أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزو محمد عبد القادر ناجي - العشائرية وخصوصية الشعب والعوامل الشخصية وصراع الأجيال وتأثيرها على عدم الاستقرار السياسي في سوريا















المزيد.....



العشائرية وخصوصية الشعب والعوامل الشخصية وصراع الأجيال وتأثيرها على عدم الاستقرار السياسي في سوريا


عزو محمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 2225 - 2008 / 3 / 19 - 10:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أ لعوامل العشائرية وخصوصية الشعب والعوامل الشخصية وصراع الأجيال تأثراً كبيراً على عدم الاستقرار السياسي في سوريا حيث كان لها الدور الكبير في الانقلابات العسكرية وسقوط كثير من الحكومات السورية خلال الفترة (1943-1970) وسيبين هذا البحث مدى تأثر أي منها على ذلك :
• العشائرية
كانت العشائر في سوريا تشكل ربع السكان، وقد خصهم الدستور السوري علم 1928 بمادة للعناية بأمورهم هي المادة رقم 13 التي تقول:" تقوم بشؤون العشائر البدوية إدارة خاصة تحدد وظائفها بقانون يراعي حالتهم الخصوصية"،والمقصود بهؤلاء العشائر هم الرحل، الذين عملت الدولة العثمانية من خلال إجراءاتها التنظيمية على الحيلولة دون توطينهم قبل الاستقلال عنها، كما أن معظم أرياف الشعب السوري هم عبارة عن عشائر لكنها غير متنقلة، لكن تقل الروح العشائرية في المدن خاصة دمشق وحلب وظلت العشائر البدوية بعد الاستقلال لا تخضع للقوانين المدنية والجزائية التي يسري مفعولها على بقية أبناء الشعب، وكان رؤساء عشائرهم يتفقون فيما بينهم على اختيار نوابهم واقتسام مقاعدهم في البرلمان، وكانوا هم يفرضون الضرائب على أفراد عشائرهم، ويمتلكون الأراضي الشاسعة، ولم يخضعوا أفراد قبائلهم لقانون التجنيد الإجباري العام، رغم أن الدولة قد وطنت معظمهم بعد حين من الاستقلال، لكن ظلت الدولة تسمح لهم بامتلاك جميع أنواع الأسلحة دون ترخيص، مما أدى للكثير من الحروب والغزوات فيما بينهم، وقد طلب أكرم الحوراني في البرلمان بضرورة إلغاء هذا القانون وذلك بعد سقوط الشيشكلي، ثم أصدر الرئيس جمال عبدالناصر في 22 فبراير 1959 قانوناً ألغى فيه هذا القانون، مما أدى إلى استياء رؤساء العشائر منه، وهذا مما دفعهم لتأييد انقلاب عبدالكريم النحلاوي عام 1961، وكانت قبل ذلك قد اندلعت عدة حروب بين عدة عشائر مثل حرب بين عشيرتي الحسنة ونعيم عام 1946، وبسبب قانون العشائر قتل طراد الملحم شيخ قبيلة الحسنة، بعد أن حاول الاعتداء على أكرم الحوراني في البرلمان حيث شهر مسدسه ضده في جلسة 10 يناير 1946، ورغم أن الروح العشائرية في المعاملات التجارية بين أبناء دمشق وباقي المدن، كونها تتمسك بالتقاليد، والشعائر الدينية، إلا أن ذلك لم يؤثر على عدم الاستقرار السياسي فيها.

