أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ..16















المزيد.....

معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ..16


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2334 - 2008 / 7 / 6 - 10:46
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


من ضمن الاستعداد للهروب كان من الضروري التفكير جديا بتزويد كل سجين هارب بهوية شخصية يحملها معه حال خروجه من السجن لتلافي أية شكوك قد تصادفه من قبل الشرطة أو الانضباط العسكري في نقاط التفتيش ، عند مداخل المدن أو مخارجها ، المسكونة بهاجس الخوف الحكومي من الناس المسالمين الذاهبين إلى أعمالهم أو العائدين منها ، فيوقفون كل سيارة لتفتيشها تفتيشا دقيقا معتمدين على كل وسائل إرهاب الناس وأهانتهم .
المعلومات المتوفرة لدينا عن الطريق الموصل من الحلة إلى بغداد حوالي 100 كيلومترا لا يخلو من نقاط تفتيش . يزيد عددها أو يقل حسب الظروف لكن الأقل فيها هي أربع نقاط بكل الحالات . بعضها تابع للانضباط العسكري الباحث عن الجنود الهاربين من الجيش وبعضها تابع للأجهزة الأمنية وبعضها مشترك . وقد كان علينا اخذ الاحتياطات الضرورية من هذا الجانب أيضا فلا يجوز لهارب من السجن أن لا يحمل هوية قادرة على إخفاء شخصيته الحقيقية والتمويه على الشرطة التي كانت في أقصى حالات اليقظة في تلك الأيام . وما تزال حية في أذهاننا بعض حوادث الهروب التي انتهت باعتقال الهارب لأنه لا يحمل هوية ، أو أن الهارب بلا هوية قد يواجه متاعب كثيرة عند البحث عن طريق آمنة لكنها صعبة وشائكة ومحفوفة بالأخطار قد يجبر على سلوكها للوصول إلى الهدف كما حصل لكاظم فرهود الهارب من صحراء سجن السلمان أثناء نقله مع سليم إسماعيل إلى السماوة ( سليم اسماعيل وصل البصرة سالما لكن كاظم فرهود اعتقل في محيط مدينة السماوة ) أو المصاعب التي واجهها شاكر محمود بعد هروبه من مستشفى الديوانية التي كان ينال فيها علاجا طبيا حين كان سجينا في نقرة السلمان وقد واجه مصاعب جمة ساعده فيها راعي غنم للوصول الى بغداد سالما ، وغير ذلك كثير من الأمثلة .
ولأنني كنت قد مارست في بداية الخمسينات بعض تجارب إعداد الهويات وجوازات السفر لكثير من المناضلين الذين كانوا يتنقلون في داخل العراق وخارجه . وقد كنت قد نجحت في تهيئة عدد غير قليل من جوازات السفر لشيوعيين إيرانيين من أعضاء حزب تودة كانوا يسافرون إلى أوربا وخاصة إلى ألمانيا الديمقراطية عبر العراق ومطاراته . كما نجحت ، ذات مرة ، في تهيئة جوازي سفر مضبوطين لكل من عبد الوهاب طاهر( عضو الحزب الشيوعي ) وبصحبته ( عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وأظن أنه كان جلال الطالباني حسب ذاكرتي ) حين أرادا السفر إلى جمهورية الصين الشعبية أوائل الخمسينات بدعوة من الحزب الشيوعي الصيني .
صارت جميع وقائع الأحداث السلبية والايجابية الناتجة عن الهويات في أحاديث متصلة بيني ونصيف الحجاج لضمان القدرة على تجاوز الهاربين لكل نقاط التفتيش الحكومية المحتمل أن تقف محورا مخيفا في لحظات معينة وفي أماكن معينة في الطريق الطويل .
أنهيت أولا هويتي " المزورة " تحمل اسما اخترته مناسبا لمهنتي المدونة في الهوية ( نائب ضابط متسرح من الجيش ) وقد جمعت معلومات وافية عن هذه المهنة وعن بعض الوحدات العسكرية التي ( كنت اعمل فيها ..! ) كأمر احتياط للإجابة على أي سؤال يواجهني في نقاط التفتيش .
عرضت الهوية على نصيف الحجاج طالبا منه تدقيقها واكتشاف نقاط الضعف فيها إن وجدت . ابتسم نصيف الحجاج قائلا : إنها مضبوطة بنسبة مائة بالمائة .
ثم إعطاني صور بعض الرفاق المقرر هروبهم لانجاز هوياتهم لتكون جاهزة في اللحظة المناسبة باعتبار الهوية مكوّن أساسي من مكونات الهروب الناجح .
اختليت يومين كاملين في غرفة النجارة التي لم يكن فيها عمل في تلك الأيام ومعي عدد من الهويات الأصلية لأشخاص آخرين وصلتنا من خارج السجن . أكثرها كان يحمل مهنة معلم أو مدرس أو فلاح فأنجزتها بالوقت السريع ، وقد نالت حظها من الدقة والبراعة و سلمتها إلى نصيف الحجاج مبديا إعجابه بها .
ثم سألته : أين صورتك يا نصيف الحجاج لتهيئة هويتك ..؟
ابتسم من دون أن يتكلم .
ركزتُ على وجهه لمعرفة الجواب لكنه لم يترك لدي شكا إذ سارع بالقول :
ــ إنني لن اهرب.
صدمني الجواب بقوة لكنه سارع إلى القول :
