أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بولات جان - معركة أورمار















المزيد.....

معركة أورمار


بولات جان

الحوار المتمدن-العدد: 2083 - 2007 / 10 / 29 - 09:13
المحور: القضية الكردية
    


كنتُ هناك... أترقب البداية و قد توقف المطر منذ لحظات و الضباب بدأ ينقشع و ينزل نحو الوديان السحيقة للتو. كان البرد قارصاً و الرياح الجبلية القادمة من القمم الثلجية تهب علينا من كل حدبٍ و صوب... و نحنُ نترقب القمة المواجهة لنا تماماً. الانتظار، كان المحيط يلفنا بالصمت القاتل و نحنُ ننتظر بداية الحدث، إنها أكثر اللحظات العصيبة في مثل هذه الظروف، أقصد الانتظار. كانت عقارب الساعة تسير على مهلٍ نحو منتصف الليل، و الهلال يترقب مثلنا تماماً ساعة الصفر...
في الدقيقة الخامسة من الساعة الثانية عشر ليلة عشرين من تشرين الأول في القمم الثلجية الباردة في جبل (جيلو) ضمن سلسلة جبال زاغروس، في تلك الدقيقة العصيبة ارتفعت طلقة مدفعية مضادة للطائرات نحو السماء راسمة خلفها خطاً نارياً أحمراً. و ما أن تراءت تلك الطلقة حتى تبعتها المئات من الطلقات من مدفعيات(الدوشكا) و قذائف الهاون على المراصد و القمم التي كان الجيش التركي قد تعسكر فيها ضمن مخططه في غزو جنوب كردستان(شمال العراق). كانت الطلقات تنهمر كالمطر المدرار على الجيش التركي الغازي، فردّ عليه الجيش بالمثل، فراحت الطلقات تتقاطع في السماء و قذائف الهاون تنفجر هنا و هناك و أصوات الرصاص تلعلع في القمم و القنابل تنفجر بين الصخور و خنادق الجيش التركي. و كان هنالك الصراخ... صراخ الألم و صراخ الموت و صراخ الحماسة و التشجيع...
تحول المحيط العاتم إلى بحر من النجوم الفولاذية و القذائف النارية التي خرقت جدران الصمت و أقشعت الغيوم السابحة تحت القمم. كانت الأوحال قد غطت كل المنطقة بُعيد الأمطار الغزيرة التي تساقطت طوال اليوم، و كانت الثلوج قد غطت القمم العالية في جبل (جيلو) و (چارچيلا) و (گارا). انطلاقة المعركة كانت سريعة الوتيرة و مجرياتها كانت حامية الوطيس، حيث دبت الحماسة و الدفء في أجساد المقاتلين المتجمدة؛ فراحوا يتهجمون بكل ما أوتوا من خفة و عنفوان على خنادق العدو، خلال دقائق معدودات و إثر الضربات السريعة من المدفعية و الرشاشات الفردية و القنابل اليدوية كان المقاتلين الأنصار قد احتلوا خنادق العدو الذي فرّ من بقي حياً إلى المعسكر القريب. المعركة الأولى كانت خاطفة و سريعة و قاصمة و قد قصمت ظهر الجيش التركي خلال لحظات.
قبل أن تبدأ المعركة بلحظات كانت مجموعة من المقاتلين الأنصار جاهزة بالقرب من الجسر الرئيسي الواصل بين معسكرات الجيش التركي و مراصده و المخافر الأخرى، و لأجل قطع الإمدادات البرية عن المعسكر و المراصد فقد تم تلغيم الجسر بلغم كبير جداً تم تفجيره بلحظات قبل بدأ المعركة. الانفجار الكبير أدى إلى انهيار الجسر تماماً و أنقطع الطريق من و إلى المعسكر و بذلك أطمئن الثوار إلى عدم وصول أية إمدادات برية مباشرة إلى ساحة المعركة.
الحصيلة الأولى و المؤكدة كانت، أكثر من ثلاثين قتيل من قِبل الجيش التركي، و أكثر من خمسة عشر جريحاً و ثمانية أسرى و الكثير من الغنائم العسكرية من الرشاشات الفردية و الذخيرة و المناظير الليلة المتطورة جداً و الماسحات الليزرية للمنطقة و المدافع المضادة للطائرات و مدافع الهاون...
المعركة كانت لصالح المقاتلين الثوار من حزب العمال الكردستاني و قد تلقى الجيش التركي ضربة أليمة جداً. المعركة الأرضية أنتهت بسقوط جميع الخنادق و المراصد و نقاط التمركز التابعة للجيش التركي في يد الثوار الكردستانيين، ففي الساعة الثالثة إلا عشر دقائق بدأت أصوات المروحيات الحربية التركية بالاقتراب من مناطق المعركة. طياري هذه المروحيات الحربية المسماة بـ (كوبرا) كانوا قد تلقوا تدريباتهم في اسرائيل للقتال ضد حزب العمال الكردستاني مستفيدين من حرب اسرائيل ضد الثوار الفلسطينيين. نستطيع القول بأن هذه المروحيات كانت ترجح كفة المعارك السابقة لصالح الجيش التركي، و لكن هذه المرة كان الامر مختلفاً جداً. فهذه المرة الأولى التي يجلب فيها الثوار الكرد أكثر من أثني عشرة مدفعية مضادة للطائرات من نوع (دوشكا) و التي كانت موزعة على شكل هلال مزدوج على قمم جبال زاغروس. فما أن دخلت المروحية في المنطقة و بدأت في الهجوم على القمم التي أحتلها الثوار الكردستانيين قبل ساعتين و في المناطق التي قد يتواجد فيها قيادات المعركة، حتى بدأت مدافع الثوار الكرد بإطلاق نيرانها على المروحيات التي لم تجد أية جهة يمكنها فيها من المناورة و مباغتة الثوار. فقد كانت الطلقات تنهمر عليها من كل حدبٍ و صوب، فكلما كانت المروحيات تعيد الكرة في الهجوم الجوي على أماكن الثوار الكردستانيين حتى كانت المدفعية تعيدها على أعقابها خائبة تسحب ذيل الهزيمة ورائها. فقد كانت العديد من المروحيات قد تلقت ضربات المدفعية الخفيفة و أنجرح فيها عدد من الجنود بحسب الإعلام التركي.
