أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الحسين شعبان - العرب والتنمية!!















المزيد.....

العرب والتنمية!!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2165 - 2008 / 1 / 19 - 11:16
المحور: المجتمع المدني
    


لم يكن الحديث عن التنمية الانسانية المستدامة متداولاً حتى وقت قريب، وخصوصاً في عالمنا العربي والاسلامي، لكن صدور تقارير الأمم المتحدة الانمائية جعل الموضوع مطروحاً للنقاش والجدل واسعاً.
كان النمو الاقتصادي هو المقصود بالتنمية، ثم إستبدل بالتركيز على التنمية البشرية وفيما بعد بالتنمية المستدامة، اي الانتقال من الراسمال البشري الى الرأسمال الاجتماعي وصولاً الى التنمية الانسانية ببعدها الشامل، اي الترابط بكل مستويات النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي، بالاستناد الى نهج متكامل يعتمد على مبدأ المشاركة والتخطيط الطويل الأمد في حقول التعليم والتربية والثقافة والاسكان والصحة والبيئة وغيرها، ويتوخى قدراً من العدالة والمساءلة والشرعية والتمثيل.
من هنا نشأت العلاقة بين مفهوم التنمية الانسانية المستدامة ومفهوم الحكم الصالح (الراشد)، لأن الأخير هو الضامن لتحويل النمو الاقتصادي الى تنمية انسانية مستدامة، ومع ذلك فقد ظلّ المفهوم بحاجة الى تأصيل وتبيئة، خصوصاً في المنطقة العربية التي تعاني من ضعف المشاركة ومركزية الدولة الشديدة الصرامة وعدم إعطاء دور كاف لهيئات الحكم المحلي، ناهيكم عن إبعاد مؤسسات المجتمع المدني من المساهمة وعدم توّفر بيئة صالحة سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية لذلك، سواءًا على صعيد التشريعات او بسبب ضيق مساحة الحريات الخاصة والعامة وبشكل خاص الحريات الاساسية.
هناك مفهومان للتنمية الأول هو المفهوم الضيق المتداول أحياناً ببعده التقليدي، والذي يُقصد منه التنمية الاقتصادية، أما الثاني فهو المفهوم الواسع، الذي يستند الى فكرة التنمية الانسانية ببعدها الشامل، وكذا الحال بالنسبة لفكرة الحكم الراشد أو "الحكم الصالح" أو " الجيد" أو " الرشيد" والذي شاع استخدامه في السنوات الاخيرة، فالمفهوم الضيق، والذي تُفضل ادبيات البنك الدولي استخدامه، يعتمد على فكرة الادارة الرشيدة بدلالة النمو الاقتصادي، عندما يتم التطرق الى التنمية، في حين ان المفهوم الواسع يرتفع الى مستوى السياسة، فيعالج مسألة الحكم والعلاقة بين عامة الناس والادارة الحاكمة، بما يدخل في ذلك مسألة الشرعية والمشاركة والتمثيل والمساءلة، اضافة الى الادارة العامة الرشيدة باعتبارها مكوّنات للحاكمية الراشدة (الصالحة) كما يذهب الى ذلك تقرير التنمية الانسانية العربية.
وتبرز الحرية كفكرة جوهرية ومركزية في عملية التنمية الانسانية، خصوصاً اذا اعتبرنا التنمية الانسانية هي: " عملية توسيع خيارات الناس"، وبهذا المعنى، لجميع الناس ولمجرد كونهم بشراً، حق أصيل في العيش الكريم مادياً ومعنوياً، جسداً وروحاً ويترتب على ذلك:
1- شمول مفهوم التنمية مبدأ المساواة وعدم التمييز بين البشر وفقاً لأي اعتبار اجتماعي او اقتصادي او ديني او قومي او لغوي او جنسي، او غير ذلك.
2- إتساع مفهوم التنمية ليشمل الجوانب المعنوية، مثل الحرية واكتساب المعرفة وحق التمتع بالجمال واحترام الكرامة الانسانية والمشترك الانساني، وبهذا المعنى فالتنمية لا تعني الوفرة المادية حسب، ولكنها تتطلب بناء القدرات البشرية المطلوبة لتحقيق الرفاه والتوظيف العقلاني للقدرات البشرية في مجالات النشاط الانساني والانتاج والسياسة والمجتمع المدني.
هكذا اذاً التنمية لا تعني مجرد تنمية الموارد البشرية، ولا حتى تنمية بشرية حسب، اي تلبية الحاجات الاساسية، لكنها تنمية انسانية شاملة في البشر والمؤسسات المجتمعية لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة الانسانية.
والمفهوم الواسع للتنمية الانسانية يضيف الى الحريات المدنية والسياسية، الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ليصل الى قاعدة عريضة تعتمد على مبادئ حقوق الانسان. اما الحكم الصالح فيعتمد على عدد من المحاور الاساسية منها: تأمين الحرية، اي ضمان توسيع خيارات الناس، وتوسيع المشاركة الشعبية والمساءلة الفعّالة والشفافية الكاملة في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، وسيادة القانون والقضاء المستقل والنزيه والكفوء، الذي تنّفذ أحكامه من قبل السلطات التنفيذية.
والامر يتطلب تضافر ثلاث قطاعات: قطاع الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص (رجال الاعمال)، ولكي يتحقق مقداراً من التعاون الضروري بين القطاعات المختلفة وفي اطار تعاون دولي، فلا بدّ من احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية، وتأمين سيادة القانون، والتحلي بمبادئ الادارة الرشيدة المؤسسية بعيداً عن التسلط الفردي والهيمنة، وهذا يتطلب تداولاً للسلطة ومكافحة للفساد وفقاً لمساءلات قضائية، وفي اطار مجتمع مدني حر وعلاقات دولية تتسم بقدر من الاحترام لقواعد القانون الدولي وفي اطار المصالح المشتركة.

