أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جودت شاكر محمود - الإنسان والعراق والديمقراطية















المزيد.....


الإنسان والعراق والديمقراطية


جودت شاكر محمود
()


الحوار المتمدن-العدد: 2331 - 2008 / 7 / 3 - 10:42
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في الحقيقة نحن جميعا ننطوي عالم من الأشياء والأفكار، وان لكل فرد منا عالمه الخاص به والذي يختلف عن عالم الآخرين.
أذن كيف يمكننا التفاهم فيما بيننا ونحن مختلفون ؟
وبالرغم من معرفتنا بهذا الاختلاف، لكننا وللأسف نعتقد بأننا متفاهمون، وحقيقة أمرنا في الواقع أننا لم نتفاهم أبداً.
مع كل ما وصل إليه الإنسان في الوقت الحاضر من ثورة في كافة المجالات المعرفية والمعلوماتية والتكنولوجية، وخاصة تلك التي تحقق له الاتصال والتواصل مع الآخرين، إلا انه وبالرغم من ذلك يعيش في عالم من العزلة مع كينونات من القيم والعقائد والأفكار والمصالح الذاتوية المقولبة والمنغلقة، والتي لا يمكن النفاذ إليها والتغلغل إلى أعماقها وكشف مكنوناتها ومناقشة محتواها، والعمل على تغيرها وتطويرها. انه ونتيجة لذلك يلاقي مشقة في محاولته للتواصل مع الغير، ولقد فشل في كل تلك المحاولات التي يبذلها للخروج من قوقعته التي بناءها الآخرون له، والتي عمل هو في الركون إليها في دعة واستسلام، مما جعل هناك جداراً صلداً بينه وبين الذوات الأخرى المختلفة عنه، يمنعه من التواصل معها. كل هذا لم يمنعه من قيامه بالمحاولة تلو المحاولة لتغير عالمه هذا. والآخرون كما هو الكل منعزل ومنفصل عن الكل، وكلهم يطوفون في اللامعنى ويعيشون مع العبث الفكري الذي خلقوه لأنفسهم وبأنفسهم. فنحن نعيش مع عالم من الأوهام التي يحاول الآخرون إقناعنا بها. فما الذي أكتسبه عندما التقي مع من يشبهني أو هو نسخة مني ومن أفكاري، ما هي الإضافات التي من الممكن أن أحصل عليها لكي أطور ذاتي من ذلك التواصل.
كل ذلك يؤدي بنا إلى أن نكون في عالم من الأفكار والأهداف الفارغة والخاوية من المضمون الإنساني مما يحدث تشظي لتلك الذوات الإنسانية التي نمتلكها، وبما يسمح للآخرين ذوي المصالح الوصولية والنفوس المريضة من تحقيق مأربهم، والسيطرة على مقدرات تلك المجاميع البشرية وتسيرها في ضوء مخططاتهم. وبذلك نخلق أشخاص مؤلهين لا يأتهم الباطل من يمينهم ولا من شمالهم ولا من فوقهم أو من تحتهم، هم القادة والأئمة والزعماء والرؤساء والإبطال والشيوخ ووووو.
إن البحث عن الحقيقة في عالم يحاول إلغائها ومصادرتها عبر مجموعة من الصيغ والأفكار والأحكام والقرارات التي لا تؤمن بصيرورة الإنسان والتي تفترض مسلمات مسبقة وجامدة يحاول البعض من خلالها أفراغ هذا الكائن في قوالب ثابتة وغير قابلة للتغيير أو التطور مما يسهل من السيطرة عليه، وتسخيره للوجهة التي تريد هي أن توصله إليها فاقداً للحرية أو الإرادة، منقاد لها ولما تحاول أن تقدمه له من أفكار وأطروحات فارغة جامدة ليس لها وجود في الواقع الإنساني والموضوعي. هي تعبير عن تخاريف تعيش في عقول وأخيلة من يقودون تلك المسيرة.
