أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - أحمد صبحي منصور.. وآفة الغرور 3-3















المزيد.....


أحمد صبحي منصور.. وآفة الغرور 3-3


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2131 - 2007 / 12 / 16 - 11:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يستمر الشيخ أحمد صبحي منصور في هجومه على كامل النجار فيقول (1 ـ الخط الواضح فى هجوم د. كامل النجار على الاسلام هو أنه يخلط بين الاسلام و المسلمين ليحمل الاسلام اوزار المسلمين بدءا من الفتوحات، ويتردد هذا بكثرة فى كتاباته، فيقول مثلا: (أما الإسلام فلم يخرج من المدينة إلا على أسنة الرماح والسيوف.) أى يعتبر مافعله الصحابة فى الفتوحات تطبيقا فعليا للاسلام) انتهى.
من الطبيعي جداً أن نحكم على أي نظرية أو فكرة بنتائج تطبيقها على أرض الواقع. وإذا أثبت العامل الزمني أن الفكرة لا يمكن تطبيقها، فهذا يثبت لنا خطأ تلك الفكرة. فمثلاً عندما أتى المفكر العربي عباس بن فرناس بفكرة أن الإنسان يمكنه أن يطير إذا صنع لنفسه أجنحة من ريش وربطها بذراعيه، كانت فكرة جميلة في حد ذاتها. ولكن عندما جاء ليطبقها، وربط الأجنحة على ذراعيه وصعد إلى قمة الجبل وقفز منها، وقع إلى الرض ومات. أثبتت لنا هذه التجربة أن الفكرة خاطيئة لأنه لا يمكن تطبيقها. وحتى لو جاء مليون شخص آخر وهللوا لفكرة ابن فرناس فلن يغير تهليلهم من خطأ الفكرة. ولكن عندما جاء أنشتاين في الخمسينات بنظرية النسبية وقال بأن انحاء غلاف الأرض يقود إلى انحناء الضوء، وتأكد له من خلال نظريته أن كسوفاً للشمس سوف يحدث في ذلك العام ولا يظهر بشكل كلي إلا في شرق إفريقيا، نسبةً لانحناء الضوء، ضحك عليه العلماء وقتها وسخروا منه. ولكن في اليوم المشهود حدث ما قال به أنشتاين وتأكد للعلماء صحة النظرية بجميع فروعها لأن التطبيق العملي في عالم الواقع أثبت صحتها رغم تهكم العلماء. ولكن إذا أخذنا الإسلام كمثال للأديان، نجد أن كل الادعاءات من أن الإسلام دين سلام وعدل ودين يحترم حقوق الإنسان ويحترم حق الآخر في الاختلاف وغير ذلك، لا وجود لها في أرض الواقع ولم يحدث أن طبقتها مجموعة من المسلمين في أي مكان في العالم رغم أن الإسلام قد مضى على ظهوره ألف وأربعمئة عام. . ألا يعني هذا أن نظرية الإسلام في مكارم الأخلاق والأمر بالمعروف أشياء نظرية كان افلاطون قد تحدث عنها في جمهوريته لكنها لم تحدث؟ سلوك المسلمين يعكس ثقافتهم الدينية. فإذا كان العالم يفيق يومياً على حروب وتفجيرات وعصابات تهريب الأطفال من اليمن إلى السعودية وتهريب النساء من العراق والمغرب إلى دول الخليج، ويرى على شاشات التلفزيون مسلمين ملثمين يهللون فرحاً ويكبرون لله عندما يذبحون رجلاً فقيراً اضطرته ظروفه المعاشية للعمل في العراق، ألا يحق لغير المسلم وقتها أن يستنتج أن هذا هو الإسلام على حقيقته؟ ما فائدة تعاليم جميلة تداعب رغبة الإنسان في العدل والمساواة ومكارم الأخلاق لكنها لا تُطبّق؟ ما فائدة أن يقول لنا القرآن "وكنتم خير أمة أُخرجت للناس" والواقع الذي لا يكذب يقول لنا "نحن أكذب أمة واكثر نفاقاً وقتلاً وضرباً وذبحاً من غيرنا"؟ ألم تأتِ الأديان لتعلم الناس مكارم الأخلاق؟ فإذا عجز المسلمون عن تعلم مكارم الأخلاق طوال هذه القرون، ما فائدة أن نترنم بآيات القرآن؟