الإقليمية :
إن الإقليمية في سوريا كانت لها تأثير كبير على عدم الاستقرار في سوريا ، خاصة ممن امتهن السياسة وجعلها سلماً وطريقاً لوصوله إلى الحكم، فكان يعتمد على إقليمه أو مدينته، لأنه يرى فيها السند الذي يعتمد عليه، وقد يكون بعضهم يفضل الإقليمية بغض النظر عن الدين أو الطائفية كما فعل الحوراني الذي كان يعتمد على أتباعه في القرى المحيطة في حماه ، كما عمل الحوراني على إسقاط الحكومات والأنظمة من خلال الانقلابات التي خطط لها أو أيدها، وتشمل معظم الانقلابات العسكرية، وكانت إستراتيجيته في ذلك هو اعتماده الأساسي على الجيش، وبسبب هذه التدخلات الإقليمية للحوراني وجماعته من ضباط حماه بالذات مثل الشيشكلي، وعبدالحميد السراج، وخليل كلاس وبهيج كلاس، ونخلة كلاس، وعبدالغني قنوت، ومصطفى حمدون، وعدنان حمدون، وعبدالكريم زهور، وزياد الحريري، ومحمد الصوفي وغيرهم، ممن ساهموا في الانقلابات السورية أو في إسقاط الحكومات والوقوف في وجه الأكثرية من حزب الشعب أو الوطني، وخاصة في موضوع الوحدة العربية، كون الحوراني ومؤيديه يتسمون بالإقليمية وهذا ما أكده الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة، كل ذلك دعى أحد أعضاء حزب الشعب، للقول في البرلمان: " لقد أصبحت حياتنا جحيماً لا يطاق، إن لدي اقتراحاً يخلصنا مما نحن فيه، هو أن نمنح مدينة حماه، استقلالاً ذاتياً كإمارة موناكو أو اللوكسومبورغ".
كما أن خيانة عبدالكريم زهر الدين – الذي جعله قائد الانقلاب عبدالكريم النحلاوي عام 1961، قائداً للأركان – لعبد الكريم النحلاوي في مؤتمر حمص عام 1962 واتفاقه مع المعارضة ضده، مما أدى لنقله للخارجية وتسفيره للخارج، وهذا جعل الضباط الشوام لا يتحركوا إبان انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963 كون عبدالكريم النحلاوي من دمشق، كما أن عصيان دمشق عام 1962 بقيادة العقيد محمود عودة كان ضد تسفير النحلاوي، أيضاً كان انقلاب صلاح جديد في 23 فبراير 1966 مؤثراً عند سكان حلب بالدرجة الأولى، وكذلك الموالين لأمين الحافظ في غرب سوريا حيث وقعت صدامات في حلب وسيطر الموالون لأمين الحافظ على محطة الإذاعة ، كما حدثت مظاهرات في حماه، قمعها العقيد مصطفى طلاس، وأيضاً في دير الزور وقعت مواجهات بين الموالين لأمين الحافظ ومؤيدي الانقلاب الجديد.
وكان من أسباب الخلاف بين محمد عمران من جهة وصلاح جديد من جهة أخرى، أن محمد عمران من الغاب (قضاء حماه)، أما صلاح جديد فهو من الساحل ، كما أن من أسباب الخلاف بين الحزب الوطني وحزب الشعب وهما الحزبان الرئيسيان في كل العهود الديموقراطية في سوريا، أن حزب الشعب معظمه يمثل حلب، والحزب الوطني معظمه يمثل دمشق، وقد ظهر الخلاف حول مسودة الدستور عام 1950 في المادة الخامسة منه التي تقول: " إن دمشق عاصمة الدولة على ألا يكون ذلك قطعاً" ففسر المعارضون لحزب الشعب الذي كان على وشك توقيع الاتفاق حول الوحدة العراقية السورية، أن الهدف هو نقل العاصمة لبغداد أو لحلب في حالة الوحدة مع العراق.
وإبان عهد الوحدة تزمر الشعب السوري من استهتار الفئة الحاكمة بالقاهرة، وضعف شأنها بسبب أن العاصمة أصبحت القاهرة، لذلك قرر عبدالناصر في المراحل النهائية للوحدة أن تكون إقامته في دمشق لمدة 4 أشهر مقابل 8 أشهر في القاهرة.
كما تذمر السوريون من تسلط القيادات المصرية على سوريا، فعندما نشب الصراع بين وزير الداخلية عبدالحميد السراج ، وبين عبدالحكيم عامر حيث عينه عبدالناصر حاكماً على سوريا نيابة عنه، لذلك وقف جميع الضباط السوريين وأعضاء الاتحاد القومي والنقابات في سوريا إلى جانب السراج، وجرت محاولات للتظاهر والإضراب، مما حذا بعبدالناصر إلى إنهاء دور السراج في سوريا كوزير للداخلية ورئيس للاتحاد القومي في سوريا، وعمل على إدماج الاتحاد القومي السوري بالمصري، ودمج المخابرات السورية مع المصرية تحت رئاسة وزير الداخلية المصري عباس رضوان، ثم عمل عبدالحكيم عامر على تسريح ونقل مؤيدي السراج الذي عينه عبدالناصر نائباً له مما حذا بالسراج إلى الاستقالة في 22 سبتمبر 1961 احتجاجاً على إجراءات عبدالحكيم عامر بحق مؤيديه، كما انزعج الحوراني ، وصلاح البيطار من جعل عبدالحكيم عامر حاكماً عاماً لسوريا، مما حذا بهم وبالوزراء السوريين إلى الاستقالة، وفي ذلك يقول عبدالناصر حول فشل الوحدة : " إن الخطأ في الوحدة هو استغلال الإقليمية، وظهر استغلال الإقليمية أول ما ظهر من بعث سوريا ".
لكن تجدر الإشارة هنا إلى القول إن بعض الضباط المصريين كانوا فقد أصبحوا وكأنهم حكاماً لسوريا على غرار الاستعمار، ولم ينتهي الأمر عند إقليمية السوريين فيما بينهم أو بين السوريين والمصريين إبان الوحدة، بل تعدى ذلك إلى النازحين الفلسطينيين الذين جاءوا سوريا بعد عام 1948، حيث رأوا في الوحدة مع مصر أفضلية لهم في الوقوع تحت حكم السوريين، لذلك آثروا معاداة انقلاب عبدالكريم النحلاوي والمناداة بعودة الوحدة مع مصر، بالرغم مما فيها من إجحاف ومساوئ على الشعب السوري، لذلك فقد اشتركوا في انقلاب 8 مارس 1963 من خلال ضباطهم في الجيش السوري، كما شاركوا في المظاهرات المؤيدة للوحدة مع مصر، وكان بعضهم من مؤيدي صلاح جديد.
ورغم ذلك كله تبقى الديمقراطية أهم عامل للقضاء على الإقليمية من خلال توزيع المقاعد على الأقاليم في البرلمان، إضافة لتوزيع المناصب بدون استبعاد رجال أي إقليم كونهم أصحاب أرض واحدة ووطن واحد وشعب واحد، ويبقى العدو الرئيسي لهم هو التخلف كما ذكر سابقاً والذي يفرز كل المساوئ ويفتت الوطن والشعب.
2- العوامل الشخصية وخصوصية الشعب :
1- العوامل الشخصية :
إن للعوامل الشخصية تأثيراً كبيراً على الاستقرار السياسي، لأن الروابط الشخصية تساهم في عدم وجود كفاءات قادرة على تطور المجتمع في جميع المجالات، وخاصة في المجال السياسي، وكان لهذه العوامل تأثيراً كبيراً على عدم الاستقرار السياسي في سوريا منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1943، وهي ما تزال ماثلة حتى الآن، فعندما كلف جميل مردم بك في 28 ديسمبر 1948 في تشكيل حكومة، استبعد خالد العظم وميخائيل إليان، من الحكم مما أثارهما فعملا لحجب الثقة عن الحكومة، واستعمال الصحف ضد هذه الحكومة، كما أن اعتماد جميل مردم بك في حكومته على أشخاص من غير ذوي الكفاءات الكاملة أسخط النواب في البرلمان، فغاب عن يمين الرئاسة لشكري القوتلي عام 1947، -إضافة لكسب ثقتها في البرلمان-، 48 نائب دون إخطار سابق، وكان أبرز الغائبين زعيم حزب الشعب رشدي الكيخيا، وعضو الحزب القومي السوري وحزب الشباب أكرم الحوراني، مما كان لذلك أثراً سيئاً على شرعية النظام.
