إلى تفسير لهذه الظواهر.
فأننا نجده يبحث باستمرار وبإصرار قد يستمر وبعدد كبير من المحاولات وعلى غير هدى أو بينة من أمره، فتراه يترك محاولته الأولى لأنها لم تصل به إلى غايته، ليختار غيرها ولا يزال يترك طريقا ويسلك أخر، حتى يجد حلا معقولا أو تفسيراً لم يلاحظه سابقا يوصله إلى تلك المعارف.
ومن خلال تلك المحاولات والإجراءات المتكررة استطاع الإنسان ألامساك بجملة من المبادئ والتي تضاعفت بالتدريج مما أدى إلى تراكمها.
أن هذا الأسلوب يعتبر من أول الطرق البدائية ذات الطابع العملي والنظري والتي استخدمت وكان لها الأساس الأول في تطوير العلم والمعرفة. رغم ما تتسم به من ملاحظات بسيطة تقف عند مستوى الإدراك الحسي عادة، دون إدراك العلاقات القائمة بين الظواهر وأسبابها، علما بان بقايا هذه الاتجاه مازال يعيش بيننا في صورة أو أخرى، وذلك حينما يصادف الإنسان مواقف يعجز عن تفسيرها أو مواجهتها، وعادة يطلق على هذه الطريقة اسم التعلم بالمحاولة والخطأ( التعلم بالمحاولة واستبعاد الخطأ).
وقد أوضح العالم كارل بوبرCarl Popper في كتابه (عقم المذهب التاريخي) بأنه" لا يوجد حد فاصل بين الطريقة التجريبية العلمية، وبين الطريقة التجريبية في مرحلتها السابقة على المرحلة العلمية، وذلك رغم تسليمنا بأهمية العمل على زيادة تطبيق المناهج العلمية أو النقدية تطبيقا واعيا، فكل من الطريقتين يمكن وصفها بأنها تستخدم في أساسها طريقة (المحاولة والخطأTrial and error) والمحاولة هنا معناها أننا لا نكتفي بمجرد تسجيل المشاهدات، بل نقوم بمحاولات ايجابية لحل مشكلات معينه، يزيد حظها أو ينقص من التحديد والفائدة العلمية، ونحن لا نتقدم في حل هذه المشكلات إلا إذا كنا على استعداد لان نتعلم من أخطائنا : اعني إن نعترف بأخطائنا وننتفع بها على نحو نقدي بدلا من التعصب للاستمرار بها، هذا يصف منهج العلوم التجريبية كلها ".
ويضيف أيضا " وهذا المنهج يزداد حظه من الطابع العلمي، كلما كنا أكثر نقداً ووعيا، في استعدادنا للمخاطرة في محاولاتنا، وكلما كنا أكثر نقداً وحذراً في موقفنا من الأخطاء التي لابد لنا من الوقوع فيها دائماً، وهذا القول لا ينطبق على منهج التجربة وحسب بل انه يشمل كذلك العلاقة بين النظرية والتجربة، فالنظريات جميعا محاولات، وهي فروض مؤقتة نخبرها لنستبين ما إذا كانت تؤدي الغرض المقصود منها بروح نقدية، بقصد العثور على موضع الخطأ في نظريتنا " (بوبر- 1959). وفي هذا النوع من طرق اكتساب المعرفة يكون الإنسان أكثر حرية واختيارا من مرحلة الاشتراط بكل تسمياتها وأنواعها، حيث خرج الإنسان من خلالها من سيطرة الحتمية البيولوجية والبيئية معا ولأول مرة في مسيرة تطوره الاجتماعي والمعرفي، والذي أنعكس بدوره على طبيعة الفسيولوجية.

• الاستنباط Deduction :
تعتبر هذه الطريقة (الأسلوب) المنطقية، خطوة إلى الإمام بالنسبة للأساليب التي طور بها الإنسان طريقة تعلمه ومعارفه عن الأشياء الجديدة, وعن طريق تمثل عدد من العمليات الذهنية التي تدور كلها في العقل وبمنأى عن الواقع, والتي قادته بمجموعها إلى التفكير القياسي Syllogistic Thinking، الذي هو عملية عقلية نستدل بها على صحة قضية ما بالقياس على قضية أخرى, حيث يتم فيه البرهنة على المعرفة القديمة التي يفترض صحتها، للتوصل إلى المعرفة الجديدة، وبذلك تكون المعرفة القديمة سببا، والمعرفة الجديدة هي النتيجة.
