أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عايد سعيد السراج - هل لمحمد معجزات؟















المزيد.....


هل لمحمد معجزات؟


عايد سعيد السراج

الحوار المتمدن-العدد: 2140 - 2007 / 12 / 25 - 10:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما هي معجزات محمد , وكيف حدثت , وما هي أبعادها وتأثيرها على وضع الرسالة المحمدية 0
(00إذا قرأت القرآن بتدبير وإمعان علمنا منه أن رسول الله لم يتحد الإنس بمعجزة غير القرآن ولم يأتهم بمعجز سواه0 وذلك أننا نرى عند تلاوتنا الآيات القرآنية أن الكفار كلما سألوه أن يأتيهم بآية أحالهم إلى الله, وقال لهم: إنما أنا بشر مثلكم غير أني يوحى إليّ0 فمن ذلك قوله في سورة العنكبوت : ( وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه, قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين ) (1) 0
وقد حكى لنا القرآن ذلك في آية أخرى مفصلاً في قوله تعالى:( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو وتكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً* أو يكون لك بيت من زخرف, أو ترقى إلى السماء , ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل عينا كتاباً نقرأه) (2) , فلم يكن جوابه لهم إلا ما جاء بعد هذه الآية من قوله:( قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً) (3)0
وتراه في بعض الأحيان إذا سألوه أن يأتيهم بآية اعتذر عن الآيتان بها: بأن ذلك لا يجدي نفعاً لأن الأولين جاءتهم أنبياؤهم فكذبوا بها أيضاً ولم يؤمنوا, فمن ذلك قوله تعالى:( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) (4) , وقوله:( قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى, أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل) (5), أي أن موسى قد آتاه الله آيات كقلب العصا حية, وكفلق البحر وغير ذلك, فهل أوتي محمد بمثل ما أوتي موسى من المعجزات , فأجبهم / 1117/ بما في الشطر الثاني من الآية وهو قوله :( أولم يكفروا بما أوتى موسى من قبل) (1)0
وأمثال هذه الآيات في القرآن كثيرة , فلا حاجة إلى ذكرها كلها ههنا0 وخلاصة القول إن هذه الآيات صريحة في أن رسول الله لم يأت بمعجزة من المعجزات سوى القرآن , وقد مر الكلام عن القرآن من هذه الناحية, أعني ناحية إعجازه في فصولنا المتقدمة0
وكذلك نرى القرآن يصرح لنا في كثير من آياته بأن رسول الله لا يعلم الغيب وأن ذلك إنما هو لله وحده0 ففي سورة يونس:( ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه, فقل إنما الغيب لله) (2), أي أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر غيب لا يعلمه إلا الله0 وفي سورة النمل :( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) (3)0 وفي سورة الأنعام:( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) (4) 0 وفي سورة الأعراف :( لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)(5)0