كما كان ارتباط الرئيس شكري القوتلي بعلاقات تجارية مع أسرة آل سعود في المملكة العربية السعودية، حيث كان آل القوتلي يعملون كوكلاء تجاريين لهم في دمشق، لذلك كان شكري القوتلي مؤيداً لنهج آل سعود والتقارب معهم وتفضيلهم على التقارب مع العراق، كما ساعد في دعم الحكومة السعودية بتجنيده لمساعدين للملك عبدالعزيز مثل يوسف ياسين الذي تولى منصب مستشار الملك للشؤون الخارجية، وهذا أثار حزب الشعب المؤيد للتقارب مع العراق، وساهم في انقلاب حسني الزعيم، وتأييد سامي الحناوي لحسني الزعيم في انقلابه، وقد استغل هذا الوضع أكرم الحوراني الذي كان والده أيام الحكم العثماني من كبار الملاك، حيث فشل في الترشح للبرلمان العثماني، بسبب عدم مساندة وجهاء حماه له في ذلك، وقد بدد ثروته كلها أحد أعمام أكرم الحوراني، لذلك عمل الحوراني على تشكيل عصابة مسلحة من قطاع الطرق، وأخذ يحث الفلاحين على ملاك الأراضي وحرق محاصيلهم ورفض العمل، حتى أن أحد الملاك قال عنه: " لو كان في مقدوره أن يشرب دمائنا ويأكل لحومنا لفعل ذلك" ولم يتوقف حقد الحوراني على الملاك في الشارع بل تعداه إلى البرلمان، فكان يقاطع النائب في البرلمان عبدالرحمن العظم عندما يتكلم في البرلمان، وينتقد جميع آرائه بكل عصبية ، كما حدث في جلسة 7 فبراير 1949، كما أنه بسبب حقده على شكري القوتلي أخذ يحرض ضباط الجيش على شكري القوتلي والإساءة إليه، حيث أكد الرئيس شكري ذلك، ولم يكن رفض الحوراني اغتيال الرئيس أديب الشيشكلي الذي أتخذه قادة البعث عام 1953، سوى لتخوفه من عمليات انتقامية قد تتعرض لها عائلته في حماه، إضافة لتخوفه من سيطرة قائد المكتب الثاني إبراهيم الحسيني على الرئاسة، وهو على عداء مع الحوراني، وكان عداء الحوراني للوحدة بين سوريا والعراق، أنه كان يكره العائلة الهاشمية منذ صغره وخاصة الملك فيصل الأول بالدرجة الأولى، رغم أن الشعب السوري كله كان مع الملك فيصل، حتى أنه حين وفاته أطفأت جميع المدن السورية أنوارها حزناً عليه، وتعدى ذلك إلى حقده على جميع المسؤولين الوطنيين والعمل لإثارة المشاكل التافهة ليحط من مكانتهم دون أدنى أدب أو تهذيب أو لباقة، وللوصول للسلطة عمل على تشجيع أقربائه في المدرسة العسكرية، حتى يتخرجوا فيما بعد ويكونوا طوع بنانه، فكان منهم عدنان حمدون ومصطفى حمدون، وزياد الحريري حتى أن الشيشكلي كان قريبه، وهذا ما يفسر تأثيره على معظم الانقلابات في سوريا، أو تأثيره في إسقاط الحكومات بتأثير الجيش ورغم مناداته بالإصلاح الزراعي والعدالة الاجتماعية ، إلا أنه أستغل وضعه مع قريبه أديب الشيشكلي، وأصبح أقاربه يغتصبون أراضي الغير ويسجلونها بأسمائهم كما فعل أخوه واصل الحوراني، وقد ورد ذلك عام 1951 للبرلمان، إلا أن البرلمان أحال الشكوى إلى دائرة التفتيش العامة، بسبب تسلط الحوراني على الجيش، وبسبب اشتراك الحوراني بانقلاب حسني الزعيم فهو الذي كتب البيان الأول للانقلاب، وأصبح الحوراني مستشاره الخاص، وأصبح أصدقاء الحوراني وهما أديب الشيشكلي الذي أصبح مديراً للشرطة والأمن العام، كما أصبح بهيج كلاس نائباً لحسني الزعيم، وحتى منتصف الخمسينات كانت نساء سوريا لا يبالين بالانتخابات البرلمانية كثيراً، مما حذا بالحوراني إلى بعث زوجته الدمشقية نزيهة الحمصي، للعمل على الاستفادة من الأصوات النسائية في دمشق لصالح صلاح البيطار وهو مرشح حزب البعث، وبالفعل نجح بسبب ذلك، وعقب تولي شكري القوتلي لمقاليد الحكم وفق انتخابات 1954، استاء الحوراني من ذلك، لذلك عمل على تدخل الجيش في الحكم تمهيداً لإسقاطه، وبالفعل كان تآمره مع عفيف البرزي في انقلاب 1958، وفرض الوحدة بين سوريا ومصر لصالح مصر، وعمل إبان الوحدة على تنفيذ الإصلاح الزراعي بواسطة قريبه مصطفى حمدون لذي عين وزيراً للإصلاح الزراعي فقام بعمليات عدائية تمثل دوافع الحقد والانتقام من أعداء الحوراني وهم ملاك الأراضي في سوريا ، كما اقترح على الرئيس عبدالناصر أن يكون مصطفى حمدون قائداً للجيش الأول، خاصة أن عبدالحميد السراج كان حليفه ومؤيداً له، وبذلك يتاح له حكم سوريا، كما أنه كان عالماً بموعد انقلاب 8 مارس 1963 من خلال قريبه زياد الحريري، وبسبب أن قادة الانقلاب لم يعطوه أي مجال للحكم فقد عادى الحكم فعمل أمين الحافظ على سجنه حتى أواخر 1965، وبسبب حقده على الرئيس أمين الحافظ، لم يقف في وجه انقلاب 23 فبراير 1966، حيث كان قد بعث له صلاح جديد من خلال موفده الضابط الفلسطيني مجاهد سمعان عند خروجه من السجن للاستماع لنصائحه حول انقلاب عسكري يطيح بأمين الحافظ ، ورغم ما لهذا الانقلاب من خطورة على الشعب السوري إلا أن الحوراني، لم يحذر الرئيس أمين الحافظ من ذلك الانقلاب.
ولم يقتصر الأمر على الحوراني في إثارة عدم الاستقرار في سوريا بل تعداه إلى بعض وجوه السياسة الآخرين كون الزعامات في سوريا محلية وليست قطرية، فلا يتقيد الحاكم أو الزعيم بحزبه بقدر تقيده بمنطقته ومعارفه، ورغم ذلك فإن أي وزير أو مسؤول قبل انقلاب مارس 1963 كان يتصف بالعلم الغزير والثقافة العالية والأمانة والاستقامة ماعدا الشواذ أمثال الحوراني ومصطفى حمدون وغيرهم ممن كانوا يؤثرون مصلحتهم الشخصية على مصلحة الوطن، فقد استقال في 8 مارس 1949 وزير الداخلية عادل العظمة بسبب عدم مصادقة البرلمان على توحيد قوى الأمن حتى يستطيع التحرك من خلالها، مما حذا بأخيه نبيه العظمة إلى الاستقالة من رئاسة الحزب الوطني، كما كان إهمال رئيس الحكومة خالد العظم عام 1949 لقائد الأركان حسني الزعيم واحتقاره له، خاصة عندما كان يزوره في مكتبه، فيجعله ينتظر طويلاً كأي مواطن آخر، مما كان يؤثر على نفسية حسني الزعيم، وقد أيد عدنان المالكي انقلاب حسني الزعيم ، وسعى لعدم مجيء شكري القوتلي قبل مقتله عام 1955، بسبب أنه كان يكره شكري القوتلي لمسائل شخصية تتعلق بخلافات على أرض زراعية في ضواحي دمشق، حيث كانت مزرعة الرئيس شكري القوتلي بجوار مزرعة عائلة المالكي، ولم يكن مقتل المالكي نفسه، إلا بسبب عامل آخر وهو خلافه مع اللواء شوكت شقير الذي كان قائداً للأركان وكان المالكي نائبه ، ويتخوف من عدنان