فالقياس Measuring لدى (أرسطو) هو حركة فكرية ينتقل فيها العقل من حكم كلي إلى أحكام جزئية، أو من حكم عام إلى حكم بواسطة الحد الثالث حيث يبدأ من فكرة عامة شائعة, أو ما يبدو انه من المسلمات، ولذا فانه لا يحتاج إلى تحقيق اختباري عن مواجهة الواقع، أو قد يبدو غير قابل لذلك التحقق الاختباري، لان تلك الفكرة تمثل موقف أخلاقي أو إيماني.
ويقوم الاستنباط Deduction على نسق من التعريفات والفروض المسلم بصحتها من البداية، ننتقل فيها وبما يترتب عليها من نتائج إلى النظريات، أي أن المعرفة الجزئية تسلمنا إلى المعرفة الكلية بالاستنباط أو الاستدلال على الكل بالجزء, والانتقال من العام إلى الخاص، ومن المبادئ إلى النتائج، ويستخدم لاختبار صحة حقيقة أو نتيجة معينة، ينتقل فيه الشخص المفكر من مقدمة أو أكثر ليستدل على معرفة جديدة من معرفة قديمة وبدونه لا يكون الحكم. ويسمى الاستنباط من مقدمة واحدة استدلالا مباشراً، والاستدلال Inference عملية منطقية ينتقل فيها الفكر من قضية معلومة إلى قضية جديدة.
والاستدلال قد يكون استدلال استنباطيا حينما ينتقل الفكر من العام إلى الخاص ومن المبدأ إلى النتيجة، ويكون استدلالا استقرائيا عندما ينتقل الفكر من الخاص إلى العام, ومن الواقع إلى القانون، كما قد يكون استدلالا رياضيا يبدأ من الواقع لا من حيث مادته، وإنما من حيث مقاديره ومقاييسه (الشيباني- 1971).
أما الاستنباط الذي يتأتى من مقدمتين أو أكثر فيسمى استدلالا غير مباشراً, ويعرفه (أرسطو) بأنه قول تقرر فيه أشياء معينه، يتولد عنها بالضرورة شيء أخر غير ما سبق تقريره, يمكن الحصول عليه من خلال استخدام عملية عقلية تعرف بالقياس المنطقي Syllogism (فان دالين – 1992).
وعند ممارسة الفرد لهذا النوع من التفكير يرى إن ما يصدق على الكل يصدق كذلك على الجزء، وبذلك يحاول إثبات أن ذلك الجزء يقع منطقيا في إطار الكل، وهو يفيد في حل المشكلات ولكن في حدود معينة، واعتمادا على مدى التأكد من صحة ودقة المقدمات التي يعتمد عليها، تكون النتيجة التي يتم استنتاجها من بدايات موثوقا بها نتيجة موثوقا بها أيضا. فالشواهد المؤيده تزيد من احتمال صدق القانون أو النظرية، ولكنها لا تبرهن عليه. والصدق فيه صدق صوري، ويعني إن النتائج تتطابق مع الفروض، إلا أن ذلك لا يدل على الأسباب، ولا يكشف عما لا نعرفه لكنه ينمي القدرة على الجدل.
والتفكير الاستنباطي Deductive Thinking هو مرحلة التفلسف، أو مرحلة التدليل العقلي المنطقي، ضمن مراحل تطور التفكير الإنساني. فهو عملية معرفية تدور كلها في العقل، ومن خلال التدليل العقلي يستطيع الفرد أن يتوصل إلى الحقيقة الكاملة لكل ما يحيط به. وكمثال لعرض التفكير الاستنباطي، فان الهندسة الاقليدسيه مثال ممتاز، حيث تبنى النظريات من مسلمات قليلة، ثم تطبق هذه النظريات في حل مسائل أخرى.