ــ يمكن أن أجيبك على كل ما يدور بذهنك من قضايا تتعلق بهذا السؤال فأن عملية الهروب سينتج منها وبعدها ، خاصة في حالة نجاحها ، الكثير من التغييرات والاختلافات والمصاعب داخل السجن . أولا سيكون رد فعل إدارة السجن والسلطات القمعية عنيفا بوجه السجناء الباقين في السجن ، وأعدادهم كما تعلم ليست قليلة ، بعد نجاح الهروب . كما ستكون هناك تحولات عميقة في مواقف الكثير من السجناء إذا ما جرى تحقيق السلطة مع أي منهم وممارسة التعذيب مع بعضهم لمعرفة تفاصيل الهروب وتفاصيل عملية الحفر والمسئوليات الفردية المتعلقة بذلك فلا بد من وجودي إذن على رأس المنظمة في السجن في ظروف ستكون صعبة للغاية وقاسية للغاية . سيكون وجودي مع السجناء الباقين داخل السجن وجودا ضروريا لإعادة تشكيل التنظيمات بعد تحرير المجموعة المقررة .
كان نصيف الحجاج يتكلم بهدوئه الساحر وكنت أجد وجهه شاشة كبيرة تعرض أمامي صورا من الشهامة والرجولة ومن روح العزيمة الشيوعية ، ليس فقط في الإشراف على عملية الهروب المقررة ، بل حتى في الإشراف على حالات محتملة من القلق والخوف قد يمس بعض السجناء بعد نجاح الهروب .
حاكت مخيلته الكثير من الفرضيات التي قد تؤدي إلى ملابسات داخل السجن تحتاج حتما إلى قادة نادرين ليواجهوا عنفا محتملا ضد السجناء من قبل الجهات الأمنية بعد أن تصاب برعب شديد إثر هروب سجناء شيوعيين .
كان عقله الطليق يتحدث معي وعيناه تخترقان المجهول . كان يتفحص مستقبل سجن الحلة ومستقبل الأوضاع التي سيعيشها السجناء أنفسهم ويبحث عن الإمكانية الحقيقية لمواجهة التغيير الذي سيحدث بعد الهروب .
وجدتُ انه محق في ما يتصوره إذ يستقريء مقدما جميع التوقعات بوعيه القيادي الفذ وهو ممتلئ بالوجدانية كما عرفته منذ زمن طويل. فقد كنا صديقين نعيش في دارين ملتصقتين بالبصرة القديمة . نشأت بيننا علاقات عائلية أخوية وجدته فيها مثالا يمارس أرقى أشكال التضحية من اجل أصدقائه ورفاقه والناس الآخرين كما عشنا لسنوات أربع داخل القاووش رقم 4 في نقرة السلمان ونحن نعيش معا هموم " السفرة " الواحدة وهموم العذابات الواحدة وهموم الذكريات المشتركة . كان طوال عمره يجد أن ماركسيته في العلاقة مع الحياة تتمثل بوجوده وبوجود نشاطه وبوجود حياته من اجل الآخرين . في كل أطروحة من أطروحات حياته كنت أجد فيها الجرأة المتناهية في اتخاذ المواقف الصعبة . كانت التجلية الكبيرة في هذه الجرأة حين علم وهو بسجن نقرة السلمان باستشهاد شقيقه الشجاع فيصل الحجاج على يد الفاشست في قصر النهاية 1963 فقال معقبا على خبر استشهاد فيصل : هذا هو قسطنا في التضحية من اجل الشعب والشيوعية .
لم استغرب موقفه في سجن الحلة من قضية الهروب بل أن موقفه كان مثال درس جديد يقدمه أمامي هذا الإنسان الذي ما غابت الابتسامة عن وجهه الجميل المشع ، دائما ، بالأمل والثقة .
كانت المسافة بعيدة بين أن يشاركنا في نيل الحرية وبين أن يبقى سجينا لرعاية السجناء الذين سيواجهون ظرفا صعبا بعد الهروب ، لكنه اختار المسافة الأصعب .
كانت رغبته أن لا يغادر مسرح التاريخ القادم في سجن الحلة .
احترمت هذه الإرادة التي وجدتها شكلا راقيا من أشكال ممارسة الحرية .
نصيف الحجاج أسم لن يغيب عن كل الحروف الطيبة التي تتداول على ألسنة السجناء السياسيين في نقرة السلمان وفي سجن الحلة المركزي ممن فرحوا مع أفراحه أو حزنوا مع أحزانه فقد كان وسيظل ، بعمر مديد ، صورة جميلة دائمة الحضور عند تسمية الصفات الإنسانية والشيوعية .
***************************************
يتبع





#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 15
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 14
- يا نوري المالكي .. خذ الحكمة من باريس ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقضية الهروب من سجن الحلة .. 13
- يا نوري المالكي سيلاحقك العار إلى الأبد إن لم تفصل وزير التر ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 12
- معضلة الذاكرة ... وقصة الهروب من سجن الحلة 11
- هزات متبادلة بين مايوهات مجاهدي خلق وفيلق القدس .. العراق هو ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة المركزي .. 10
- كيف تصبح سفيرا عراقيا بخمسة أيام بدون معلم ..!!
- يا ليتنا كنا في الفضاء الخارجي لنفوز والله فوزا عظيما .. !! ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 9
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 8
- حول الانتخابات المحلية القادمة أقول : إن الكوز الفخّار سريع ...
- التاريخ العراقي يعيد نفسه مع بائع فلافل ..!!
- إلى المليارديرية والمليونيرية وكل المردشورية في النجف الأشرف ...
- ترياق ايراني من نوع اكسترا ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 7
- الحرب والموت هما المد والجزر في بحر الرأسمالية الأميركية ..! ...
- نصر الله .. حزب الله .. أبن الله ..!


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ..16