ويجب علينا أن نشد على يد الشيخ لأنه يملك من الشجاعة الأدبية ما يجعله يعترف بأن الفتحوحات الإسلامية كانت اعتداءً سافراً على الآمنين، عندما قال (عندما خرج الصحابة من المدينة لغزو بلاد لم تقم بالاعتداء عليهم، وحينما احتلوا تلك البلاد بعد نهب خيراتها وقتل ابنائها وسبى نسائها فان كل ما فعلوه يتناقض مع شريعة الاسلام. بل إنهم حين كانوا يعرضون على ضحاياهم الذين يغزونهم قبل الحرب أن يقبلوا واحدا من ثلاثة: إما الاسلام أو دفع الجزية أو الحرب فانهم كانوا يتناقضون مع ألف آية قرآنية تؤكد على انه لا إكراه فى الدين وأن لكل انسان حقه المطلق فى العقيدة و انه مسئول عن اختياره امام الله تعالى يوم القيامة. أى أن ما انتشر بسيف الفتوحات لم يكن الاسلام الحقيقى وانمااستعمار واستيطان بالقوة أدى فيما بعد الى نشأة أديان ارضية رجعت بها الديانات السابقة الى الظهور تحت اسم الاسلام فقط.) انتهى

ولكن المشكلة فيما قاله الشيخ الدكتور أحمد صبحي منصور هي أن الفتوحات التي نشرت الإسلام بحد السيف لم تكن فقط ما قام به الصحابه، بل ما قام به نبي الإسلام نفسه. فقد كان يعرض على القبائل العربية الإسلام أو الجزية أو القتال والسبي. ويكفي أن نعلم أن مكة التي أبت أن تتبعه طوال السنين التي قضاها بها، وحتى السنة الثامنة من الهجرة، أسلمت في يوم واحد عندما دخلها بجيش قوامه عشرة آلاف رجل أو أكثر. فحيث فشل التبشير بالدين الجديد نجح السيف. وينسحب نفس الشيء على القبائل العربية الأخرى التي لم تحارب الرسول ولم تهاجم الإسلام ومع ذلك غزاها نبي الإسلام وحاصرها ورماها بالمنجنيق مثل قبائل ثقيف بالطائف. والروم الذين كانوا في منطقة تبوك لم يحاربوا الرسول ولم يتعرضوا للإسلام ومع ذلك غزاهم الرسول وفرض عليهم الجزية عندما رفضوا الإسلام. وفعل نفس الشيء مع نصارى دومة الجندل عندما أرسل إليهم عبد الرحمن بن عوف على رأس جيشٍ مسلم ونصحه أن يتزوج بنت مليكهم إذا أسلم. وما فعله الصحابة بعد ذلك لم يكن إلا اتباع سنة النبي العملية. فكامل النجار لايخلط بين الإسلام والمسلمين إنما يقرأ ما حدث ويحدث على أساس تطبيق ثقافة الإسلام التي تجب ما قبلها. وهذه هو القرآن يخبرنا أن الله يقسم بالخيول التي تغزو في الصباح الباكر "والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا. أثرن به نقعا" (العاديات 1-4). فالخيول التي تغير في الصبح لم تكن خيول المدينة عندما هاجمها جيش الأحزاب في عقر دارها، بل هي الخيول التي تغير على دول الجوار التي لم تكن قد هاجمت الإسلام. وهذه هي ثقافة القرآن الجهادية.