فمن هذه الآيات المتقدمة يتجلى لنا بوضوح أمران: أحدهما: أن رسول الله لم يأت بمعجزة سوى القرآن , والثاني: أنه لا يعلم الغيب 0 ولكننا مع هذا إذا نظرنا فيما ألفه وخلفه لنا علماء الإسلام في ما مضى الزمان من كتب التفسير والحديث والسيرة النبوية رأينا هذه الكتب مشحونة بما يخالف القرآن في كلا الأمرين, إذ نراهم يذكرون لرسول الله من المعجزات وخوارق العادات شيئاً كثيراً حتى ادعى بعضهم أنه أعطي من المعجزات ثلاثة آلاف, وتجاوز بعضهم هذا العدد فقال: إن معجزاته لا تدخل تحت عد أو حصر 0/ 1118/ وكذلك نراهم يذكرون له في كتبهم من الأخبار بالمغيبات أموراً لا تعد ولا تحصى 0
ثم إنهم فيما يذكرونه من هذه الأمور المصادمة للقرآن, لا يخالفون المعقول فحسب بل يخرجون فيها عن حدود سنة الله التي لا تقبل التبديل والتغيير, كما يخرجون في إثباتها عن حدود العلم الصحيح والنظر السديد والمنطق الحر والذوق السليم, حتى أنك عندما تقرأ أقوالهم المضطربة وأخبارهم الملفقة تقول سبحان الله أتراهم يهزلون0
سنتكلم فيما يأتي عما جاء في هذه الكتب من الروايات والأخبار المخالفة للقرآن كيف حصلت ومن أين جاءت, غير أنّا نريد قبل ذلك أن نذكر هنا أعظم معجزة لرسول الله قد عميت عنها أبصارهم وبصائرهم, فلذا سهل على الدساسين من أعداء الإسلام أن يهيموا بهم في تيهاء من مجاهل الخرافات والأوهام0
أعظم معجزة لمحمد
لا ريب أن نشأة محمد بن عبدالله المعلومة, وقيامه بأعباء النبوة, وما لقيه فيها من المصائب, وما اقتحم في سبيلها من المتاعب والمشاق, وما آتاه الله من عزم شديد وخلق عظيم وعقل راجح حصيف, وما أوجده بقرآنه وبسيفه من جمع الأشتات المترامية, وشد الأواصر المتفككة وتوحيد العناصر المتفرقة حتى أوجد بها من العدم أمة ناهضة في سبيل الحق والحرية, فقامت قومة رجل واحد تدعو إلى الله حتى دوخت البلاد وخضع لها الحاضر والباد, وامتدت في أقطار الأرض شرقاً وغرباً في مدة / 1119/ يسيرة لا تتجاوز نيفاً وعشرين سنة, لهي المعجزة الكبرى التي تتضاءل دونها المعجزات0 وإن هذه المعجزة على عظمها وجلالها لم تقع إلا وفق ما جرت عليه سنة الله في خلقه, ولولا ذلك لما كانت معجزة , ولما دلت على ما لمحمد من مقام رفيع وفضل عظيم 0
غير أن الجامدين يعمون عن هذه المعجزة, فلذا تراهم يهيمون في وادي الخرافات يبتغون بها المعجزات الدالة على صدق نبوة محمد وعظم شأنه كانشقاق القمر وتسليم الحجر, وكمجيء الشجرة إليه تشق الأرض شقاً حتى قامت عليه تظله لما نام في الشمس, وكشكوى البعير إليه, وتكليم الحمار إياه, وسجود الغنم له, ونطق الغزالة بالشهادتين , وشهادة الذئب له بالرسالة , إلى غير ذلك من الأمور التي هي مخجلة أكثر مما هي مضحكة (1)0
من الحقائق التي جاء بها القرآن وأثبتها العلم في هذا الزمان أن لخالق الكائنات الأعظم سنة في خلقه لا تقبل التبديل والتغيير, قال في سورة الأحزاب:( ولن تجد لسنة الله تبديلاً) (2) , وفي سورة الملائكة:( ولن تجد لسنة الله تحويلاً) (3) , غير أن أهل العلم في زماننا يعبرون عن سنة الله بالنواميس الطبيعية وهي جمع ناموس, كلمة معربة تستعمل في العربية بمعنى الشريعة والطريقة, وهم أي أهل العلم في هذا العصر يعنون بالنواميس الأصول والطرائق التي يجري عليها العالم بتفاعله في الكون والفساد على وجه لا يقبل الانحراف ولا الانعكاس, كناموس الجاذبية مثلاً0 فنواميس الطبيعة في عبارة أهل العلم وسنة الله في عبارة القرآن شيء واحد في المعنى وإن اختلفا في اللفظ0