والاستنباط يستخدم قواعد المنطق الصوري Formal Logic والتي هي عبارة عن استدلال يحتوي على ثلاثة قضايا تسمى القضيتين الأوليتين بالمقدمتين، حيث أنهما تمهدان لبلوغ النتيجة وهي القضية الثالثة. مثالا على ذلك:
فالمثال الخالد والذي يتردد دائماً :
1- كل إنسان فان.
بما إن سقراط إنسان.
إذن سقراط فان.
2- الحروب الكبرى بين الأمم مدمرة.
الحرب بين العراق وأمريكا مدمرة.
إذن الحرب بين العراق وأمريكا من الحروب الكبرى.
ولكن لسوء الحظ فان هذه الطريقة قد تخدع الباحث أحيانا, مثلما تخدع السامع، لان هذه الطريقة تميل إلى شغل اهتمام الشخص بالعمليات العقلية والحوار الماهر بدلا من تركيز اهتمامه على البحث عن الحقيقة ذاتها. فبالرغم من أن المقدمات التي طرحت بالأمثلة التالية هي صادقة وموثوق بها غير أن النتيجة المستنبطة منها هي غير صادقة.
مثال :
1- كل سور القرآن الكريم تبدأ بالبسملة.
وبما إن سورة التوبة من سور القرآن الكريم.
إذن سورة التوبة تبدأ بالبسملة.
2- كل الحيوانات تسير إلى الأمام والى الخلف.
والأسماك من حيوانات.
إذن الأسماك تسير إلى الأمام والى الخلف.
3- كل مسلم لا يكذب.
مهند مسلم.
مهند لا يكذب.
رغم أن المقدمتين الأوليتين الواردتين في الأمثلة السابق صادقتين، غير أن النتيجة المستنبطة منها كانت غير صادقة أو تحتمل الخطأ. وقد تم ذلك من خلال التلاعب بالكلمات من خلال عملية الجدل أو الحوار في المثال الأول, أما الأمثلة الأخرى يشوبها الشك وعدم المصداقية, و بناءاً على ذلك هناك جملة من المشكلات التي تعترض هذا الأسلوب من التفكير منها :
1- الاعتماد على الترميز اللفظي، مع اختلاف تلك الرموز المستخدمة.
2- احتمال كون أحدى المقدمتين غير صادقة في الواقع.
3- استنباط نتائج معرفية متوافرة سابقا.
4- عدم وجود علاقة بين المقدمات والنتائج المستخلصة.
5- أن تتسم تلك المعارف بالمنطقية والعمومية وعدم التناقض, زمانيا أو مكانيا أو بما يتضمنه المضمون.
ولقد أسهم اليونانيون القدماء وغيرهم من أصحاب الحضارات القديمة في تطوير تلك الطريقة، مما أوجد جملة من الأفكار والآراء وهو ما تسمت به المرحلة الفلسفية، وهي مرحلة تتميز بالشك فيما هو موجود من حقائق وتعتمد على المناقشة والحوار، أو ما يسمى بالجدل Dialectic، وقد استخدم (أرسطو) الجدل من خلال توجيه الأسئلة للخصم لتوليد الإجابات عليها بقصد جلاء الحقيقة، والتي يزعم الخصم وحده أنه العارف بها دون غيره. وبدعوى أنه يهدف إلى إثبات وجهة نظر الخصم لا دحضها. ولكن (أرسطو) في الحقيقة كان يوقع محدثه في تناقض بطريقته التهكمية التي تقوم على طرح معنى ينفي المعنى الأول. ومنذ عهد (سقراط) أعتبر الحوار Dialogue وسيلة قوية للبحث عن إجابات للأسئلة الأساسية عن الحياة، فالحياة من وجهة نظر (سقراط) التي بلا تدقيق أو فحص أو تجريب لا تستحق أن يحياها الفرد. وبشكل عام نجد أن الاستخدام المباشر للعملية الإستنباطية يمثل جزءاً صغيراً من التفكير العادي.