المالكي كونه القائد الحقيقي للجيش وكله يأتمر بأمره، فكان مقتله عام 1955 ذو فائدة لشوكت شقير الذي قد يكون له يد في ذلك، خاصة أن شقير كان على علاقة طيبة بالسفير المصري محمود رياض، باعتبار أن مصر كانت ترغب في عودة شكري القوتلي إلى السلطة كونه ضد فكرة الهلال الخصيب، وكان المالكي العقبة الرئيسية لتحقيق ذلك، وخاصة أن قادة البعث من الحواراني والبيطار وغيرهم كانوا على علاقة طيبة مع السفير المصري أيضاً وكانوا يعادون الوحدة مع العراق أو التقارب معه، لذلك فإن مقتل المالكي ذي فائدة لهم لأن المالكي عمل على تعيين ضباط مناهضين للبعث في الأركان مثل أحمد عبدالكريم وأمين النفوري، وشكل مجلس قيادة الثورة على الطراز المصري ليستأصل العناصر الغير موالية له، بسبب أنه اعتبر أن البعث مسؤول عن فشل أخوه رياض المالكي في انتخابات 1954، وكان من العناصر الغير موالية له والتي نقلها من الجيش غسان جديد - بسبب تكوينه تكتل عسكري في الجيش-، وتهديده لزعيم الحزب القومي السوري جورج عبدالمسيح بتسليمه للحكومة اللبنانية، التي حكمت عليه بالإعدام، وكان خلافه مع جورج عبدالمسيح أن أعضاء حزبه في الجيش كانوا يقتادون بأمره ويحترمونه أكثر من غيره مثل عدنان المالكي، كون جورج عبدالمسيح هو زعماً للحزب القومي السوري، فرأى عدنان المالكي أن ذلك يسيء للضباط في الجيش، كما أنه بعد مقتل المالكي تقسم الجيش إلى حوالي 20 فئة، وهذا ما كان له فائدة لمصر، حيث أصبحت العداوات الشخصية في أوجها بين زعماء الفئات المتناحرة في الجيش التي تشكلت بعد مقتل المالكي، حيث أصبح الجيش مجموعة أجنحة متصارعة، كل منها تخشى الأخرى أكثر مما تخشى العدو الخارجي، مما أضعف الجيش الرسمي إلى حد أن كل وحدة فيه كانت تتصرف كجيش مستقل، وهذا ما حذا بمعظم رؤساء هذه الكتل إلى تأييد عفيف البرزي في الذهاب لمصر وفرض الوحدة بقوة الجيش ، بدون أية شروط أو مشاورات مع السياسيين حول هذه الرحلة.
أيضاً عقب انقلاب حسني الزعيم استدان أحد التجار مبلغ نصف مليون ليرة، وهو وهبة الحريري، الذي وصلت ديونه إلى 6 ملايين ليرة للدولة، فكان بحاجة لحل البرلمان باعتباره بحاجة لحكومة تكفله وتساعده دون رقيب أو حسيب، وكان على علاقة بنذير فنصة، وكان هذا المبلغ قد أخذ سلفة من وزارة الدفاع وفي ظل حكم الزعيم عمل رئيس وزرائه محسن البرازي على إقصاء الحوراني من موضعه كمستشار للزعيم، بسبب العداوة بين الحوراني وآل البرازي في حماه، مما أثار الحوراني، أيضاً عمل على نقل أسعد طلس وهو عديل لسامي الحناوي، من منصبه كأمين عام لوزارة الخارجية، مما أثار الزعيم سامي الحناوي من هذا العمل، وكان لذلك أثراً كبيراً على انقلاب سامي الحناوي فيما بعد، لكن بعد الانقلاب الأول لأديب الشيشكلي ضد سامي الحناوي عمل على قتل سامي الحناوي عن طريق أحد أقارب رئيس الوزراء الذي أعدمه سامي الحناوي، لأن الشيشكلي كان قريب لعائلة البرازي، وكان لشخصية الرئيس أديب الشيشكلي دوراً في استجابته لإنذار المعارضة ضده كونه كان يكره سفك الدماء، وتخوفه من انقسام الجيش الذي بناه على أحسن طراز، وتفضيله الخروج حياً من الحكم ويستفيد مما جمعه من أموال على أن يقامر بحياته، لكن بعد ذلك اغتاله في البرازيل -حيث هاجر لهناك- أحد الدروز وهو نواف غزالة بسبب خلافات شخصية معه، وقال في المحكمة أنه اغتاله انتقاماً لضرب جبل الدروز، حتى يخفف عنه الحكم، لكن قام ابن أديب الشيشكلي بقتل نواف غزالة بعد خروجه من المحكمة في دمشق، رغم أن قائد الأركان في عهد الرئيس أديب الشيشكلي شوكت شقير وهو درزي من لبنان، هو الذي حذره من أن هناك تمرد سيقوم به جبل الدروز وسيعم أنحاء البلاد، قبل عدة أشهر من ذلك التمرد، وعندما حمل البرلمان السوري -بعد حرب فلسطين-وزير الدفاع السوري أحمد الشرباتي بسبب الأداء الضعيف للجيش السوري في هذه الحرب، فاشتبك أحمد الشرباتي مع أحد نواب البرلمان، وكان ذلك الشجار سبباً في سقوط حكومة جميل مردم بك عام 1948، أيضاً كان الخلاف الشخصي بين عبدالحكيم عامر وعبدالحميد السراج في سوريا، حيث كان عبدالحكيم عامر مقرباً من عبدالناصر، وبسبب ذلك نقله السراج من سوريا إلى مصر، وجعله نائباً له، مما حذا بعبدالحكيم عامر إلى تصفية جماعة السراج في سوريا، فاستاء السراج من ذلك واستقال من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية وذهب إلى سوريا، لينتقم من عبدالحكيم عامر من خلال انقلاب يطيح بالوحدة ، وبعد انقلاب 18 يوليو 1963 ظهر الخلاف بين وزير الدفاع محمد عمران وقائد الأركان صلاح جديد الذي عمل على السيطرة على الجيش من خلال مؤيديه في الجيش، فعين المقدم أحمد المير قائداً للواء السبعين والمقدم عبدالكريم الجندي آمراً لسلاح الإشارة، فتذمر محمد عمران من ذلك، واستقال من وزارة الدفاع ومن منصب نائب رئيس الوزراء، ونقل إلى الخارج كملحق عسكري، مما حذا بصلاح جديد إلى تصفية جماعته، مستغلاً وجوده في الخارج.
وفي أعقاب انقلاب النحلاوي عام 1961 ظهرت الخلافات الشخصية بين قادة الانقلاب وكلهم من دمشق، مما مهد لتفكك الجيش وانقسامه، وإثارة عدم الاستقرار الحكومي، مما مهد لانقلاب 8 مارس 1963، وبعد هذا الانقلاب أخذ صلاح جديد يعمل من أجل انقلابه ، من خلال سماته الشخصية التي تتسم بالانتهازية واستغلال وتسعير الفتن والحقد واللؤم، وكرهه لجميع من ليس من لا يواليه، ونفاقه، لكنه كان يستعمل التقية في معاملاته مع الآخرين، ثم عمل على استغلال القوى المدنية والعسكرية والطائفية، لكسب ثقة الرئيس أمين الحافظ، كما عمل من وراء الستار على تعيين كل أقاربه في الجيش والوظائف المدنية المهمة، وقد ساهمت كل الإذاعات الغربية بالتستر عليه وتجنيبه مسؤولية الأزمات، في سوريا، حيث أن حملاتهم على نظام أمين الحافظ لم تكن تتناوله، مع أنه كان المسؤول الأول عن وجود الطائفية في سوريا، باعتماده عليها وتنظيمها رغم تستره بالماركسية ستاراً لها، وعندما نبهه رئيس الوزراء السوري سامي الجندي على خطورة ذلك على الوطن ، فأجابه صلاح جديد، "لو فعلنا لسحقنا المشايخ " ، وبعد انقلابه في فبراير 1966، عمل على توريط مصر بحرب يونيو 1967 كونه كان يكره الرئيس عبدالناصر ويعتبره مسؤولاً عن قتل أخيه غسان جديد، وقبل ذلك كان قد عمل على إفشال برنامج الوحدة مع مصر والعراق فيما عرف بالوحدة الثلاثية، ثم عمل بعد ذلك على إفشال الوحدة العراقية السورية.