استمرت المعركة حتى ساعات الصباح، حيث تخلت المروحيات التركية عن محاولاتها الفاشلة في إلحاق الهزيمة بالثوار الكردستانيين، فبدأت على أثرها الدبابات التركية بالقصف العشوائي على كل المنطقة المحيطة حتى الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي، أي الحادي والعشرين من تشرين الأول. كل هذه المعارك التي أسفرت عن خسائر فادحة للجيش التركي، لم تسفر عن أية خسائر تذكر من قِبل الثوار الكردستانيين. حيث لم يستشهد أي ثوري كردي و لم يتزحزحوا عن أماكنهم قيد أنملة.
جثث القتلى الجيش التركي بقت تحت سيطرة الثوار حتى ساعات المساء و قد باءت جميع محاولات الجيش التركي في استعادة الجثث بالفشل. و في ساعات المساء بدأت الطائرات الحربية من طراز(ف 16) بالتحليق فوق جبال زاغروس و إلقاء الأطنان من القنابل التي تزن أكثر من طن بشكلٍ عشوائي على المنطقة دون أن تسفر أن أي ضرر للثوار المستحكمين في أكثر المخابئ أماناً. كما حاولت هذه الطائرات استفزاز مدفعيات الثوار لكي تكشف مكانها و تتعرض لهجومها. لكن الأوامر كانت واضحة: " لا تطلقوا على الطائرات و لا تكشفوا مواقعكم!". بالكاد استطاعت المروحيات التركية من نقل الجثث بعد أكثر من اربع و عشرين ساعة من بداية المعركة.
أما الإعلام التركي فقد كان قد جنّ جنونه و راح يقصف الجماهير بالأكاذيب و الأخبار المزورة، من قبيل بأنه ليس هنالك أسرى أتراك لدى الثوار الكردستانيين، و كذلك فقد أخفوا العدد الحقيقي للجنود القتلى في المعركة و كذلك فقد نشروا أنباء كاذبة عن استشهاد أكثر من ثلاثين ثورياًَ كردستانياً. مع العلم أنه لم يكن هنالك أي شهيد من الجانب الكردي، و قد أعترف الجنود الأتراك الأسرى بأن قتلى الأتراك كانوا أكثر من ثلاثين جندياً.
عسكرياً كانت هذه المعركة نصراً حاسماً للثوار الكردستانيين من حزب العمال الكردستاني. و سياسياً فقد غيرت هذه المعركة جدول أعمال الرأي العام في تركيا و انعكست بشكل كبير جداً على الرأي العام الدولي و الكردستاني. ففي حين كان الجيش و الحكومة التركية تتشدقان بالتهديدات ضد الشعب الكردستاني و جنوب كردستان و تتوعد بالقضاء النهائي على حزب العمال الكردستاني، في هذا الوقت بالذات تلقى هذا الجيش لهذه الهزيمة قد مرغت أنفه في الوحل و أظهرته على حقيقته. فليس كل هذه التهديدات و الوعيد و عرض القوى ليس إلا تمويهاً لجبنها و ضعفها و هشاشتها.
فلم يعد الحديث في تركيا حول كيف سيغزون جنوب كردستان و كيف سيحتلون مدنها و يقتلون ثوارها، و كيف سيفعلون كذا و كذا، بل بات الحديث في الشارع التركي حول هذه الهزيمة التي مُني بها الجيش التركي، و قضية الأسرى الثمانية الذي استسلموا لقوات الدفاع الشعبي التابعة لحزب العمال الكردستاني. فمعركة أورمار قد غيرت الكثير من الحسابات و قلبت الموازيين رأساً على عقب.
فمن جانب راحت التظاهرات العظيمة في كل المدن الكردستانية وخاصة في جنوب كردستان تندد بأي غزوٍ تركيٍ محتمل للجيش التركي في جنوب كردستان، هذه التظاهرات الجماهيرية قد أظهرت اللحمة الوطنية بين الجماهير الكردستانية و قياداتها الثورية و حزب العمال الكردستاني و بين كافة أجزاء كردستان و كذلك كانت أكبر برهان بأن الشعب الكردي لم يعد ورقة يستخدمها الدول متى شاءت و لم يعد الأكراد جنوداً للغير يتقاتلون فيما بينهم لأجل مصالح الآخرين. كل الأكراد رفضوا الاقتتال الداخلي نهائياً و رفضوا الرضوخ للتهديدات التركية الفارغة. و جاءت معركة أورمار كتتويج لهذا الموقف الكردستاني المناهض لأي تدخلٍ تركي في المسائل الكردستانية.
معركة أورمار أثبتت للجيش التركي بأن ثوار حزب العمال الكردستاني يملكون القوة الحقيقية للدفاع عن مكتسبات وطنهم و صون شعبهم تحت كل الظروف. هذه المعركة و بحسب توقيتها أثبتت للعالم بأن دخول الجيش التركي إلى كردستان العراق لن يكون بهذه السهولة التي يظنها البعض، بل سيكون هنالك مقاومة عسكرية و حرب أنصارية عظيمة من قبل حزب العمال الكردستاني ضد العجرفة التركية.