• الاستقراء Induction :
تعتبر هذه الطريقة من أكثر الطرق تقدما من سابقاتها، فالأسلوب الاستقرائي جاء ليكمل الطريقة الإستنباطية في البحث عن المعرفة، وفيه يتم التحقق من صدق معرفة جزئية بالاعتماد على الملاحظة والتجربة الحسية المتكررة، التي تساعد الباحث على تعميم نتائج بحثه. ففيها ينتقل من الخاص إلى العام، ومن النتائج إلى مبادئها، ومن الظواهر إلى قوانينها، وبذلك يتم انتقال من الحقائق المحسوسة والجُزيئات والتفصيلات إلى الكليات والتعميمات، من خلال قيام الباحث بجمع الأدلة التي تساعد على إصدار تعميمات محتملة الصدق.
والاستقراء ليس برهانا، ولكن صدقا احتماليا يساعدنا على التنبؤ بالظواهر والحوادث المستقبلية. ويعتبر أكثر دقة إذا أمكن تحويل المعلومات المتعلقة بالظواهر إلى تعبير كمي.
وعليه فإن الصدق في العلوم الاستقرائية أو المادية، هو صدق مادي لان قضايا هذه العلوم تتطابق مع الواقع الخارجي، في حين أن الصدق في العلوم الاستنباطية هو صدق صوري، والنتائج فيها تتطابق مع الفروض.
كما إن الصدق في العلوم الاستقرائية واحد، بينما تتعدد صور الصدق في العلوم الإستنباطية بتعدد أنساقها الصورية. والاستقراء يوسع نطاق الملاحظة، لان الملاحظة لا تشمل إلا عددا محدودا من الظواهر، مما يعني حقائق محدده، يمكننا الوصول إليها من خلال تلك الملاحظة المباشرة، والتي تنبني عليها النتائج العامة. أما القانون المستخرج منها فهو عام شامل لعدد غير معين من الظواهر، فكأننا نحكم بالجزء على الكل، وبالمحدود على غير المحدود، وبوجود العام في الخاص. وعموما فأن الاستقراء على نوعين هما: الاستقراء التام والاستقراء الناقص.
أما الاستقراء التام Elaborate or Complete Induction: فهو أسلوبا للتفكير، يعد وسيلة من وسائل المعرفة وليس غاية في حد ذاته. ويقوم على تعداد جميع الأمثلة الجزئية التي تشترك في صفات خاصة، تم تلخيصها في قوانين عامة. وفيه يتم التحقق من صحة المعرفة بالخبرة المباشرة عن طريق الحواس.
بينما الاستقراء الناقص Incomplete or Imperfect Induction: يسمى بالتوسعي أو التعميمي، لأنه يوسع المجال الذي تصدق فيه فكرة ما. وهو أسلوب تفكير يتم فيه الانتقال من الملاحظة والتجربة إلى مرحله تكوين الفرض الذي يفسر كل الملاحظات والتجارب، ومن ثم اختباره بحيث يرتقي حكمه إلى مرتبة حكم القانون إذا ما ثبت صدقه، ويكون معرفة احتمالية يقبل بها الباحث كتقريب للواقع، ويقوم على ملاحظة الظواهر وإجراء التجارب على بعض الأمثلة، واستخلاص القوانين وتصميمها على الظواهر والحالات المماثلة وهو ما يصح أن نطلق عليه تسمية الاستقراء العلمي.
ونستطيع من خلال ما تقدم أن نقدم مثالا تطبيقيا للتفكير الاستقرائي:
مثال :
الخلية وحدة البناء في جسم الإنسان.
الخلية وحدة البناء في جسم الحيوان.
الخلية وحدة البناء في جسم النبات.
إذن (الخلية وحدة البناء في جسم الكائن الحي).
مثال : مجموع زوايا المثلث متساوي الساقين هو (180) درجه.
مجموع زوايا المثلث قائم الأضلاع هو (180) درجه.
مجموع زوايا المثلث منفرج الزاوية هو (180) درجه.
إذن ( مجموع زوايا أي مثلث هو 180 درجه).