وإذا كانت سنة الله لاتقبل التبديل والتحويل, كان من المحال أن / 1120/ تصور القدرة الربانية المطلقة خارجة عن حدود سنة الله لأن القدرة المطلقة هي سنة الله نفسها, فكيف يمكن تصورها خارجة عن نفسها, إذ يكون معنى ذلك أن القدرة الربانية المطلقة تستطيع أن تخالف القدرة الربانية المطلقة, وهذا هو المحال بعينه0 ولذا قال بعض علماء الإسلام , وهم المعتزلة: إن قدرة الله لا تتعلق بالمحال , ولا يلزم من قوله : هذا أن قدرة الله محدودة غير مطلقة , وأن الله غير قادر على المحال0 كلا , لأن المحال هو الخروج عن سنة الله التي هي قدرته المطلقة نفسها, وليس للعجز معنى بالنسبة إلى القدرة المطلقة, إذ لا يعقل بوجه من الوجوه معنى لقولنا إن القدرة المطلقة عاجزة عن الخروج عن نفسها أي عاجزة عن أن تخالف نفسها0 فمن الجهل أن يقال: إن الله عاجز عن أن يخلق مثله0
إذ تدبرت هذا وفهمته جيداً فقد علمت أن المعجزة الخارجة عن حدود سنة الله من الأمور المستحيلة التي لا تتعلق بها قدرة الله0 وإنما المعجزة الصحيحة الحقة هي المعجزة التي تقع في حدود سنة الله كالمعجزة التي أتى بها محمد رسول الله , وهي التي صورناها لك بصورة مجملة في كلامنا المتقدم آنفاً, وإلا كيف يصح أن يقال: إن محمداً قد أتى بأمر أعجز الناس عن الإتيان بمثله إذا كان ذلك الأمر الذي أتى به ليس من الأمور التي تتعلق بها قدرة الناس ولا قدرة الله0
فالمعجزة الحقة التي يصح أن تكون معجزة للناس هي ما ذكرناه آنفاً من الأمور الواقعة وفق سنة الله, والتي قام بها محمد في حياته النبوية , وكذلك القرآن , فإنه يصح أن يكون معجزة لا لأنه من / 1121/ الأمور التي تتعلق بها قدرة الناس فإذا عجز الناس عن الإتيان بمثله تحقق إعجازه وثبت بذلك صدق مدعاه, وأما ما ذكره الغافلون الجامدون عن المعجزات الخارجة عن حدود سنة الله فشيء لا وجود له إلا في أوهامهم 0
رسول الله
فإن قلتَ: إن خالق الكائنات الأعظم أعظم وأجل من أن يعمد إلى واحد من الناس فيرسله إليهم ليدعوهم إلى الله, فإن هذا لا يليق بالقادر المطلق, ولا يتفق وسنته التي هي قدرته المطلقة, فكيف يكون محمد بهذه المعجزة التي ذكرتها رسول الله ؟ قلتُ: لو كان معنى الرسول هو معناه المتعارف عندنا لكان الأمر كما تقول, ولكنه ليس كذلك0 إن المتعارف عندنا هو أن أحدنا إذا أرسل رجلاً آخر ليبلغه عنه أمراً أو ليدعوه إلى أمر سمينا ذلك الرجل رسولا0 ورسول الله ليس بهذا المعنى , ومن ذا الذي يحظر علينا أن تستعمل ما شئنا من الكلمات في غير معانيها الأصلية مجازاً0
لا ريب أن القدرة الربانية المطلقة تظهر وتتجلى بمواهبها اللدنية في جميع مخلوقات الله بنسب مختلفة ودرجات متفاوتة0 وما هذه الكائنات علويها وسفليها إلا مظاهر لقدرة الله متفاوتة الدرجات في خصائصها ومواهبها 0 وليس من المحال ولا من المخالف لسنة الله في خلقه أن تظهر القدرة الربانية بمواهبها اللدنية في رجل من الناس ظهوراً أكمل وأتم من ظهورها في غيره0 فرسول الله هو الرجل الوحيد الذي تجلت فيه القدرة الربانية بمواهبها اللدنية تجلياً أكمل وأتم من غيره من الناس 0/ 1122/