للإنسان حقيقة واحدة ذاتية يحس ويشعر بها، ويغضب حينما يواجهه الآخرون بأحكام تختلف عن ما تعارف عليه من صورة تكونت لدية عن ذاته، تلك الصورة التي سعى البعض من ذوي العقول المريضة من إقناعه بحقيقتها ومصداقيتها. وحينما يحاول البعض من إقناعه بان هذه الصورة التي يحملها عن ذاته ليس هي حقيقته، وان صورته الحقيقية أسمى منها وأرقى فانه يعلن بأنك شخص تسيء إليه ولا تستطيع أن تفهمه.
إن سوء الفهم شيء ثابت نسبيا لدى الأفراد وهو ليس عارض مؤقت. انه مصاحب للجنس البشري منذ وجوده على هذه الأرض، فالصراع حتمي وأزلي وهو الذي يحكم علاقتنا مع الغير.
كما أننا لا نستطيع أن نهرب من القوالب والتي وضعها لنا الآخرون، سواء أكانت تلك القوالب اجتماعية أو أخلاقية أو فكرية، وحينما نحاول الإفلات من مداراتها المرسومة لنا مسبقا، أو العمل على النفاذ منها أو تغييرها، فإننا وبدون أن ندري سوف نقع بقوالب أخرى شكلها لنا الآخرون لكي يعرفونا أو يتواصلوا معنا أو يحاولون أن يسيطرون علينا من خلالها.
إن مسيرة الإنسان الحر هو السعي الدائم للإفلات والإنعتاق والخروج من سيطرة القوالب والصور والأحكام والأفكار والقيود التي حاول الآخرون احتجازنا فيها، وتصويرها لنا بأنها هي حقيقتنا الأصلية، وهويتنا التي يعرفنا الآخرون من خلالها، ولا توجد لنا حقيقة خارج تلك الأطر المرسومة لنا. فيما هناك الآخر العبد الذي هو أسير تلك الصور والأفكار والقوالب التي لا يستطيع الفكاك منها فهي مسيطرة على مصيره تسيره وفق ما خطط وأعد لها مسبقا.
الآخر هو الذي يرينا حقيقة تلك القوالب حينما نعجز عن الانفكاك منها أو إدراكها، فهو المرآة التي نرى من خلالها ذواتنا، وبتعدد الآخرون تتعدد صورنا لذواتنا في كل لحظة لنا صورة عنها، لذا فإننا بحاجة ضرورية للآخرين وذلك لمعرفة طبيعة ذواتنا وكيف هي في الواقع وفي ضوء ما يدركه الآخرون عنا، كما إن وجودهم ضروري لتشكل العالم من حولنا واستمراره وتنوعه.
ولكن هناك الكثير من المحاولات ذات الطابع الفردي أو المحاولات التي تقوم بها بعض المجموعات أو الدول الساعية لإقصاء الآخر وانتزاع ما بيديه من ارض وثروات وممتلكات ولم يقف عند هذا الحد وإنما انتزاع روحه وإنسانيته وتحت الكثير من المسميات أو المعزوفات النشاز والتي تتمثل بـ: المدنية أو الديمقراطية أو الحضارة أو التحرر أو التدين ونصرة المظلوم. كل ذلك كان نتيجة لانتشار ثقافة إقصائية عدوانية، والتي لا ترى في الآخر سوى وسيلة لإشباع حاجاته المرضية.
إن طبيعة الحياة كما يصفها احد المفكرين بقوله: ( عندما يوجد فرد يسود السلام، وعند وجود اثنين ينشأ الصراع، وعند وجود أكثر تبدأ التحالفات). ولكن التحالف مع من ؟ مع البعض ضد البعض الآخر، وهو نوع من الصراع أيضاً. إن الصراع وبالرغم من آثاره الجانبية لكنه في جوهره لمصلحة الإنسانية ورقيها، فالصراع هو أصل التقدم البشري ومنبع الازدهار والانجاز الحضاري والإنساني. علماً بأن جميع النزاعات أساسها الرغبة بالسلطة، والمصالح الذاتوية، والآراء والمعتقدات ذات الطابع المتعصب الذي لا يؤمن بالانفتاح على الآخر، إلى جانب إيمان بعض الأفراد بأنه يملك ولوحده الحقيقة المطلقة. علما بان أشكال الصراع ليس واحدة ولكن أخطرها الصراع ألاستئصالي، إضافة إلى إن نتائجه مختلفة أيضا.