• الطريقة العلميةScientific Method :
العلم هو المشروع الوحيد الذي يتيح للباحثين الاتفاق في وجهات نظرهم نحو موضوع ما، وذلك عن طريق اتفاقهم رغم اختلافهم وتباعدهم في الزمان والمكان، على الإجراءات التي يقومون بها أثناء دراسة ذلك الموضوع، فالعلم يتميز بمنهجية تختلف عن سائر الفعاليات الإنسانية المتبقية، فهو يتضمن مبادئ ومسلمات، ويعالج الوقائع، ويختبر الفروض التي تربط تلك الوقائع بعضها ببعض لتصل إلى صياغة القوانين والنظريات، من خلال استخدام الملاحظة والتجربة أداة له، متخذا من الرياضيات لغة للتعبير عن نتائجه.
فالمعرفة العلمية تتخذ من التفكير المنظم أسلوبا وطريقا للبحث، وذلك من خلال مجموعة من العمليات والمهارات العقلية التي يمتلكها الفرد والتي اكتسبها بالتعلم، ويستخدمها أثناء بحثه عن حل لمشكلة ما، أو الإجابة عن سؤال، أو للتغلب على صعوبة، والتوصل إلى نتائج لم يكن يمتلكها سابقا، علما بأنه ليس هناك مجموعة محددة من الخطوات يمكن للباحثين إتباعها دائما، كما لا يوجد مسار محدد يقود إلى المعرفة العلمية، بل توجد ملامح معينه تعطي للعلم ميزته الخاصة، التي يتميز بها عن باقي الفعاليات الإنسانية، تتمثل في طرق التفكير وفي الأساليب التي يتبعها العلماء سعيا لاكتشاف المتغيرات في الطبيعة والإنسان والربط بينها ومحاولة تفسيرها.
فالمنهج العلمي هو الجمع بين عمليات التفكير الاستنباطي والاستقرائي، والذي أدى إلى الجمع بين الفكر والملاحظة متجسدا بالاستدلال العلمي، والذي يعتبر من أحدث طرق الحصول على المعرفة، يتصف بالدقة والصحة والثبات في النتائج، يسعى للكشف عن الحقائق، من اجل فهم وتفسير الظواهر، والتوقع لما يمكن أن يحدث مستقبلا، مستخدما أساليب القياس والتحليل.
أن المعرفة العلمية بأشكالها المختلفة تنمو وتزداد نتيجة لاستخدام الطريقة العلمية ومهارات التفكير العلمي في إجراء البحوث والتجارب العلمية، وتعتبر مرحلة النضج للتفكير البشري، عند تتبع سير الظواهر لتحقيق المعرفة، فقد أصبح الإنسان يجمع بين الفكر الذي يمثله الأسلوب القياسي، وبين الملاحظة التي يمثلها أسلوب التفكير الاستقرائي، من خلال عملية التكامل بينهما في طريقة واحدة، هي الطريقة العلمية التي ينتقل فيها الباحثون بطريقة استدلالية من ملاحظاتهم إلى الفروض ثم يستقرؤن النتائج التي يمكن الوصول إليها إذا كانت العلاقة المفترضة صحيحة، فلو كانت هذه النتائج متفقة مع المعرفة القائمة، فإننا نختبر هذه الفروض بجمع البيانات وبناء على ما نحصل عليه من نتائج نتيجة لتحليل تلك البيانات نقوم بقبول أو رفض تلك الفروض.
وبناء على ذلك فإن الطريقة العلمية تقوم أولاً بالتفكير فيما يمكن أن نصل إليه من معلومات لتحقق فيما إذا كان الفرض صحيحا أم لا، من خلال قيامنا بملاحظات منظمة للتحقق من صحة ذلك الفرض من خطأه. أما الفارق الأساسي بين هذه الطريقة والتفكير الاستدلالي يكمن في استخدام الفروض ولغرض التعرف على العناصر المكونة لعملية التفكير العلمي (الطريقة العلمية) نركن إلى المحددات التي قدمتها الجمعية القومية للدراسات التربوية في الولايات المتحدة بإشارة منها إلى تلك العناصر والتي هي :
1- الشعور بمشكلة ذات دلاله.