خصوصية الشعب السوري :
تعتبر دمشق أول مدينة في التاريخ، وأكثر بقاع الأرض عامرة بالأحداث، فهي بوابة العالم ومفتاحه، وتتميز بأنها استطاعت على الدوام استيعاب جميع الفاتحين وطبعهم بطابعها وأعطت الإمبراطورية الرومانية الكثير من الأباطرة مثل فيليب العربي وكاراكلا، وكان أول مشرع في التاريخ هو حمورابي التي كانت دمشق أهم حواضره، وفيها تأسس القانون الروماني، وكانت أول كتابة في التاريخ هي أبجدية أوغاربت، وكان العرب الساميون من عموريون وكنعانيون وكلدان وبابليون وأشوريون وأراميون ، قد أقاموا فيها حضارات عظيمة، كما أقاموا بعض الدول في ظل الدولة الفارسية والرومانية مثل تدمر والبتراء والحيرة، وكانت منازل لآل غسان في الشرق وآل المنذر اللخميون في الغرب، ولم يصبح الإسلام في أوج عظمته إلا حينما حملت دمشق رايته، وتاريخ قرطاجة القديم دليلاً على رفعة حضارتها الغابرة، فهم وصلوا إلى العالم الجديد منذ القرن التاسع قبل الميلاد، وكانت هي أساس حضارة الأندلس التي اعتمد كولومبس على خرائطها في الوصول إلى العالم الجديد، وما كان لامبراطوريتي البرتغال وأسبانيا أن تقوما في القرن الخامس عشر لولا حضارة الأندلس التي ورثوها بعد سقوط غرناطة 1492، وما أحرقوه من كتب فيها تزيد عن المليون كتاب ، شاهد على تقدمها وازدهارها، وما كان لحضارة الغرب أن تقوم لولا أنها اعتمدت على الكتب العربية، والكفاءات العلمية من اليهود الذين نهلوا من علوم الأندلس وكان عصرهم الذهبي فيها، وظلت دمشق قلب العروبة النابض من المحيط إلى الخليج، فكانت في العصر الحديث موئلاً لكل أحرار العرب، مثل علال الفاسي، وأحمد بلفريح والأمير عبدالقادر الجزائري، والحبيب بورقيبة،وأحمد الشريف ، ونالوا كل ترحيب شعبي ورسمي وكل دعم لهم، قبل أن تستقل بلدانهم، وظلت دمشق مؤثراً حقيقاً يتأثر العرب بكل ما جاء منها، كونهم يرون فيها صدى الأصالة وأرستقراطية الفكر، وما كان لفكرة القومية العربية أي شأن إلا حينما حملت دمشق رايتها، لكنها رفضت على الدوام قبول البعث وتحول رفضها إلى استحالة استمراره على الدوام.
هذا التاريخ الحافل لدمشق ظل يراود مخيلتها على الدوام، وظلت مقر آمال العرب ومركز سوريا الطبيعية، وظل مجتمعها يمثل المثل العليا بسائر المجتمعات التي حولها، وظلت تحتفظ بتراثها الشرقي مما جعلها نبراساً لسائر الوطن العربي، وظل شعبها يفضل الموت على أن يعيش ذليلاً، فهو الذي جعل الملك فيصل الأول يرضخ لرغبة الشعب في إعلان الحرب على الفرنسيين رغم استحالة النصر، حيث قال الملك فيصل في ذلك : " أنا أفضل الموت جندياً شريفاً على اعتلاء العرش ذليلاً" فظلت ترفض حدود سايكس بيكو وكل ما جرى عليها من تعديلات، وعمل سياسيوها على الدوام للتأكيد على وحدة سوريا الطبيعية، فكان هذا الهدف هو أساس نضالها ضد الانتداب، لذلك عمل الكثير منهم من أجل مشروع الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى، لكن ظهر من بينهم اتجاه لا واقعي تمثل في الهروب إلى الأمام من خلال برنامج مثالي ئطوباوي غير منطقي يطالب بوحدة الأقطار العربية كافة، بدون المرور بأي مرحلة جزئية، إضافة إلى عدم تحديده لأي إستراتيجية لتحقيق هذا الهدف، كما عمل ذلك بسمارك عندما وحد ألمانيا، أو كما عمل غاليباردي عندما وحد إيطاليا، لكن ظلت سوريا على الدوام تعتبر أن ما سلخ منها من زاغوس إلى طوروس وغيرها من المناطق التي سلختها تركيا أو إيران، أو ما انفصل عنها مكوناً دولاً جزئية، لم تعترف بها، وظلت تدرج لواء الإسكندرونة ضمن حدودها وتطالب بالأجزاء الأخرى، وهذا ما سبب لسوريا الكثير من المشاكل الداخلية فيها وساهم في عدم استقرارها السياسي بسبب مطالبة الشعب على الدوام بضرورة استعاده الأجزاء المسلوخة منها ، وتحقيق وحدتها الطبيعية، أو وحدة الوطن العربي ككل، وقد تأثر الشعب السوري بالبرلمانية، التي لم تكن وليدة استقلال سوريا عن الدولة العثمانية، وإنما كان لهم مندوباً في البرلمان العثماني الذي تشكل منذ عام 1908، كما أنهم في العهد الفيصلي شكلوا نظام برلماني على الطريقة الأمريكية، وكان أول دستور لسوريا بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية عام 1920، وعرفت سوريا الانتخابات البرلمانية منذ عام 1936، لذلك كانت سوريا ترفض الديكتاتوريات العسكرية على الدوام وتعمل لإسقاطها بكل السبل، ولم تعترف على الإطلاق بالمجالس التي يقيمها العسكريون ولا بالأحزاب التي ينشؤوها، حتى أن البعض وصف الشعب السوري بميله إلى العنف في الصرع الداخلي، لكن تسامح الشعب مع بعضه البعض كان ينهي الخلافات ويحقن الدماء، مهما بلغت شدة التهديدات، كما أن هذا الشعب لم يعترف بكل الإشاعات التي كانت تطلقها الديكتاتوريات العسكرية، رغم ما حاولوه من إثارة الشائعات، وتجنيد العملاء، إضافة إلى ما حاولته الدول الأجنبية بهذا الصدد، لكن لابد أن ذلك كان له تأثيراً في ظل عصور التخلف والجهل التي كانت في ظل الدولة العثمانية إضافة إلى ما رسخه الانتداب الفرنسي من انقسامات في جسم المجتمع السوري، ورغم ذلك ظلت المجتمعات السورية تعتبر نفسها جزءاً من الوطن الأم.
وقد وصفها العديد من السياسيين في العالم ليبينوا بعض خصوصيات هذا الشعب، فقال المندوب السامي الفرنسي المسيو بيو: " إن السوريون شعب أعطى الأباطرة لروما، والآباء للكنيسة، وقدم خلفاءهم أعظم الخدمات للمسلمين، لكنهم لا يجتمعون دون تحفظ حول شخص أو عقيدة أو فكرة، فالأديان والمذاهب والطوائف، عندهم تشكل موزاييك غريبة، حيث معظم الأديان والمذاهب والطوائف موجودة فيها".
ويقول الجنرال شارل ديغول: " إن سوريا أقدم البلاد التي وعاها التاريخ، وكانت بسبب شعوبها تضع العالم دائماً أمام مشاكل حساسة، وإن سوريا مؤلفة من أقاليم متميزة بعضها عن بعض، آهلة بمجموعات من السكان مختلفين جداً، بعضهم عن بعض ويمارسون ديانات مختلفة". ويقول جمال عبدالناصر : " إن سوريا قلب العروبة النابض، وحاملة راية القومية العربية، والمنادية بها، وهي التي تفاعلت مع العرب على الدوام" يقول المستشرق الفرنسي جاك برك : " أحبكم أيها السوريون، لأنكم كالفرنسيين ، في شطحاتكم العاطفية ونتعاتكم الخيالية " .
لكن بالرغم من بعض التمايزات في هذا الشعب إلا أن هناك سمات مشتركة آمن بها الشعب السوري ككل، فآمن بالوحدة السورية وبالوحدة العراقية السورية (الهلال الخصيب) وبالوحدة العربية وبالوحدة الإسلامية، فجميع تياراتها بلا استثناء كانت مع الوحدة لذلك آمنوا بمحبة الرئيس هاشم الأتاسي الذي طالما عمل لوحدة سوريا والعراق، كما آمنوا بالرئيس ناظم القدسي كرمز وطني أصيل لهذه الوحدة أيضاً، وآمنوا برمز الوحدة الوطنية ورمز استقلال سوريا الرئيس شكري القوتلي، وأعزوا قادة الثورات السورية مثل سلطان الأطرش، وإبراهيم هنانو، وعبدالرحمن الشهبندر وغيرهم، وقبل كل شيء آمنوا بالملك فيصل ملكاً على سوريا بأسرها، وآمنوا بالزعيم أنطون سعادة، كرمز من رموز الوحدة السورية، وآمنوا بتواضع الرؤساء الديمقراطيين أمثال شكري القوتلي وهاشم الأتاسي وناظم القدسي، ورفضوا دعاة الانفصال والواقفين ضد وحدتها مثل الرؤساء حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وغيرهما، هذه الطبيعة والخصوصية لشعب سوريا جعلت المؤامرات عليه كبيرة، وهذا ما ساهم مساهمة كبيرة في عدم استقراره السياسي، مما حذا بونستون تشرشل إلى القول، " إن سوريا لا تعرف كيف تحكم نفسها ولا تدع أحداً يحكمها ".
صراع الأجيال :
إن صراع الأجيال في سوريا خلال فترة الدراسة كان له دوراً مهماً على صعيد عدم الاستقرار السياسي فيها، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك حيث أنها كانت ممتدة خلال جل فترة الدراسة، وإن كان تأثيرها خلال بعض الفترات المتفرقة من مدة الدراسة أقل من مدد أخرى، فعلى سبيل المثال كان الحوراني يطمح إلى السلطة وكانت تراوده روح الشباب والقوة فكان من مواليد 1911، أيضاً الشيشكلي الذي كان ميلاده عام 1910، فكان الانقلاب الأول لحسني الزعيم والذي اشتركا فيه بشكل أكبر من غيرهما، من أسبابه ميلهما إلى السلطة وتسلمها، كما أن الحوراني نفسه هو الذي أوحى لقائد الجيش سامي الحناوي في 25 نوفمبر 1949، بضرورة تسريح اللواء عبدالله عطفة من الجيش، ليمهد الطريق أمام أتباعه الذين كان يشجعهم على الدخول في المدارس العسكرية، ليكونوا تابعين له فيما بعد ويصل من خلالهم إلى السلطة، أمثال عبدالحميد السراج، ومصطفى حمدون، وعبدالغني قنوت، وعدنان حمدون، وزياد الحريري، ومحمد الصوفي، وغيرهم، وكان السراج ذو الميلاد 1925 يطمح إلى السلطة بعد اشتراكه في ثلاث انقلابات عسكرية، فسعى للتقارب مع عبدالناصر قبيل الوحدة مما جعله الحاكم المطلق على سوريا إبان الوحدة وعمره لم يكن يتجاوز الثلاثة والثلاثين سنة، وعندما تقلصت سلطته بفعل عبدالناصر واستيائه من عزل عبدالحكيم عامر لبعض أتباعه في سوريا، قرر الانتقام من خلال انقلاب يطيح بالوحدة، فكان يخطط لذلك الانقلاب لولا أن قام به المقدم عبدالكريم النحلاوي الذي كان أيضاً يطمح إلى السلطة وعمره لم يكن يتجاوز الخمسة والثلاثين سنة، كما حاول عدنان المالكي الذي كان أقوى شخصية في الجيش بعد سقوط الشيشكلي، أن يكون له دور في الحياة السياسية، فقام بانقلابه العسكري الأول ضد الشيشكلي عام 1952، ثم كان القائد الحقيقي من وراء الستار في الانقلاب ضد الشيشكلي عام 1954، وبعدها سيطر على الجيش، فكان استياء اللواء شوكت شقير الذي كان قائداً للأركان بسبب طموحات عدنان المالكي وهذا كان من أسباب مقتله إضافة إلى منافسة أقرانه في الجيش أمثال غسان جديد ومصطفى حمدون وغيرهم في الجيش، لكن باغتياله انقسم الجيش أكثر من 20 فئة بعد مقتله.
وكان الشيشكلي إبان حكمه قد عمل على تمييز الضباط الشباب فأكرمهم وأعزهم، ولم يميز فيما بينهم، فكانوا ينتمون لجميع فئات المجتمع السوري دون أدنى تمييز، فكان مجلس العقداء يضم ضابطين درزيين وآخر علوي، وآخر كردي، وأحدهم كان عربي هذا مما أثار الحوراني الذي كان يواليه بعض الضباط الكبار، وهذا جعل بقية الضباط الكبار تحذره ولم تعد تثق به، بسبب ما حدث لأقرانهم من تصفيات، إضافة إلى أن إبعاده وسجنه لبعض السياسيين الكبار والذين لهم أقارب أو مؤيدين من الضباط الصغار ساهم في الانقلاب ضده، فكان معظم الضباط الذين نفذوا الانقلاب ضد الشيشكلي عام 1954، وعصيان قطنا عام 1956، ينتمون لجيل الشباب الذين أرسلوا للتدريب في الخارج إبان حكم الشيشكلي، وقفزوا بسرعة فوق سلم الرتب العسكرية وكان معظمهم من جماعة الحوراني.
وكان أكثر من نصف قادة الكتل العسكرية من جيل الشباب والذين أيدوا اللواء عفيف البرزي في انقلابه عام 1958 لفرض الوحدة مع مصر بقوة الجيش، وكذلك كان معظم القادة الدماشقة الذي قاموا بانقلاب عبدالكريم النحلاوي ينتمون لجبل الشباب، خاصة أن قائدهم نفسه كان في منتصف العقد الرابع من عمره، وكذلك كان معظم قادة انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963 من جيل الشباب الذين تقل أعمارهم عن متوسط أعمار ضباط الجيوش النظامية الأجنبية، وكانوا متميزين بانخفاض مستواهم التعليمي عن مستوى الصفوة السياسية المدنية، التي كانت سائدة قبل ذلك، حيث أخذ هؤلاء الشباب يبعدون خصومهم السياسيين، معتمدين على الولاء الطائفي في تعييناتهم للآخرين، معتبرين أنفسهم أداة التغيير الاجتماعي والمدافعين عن الوطن، وهذا مما كان له آثاراً سلبية كثيرة على المجتمع والشعب، والاستقرار السياسي في سوريا، فكانت اللجنة العسكرية التي تشكلت من عدد من الشباب منهم (أحمد المير، صلاح جديد، حافظ الأسد ، عبدالكريم الجندي، حمد عبيد، صلاح الضللي، عبدالغني إبراهيم، محمد رباح الطول، محمد عمران،)، قد شكلت الجناح العسكري لحزب البعث سابقاً خلال الوحدة، وبسبب تجمعاتهم السرية وتحركاتهم المثيرة إبان الوحدة تعرضوا للنقل إلى مصر، وكانوا قد وصفوا قادة القيادة القومية للبعث بالانتهازية بسبب حلهم للحزب، فكانت روح الشباب التي تراودهم عاملاً مسبباً لإحداث التغيير ، وخاصة بعد نقلهم إلى مصر وتكليفهم بأعمال روتينية وغير مهمة عسكرياً، حتى أن بعضهم لم تكن أية وحدة عسكرية أو مسؤولية محددة، وكان تشكيلهم لهذه اللجنة على أساس أن الجيش أصبح تحت قيادة معادين للوطن، وأنه يجب توحيد موقفهم وممارسة الضغط من خلال الحوراني والبيطار ووزراء البعث الآخرين، لتعديل مسار الوحدة، وبعد الانفصال أظهروا أنفسهم على أساس أنهم الكتلة الأساسية للبعث باعتبارهم أن التنظيم المدني أصبح أقل فعالية من التنظيم العسكري، خاصة أن لهم أتباعاً في صفوف المتطوعين من صف الضباط يستطيعون توجيههم حسب ما يرتئون، فكانت التصفيات الكثيرة للضباط المحترفين عقب انقلاب صلاح جديد بشكل خاص عام 1966 سبباً مهماً في هزيمة يونيو 1967، وفي انخفاض أداء الجيش بشكل كبير أيضاً.