فحينما تضعف الروابط المشتركة بين الأفراد فأن الصراع يغدو طبيعيا وسمة سائدة في تلك المجتمعات. علما بأن المجتمعات الإنسانية الحالية لا بد لها من أن تسير نحو العقلانية، مما يعني السير نحو التعاون أكثر من ممارسة الصراع واحترافه مع الآخر الذي يختلف عنا.
فالصراع حقيقة موضوعية أولية من حقائق هذا الوجود، وجد مع الوجود الإنساني ذاته. وهو شيء كامن في الطبيعة البشرية. ولتحقيق السلام والاستقرار يجب البحث عن كوابح تحد من هذا الصراع ولا تحاول إلغاءه. وان السعي الإنسان لاكتشاف وابتكار النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ليست سوى وسيلة للبحث عن قواعد أكثر قبولا لتنظيم الصراع بين الأفراد والشعوب ومحاولة ضبطه والسيطرة عليه. ولا يتم ذلك إلا من خلال نشر قيم وأخلاق التعايش والتسامح والحرية بين أفراد المجتمع. والديمقراطية ليست سوى آلية أو أداة لتنظيم الصراع داخل المجتمعات، وليست إلغاءه.
فالمجتمع الديمقراطي هو المجتمع الذي تنعدم فيه الفرو قات، أو ينعدم التفاوت بين أفراده في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية وحتى العسكرية أو السلطوية، بحيث لا تجعل أي جانب من تلك الجوانب حكرا على فئة ما أو مجموعة أو حزبا أو طائفة، تستغلها كوسيلة للضغط، أو التحكم أو تقيد حرية الأفراد الآخرين، وبما يتناسب ومصالحها هي فقط بدون النظر إلى مصالح من يعيشون معهم، إلى جانب الحقوق والواجبات التي يجب أن يتشاركوا بها سوية.
حتى التنظيمات والتجمعات الحزبية ليست عاملا من عوامل تطبيق الديمقراطية الحقيقية أو وسيلة للوصول إليها، بقدر ما هي حاجز حقيقي وركن من أركان المؤسسات السلطوية وجهاز من أجهزة أنظمة الحكم. وخاصة حينما يكون ذلك الحزب هو الحزب الأوحد والحزب القائد أو المعبر الوحيد عن الجماهير وآمالها وأفكارها وتطلعاتها. في حين إن الجماهير بالرغم من كونها ذات تنظيم اجتماعي واحد هو المجتمع أو الدولة أو أي تنظيم آخر (الأمة مثلا) إلا إنها مختلفة الرغبات والحاجات والآراء والأفكار والأهداف والطموحات والمعتقدات.
أن يضم المجتمع ثقافات فرعية يكسبه ثراءً وتنوعا وزخما عاليا للاندفاع نحو التطور والتقدم وخاصة في حالة وجود قواسم أساسية مشتركة بين تلك الثقافات والتنوعات. ولكن حينما تكون هناك ثقافات فرعية واتجاهات فكرية مختلفة ومتنوعة وليس بينها أسس مشتركة، فان ذلك يؤدي إلى التفكك والضياع ومن ثم إلى التشرذم والاضمحلال أمام ما يحدث في هذا العالم من تطور هائل وسريع.
إن التعارض المعرفي والقيمي والعقائدي، والذي يتمثل بالتباين الديني والمذهبي والطائفي والحزبي والعشائري، وبكل تشظيات المجتمع الفكرية والممارسات السلوكية اليومية والتصورات المستقبلية، يؤدي إلى تعارض في المصالح التي يتبناها هؤلاء الأفراد، مما يعني اتخاذ مواقف متناقضة ومتعارضة ومشوهة للواقع.