فأدرك هو بتلك المواهب عظمة الله وجلاله الرفيع حتى كان أعرف من غيره بقدرة الله وأقرب من غيره إلى سنة الله, وأخضع من سواه لسلطان الله0 ولما كان هكذا أراد أن يدعو الناس إلى معرفة الله والخضوع لسلطانه والجري على سنته لكي يبلغوا بذلك المقام الأعلى في الحياة, ويتوصلوا إلى ما ينشدونه من سعادة , فقال لهم: ( إني رسول الله إليكم) (1) بمعنى إني أنا أعرفكم بالله وبقدرته المطلقة وسنته الثابتة وأخضعكم لسلطانه وأقدركم عل اكتساب مواهبه الكمالية في هذه الحياة, فكأن قدرة الله لما وهبتني هذه المواهب اللدنية جعلتني رسولاً إليكم أدعوكم إلى معرفة الله والخضوع لسلطانه0 وليس في هذا المعنى ما يخالف سنة الله ولا ما يخالف المعقول0 فمحمد بهذا الاعتبار السامي الشريف صادق في قوله أنا رسول الله0
وأيضاً أشرنا في أول كتابنا هذا عند الكلام على " لا موجود إلا الله" إلى مرتبة الفناء في حقيقة الوجود الكلي المطلق اللانهائي الذي هو أقل عبارة تحوم بنا حول معرفة ذات الله, وقلنا لك أيها القارئ الكريم إنك إذا تصورت الفضاء بـأثيره ولا نهائيته , وبامتداده الزمني , وبما فيه من كائن جلي أو خفي تصوراً كلياً لا يعلق بالصور الجزئية, فقد تصورت الحقيقة الكلية المطلقة اللانهائية التي هي ذات الله , وعلمت أن لا موجود غيرها 0 ومتى وقف فكرك عند صورة جزئية من صور الكائنات فقد خرج بك وقوفك عندها عن الوجود الكلي وكفر عنك ذات الله0
ومتى استطعت أن تنسلخ من وجودك الجزئي وتندمج في الوجود الكلي فانياً فيه غائباً عن وجودك الجزئي غير ذاكر من نفسك صورتها المحدودة, جاز لك أن تظهر مظهر الوجود الكلي / 1123/ وأن تقول وتفعل عن ذات الله, لأنك بصورتك الجزئية غير موجود إلا وجوداً صورياً عرضياً فانياً , وإنما الموجود هو الوجود الكلي المطلق اللانهائي0
قلنا أيضاً إن عنوان هذه المرتبة من مراتب المعرفة هو " لا موجود إلا الله) هي المعبر عنها في كلام فلاسفة الإسلام بوحدة الوجود, وقد عبر عنها أي عن وحدة الوجود محمد في قرآنه بقوله:( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) (2)0
إن محمداً ببلوغه هذا المبلغ الأسمى من إدراك أنه لا موجود إلا الله قد استطاع بقدرة فائقة( كما تدل عليه أفعاله وأقواله) أن يندمج في الوجود الحق الكلي المطلق اللانهائي فانياً فيه, متلاشياً به, غائباً عن وجود نفسه الجزئي, ولذلك جاز له أن يقول عن ذات الله ما يقوله وأن يفعل عنه ما يفعل0 ألا تراه لما رمى جعل الرامي هو الله: ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (1) , كما جعل يده يد الله لما بايع أصحابه تحت الشجرة:( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله, يد الله فوق أيديهم) (2) , فهو بهذا الاعتبار الفلسفي أيضاً صادق فيما أخبر به عن الله وفي قوله : أنا رسول الله0
الله والمكان