المراجع :
• حمدان حمدان، أكرم الحوراني : رجل للتارخ ، بيروت ، بيسان للنشر والتوزيع والإعلام ، 1996
• مؤيد الكيلاني، "محافظة حماه"، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1964، ص7-26.
• أكرم الحوراني"مذكرات أكرم الحوراني"، 4أجزاء، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2000).
• بشير فنصة"النكبات والمغامرات: تاريخ ما أهمله التاريخ من أسرار الانقلابات العسكرية في سوريا"، (دمشق: دار يعرب، 1996).
• شاهد على العصر، أمين الحافظ http://www.Aljazeera.net
• سمير عبده، "حدث ذات مرة في سوريا"، (دمشق: منشورات دار علاء الدين، 2000).
• باتريك سيل "الصراع على سوريا: دراسة للسياسة العربية 1945 – 1958"، ترجمة: سمير عبده ومحمود فلاحة، (بيروت: دار الكلمة للنشر، 1980).
• أنتوني ناتنج، ، "ناصر"، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993).
• أسعد الكوراني،"ذكرات وخواطر مما رأيت وسمعت وفعلت"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 2000).
• أديث وائي، إيف، بينروز،"العراق: دراسة في علاقات الخارجية وتطوراته الداخلية1915 – 1975"، ترجمة: عبدالمجيد حسيب القيسي، (بيروت: دار الملتقى، 1989).
• صلاح العقاد، "المشرق العربي 1985-1958: العراق، سوريا، لبنان"، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية ومطبعة الرسالة، 1966).