المصالح هي مظهر من مظاهر الحياة ومطلب من متطلباتها. وان أي تعارض في المصالح الآنية والمستقبلية لشعب ما، يتسبب بمنع ذلك الشعب من أن يوحد وينظم صفوفه ليسير في ركب الحضارة والتقدم، بل ويؤدي إلى إحداث تفرقة بين أبنائه ويمزق نسيجه الاجتماعي. والتعارض في المصالح يولد الصراع، وخاصة حينما يكون التعارض من المستحيل معه قيام أي تسوية أو تقارب بين الأطراف، وبما يؤدي إلى توليد وخلق نزاعات وحروب بينهما. والتي هي من أهم علامات الصراع التناحري ألاستئصالي في الساحة السياسية العراقية.
أن مبدأ التعددية هو الاقتناع الكامل بان الأفراد والجماعات ذات طبيعة تعددية، والإيمان بأن هناك اختلافات متنوعة بين مكوناتها وعناصرها مثلما هناك متشابهات بينهما.
ونتيجة لتلك الاختلافات يظهر على سطح الواقع الفكري والثقافي للمجتمع عدد متنوع من الأطروحات الفكرية والسياسية والثقافية والفلسفية والتي يتم تداولها بين الفئات الواعية أو النخبوية في ذلك المجتمع.
وهذه الأطروحات تكتسب فاعليتها ودينامكيتها من خلال منح الحرية لكل الأفراد والجماعات والحق في تنظيم نفسها من اجل التعبير عن تلك الأطروحات، وطرحها للتطبيق على الواقع، والعمل على إيجاد المبررات، على تبني تلك الأطروحات بشرط أن لا تكون تلك الأطروحات بعيدا عن المصالح المشتركة والطموحات المستقبلية لهذا الشعب.
حيث إن ازدهار الأمم والتجمعات البشرية وتطورها هو نتيجة لوجود التعددية والتفاعل الايجابي بين تلك المجموعات، وبما يؤدي إلى الحراك الفكري والثقافي والسياسي بما يظهر حيوية المجتمع وديناميته. وهو ما نلاحظه على الساحة الفكرية والثقافية للمجتمع العراقي، حيث إن هذا التنوع والاختلاف كان وما زال سببا في تنوع وتطور ودينامية الثقافة العراقية.
أن حق كل المجموعات في الوجود والمشاركة، والعمل على احترام التميز والاختلاف، وقبول الجميع للجميع دون شروط، هو الشرط الأساسي لتحقيق الرفاهية والتطور لأبناء الشعب بكل مكوناتهم الأساسية والاجتماعية والدينية والقومية والثقافية، والعمل على تحقيق مصالحهم في الحياة الكريمة، والعمل على وحدتهم وتحقيق الاستقرار الأمني والاجتماعي وبما يعزز مسيرتهم نحو المستقبل الأفضل.
إن قانون الحضارة الغربية في الصراع هو قانون الكراهية للآخر والسعي إلى إقصائه ونحن أضفنا إليها لابد من استئصاله. من خلال استخدام القسوة والوحشية والمذابح .
حيث كانت أمريكا وباستمرار ضمن الفترات السابقة من تاريخها، وقبل فشل التجربة السوفيتية، وانتهاء الحرب الباردة، كانت تبيع الأحلام والديمقراطية وحقوق الإنسان للعالم، أي الشعارات التي تخلق الأوهام(والتي هي كلام بدون ممارسة)، أما اليوم فها هي تبيع الإرهاب والخوف لجميع الشعوب وبضمنها الشعب الأمريكي ذاته. فها هي تصدر القتل والتهجير والتفكيك والتشرذم لجميع المجتمعات(فالسمة الغالبة على سياستها هي العنف بكل أشكاله). فبدل من أن يكون العالم قرية كونية واحدة كما تعلن في أدبيات العولمة، فإنها قامت بالعودة بالإنسان إلى الكينونة( البنية) الوجودية الأولية لكي يحفظ كيانه ووجوده وبقائه، والتي هي الأسرة والعشيرة والطائفة.