قد علمنا مما تقدم أن ذات الله سرمدية أي ليس لها أول ولا آخر, وبعبارة أخرى هي كلية ولا نهائية0 وإذا كان كذلك صح أن يقال بأن الله حاضر في كل مكان, كما صح أن يقال بأن الله لا في مكان أي منزه عن المكان 0 وليس / 1124/ في هذا تناقض , وإليك بعض الإيضاح0
من البديهي أن كلية الذات السرمدية تستلزم كونها في كل مكان في كل آن, وإلا انتفت الكلية إذ لا شك أن خلو بعض الأمكنة منها يستلزم كونها جزئية متناهية0 وقد قلنا إنها متصفة بالكلية اللانهائية فيلزم وجودها في كل مكان في كل آن , ولا يلزم من كونها في كل مكان أن تكون متحيزة لأن التحيز أي الكون في الحيز إنما هو من شأن الجزئي المحدود فحصوله مع الكلية اللامتناهية مستحيل0
هذا بالنظر إلى كلية الله, وأما بالنظر إلى اتصافها باللانهائية فيصح أن يقال بأنها لا في مكان بمعنى أنها منزهة عن أن تكون في مكان دون آخر , وبهذا المعنى يندفع التناقض بين كونها في كل مكان وبين كونها لا في مكان0 فإن قلت لماذا يصح أن يقال بأن الله لا في مكان إذا كانت ذاته متصفة باللانهائية قلت لأن اللانهائية محيطة بكل شيء الذي في مكان لا يكون إلا متناهياً محاطاً , فمن المستحيل تصور اللانهائية في مكان, أي في مكان دون مكان0
وخلاصة القول إن كلية ذات الله تجعله حاضراً في كل مكان وأن لا نهائيته تجعله لا في مكان, أي لا في مكان دون مكان, وإلى كلية الذات السرمدية أشار القرآن بقوله:( وهو معكم أين ما كنتم) (3) , وبقوله:( فأينما تولوا فثم وجه الله) (4) , وإلى كون ذات الله لا نهائية أشار القرآن بقوله:( والله من ورائهم محيط) (5) 0 / 1125/
رؤية الله
من المسائل التي اختلف فيها علماء الإسلام رؤية الله0 فمنهم من أثبتها ومنهم من نفاها0 أما نحن فنقول: مما يترتب على كلية ذات الله ولا نهائيته استحالة رؤية الله لأنها تستلزم إحاطة الجزئي المحدود بالكلي اللانهائي وذلك محال, فإن المرئي مهما كبر وعظم لا يكون إلا محدوداً متناهياً, وإن مدى النظر مهما اتسع فهو جزئي محدود0 ويستحيل عقلاُ إحاطة الجزئي المحدود بكلي غير متناه 0 والمرئي لا يكون إلا متناهياً 0 وإلى استحالة رؤية الله أشار القرآن بقوله:( لا تدركه الأبصار) (1) , وبقوله :( لن تراني) (2)0 وأما ما ورد في بعض الأحاديث النبوية المثبتة لرؤية الله فينبغي أن يجزم بعدم صحته لمخالفته للقرآن وللمعقول معا0 وإذا قلنا بصحته فرضاً حملناه على أن المراد به غير الرؤية الحقيقية بل ما يترتب عليها من السرور والابتهاج فتكون من المجاز, أو قلنا أن محمداً في بعض الأحيان كان يكلم الناس على قدر عقولهم0
عرش الله وكرسيه
فمن بحثنا هذا في الوجود الكلي المطلق اللانهائي يتجلى لنا بكل وضوح أن الكلية هي عرش الله الذي جاء ذكره في القرآن في قوله:( الرحمن على العرش استوى) (3) , إذ لا يسعه شيء سوى الكلية اللانهائية, وأما اللانهائية فهي كرسيه الذي ذكره في قوله:( وسع كرسيه السموات والأرض) (4)0 / 1126/
بقي هنا شيء لا بد من ذكره, وهو أنه قد يقال : إن البحث في كنه ذات الله إشراك فنقول: إن بحثنا هذا ليس بحثاً في كنه ذات الله, فإن العقول والأفكار أقل وأحقر من أن تدرك كنه الذات السرمدية, وإنما نحن في كلامنا هذا نحوم حول معرفة الله فلا نرى في أبعاد اللانهاية سوى لألاء نور سرمدي نلحظه من طرف كل الخفاء , على أن هذا اللألاء تقصر عن بيانه كل العبارات وقد قلت:
في النفس ما أعيا العبارة كشفه وقصر عن تبيانه النظم والنثر
ويا رب معنى دق حتى تخاوصت إليه من الألفاظ أعينها الخزر
رجوع إلى أول البحث
قلنا في أول بحثنا هذا تحت عنوان" هل لمحمد معجزات" : إن القرآن صريح في أن محمداً لم يأت بمعجزة سوى القرآن, وأن كتب القوم تذكر له معجزات كثيرة , فأيهما الصحيح وبأيهما تأخذ وعلى أيهما في العقيدة نعتمد0
أن الجواب على هذا السؤال سهل بسيط لا يحتاج إلى النظر وتفكير , فإن القرآن هو العمدة الكبرى والمرجع الأعلى لنا في عقائدنا وسائر أمورنا الدينية فلا نأخذ إلا به ولا نعتمد إلا عليه ونترك ما يرويه لنا الرواة من الأحاديث المخالفة له فنبذها نبذ النواة0
ذلك لأن القرآن وصل إلينا بطريق التواتر لأنه كان في عهد رسول الله يكتب ويثبت في الرقاع ويحفظ في الصدور ويتلى في الصلاة وفي خارج الصلاة, وقد جمعه في الصحف الخليفة الأول /1127/ بعد وفاة رسول الله, ودوّنه في المصاحف الخليفة الثالث بمحضر من أصحاب رسول الله, فوصلت إلينا تلك المصاحف كما هي من دون أن يقع فيها تبديل أو تحريف0
فالقرآن بالنظر إلى هذا قطعي الورود وإن كان ظني الدلالة 0 فكيف نتركه ونأخذ بما يذكره لنا الرواة من أحاديث أسانيدها مختلة, ورواتها معتلة, وكلها أخبار آحاد ولم تدوّن في الكتب إلا بعد مضي قرن وربع قرن عليها بعد وفاة رسول الله, فبقيت طول هذه المدة تلوكها الألسن وتمضغها الأفواه متنقلة من فم أبله إلى فم ألثغ إلى فم ألكن إلى فم أبخر إلى فم كاذب مختل إلى فم مدلس دساس, ثم هي بعدما تداولتها هذه الأفواه أكثر من قرن , دونّت في الكتب فتلقاها الجامدون بالقبول وأخذوا يسطرونها في كتبهم غير ملتفتين إلى ما فيها من أباطيل تصادم العقل الرزين وتخالف الكتاب المبين, حتى صيرونا بذكرها في كتبهم ضحكة للعالمين0
نحن لا ننكر أن القرآن قد أسقط منه بعض الشيء عند إثباته في المصاحف في عهد الخليفة الثالث , إلا أن ذلك شيء ضئيل , وإن الذي وصل إلينا منه صحيح لا مرية فيه0 وليس كذلك الأحاديث التي نقلها إلينا أناس من الرواة قد أخذت بهم الأهواء كل مأخذ ولعبت بهم السياسة شتى الألاعيب0 وكان أكثر هؤلاء الرواة من الأمم المغلوبة من الذين دخلوا في الإسلام قهراً, أو من الذين استرقهم العرب الفاتحون بالأسر فكانوا هم ومن تناسل منهم من الموالي , فعاشوا في ولاء العرب موتورين تغلي في صدروهم الضغائن والأحقاد, كالحصين بن سلام اليهودي الذي تسمى بعبد/ 1128/ الله بن سلام, وكعب الأحبار, وابن سبأ اليهوديين, وكمحمد بن إسحاق, وابن سيرين من الموالي الذين يمتون بأنسابهم إلى الفرس, وكعطاء الخرساني , ومغلطاني, وابن منده, والجوزقاني, والبيهقي وغيرهم وغيرهم0
زد على ذلك أن من عني من الحفاظ بجمع هذه الأحاديث وتدوينها لم يسلكوا في تصحيحها وتمحيصها طرقاً علمية, وإنما اعتمدوا في ذلك على ما ظهر لهم من أحوال الرواة فاغتروا بظاهرهم, فلذا تراهم في الأكثر يشيدون بصحة بعض الأحاديث لمجرد أن رواتها ثقات وإن خالفت القرآن وصادمت المعقول , كما ينكرون بعضها لمجرد أن في رواته من هو مطعون فيه, وإن كان الحديث الذي رواه مما يؤيده القرآن ويعضده المعقول0 وخلاصة القول إن حفاظ الحديث كانوا في طريق جمعها وتدوينها ينظرون إلى من قال لا إلى ما قال 0
