أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - سياحات خيالية (4) / سعاد في بغداد















المزيد.....

سياحات خيالية (4) / سعاد في بغداد


عدنان الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2103 - 2007 / 11 / 18 - 09:52
المحور: الادب والفن
    


نجحتُ في إجتياز إمتحانات البكلوريا الصعبة وشرعت بعد حين قصير بالإستعداد لدخول الكلية . أعددت الوثائق والمستمسكات المطلوبة في مقدمتها نتيجة النجاح مدرجة فيها جداول درجات كل مادة إجتزتها بنجاح.
أخذني والدي إلى مركز الشرطة لإستحصال شهادة ( عدم المحكومية ) . كان معاون الشرطة المسؤول عن تحرير هذه الشهادة لحسن الحظ من معارف الوالد . حررها بسرعة وقعها ختمها ثم سلّمها لأبي . مكتوب في هذه الوثيقة [[ ليس من أرباب السوابق ]] . ما معنى السوابق ؟ لا أدري .
بقيت الشهادة الأصعب : ( حسن السلوك ) . فكرت طويلا ً ، ما كان والدي ولا أخي يعرفان المعاون المسؤول عن هذه المعاملات . قلت سأطلب مساعدة زميلي في السنة الخامسة الإعدادية ( غياث الدين ) فوالده هو الآخر معاون شرطة ولكني لا أدري درجة مسؤوليته عن مثل هذه المعاملات التي تكتنفها صعوبات وملابسات سياسية . فوجئتُ ! قال لي زميلي إنَّ والده هو ضابط الشرطة المسؤول عن تحرير شهادة حسن السلوك . أخذني فرِحاً مسروراً إلى مركز الشرطة وأدخلني حجرة أبيه وأنا أرتجف خوفاً غير مصدق ٍ أنَّ والدَ صديقي سينجز المهمة وبحضوري ودون تأخير . قال له هذا صديقي يحتاج شهادة حسن سلوك تمكنه من دخول إحدى الكليات . نظر الرجل إليَّ نظرة أب مشفق حنون ، مدَّ يده في أحد أدراج مكتبه فسلَّ منه وريقة صغيرة بحجم كف يد رجل . سأل ولده عن إسمي الكامل ، كتب عليها نصف سطر ، ختمها ووقعها ثم ناولها لي . شكرناه وغادرنا مكتبه مسرعين . قرأتها في الطريق فماذا وجدت ؟ [[ حسن السلوك والسيرة وغير محكوم عليه بجنحة أو جناية مخلّة بالشرف ]] . جُنحة ؟ جناية ؟ جناية مخّلة بالشرف ؟!
دخلت الكلية وسمعت أن ( سعاد ) ممرضة مستوصف صحة الطلاب قد تزوجت من ضابط في الجيش . ثم علمت أنها غادرت مدينتي مع زوجها وكانت تتنقل معه بين المدن حيثما شاءت ظروف وظيفته . المهم أنها تركت مدينتي فنسيتها جملةً وتفصيلاً ولم أكلف نفسي عناء السؤال أما زالت سعاد تفكر بي ؟ هل نسيت حبها المتقد لي ؟ ثم ، نعم ، ثم ، كيف تم زواجها بهذه العجالة وقد كانت زارتني بصحبة صديقتها في بيتنا ذات مساء قبل حوالي أربعة أشهرلا أكثر ؟ هل نجحت في إيقاع الضابط المسكين في حبائلها فتزوجها دون أن يعرف حقيقة دعاواها وإنفتاحها على شاب آخر أصغر منه سناً ؟ أكثر ما أثار شكوكي فيها أنَّ المستوصف الذي كانت تعمل فيه يقع بالضبط مقابل بيت أهل الضابط !! أكيد كانت تزور هذا البيت خاصة ولهذا الضابط ثلاث أخوات معلمات غير متزوجات .
نسيتها ، نسيتها مطلقاً. إنغمرت ُ في حياتي الجديدة طالب كلية ٍ في العاصمة بغداد . بغداد أكبر وأجمل من مدينتي . في الكلية معي زميلات جئن للدراسة من مختلف مدن العراق الكبيرة والصغيرة ، من النواحي والأقضية ، من القرى والأرياف ، من الشمال والجنوب ، لهجات ولغات متعددة ، أديان ومذاهب شتى . تجربة جديدة . تعليم مختلط .