ولكن السؤال الذي يداعب أذهاننا هو: ما هي الديمقراطية ؟ وهل حقا العراق يعيش الديمقراطية ويسير على طريقها ؟ وأي نوع من أنواع الديمقراطية يمكن لها أن تنجح في العراق اليوم ؟
الحرية كما يعبر عنها هارولد لاسكي هي(انعدام القيود على الظروف الاجتماعية التي تمثل في المدينة الحديثة الضمانات الضرورية للسعادة الفردية). والحرية هي القدرة الكامنة لدى الفرد الإنساني على الخلق والإنتاج والإبداع، والتي يجب انتزاعها من براثن وقيود التي تحيط بها، والتي تمنع ذلك الفرد من ممارسة إنسانيته بتفاعل مع غيره من أبناء جنسه دون خوف أو وجود فوارق تميزه عنهم. لذا جاءت السلطات المختلفة أن كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عسكرية، والتي من الممكن الإشارة إليها(أي السلطة) على أنها مجموعة من التدابير والإجراءات التي تهدف إلى حماية الأفراد وتأمين التوافق بين حرية الإنسان وضرورات الحياة اليومية لمجموعة من الأفراد. كما إنها الأداة أو الوسيلة لخلق عالم يتحرر فيه الإنسان من قيوده، وخاصة القيود الفكرية والعملية والتي تقيده وتحرمه من ممارسة العمل الإنتاجي بكل أشكاله(علمي ثقافي سياسي اقتصادي) والذي يهدف إلى خلق عالم آمن متطور له واللذين يعيشون معه. حيث لا وجود للحرية مع وجود العنف والقتل والاستئصال، ولا ديمقراطية حين تسود وتستشري شريعة الإقصاء والقوة والإرهاب والقتل.
فالديمقراطية هي نظام اجتماعي وأخلاقي يشير إلى ثقافة سياسية وقانونية واقتصادية معينة تتجلى فيها حرية الأفراد في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم، وبما يضمن لهم حق الاختلاف والمشاركة في إدارة شؤون البلد الذي يعيشون فيه، مع عدم التجاوز على حقوق الآخرين. أي هي شكل من أشكال الحكم السياسي القائم على الاقتراع السري يسعى لتداول السلطة من خلال برلمانات منتخبة وممارسة واجباتهم وضمان حقوقهم الأساسية. الديمقراطية ليست هي حكم الشعب وبالشعب ومن اجل الشعب. إنما هي سلوك وممارسة تنطوي على نتائج تحدث تغيراً في البنى المجتمعية وفي سلوك الأفراد وعلى كافة الأصعدة الفكرية والسياسية والاقتصادية.
فالديمقراطية هي معيار العمل السياسي وشرطه الأساسي. وهناك عدد من الديمقراطيات والتي منها: الديمقراطية النيابية وفرعا منها الديمقراطية الليبرالية أو الدستورية. والديمقراطية الاشتراكية، والديمقراطية الشعبية، والديمقراطية المقيدة، والديمقراطية المباشرة، والديمقراطية الثورية، والديمقراطية المركزية.
أن أنموذج الديمقراطية المقيدة والتي نلاحظ بعض تطبيقاتها في الكثير من أقطار الوطن العربي، هي ممارسة عدد من الأساليب التي تجعل من الديمقراطية فقط وسيلة لتأييد نظام الحكم القائم وإظهاره بالمظهر الديمقراطي، والذي يتمتع أفراده بالحرية الزائفة، فهي ممارسات بعيدة عن الواقع ومتغيراته. فهي خالية من تداول السلطة ومن حرية التعبير عن الرأي، كما إنها تبيح الحرية للبعض(وهم أعضاء الحزب الحاكم، أو الموالين للحاكم) في حين تحرم الآخرين منها وهم جموع الشعب، وهي لا تقف عند هذا الحد بل تبيح دماء البعض والذين هم يعارضونها ويطالبون بديمقراطية حقيقية. فهي نموذج يؤدي إلى استحلال دماء الآخرين وحريتهم وإنسانيتهم ولا مكان فيها لقبول الآخر أو إعطائه حق المشاركة. فهي ذات طبيعة إقصائية تسعى إلى إقصاء وتهميش الآخر. واحتكار السلطة والثروة وكافة المقومات الأساسية للحياة بيد ممن يدورون في فلك السلطة الحاكمة.