يزعم الشيخ الدكتور أن الصحابة اخترعوا الأحاديث التي تبيح لهم غزو الآخرين وإخضاعهم للجزية، فقال (2 ـ وسنرد فيما بعد وبالتفصيل عن تناقض التشريعات بين الاسلام و المسلمين، ولكن نؤكد هنا أن تشريع المسلمين تناقض مع تشريع الاسلام لأنه قام على أساس تسويغ الفتوحات بأحاديث ضالة ينسبونها كذبا للنبى محمد عليه السلام، ومنها حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله..) وهو الحديث الذى يخالف أكثر من ألف آية قرآنية تتحدث عن حرية العقيدة و تأكيد الوجه السلمى للاسلام التى اعتدوا فيها على من لم يعتد عليهم) انتهى
وإذا كانت هناك أكثر من ألف آية قرآنية تتحدث عن حرية العقيدة، فأنا اتحدى الشيخ، كما تحدى القرآن أهل مكة، أن يأتي لنا بمئة آية فقط منها. كل الآيات التي تتحدث عن حرية العقيدة كانت في السور المكية عندما كان محمد ضعيفاً مضطهداً في مكة، وهي لا تتعدى عشرات الآيات. وعندما استقر بالمدينة لم تأت آية واحدة تشجع على حرية العقيدة غير الآية التي جاءت في أول سورة نزلت بالمدينة، والتي تقول " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256). وقد أجمع جميع المفسرين الذين عاصروا النبي أنها نُسخت بآية السيف التي جاءت في سورة التوبة. وحتى إذا لم تكن قد نُسخت، فكيف نزاوج بينها وبين هذه الآيات المدنية التي تتحدث عن ارعاب من لا يؤمن بالإسلام:
"إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا وسألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان" (الأنفال 12)
"وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً" (الأحزاب 26)
"قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قومٍ أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون" (الفتح 16)
وهذه عينة فقط من آيات القتال المدنية. وأرجو أن يلاحظ الشيخ الدكتور في الآية الأخيرة أن القرآن يقول للمؤمنين "سوف تدعون إلى قوم" وهذا يعني أن القوم لم يهاجموا المسلمين في عقر دارهم وإنما دعا النبي المسلمين لمهاجمة هؤلاء القوم الذين يجب قتالهم إذا لم يسلموا. ثم أن الإله هنا لم يكتف بالمؤمنين المجاهدين إنما تدخل شخصياً وقذف الرعب في قلوب المشركين وأمر الملائكة أن تضرب منهم الأعناق والبنان. وهذا ما دعا المسلمين الأوائل ليقولوا عن النبي إنه "المنصور بالرعب". فهل يرى الشيخ الدكتور أي حرية عقيدة في هذه الآيات المذكورة؟
وفي محاولة لفصل سلوك المسلمين عن الإسلام، يقول الشيخ (1 ـ هناك فارق بين المبدأ وتطبيقه، فمن السهل أن تصدر الأوامر وتوضع الخطط والأفكار، ولكن تطبيقها يخضع لظروف الزمان والمكان وأهواء الانسان. يسرى هذا على النظريات والأفكار البشرية، فالشيوعية مثلا اختلفت رؤاها الفكرية بين لينين وتروتسكى، واختلفت تطبيقاتها مع الأصول الفكرية لما قاله ماركس، ثم إختلفت تطبيقاتها فيما بين الصين والاتحاد السوفيتى ويوغوسلافيا ورومانيا. الديمقراطية فكرتها واحدة ولكن تختلف تطبيقاتها فى دول أوربا وأمريكا. وحتى مصطلح العلمانية ومدى الفصل بين الدين والدولة لا يخلو من اختلاف نظرى وتطبيقى. هذا على المستوى البشرى الفكرى والعملى التطبيقى) انتهى.
ما قاله الشيخ الدكتور فعلاً يسري على الأفكار أو النظريات البشرية لأن أصحابها يختلفون في مقدراتهم العقلية وفي وضوح تعبيرهم عن نظرياتهم، ولكن عندما نتحدث عن قرآن أتى من عند إله عالمٍ بكل شيء ويعرف ذكاء ونوعية الناس الذين خلقهم، فنتوقع أن يكتب أو يوحي هذا الإله قرآنه بلغة لا تقبل التأويل والاختلاف. أما أن يوحي قرآناً بلغة لا يعلم تأويلها إلا هو، أو بلغة يشرح فيها أوامره وتعليماته ومع ذلك يطبقها الناس تطبيقات مختلفة، يكون هذا الإله لا يختلف عن البشرفي شيء. ويجوز لنا أن نلومه كما نلوم ماركس أو لينين على ما يراه البعض أخطاءً في الفكر الشيوعي. وحتى البشر عندما يكتبون دساتير وقوانين بلادهم يحاولون جهدهم أن تكون مكتوبة بلغة لا تفتح مجالاً لتأويلات مختلفة تجعل من الدستور حبراً على ورق.