2- تعريف المشكلة وتحديدها.
3- دراسة الموقف وجمع الحقائق والمعلومات والبيانات التي لها علاقة بالمشكلة.
4- وضع الفروض لحل المشكلة.
5- اختبار الفروض بواسطة التجريب أو أي وسيلة أخرى.
6- قبول الفروض مؤقتا أو رفضها، واختبار فروض أخرى.
7- الوصول إلى حل للمشكلة (عبد السلام – 2001).
وعليه تعد الطريقة العلمية طريقة دقيقة للبحث عن الحقيقة في موقف من المواقف وفي النظر إلى الأمور نظرة تعتمد أساسا على العقل والبرهان المقنع بالتجربة أو بالدليل. وهي بذلك تمكن الباحثين من اكتشاف النظام والانتظام الموجود في الظواهر والأحداث الطبيعية والاجتماعية والنفسية, فضلا عن ذلك تتميز هذه الطريقة في التفكير والبحث بخصائص ومميزات نذكر منها:
1- الاعتقاد بان هناك تفسيراً طبيعيا لجميع الظواهر التي نلاحظها.
2- استخدام مفاهيم ومصطلحات محددة تتميز بالوضوح وعدم الغموض، من خلال تقديم تعريفات إجرائية تعطي صورة واضحة تصف الأحداث والظواهر وما نقصد بها ضمن الدراسة المقررة.
3- تفترض أن العالم هو كون منظم ولا يوجد نتيجة فيه بدون سبب.
4- النتائج التي يتم الحصول عليها تتميز بالصدق والثبات، وذلك من خلال قابلية الملاحظات على التكرار، والحصول على النتائج ذاتها إذا ما أعيد أجراء تلك الدراسة.
5- رفض الاعتماد على مصادر الثقة، والتأكيد بان النتائج لا تعتبر صحيحة، ألا إذا دعمها الدليل.
6- الاعتماد على الملاحظة المباشرة مادام ذلك ممكنا، واستبدالها بالمنطق، وان الأفكار والحقائق مهما كان الطريق الذي أوصلنا إليها، يجب أن يخضع للاختبار والتجربة لإظهار صحتها أو بطلانها.
7- أن تكون النتائج التي نصل إليها لا تتعارض مع الدليل، أو الحقائق المعروفة، أو مع التجربة داخل مجال الدراسة بمعنى آخر أن تكون النتائج منطقية.
8- التحكم في العوامل والمتغيرات التي تؤثر على الظاهرة، بهدف استبعاد أثرها وترك المتغير المستقل أو التجريبي كي يتمكن الباحث من دراسة أثره على المتغير التابع.



#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)       #          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم والتفكير العلمي
- المعرفة الانسانية وأنواعها
- وجهات نظر: أفيون ولكن !!!!!
- وجهات نظر: امرأة واحدة ولكن!!!!!
- وجهات نظر: نظرية أنسانية ولكن....


المزيد.....




- الإمارات تشهد هطول -أكبر كميات أمطار في تاريخها الحديث-.. وم ...
- مكتب أممي يدعو القوات الإسرائيلية إلى وقف هجمات المستوطنين ع ...
- الطاقة.. ملف ساخن على طاولة السوداني وبايدن
- -النيران اشتعلت فيها-.. حزب الله يعرض مشاهد من استهدافه منصة ...
- قطر تستنكر تهديد نائب أمريكي بإعادة تقييم علاقات واشنطن مع ا ...
- أوكرانيا تدرج النائب الأول السابق لأمين مجلس الأمن القومي وا ...
- فرنسا تستدعي سفيرتها لدى أذربيجان -للتشاور- في ظل توتر بين ا ...
- كندا تخطط لتقديم أسلحة لأوكرانيا بقيمة تزيد عن مليار دولار
- مسؤول أمريكي: أوكرانيا لن تحصل على أموال الأصول الروسية كامل ...
- الولايات المتحدة: ترامب يشكو منعه مواصلة حملته الانتخابية بخ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - طرق ومصادر المعرفة