أما الديمقراطية اللبرالية وهي النموذج الغربي للديمقراطية فهو يعني إعطاء الأفراد حق حرية التصويت وإبداء الأرآء عبر صناديق الاقتراع، وفي ذات الوقت تحجيم وتقييد سلطة تلك الدولة من خلال ما يصدر من البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومؤتمر باريس وغيرها من المؤتمرات والتجمعات المالية والاقتصادية من قرارات وتعهدات، إلى جانب عقد الأحلاف والمعاهدات التي تعقدها الولايات المتحدة أو أي طرف من حلفاءها الغربيين. وكل ذلك لجعل تلك البلدان أسواقا مفتوحة لمنتجاتها، وفي ذات الوقت تصبح هي مصدرا للثروات والمواد الأولية التي تزخر بها تلك الدول. فهي حرية اللغو السياسي الذي لا يؤدي إلى إحداث أي تغيير، وهو ما نلاحظه في الكثير من البلدان وخاصة في العراق حيث أن حكومة تسير شؤونها بدون وزراء وذلك بعد انسحاب الكثير من الوزراء ولكن لم يحدث أي تغيير في سياسة الحكومة أو محاولة تغييرها. فهل هذه الديمقراطية ؟ وهذا مشابه لما حدث ويحدث في لبنان أيضا. إذن الديمقراطية هي تلك التي تدافع عن مصالح القوى الاقتصادية والمالية التي تتحكم بالسياسة الدولية هذا ما نراه في معظم الدول الأوربية وأمريكا، أما في دول العالم ما تحت خط الإنسانية(العالم الثالث)، فالديمقراطية هي الدفاع عن مصالح الدول الكبرى من خلال تعزيز دور السماسرة والعملاء في بسط سيطرتهم وسلطتهم على مقدرات الشعوب والسعي لتنفيذ مخططات التجمعات المالية والاقتصادية الكبرى. أما دور تلك الشعوب ضمن العملية الديمقراطية ليس سوى نقد أو لغو بدون طائل، أنها ليست سوى عملية للتنفيس عن الضغوط التي تتعرض لها. إن الديمقراطية الغربية والتي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية تطبيقها في العالم، هي نوع من سيطرة بعض الأفراد أو الأحزاب على مقاليد السلطة من خلال الكثير من الوسائل الشرعية والغير شرعية. حيث يكون للدولار والتزوير النصيب الأكبر في الوصول إلى تلك المناصب. وسعي تلك الأحزاب لتنفيذ سياسة تلك الدولة بالكامل دون أن تحيد عن ما خطط لها، وعلى الشعوب الرقص لكونها وصلت إلى صندوق الاقتراع وأدلت بأصواتها.
ولكن ما هي الديمقراطية التي يجب أن يسعى إليها الفرد العراقي والتي تحقق له طموحه ؟ هل هي ديمقراطية صناديق الاقتراع، وورقة الانتخاب، وبصمة الإصبع، والقائمة المغلقة، وفتاوي رجال الدين، والمرشحون الذين لا يعرفهم الناخب، كما جسدها الأمريكيون على ارض الواقع؟ أهم هي سلوك وممارسة يجب على من يدعيها ممارستها في علاقته مع أبناء هذا الشعب؟ ونحن حين لا نراها كممارسة سلوكية بين تلك النخب التي تدعي إنها ديمقراطية (حتى العظم) عندما تتعامل مع بعضها البعض فكيف لنا من أن نصف الوضع بالديمقراطي، ففاقد الشيء لا يعطيه، مثلها مثل الوطنية التي يتشدق بها الكل وهم لا يملكون ذرة منها. فالطامة الكبرى حين تضيع معاني المفاهيم والمصطلحات. فالأحزاب الدينية والقومية والشمولية والطائفية بعيدة كل البعد عما يسمى بالديمقراطية والحرية وتبادل السلطة وحرية الآخر. فأين هذا مما تدعيه وتطبل له.