يمكن القول ان التنمية في البلدان العربية مرّت بثلاث مراحل أساسية كجزء من البلدان الحديثة الاستقلال سواءًا كانت انظمة ثورية أو محافظة، جمهورية أو ملكية، فإن هناك بعض الخصائص المشتركة التي جمعتها، وإن كانت هناك منطلقات مختلفة ومتباعدة بينها، خصوصاً الطريق الذي سلكته لتحقيق التنمية، والعقبات التي واجهتها.

الاولى- مرحلة ما بعد الاستقلال أو نشوء الدول الحديثة العهد، وما رافق ذلك من نقاشات وجدالات حول الاهداف والسبل والاليات والفئات المستهدفة والطريق الذي يمكن اختياره الى التنمية، هل هو طريق التوجه " الاشتراكي" ام طريق التطور اللارأسمالي والنظام الاقتصادي الموّجه والتركيز على دور القطاع العام والتخطيط المركزي أم حرية السوق وإعلاء دور القطاع الخاص!؟ وما رافق ذلك من تطور ونمو اقتصادي ولكن مرحلة ما بعد الاستقلالات العربية ونشوء الدول الحديثة شهدت انقطاعاً لخط التطور التدريجي عبر ثورات وانقلابات وتقليص الحريات والحياة البرلمانية والتعددية، على حساب دور الطبقة الوسطى والمثقفين وصعود العسكر والفئات الريفية، القليلة التعليم والمعارف. وقد وصلت هذه المرحلة الى طريق مسدود، رافقه انتشار ظاهرة الفساد والرشوة والهوّيات المصغّرة بانتعاش النزعات الطائفية والمذهبية والإثنية والعشائرية والجهوية وغيرها.

الثانية- مرحلة الطفرة النفطية للبلدان الشديدة اليُسر، والتي استمرت منذ أواخر العام 1973 (بعد ما سمي بحرب اكتوبر) واستخدام النفط سلاحاً في المعركة وحتى مطلع الثمانينات. ومن ابرز سمات تلك المرحلة ارتفاع أسعار النفط، ووجود فوائض بمليارات الدولارات سنوياً اتجهت الى البنوك الامريكية والاوروبية، وأحدثت تنمية محلية سريعة وبخاصة في الدول النفطية خلال فترة قصيرة سواءًا للبنى التحتية وفي مستوى التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والتجارية والرفاه بشكل عام.