ثم أسهب الشيخ الدكتور في وصف مساوئ المسيحية من إبادة الهنود الحمر في أمريكا اللاتينية واستغلالهم واستغلال الشعوب الإفريقية والاستعمار الغربي لمعظم دول العالم باسم المسيحية. ثم قال ( فى كل ذلك التاريخ الدموى لأوربا المسيحية لم يتهم أحد المسيحية بأنها دين الارهاب والابادة الجماعية، ولم يجعلها احد مسئولة عما فعله المسيحيون الأوربيون. المسيحية لم تتحمل وزر الاستعمار الأوربى والمذابح الغربية بدءا من استعمال السيف والرمح فى العصر الرومانى الى استعمال القنبلة الذرية فى الحرب العالمية الثانية،والأسلحة المحرمة دوليا فى فيتنام وما بعد فيتنام.
المسيحية الأوربية كان أساسها العدوان على الآخر وقهره بدءا من الرومان الى الأسبان ثم الصرب والكروات والأمريكان فى عصرنا الحالى. وهذا التطبيق الأوربى للمسيحية يناقض التطبيق المصرى لها، فالمسيحية القبطية المصرية تقوم على الصبر على الظلم والاستكانة له دون اللجوء للثورة عليه إلا عندما يبلغ الظلم مداه.) انتهى
والشيخ الدكتور هنا ينسى ما قاله عن وسائل البحث العلمي، ويخلط الحابل بالنابل في دفاعه عن الإسلام. لم يلم أحد المسيحية على الجرائم التي ارتكبتها الكنيسة أو الجيوش الغربية المسيحية لأن الكل يعرف أن الجرائم التي حدثت ليس لها أي سند في الكتاب المقدس (الإنجيل) وإنما حدثت نتيجة اجتهاد شخصي من البابا أو الملك أو قائد الجيش. والكل يعرف أن يسوع المسيح لم يقد جيشاً لينشر دينه الجديد أو ليفرض الجزية على من لا يتبعه، بينما في الإسلام يجد الإرهابيون والمجرمون عشرات الآيات القرآنية التي تبيح لهم القتال في سبيل الله صفاً واحداً، أو قتل المشركين حيث ثقفوهم وضرب رقابهم، لأن الانتحاري سوف ينعم بالجائزة الإلهية التي تنتظره في الجنة. "ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" (النساء 104). فالقرآن لا يعفي المؤمنين من القتال في سبيل الله حتى إن كانوا يتألمون من الجراح والإعياء، بل يطلب منهم أن لا يضعفوا في ابتغاء، أي طلب القوم الآخرين، أي في غزوهم في بلادهم، لأن الإنسان لا يطلب ما يأتي إليه في داره، إنما يطلب الشيء البعيد، ولذلك سمى فقهاء الإسلام غزو البلاد المجاورة ب "جهاد الطلب" وهو غير الجهاد للدفاع عن بلاد المسلمين الذي سموه جهاد الدفع.. وإذا لم يجد المسلم سنداً لما يريد إنجازه في القرآن، فالسنة المحمدية مليئة بأخبار الغزوات والسرايا ونكاح السبايا. أما استعمال القنبلة الذرية في هيروشيما فلم يكن قراراً دينياً في سبيل الله، بل كان قراراً سياسياً عسكرياً للانتقام من اليابان التي ضرب طياروها الأسطول الأمريكي في "بيرل هاربر". فإقحام القرارات السياسية في الجدل لن يفيد الدفاع عن الإسلام شيئاً.
وقد أصاب الشيخ عندما قال (3 ـ إن التطبيق البشرى لمبادىء المسيحية والاسلام يتشكل تبعا لثقافة كل دولة أو مجتمع، ولهذا ترى فى المسيحية الأوربية ملامح أوربا، وترى فى المسيحية المصرية القبطية ملامح الثقافة المصرية الزراعية، كما يختلف التدين المصرى بالاسلام عن التدين الصحراوى العنيف الذى تجده فى الجزيرة العربية وأفغانستان والجزائر، كما تجد التدين الايرانى بالاسلام ترديدا للعقائد الفارسية القديمة تحت اسم التشيع.) انتهى
فالشيخ هنا يثبت لنا أن الإسلام لم يأت بمحاسن الأخلاق وإنما جاء بنفس الثقافة البدوية الصحراوية في ذلك الوقت والتي كانت قائمة على الحروب والغزوات وسبي النساء والأطفال. لذلك استمر المسلمون في تطبيق الإسلام الذي عرفوه في بئتهم الصحراوية. وهذه الثقافة الإسلامية الصحراوية هي التي دفعتهم إلى غزو البلاد الأخرى والاستيطان بها ونشر ثقافتهم الصحراوية في العراق والهلال الخصيب الذين لم يكونا صحراء بل مستوطنات زراعية حضارية. ولكن للأسف نزل عليها جراد الصحراء فأكل الأخضر واليابس ليثبت للعالم أن الإسلام يُجبّ ما قبله. أما إسلام مصر فلا يختلف عن إسلام الجزيرة العربية لأن السكان الأصليين قد طغى عليهم الاستيطان العربي الذي أتى من الصحراء وجلب معه ثقافة القتل وتهميش الآخر المخالف وتكفيره، فأنتجت لنا الثقافة الجديدة فرض الجزية على السكان الأصليين رغم ثوراتهم العديدة ضدها، وانتجت لنا الجموع الذين ساروا من مصر إلى المدينة لحصار الخليفة عثمان وقتله، وأنتجت لنا سيد قطب وتكفيره الحكام العرب، وأخيراً انتجت لنا جماعة التكفير والهجرة الذين روّعوا السياح في جنوب مصر.