• محمد سهيل العشي، "فجر الاستقلال في سوريا: منعطف خطير في تاريخها"، (بيروت: دار النفائس، 1999).
• عزالدين دياب، "أكرم الحوراني كما أعرفه"، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 1998).
• عادل أرسلان ، "مذكرات الأمير عادل أرسلان"، (بيروت: دار الكتاب الجديد، 1964).

• محمد حسنين هيكل، "ما الذي جرى في سوريا"، (القاهرة: دار الخيال، 1962).
• خيرية قاسمية، "الرعيل العربي الأول: حياة وأوراق نبيه وعادل العظمة"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1991).
• بودا غوفا، ، "الصراع في سوريا 1945، 1966"، ترجمة ماجد علاء الدين وأنيس المتني، (دمشق: دار المعرفة، 1987).
• سامي الجندي، "البعث"، (بيروت، دار النهار للنشر، 1969).
• زهير الشلق"من أوراق الانتداب"، (بيروت، دار النفائس، 1989).
• شفيق عبدالرزاق السامرائي، المشرق العربي ، بغداد ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، 1980 .
• عبدالفتاح قلعةجي"حلب القديمة والحديثة"، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1989).
• هابنكة زود هوف،"معذرة كولومبس لست أول من اكتشف أمريكا"،الرياض، مكتبة العبيكان،2001، ص22-64،ص192-269.
• أسعد حومد، "العرب في الأندلس"، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980،
• غسان سلامة، "المجتمع والدولة في المشرق العربي"، ط2، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1999).