وقد أنهينا الكلم عن الرواة والرواة في فصل تقدم تحت عنوان " الرواة عند العرب" فلا حاجة هنا إلى التطويل, وإنما نريد هنا أن نتكلم عن بعض الشخصيات المريبة في الإسلام مما له علاقة بموضوعنا هذا فنقول 0

(1)سورة العنكبوت , الآية: 50- (2) سورة الإسراء, الآيات : 90- 93- (3) سورة الإسراء, الآية: 93 (4) سورة الإسراء, الآية: 59- (5) سورة القصص, الآية: 48 –(1) سورة القصص, الآية: 48 – (2) سورة يونس , الآية: 20 – (3) سورة النمل , الآية: 65 –(4) سورة الأنعام , الآية: 50 – (5) سورة الأعراف, الآية: 188- (1) انظر السيرة الحلبية , 3/ 278- 296 (2) سورة الأحزاب , الآية: 62 ؛ وسورة الفتح , الآية: 23- (3) سورة فاطر , الآية: 43- (1) سورة الأعراف, الآية: 158- (2) سورة الحديد , الآية: 3- (1) سورة الأنفال, الآية: 17 – (2) سورة الفتح , الآية: 10 – (3) سورة الحديد, الآية: 4 – (4) سورة البقرة , الآية: 115- (5) سورة البروج , الآية : 20 – (1) سورة الأنعام , الآية: 103- (2) سورة الأعراف , الآية: 143-(3) سورة طه, الآية: 5-(4) سورة البقرة, الآية: 255 0
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب معروف الرصافي 0



#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الشاعر : عايد سعيد السراج
- الشخصيات المريبة-1-
- حكي بردانين
- الحوار المتمدن منارة الحرية
- الشخصيات المريبة
- القراءة الناشئة من اختلاف اللغات
- جمعية سي السيد , ومأساة فتاة القطيف0
- تعدد القراءات واختلافها في القرآن -1-
- تعدد القراءات واختلافها في القرآن
- جدلية العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية
- حول بقية القصص القرآنية
- حوار الأحرار
- المرأة الشيطانية
- تموت البلاد على أبواب بغداد
- الفرق بين قول اليهود وقول النصارى في صلب المسيح
- قصة المسيح عيسى بن مريم
- محمد غانم, والبطل المأزوم0
- استنظار إبليس
- القصص القرآنية
- خلق السموات والأرض-4-


المزيد.....




- بن غفير يعلن تأسيس أول سرية من اليهود الحريديم في شرطة حرس ا ...
- “ابسطي طفلك” تردد قناة طيور الجنة الجديد على نايل سات وعرب س ...
- سوناك يدعو لحماية الطلاب اليهود بالجامعات ووقف معاداة السامي ...
- هل يتسبّب -الإسلاميون- الأتراك في إنهاء حقبة أردوغان؟!
- -المسلمون في أمريكا-.. كيف تتحدى هذه الصور المفاهيم الخاطئة ...
- سوناك يدعو إلى حماية الطلاب اليهود ويتهم -شرذمة- في الجامعات ...
- بسبب وصف المحرقة بـ-الأسطورة-.. احتجاج يهودي في هنغاريا
- شاهد.. رئيس وزراء العراق يستقبل وفد المجمع العالمي للتقريب ب ...
- عمليات المقاومة الاسلامية ضد مواقع وانتشار جيش الاحتلال
- إضرام النيران في مقام النبي يوشع تمهيدا لاقتحامه في سلفيت


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عايد سعيد السراج - هل لمحمد معجزات؟