وتحت عنوان "الإسلام هو ما ينبغي أن يكون" يقول الشيخ الدكتور (1 ـ الاسلام أو أى دين أو أى منهج أخلاقى أو تشريعى هو مبادىء وأوامر ونواهى ونظم وقواعد كلها فى الأصل تنحو نحو ما ينبغى ان يكون. أما التطبيق البشرى فهو ما هو كائن فى الواقع من سلوكيات وأفعال. ولا يصح الخلط بين ما هو كائن وما ينبغى أن يكون.) انتهى
فلا الشيخ ولا القرآن أتى بجديد. كل هذه المناهج الأخلاقية والقيم المثلى أتى بها الفلاسفة منذ قدم التاريخ. أتى بها سقراط وأرسطو وافلاطون وحكماء الصين من أمثال كنفوشيوس وكذلك بوذا، ولكنها لم تُطبق لأن النفس البشرية ما زالت تعيش في الغابة وتحكمها غرائز الغابة من الافتراس والامتلاك، هذه الغرائز التي تغطي عليها طبقة خفيفة من الحضارة البشرية التي يسهل التغلب عليها بحجب الوعي بواسطة الكحول أو المواد الكيمائية الأخرى، فيظهر الإنسان على طبيعته. أما عندما نزعم أن هذه القيم الأخلاقية جاءت من إله يُفترض أنه خلق الناس في صورته ونفخ فيهم من روحه، وباستطاعته جبلهم كيف يشاء، يصبح من العبط أن نقول إن الإنسان مخلوق في صورة الله ولكنه لا يتبع تعاليم الله الذي لو شاء لجعلهم أمةً واحدة. فلو أراد الله لتعاليمه أن تتبع لجعل تلك التعاليم منسجمة مع طبيعة النفس البشرية التي خلقها. والمثل يقول (إذا أردت أن تُطاع، فأمر بالمستطاع). وحتى لو اقتنعنا أن التطبيق البشري هو ما هو كائن بينما الشرائع هي ما ينبغي أن يكون، ألا يعني عدم تطبيق هذه الشرائع الجميلة على مدى ألف وأربعمائة عام أنها شرائع رومانسية تدغدغ الحواس ولا يمكن تطبيقها، وبالتالي يكون الشارع قد خدع نفسه ورعاياه؟ وهناك مثل إنكليزي يقول عن الأشياء المرغوبة ولكن يستحيل تطبيقها، إنها "كعكة في السماء" Pie in the sky. وسوف تظل تعاليم الإسلام القليلة التي تدعو إلى حرية العقيدة ومساواة المؤمنين ببعضهم "كعكة في السماء"
والآن دعونا نجلس في هدوء واسترخاء لنقرأ الحكمة فيما يكتب شيخ الإسلام، الدكتور الأزهري، الذي يدافع عن المثل العليا في الإسلام ويجعل القرآن ديدنه في تصرفاته وفيما يكتب. يقول هذه الدكتور ((لدينا شخص اسمه (كامل النجار) يحمل لافتة أو اسما يميزه عن غيره يقول إنه (كامل النجار). ما هو كائن هو ذلك الشخص، أما ما ينبغى ان يكون فهو اللافتة التى تقول إنه (كامل النجار) فهل نطالب (كامل النجار) بأن يكون تطبيقا حرفيا لاسمه؟ هل لا بد أن يكون كامل (كاملا) فى الشكل والمظهر و السلوك؟ هل لا بد أن يفوق (يوسف) عليه السلام فى الحسن والجمال، ويتفوق على شوارزينجر (الثمانينيات) فى العضلات، وعلى المطرب عبد الحليم حافظ فى عذوبة الصوت، وعلى اينشتاين فى الذكاء و على غاندى فى الصبر والاحتمال وعلى كل الأنبياء فى سمو الأخلاق؟ هل نطالب (كامل النجار) بكل هذا الكمال طبقا لاسمه الذى يزعمه؟ وإلا اعتبرنا اسمه تزويرا فى اوراق رسمية؟ ثم تاتى المعضلة الأخرى، وهى (النجار)..فهل نطالبه بالتخلى عن تلك (الدال) إذا كان طبيبا أو استاذا حاصلا على الدكتوراة و نلزمه بالعمل نجارا ليتطابق الاسم على الواقع ـ ولكى ينطبق ما هو كائن على ما يجب أن يكون..؟ لو سألتمونى عن رأيى لاخترت له أن يعمل نجارا فربما يفلح فى هذه المهنة أفضل من قيامه بالكتابة.. فكيف يفلح كاتب يكتب دون ان يقرأ..؟!!)) انتهى الردح.