قضيت في الكلية أربعة أعوام كانت عامرة بالمفاجآت والأحداث الكبيرة . كان أولها العدوان الثلاثي على مصر خريف عام 1956 ومقتل أحد طلبة الكلية برصاص شرطة العهد الملكي . ثم جاءت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 والإنقسام الكبير الذي حصل في صفوف طلبة الكلية وفي كافة أنحاء العراق . مررت خلال هذه الأعوام الأربعة بتجارب شخصية منوعة . تعرفت فيها على إحدى طالبات الكلية وإنتهت معرفتي بها نهاية فيها حزن وأسف . تركت دراستها في الكلية وتزوجت شخصاً جنوبياً وهي شمالية . كانت شائعة ً في تلك الفترة بين طلبة الكلية وطالباتها طبعاً أغنية شعبية كنا نغنيها في سفراتنا خارج العاصمة تقول في بعض مقاطعها (( كيف أنتَ بغدادي وآني من الجنوب ... عالهوب الهوب الهوب... والهوا شال الثوب ... حسنك وجمالك علّمني دروبْ دروبْ )) . أثناء فترة تعارفنا إنتقلت إحدى قريباتي إلى العالم الآخر بعد زواج فاشل فوضعت له خاتمة غير سعيدة . ثم حدثت لي أمور أخرى طفيفة مع بعض زميلات الدراسة في الكلية . قلتُ طفيفة ... أعني علاقات سطحية لا عمق َ [ ستراتيجياً ] لها !! حصل كل هذا ما بين الأعوام الدراسية 1955 / 1956 ـــ 1958 / 1959 ، أي بين عامي دخولي ثم تخرجي في الكلية . ما كانت الحياة الجامعية سروراً مطلقاً على الدوام ، كما إنها لم تكن حياة بؤس ومنغصات وإضطرابات . وما كان جميع الأساتذة أساتذةً من الدرجة الأولى . وكان فيهم عدد محسوس من الأساتذة المصريين . كانت علاقات الزمالة بين الطالبات والطلبة علاقات في مجملها وعمومها متحفظة محسوبة بدقة . وكانت العيون وحب الإستطلاع قوية وبعض الألسنة حِداداً . لم تمنع هذه الحسابات ولا تلكم التحفظات من وقوع بعض حالات ( التمرد ) على ما كان سائداً من القيم والتقاليد والمتعارف عليه . ولم تحل ْ العيون الكبيرة المتطفلة ولا الألسنة السيفية دون وقوعها . حصلت حالات ( تفاهم ) بين طالبة وطالب وحصلت حالات زواج وحصلت قصص رومانس كانت أخبارها تشيع بين الطلبة أسرع من الضوء وتظل ردحاً من الزمن موضع تداول بينهم . ولا غرابة في ذلك ، وفي مجتمع مصغر ومحدود من طلبة عراقيين ( وبعض العرب ) يدرسون ويأكلون وينامون في أقسام داخلية قريبة من مجمعات الأقسام الدراسية وإدارة الكلية . في مجتمع صغير لا تُخفى كبيرة ولا صغيرة . نعم ، أنساني هذا المجتمع المتحرك وأجواؤه الدراسية ثم عالم العاصمة بغداد والكثير من الحريات والإمكانات التي لم أعتدْ عليها في مدينتي الصغيرة ... أنستني ما كنتُ فيه في مدينتي . كنتُ بالطبع أزورها وأهلي مرة أو مرتين في الشهر ... شأن غالبية الطلبة الذين لا تبعد مدنهم كثيراً عن بغداد . الغريب أنَّ بعض زملائنا في الدراسة والقسم الداخلي كانوا من أهالي بغداد !! ما الذي يغريهم في مشاركة أولئك الطلبة من غير البغداديين العيش في أقسامهم الداخلية ؟ كيف سمحت إدارة الكلية بذلك ؟ بعض الظواهر والأحداث تمر كما يمر طيفٌ في الظلام !! وتظل خافية على الكثير ولا من تفسير معقول لها .
تخرجت مع غيري في دار المعلمين العالية [ ثم أصبح إسمها كلية التربية ] شهر حزيران عام 1959 ورعى حفل تخرج دفعتنا عبد الكريم قاسم ورئيس جامعة بغداد المرحوم البروفسور عبد الجبار عبد الله . تم َّ تعييني مدرساً على التعليم الثانوي في مدارس مدينتي ( الحلة ، مركز محافظة بابل اليوم ) . إنشغلت ... إنشغلت وأشغلتُ نفسي في أمور كثيرة سياسية وإجتماعية فضلاً عن قيامي بمهمات التدريس المنهجية المطلوبة في المدارس الحكومية . نشرت على نفقتي الخاصة ديوان شعر أسميته