#بولات_جان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لنقرأ التاريخ بموضوعية وعقلية حيادية تامة دراسة عن المجازر ا ...
- 9 أكتوبر، يوم المواجهة بين ثورة الحرية و الإمبريالية
- لعبة السموم
- وا أسفاه يا طالباني
- الباحث عن الحقيقة
- المرتزقة
- لك سلامي
- نحن أخوة
- شمعة ناظم
- هل من معارضة سورية؟!
- لم أفرح..
- إن وقعْتَ يا فصيح
- شيلان، ما الذي أكتبه؟
- قراءة في فكر اسماعيل بشكجي
- الاعتراض الضميري و ثقافة المجتمع الديمقراطي
- طوبى للسلام
- صدر حديثاً -آفاق كونفدرالية- عن دار شيلان للإعلام
- صراع الاجيال
- ما هو الحل؟
- ترانيم الروح... لوحة من الفرات


المزيد.....




- الصحة العالمية تحذر من -حمام دم- ومن امتداد المجاعة لجنوب ال ...
- فرار 8 معتقلين من سجن في هايتي والشرطة تقتل 4 آخرين
- الآلاف يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة باتفاق رهائن مع حماس
- ميقاتي ينفي تلقي لبنان -رشوة أوروبية- لإبقاء اللاجئين السوري ...
- فيديو.. سمير فرج يُشكك في عدد الأسرى الإسرائيليين: حماس تخفي ...
- برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش -مجاعة شاملة-
- مديرة برنامج الأغذية العالمي: شمال غزة يواجه بالفعل مجاعة كا ...
- -جيروزاليم بوست-: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ...
- فعلها بحادثة مشابهة.. اعتقال مشتبه به دهس طفلة وهرب من مكان ...
- المياه ارتفعت لأسطح المنازل.. قتلى ومفقودون وآلاف النازحين ج ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بولات جان - معركة أورمار