الثالثة- مرحلة الانكماش الاقتصادي وبخاصة بعد اندلاع الحرب العراقية- الايرانية 1980 وطاولت تلك المرحلة عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وما تبع ذلك من حروب واحتلالات وبخاصة بعد غزو القوات العراقية للكويت عام 1990 وحرب قوات التحالف ضد العراق في العام 1991 ومن ثم فرض حصار دولي عليه، ووقوع العراق تحت الاحتلال عام 2003.

ومن اهم سمات هذه المرحلة تراجع معدلات النمو واستمرار ظاهرة الامية (71 مليون في الوطن العربي) والبطالة وهجرة العقول والادمغة وازدياد الاعتماد على العمالة الاجنبية في دول الخليج العربي مقابل ارتفاع هجرة حادة للكفاءات في دول المغرب العربي.

وادت هذه الاوضاع، الى تفاقم مشكلات الأمن الثقافي والانساني والوطني والقومي بصورة حادة وبخاصة في دول الخليج، ويرجع السبب في كشف نقدي لمسيرة التنمية العربية الى انها اعتمدت على مشاريع استهلاكية وعلى التبادل التجاري، والى كونها تعمل بعيداً عن التكامل العربي في ظل توجه عالمي لاقامة وحدات اقتصادية كبيرة والى اعتمادها على بيع المواد الاولية وعلى استيراد العمالة الاجنبية، فضلاً عن أن تلك التحولات جرت في ظل وجود قوات عسكرية اجنبية، الامر الذي يتطلب دراسة تجارب اوروبا الاقتصادية منذ الخمسينات ولحد الآن وما أحرزته من نجاحات وتعاون ووحدة.

التنمية والحكم الصالح في عالمنا العربي يمكنهما السير معاً اذا توفرت ارادة سياسية وتشريعات ضامنة ومؤسسات وقضاء مستقل ومساءلة وشفافية وتداول سلمي للسلطة ومجتمع مدني ناشط ورقابة شعبية واعلام حر، اذ لا يمكن تحقيق احدهما دون الآخر الاّ استثناءًا، أما القاعدة فهي التداخل والتواصل فيما بينهما والاّ وصل كلاهما الى طريق مسدود، ولهذا فان مواجهة الاشكاليات والتحديات انما يستهدف اختيار السبل الصحيحة والمناسبة لإحداث التنمية الانسانية المنشودة والشاملة وفي ظل حكم صالح (راشد) ورقابة فعالة للمجتمع المدني.
كاتب ومفكر عربي
نشرت في صحيفة العرب القطرية بتاريخ 31/12/2007



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق: من إرث الماضي الى تحديات المستقبل
- العرب ومفارقات العولمة
- القضية العراقية بين التدويل والتأويل
- الدولة العراقية: سياقات التماسك والتآكل
- اختلاس الزمن في ظاهرة الاختفاء القسري!
- البصرة هل هو ثمن الحرية!
- الهوية الثقافية: الخاص والعام
- حين يختفي الاعلامي مؤرخ اللحظة !!
- مجتمع الايتام والآرامل!!
- اللاجئون العراقيون: مسؤولية من!؟..
- شهادة حية على التعذيب في سجن ابو غريب
- الاقليات والحقوق الثقافية
- المساءلة والحقيقة في تجارب العدالة الانتقالية
- التنوّع الثقافي والشعية الدولية !!
- التنوّع الثقافي: الاقرار والانكار !
- بعد 90 عاماً: هل تعتذر بريطانيا عن وعد بلفور ؟!
- الديمقراطية : أزمة وعي أم أزمة ثقافة ؟
- دارفور وتجارة الاطفال
- المعرفة وحرث البحر
- واشنطن بين حليفين لدودين


المزيد.....




- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الحسين شعبان - العرب والتنمية!!