( إحساسي يصيب الهدف ) كان خليطاً بين السياسة المكشوفة وإشارات خفيفة مخفية من الرومانس وروحانيات حُب الشباب التي تعبر عن نزوات وأحلام وتمنيات ورغبات لا نعرف حدودها ولا ماهياتها . ثم إبتعت بالإشتراك مع أحد إخواني سيارة روسية ( موسكفيج ) جديدة ، وما كان كلا الأمرين ضرورياً . لا السيارة ولا ديوان الشعر . جلب لي كلاهما متاعب ما خطرت إبتداءً على البال وتعدت كافة الحسابات والإحتمالات . كتبت عن بعض تلكم المتاعب مطوَّلاً في الجزء الأول من مذكراتي ثم نشرتها في العديد من المواقع . ثم أضفتُ وأضافت الأقدار العمياء لي عاملاً آخرَ سعيتُ إليه بإرادتي ومضيت نحوه كالأعمى الشديد الإصرار والعناد . وكانت لهذا الأمر عواقب وتبعيات لا حصر لها ظهر مفعولها السئ فيما سيأتي من سنين .
جئتُ بسيارتي من الحلة إلى بغداد عصرَ أحد أيام شهر نيسان عام 1962 فزرتُ وبصحبتي أخي الآخر بيتَ واحدٍ من أصدقائه واقع في محلة البتاويين في بغداد . ما أن دخلنا البيت حتى تجمدت عيناي !! ماذا أرى ؟ من أرى ؟ كانت الممرضة السابقة ( سعاد ) تجلس إلى جانب زوجها الضابط الشاب كانت دهشتها أكبر . بدت عليها أمارات إضطراب شديد الوضوح . شحُب وجهها ، لاذت بكتف زوجها ثم همست في أُذنه أمراً . ردَّ لها الهمس وما كان صعباً عليَّ أن أحدس موضوعات هذا الهمس المتبادل . رفع الزوج صوته قليلاً وأشار إليَّ وأخي قائلاً : هذا ملازم فلان وهذا أستاذ عدنان وهما شقيقا فلان.
تسمرت المسكينة إذ لفظ زوجها إسمي . كنت أتابعها بدقة وفضول . بدت كالمتهمة بإرتكاب خيانة عظمى من نوع ما ودرجة ما وما كان الأمر من جهتي كذلك . لم نمكث هناك طويلاً إذ غادرنا الدار على عجلة من أمرنا لقضاء بعض شؤوننا الخاصة .
ما أن حلَّ شهر آب من عام 1962 حتى كنتُ جاهزاً لمغادرة العراق لدراسة كيمياء التحولات النووية في جامعة موسكو متمتعاً بإحدى زمالات الوكالة الدولية للطاقة الذرية . بالفعل ، غادرت مطار بغداد فجر السادس من آب متوجهاً إلى العاصمة النمساوية ( فيينا ) لأبقى فيها قرابة ثلاثة أسابيع وأطير بعد ذلك إلى موسكو ... العالم الجديد .
(( كتبت عن فترة بقائي في مدينة فيينا وضمنته الجزء الثاني من مذكراتي المنشورة )).



#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياحات خيالية (3) / أميرة وسعاد
- سياحات خيالية (2) / الممرضة سعاد
- سياحات خيالية (1)
- قصص ألمانية سوريالية (6)
- قصص ألمانية سوريالية (5)
- ورابعهم المتنبي (1)
- قصص ألمانية سوريالية (4)
- قصص ألمانية سوريالية (3)
- قصص ألمانية سوريالية / (2)
- قصص ألمانية سوريالية (1)
- المتنبي والأرمن / شكر للسيدة سهيلة بورزق
- من تأريخ الحلة النقابي والسياسي / الجزء الثاني
- من تأريخ الحلة النقابي والسياسي / الجزء الأول
- المتنبي وفاتحة والطبيبة أسماء
- رسايل تلفونية بين المتنبي وحنان عمّان
- المتنبي يزور الخيمة سراً
- المتنبي والمتصوف هرون بن عبد العزيز الأوراجي
- المتنبي وحنان
- المتنبي وإبن بطوطة ( مداخلة إشتراكية رمزية ) / إلى مليكة الح ...
- المتنبي والصورة / إلى حنان في عمّان


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - سياحات خيالية (4) / سعاد في بغداد