ولن أعيد على الشيخ الدكتور ما يقوله قرآنه عن الأخلاق وعدم السخرية بالغير، التي هي بمثابة "كعكة في السماء" بالنسبة للمسلمين عامة ولشيوخ الإسلام خاصة، ولكن يكفي أن أذكر له ما كتبه أحد العراقيين، الذي لا يحمل لقب "دكتور" قبل عدة سنوات عندما نشرت كتابي "قراءة نقدية للإسلام"، واسم هذا العراقي محمد عاكول، رد عليّ ذلك العاكول بمقال عنوانه "كامل النجار دكتور في الخشب"، ونصحني فيه أن امتهن النجارة بدل الكتابة. فهل هناك فرق بين المدافعين عن الإسلام الذين يحملون الألقاب ويدرسّون في كليات الأزهر وبين من لا يحمل لقباً؟ لا أعتقد ذلك ولهذا السبب لن أنزل إلى مستواهم، وأقول كما قال الشاعر:
ألا ترى أنّ السيفَ ينقصُ قدره إذا قيل إنّ السيفَ أمضى من العصا
وأحب أن أؤكد للشيخ الدكتور أن الأديان، جميع الأديان، تفرض على متبعيها نوعاً من الإرهاب الذهني المبطن لأنهم تعلموا منذ الصغر على الخوف من الإله أو مما يقوله الجيران. يقول الفيلسوف الإنكليزي برتراند رسل (الغالبية العظمى من المفكرين المشهورين لا يصدقون بالمسيحية ولكنهم يخفون تلك الحقيقة من الناس لأنهم يخافون أن يفقدوا مدخولاتهم) Bertrand Russell, from “The God Delusion” by Richard Dawkins, p 97
أتمنى للدكتور وكل المدافعين عن الإسلام عيداً سعيداً وآمل أن ينتهزوا فرصة العطلة هذه ليطلعوا على كيفية إدارة الحوار مع الغير والالتزام بالآداب السمحة التي يزعمون أن الإسلام قد زرعها فيهم.



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد صبحي منصور .. وآفة الغرور 2-3
- أحمد صبحي منصور ... وآفة الغرور 1-3
- من قال لستُ أدري فقد أفتى
- الأديان وتخدير أحاسيس الإنسان
- مشيخة الأزهر والموروث الكهنوتي
- فهمي هويدى ودروس في الكراهية
- هل كان محمد مرسلاً لجميع البشر؟
- الجنة وما أدراك ما الجنة
- من لا يشك ليس إنساناً
- المال هو قلب الإسلام الحقيقي
- ماهو الوحي، ولمن يوحي الإله؟
- رمضان والتخبط في التشريع
- حوار الأديان وحوار الطرشان
- حرب الفتاوى تكشف زئبقية الإسلام
- التعذيب في الإسلام
- نزهة مع الصحابة
- لولا كلمةٌ سبقت
- الإسلام أكبر نكبة أصابت العرب
- رجال الدين يفسدون الدولة
- ما أبشعه من إله يذبح الأطفال


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - أحمد صبحي منصور.. وآفة الغرور 3-3