• أنظر أيضاً، محمود رياض،"مذكرات محمود رياض"، جزأين، (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1986).

• عادل مختار الهواري"الصفوة السياسية في الشرق الأوسط"، (القاهرة: مكتبة نهضة الشرق، 1984).

• محمد نور الدين، "تركيا الجمهورية الحائرة"، (بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1998).

• وجيه كوثراني، "بلاد الشام: السكان، الاقتصاد والسياسة الفرنسية في القرن العشرين"، (طرابلس: معهد الإنماء العربي، 1980).
• زهير الشلق "من أوراق الانتداب"، (بيروت، دار النفائس، 1989).

• نيقولاس فان دام، "الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961-1995"، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995).



#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العامل الاقتصادي والطبقي ودوره في عدم الاستقرار السياسي في س ...
- الطائفية والعرقية ودورهما في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي
- انقلابات عسكرية هزت استقرار سوريا
- عدم الاستقرار الحكومي ( الوزاري ) في سوريا
- العوامل الخارجية المؤثرة على الاستقرار السياسي
- انقلابات عسكرية فاشلة لكنها أدت لعدم استقرار سياسي في سوريا
- الصراع البريطاني الأيرلندي على أيرلندا الشمالية بين عامي 198 ...
- السيرة الذاتية لحكام السودان منذ المهدية حتى الآن
- مفهوم عدم الاستقرار السياسي في الدولة
- أثر التمايز الاجتماعي في عدم الاستقرار السياسي في الدولة( ال ...
- مفهوم عدم الاستقرار السياسي
- دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي في الدولة
- علاقة صندوق النقد الدولي بالمؤساسات الاقتصادية الدولية
- الفقر فى أفريقيا: أبعاده والإستراتيجيات الموضوعة لإختزاله (ا ...
- من أجل وحدة الوطنية و استقرار السياسي


المزيد.....




- السعودية.. 28 شخصا بالعناية المركزة بعد تسمم غذائي والسلطات ...
- مصادر توضح لـCNN ما يبحثه الوفد المصري في إسرائيل بشأن وقف إ ...
- صحيفة: بلينكن يزور إسرائيل لمناقشة اتفاق الرهائن وهجوم رفح
- بخطوات بسيطة.. كيف تحسن صحة قلبك؟
- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزو محمد عبد القادر ناجي - العشائرية وخصوصية الشعب والعوامل الشخصية وصراع الأجيال وتأثيرها على عدم الاستقرار السياسي في سوريا