ولكن العراق وبعد أن تشظى إلى قوميات وأديان ومذاهب ومناطقية وعشائرية وأحزاب، كيف لنا من جمع هذا الأجزاء المبعثرة والمتنافرة بعد أن استطاع المحتل والدخلاء من تمزيق نسيجه ألفسيفسائي وجعل سياستهم فيه "حرب الكل على الكل". فأي نموذج يمكن أن يطبق فيه، وهل تستطيع الديمقراطية اللبرالية (النموذج الأمريكي المشوه الذي طبق في العراق) من جمع شمل هذا الشتات المتمزق. ولكن قبل ذلك علينا التفكير ونتساءل هل نبقى أسرى تجارب وتصورات الآخرين الضيقة والمحدودة وذات ظروف وأسباب أدت إلى نشأتها قد تختلف عن الظروف التي يمر بها بلدنا، إلى جانب اختلاف الحاجات التي يشعر بها أبناء شعبنا عن غيرهم.
أذن لا بد لنا من البحث عن قواسم مشتركة، هذه القواسم المشتركة لا تنفي وجود التعددية الفكرية والعقائدية، وإنما تؤدي إلى خلق مساحات مشتركة من الوعي ذات الطابع الجمعي، والتي تتميز بالقدرة على إحداث المعرفية المشتركة القريبة من الواقع الحقيقي والموضوعي المعاش، والتي تمهد لتبني وعي سياسي مشترك بين كل التيارات والقوى المتواجدة على الساحة السياسية العراقية. ففي العراق اليوم أصبحت كل مجموعة تشعر بالخوف من الإقصاء والتهميش وحتى الاستئصال لوجودها من قبل المجموعات الأخرى، هذا من جانب ومن جانب آخر الكل يرغب بالوصول إلى السلطة وممارسة الحكم. فكل عراقي يشعر ألان بان له الأحقية والقدرة على ممارسة السلطة وإدارة شؤون الحكم، والذين وصلوا إلى دفة الحكم ليس هم بأفضل منه علماً وثقافةً وأحقيةً، وخاصة وهو يتمتع بالمواطنة أفضل من الكثيرين من الذين ولاءاتهم لدول أخرى، ولا تربطهم بالعراق سوى تنفيذ أجندات تلك الدول. إذن كيف نستطيع الخروج من هذا المأزق بدون أن نخسر شعبنا أو أي فرد منه، وفي ذات الوقت نحقق وحدة العراقيين شعبا ووطننا إلى جانب النهوض به ولأخذ بيده لإيصاله إلى مصاف الدول المتقدمة، وتعويضه عن كل الدمار والخراب الذي تعرض له وعلى مر العهود السابقة والحالية.
ففي حالة حرمان هؤلاء الأفراد من ممارسة الحكم فإننا ندفع بهم إلى اللجوء للوسائل المختلفة كي يحققوا ما يرغبون به ويشعرون بأنهم أحق به من غيرهم. والشخص الذي استسهل أساليب غير أخلاقية وغير شرعية للوصول إلى تلك المناصب، والتي يحكم الآن من خلالها ويمارس السلطة، فان هذه الأساليب ليس بعيدة عن الشخص الآخر أو انه لا يستطيع ممارستها، إذن لماذا لا يجرب هو ذات الأساليب لكي يحقق ما يؤمن به مثله مثل غيره، ونحن بذلك نشرع قانون للخيانة والتأمر والوصولية والانتهازية والأنانية، على حساب كل ما هو وطني وإنساني شريف، وندفع بأبناء شعبنا لممارستها والوصول بهم إلى حافة الهاوية.
إلى جانب كل ذلك فأن الكثيرين ممن وصلوا لإدارة شؤون البلد لا يعرفهم أبناء الشعب، مما يعني بأنهم ممثلين غير شرعيين لغالبية الشعب العراقي. أو أنهم غرباء عليه. لذا علينا أن نقوم بصياغة نموذجنا الخاص من هذا الوضع الذي نعيشه الآن" وضع التمزق والشتات". لذا علينا بالنموذج المباشر لممارسة الديمقراطية، نموذج عراقي يتواءم وطبيعة المجتمع والفرد العراقي وما تعرض له من تمزق نفسي واجتماعي. بحيث نفسح المجال لسكان القرى والتجمعات السكانية في الأقضية والنواحي من اختيار ممثليهم والصعود بهم وبشكل تدريجي إلى المحافظة ومنه إلى عموم القطر، وذلك من خلال تشكيل مجالس بلدية أو محلية أو شعبية في كل قرية أو محلة، ومن ثم في كل ناحية أو قضاء والوصول إلى مجلس في كل محافظة والذي يفضي إلى مجلس وطني عام لعموم القطر، وبما يعطي صلاحيات لكل محافظة لكي تمارس سيادتها على تلك المحافظة في ضوء قوانين تنظم العلاقة مع الحكومة المركزية، مع إعطاء صلاحيات في إصدار ومناقشة القوانين والقرارات للمجالس التي في أسفل الهرم، على أن يتم مناقشتها مع أبناء المحلة أو القرية مباشرة وبدون نيابة عنهم من قبل بعض الأعضاء.
أن عملية الانتخاب هذه تمكن المواطن من أن ينتخب الشخص الذي يعرفه في محلته وقريته ومحافظة ويؤمن بكفاءته وقدرته على تحقيق ما يطمح إليه، والذي يستطيع محاسبته إذا ما أخطأ، وليس قوائم مغلقة بأسماء المرشحين لا يعرفهم أحد. مع مراعاة فصل العمل السياسي عن العمل الوظيفي والإداري في شتى مجالات العمل والإنتاج وحتى الأجهزة الأمنية والعسكرية. من أجل أن لا ينعكس الفشل في المجال السياسي على العمل أجهزة الدولة المختلفة، ومن اجل وضع الإنسان المناسب والكفء في مكانه الصحيح بدون التحزب والتعصب الطائفي والقومي، فالإخلاص للعراق والكفاءة هي معايير الانتخاب لا غير. مع إبعاد رجال الدين وبمختلف اتجاهاتهم الدينية والمذهبية عن المجال السياسي ومن يرغب منهم بممارسة السياسة فلينزع رداء الدين والمذهب عنه وليدخل إلى الساحة السياسية كعراقي وبس.
على شرط أن يكون تفويض المنتخبون من أجل القيام بتنفيذ المهام وليس تفويضا لممارسة السلطة. وبذلك تمارس عملية اتخاذ القرارات من أدنى، أي من صفوف الشعب، إلى أعلى، مع حق كل أبناء الشعب والذين شاركوا في انتخاب نائب ما بسحب عضويته في حالة تقصيره في أداء عمله وعدم أهليته، وبشكل مباشرة من أبناء المنطقة التي تم انتخابه منها والتي يمثلها.
هذه الأفكار مرت بذهني وأنا في ساعة حلم من أحلام اليقظة حاولت أن تشاركني بها عزيزي القارئ واعتذر عن الإطالة.








#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)       #          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إرشاد ولكن!!!!!
- إيران والمنطقة والضربة الموعودة...,وجهة نظر
- إهداءُ من القلب
- فكر معي رجاءً
- التخيل والإرشاد والعلاج النفسي
- متعةٌ ولكن!!!!!
- البحث العلمي وأنواعه
- العراق والفكر ألاستئصالي
- طرق ومصادر المعرفة
- العلم والتفكير العلمي
- المعرفة الانسانية وأنواعها
- وجهات نظر: أفيون ولكن !!!!!
- وجهات نظر: امرأة واحدة ولكن!!!!!
- وجهات نظر: نظرية أنسانية ولكن....


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جودت شاكر محمود - الإنسان والعراق والديمقراطية