أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - -الديمقراطية- ليست مِنَ -الكُفْر-!















المزيد.....

-الديمقراطية- ليست مِنَ -الكُفْر-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2037 - 2007 / 9 / 13 - 11:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"الديمقراطية"، في تعريفها الشائع والبسيط والمُخْتَصَر والذي تَعْرِفه وتَحْفَظَه عن ظهر قلب العامَّة من الناس، هي "حُكْم الشعب"، أو "حُكْم الشعب لنفسه بنفسه". ويكفي أن تُعَرَّف، وأن تُفْهَم، "الديمقراطية"، أو "النظام السياسي الديمقراطي"، أو "نظام الحُكْم الديمقراطي"، على هذا النحو حتى تَلْقى قبولا واسعا وعامَّا، فباستثناء أولئك الذين يؤمنون، دينيا، بشرعية سياسية، أو بشرعية في الحُكْم، تعلو الشرعية المستمَدَّة من "الإرادة الحرَّة للشعب (أو الأمَّة)"، لكونها، على ما يزعمون، مستمَدَّة من "السماء"، ليس مِنْ مُعْتَرِض، من حيث المبدأ والجوهر، على أن يكون "الشعب" هو مَصْدَر السلطات جميعا.

على أنَّ "الديمقراطية" لم تتمكَّن بَعْد، وعلى وجه العموم، من أن تتخطَّى "الأزمة" في بعضٍ من أهم مفاهيمها، كمفهوم "الشعب"، ومفهوم "حُكْم الشعب لنفسه بنفسه". وقد رأيْنا، في العراق مثلا، كيف تلاشى "الشعب"، "مفهوماً" و"وجوداً (أو واقعاً)"، في "تجربته الديمقراطية"، التي ليست بـ "تجربته" في المقام الأوَّل، والتي ليست بـ "ديمقراطية" بحسب المعايير والمبادئ والقيم العالمية لـ "الديمقراطية"، فـ "العراقي" أصبح، في المقام الأوَّل، شيعياً (عربياً) أو سنياً (عربياً) أو كرديا..

ولم تَظْهَر فيه (أي في العراق) غالبية شعبية "عراقية"، مُتخَطِّية لكل انتماء، أو عصبية، يَحُول، أو تَحُول، بين العراقيين جميعا وبين تَحَوُّلٍِهم، في الواقع، إلى شعب واحد، يُنْتِج، عَبْر الانتخابات البرلمانية، "أكثرية" و"أقلية" تَشْبهانه في المُكوِّنات الاجتماعية، فـ "الأكثرية"، التي أنْتَجَتْها انتخاباته البرلمانية كانت شيعية، وكأنَّ الطوائف (الدينية) عندنا تَفْهَم وجودها على أنَّه "وجود سياسي ـ قومي"، أو في منزلة هذا الوجود. لقد مُسِخ "الشعب"، مفهوماً وواقعاً، فمُسِخ، بالتالي، "حُكْم الشعب لنفسه بنفسه"، مفهوماً وواقعاً أيضاً. أمَّا في الغرب فنرى "المسخ"، على وجه الخصوص، في مفهوم وواقع "حُكْم الشعب لنفسه بنفسه"، فهذا الحُكْم فيه من "الشكل" أكثر كثيرا مِمَّا فيه من "المحتوى".

"الحُكْم" يجب أن يكون مُسْتَمَدَّاً، أو مُسْتَمِدَّاً لشرعيته، من الإرادة السياسية الحرَّة للشعب أو الأمَّة، أي أن يكون مُمَثِّلاً خير تمثيل لإرادة "الغالبية الشعبية"، أو "الغالبية الانتخابية". ويُنْظَر إلى "الديمقراطية"، بمفاهيمها وطرائقها ووسائلها، على أنَّها النظام الذي لا يضاهيه نظام لجهة قدرته على إنتاج وإظهار "الإرادة السياسية الحرَّة للشعب (في غالبيته)"، وكأنَّ وجودها (أي وجود تلك الإرادة) من وجوده، فإذا لم يُعْمَل به استعصى، بل استحال، ظهور الإرادة السياسية الحرَّة للشعب.

على أنَّ "الديمقراطية"، في جوهر معناها، لم تتمكَّن من إجابة السؤال الآتي: هل من الديمقراطية أن يختار الشعب، بإرادته الحرَّة، نظاما غير النظام الديمقراطي؟ إنَّ "الشعب"، أي غالبيته، وبإرادته الحرَّة قد يختار نظام حُكْمٍ له مخالِفٍ، أو حتى مضاد، لنظام الحُكْم الديمقراطي، جزئياً أو كلِّياً، فهل نَنْظُر إلى اختياره هذا على أنَّه اختيار منافٍ لـ "الديمقراطية"، في جوهر معناها؟!

"الإسلاميون" عندنا، وعلى وجه العموم، لا يمانعون في أن يلعبوا "اللعبة الديمقراطية"، كأن يشاركوا في الانتخابات البرلمانية، انتخابا وترشيحا؛ ولكنَّهم، وعملاً بـ "الديمقراطية"، في جوهر معناها، قد يُفكِّرون، بعدما انتقلت السلطة إلى أياديهم انتقالاً سلميا ديمقراطيا، في "استفتاء" الشعب، الذي هو مَصْدَر السلطات جميعا، في أمر إلغاء "النظام الديمقراطي"، وإقامة "نظام حُكْم إسلامي"، بما يَتَّفِق مع إيمانهم بأنَّ في "الديمقراطية" من "الكُفْر" ما لا يستطيع إيمانهم الديني قبوله والتعايش معه. وعلى "الديمقراطيين"، في هذه الحال، أن يفاضلوا بين "ديمقراطية منافية للإرادة الحرَّة للشعب" و"إرادة حرَّة للشعب منافية للديمقراطية"، فهل من حلٍّ لهذه المشكلة الكبرى في الحياة السياسية عندنا؟ إنَّ جزءا مهما من الحل يمكن ويجب أن يبدأ من الدين ذاته، أي من "الإسلام في جانبه الفكري ـ السياسي".

وهذا إنَّما يعني أن تغدو المفاهيم الأساسية للحياة الديمقراطية جزءاً من "الفكر السياسي" لـ "الإسلام"، فشعوبنا الإسلامية لا بدَّ لها من أن تَفْهَم تلك المفاهيم على أنَّها ليست من الكفر في شيء، وأنَّ الأخذ بها، وجَعْلِها حقائق واقعة في حياتنا السياسية والعامَّة، هما من الأمور "الحلال"، فأيُّ جهد فكري ـ ديني يَسْتَهْدِف غير ذلك إنَّما هو جهد يريد له أصحابه إبقاء شعوبنا ومجتمعاتنا في موقع العداء لكل ما لها مصلحة حقيقة فيه، ولكل ما تحتاج إليه حقَّا، متَّخذين الدين، مع ما له من تأثير قوي في عقول وقلوب الناس، وسيلة لذلك.

وهذا التطوير الذي نحن في أمسِّ الحاجة إليه يجب أن يبدأ بنبذ مفهوم "الدولة الدينية"، فالدولة (والوطن أيضا) إنَّما هي مُلْكٌ لمواطنيها كافَّة، لا فَرْق في حقِّ المِلْكية هذا بين مسلم وغير مسلم، بين مؤمن وغير مؤمن، بين أبيض وأسود، بين عربي وغير عربي، بين رجل وامرأة. وإذا كانت "الدولة" التي نريد، وإليها نحتاج، هي التي تقوم على التساوي في الحقوق بين مواطنيها جميعا فلا بدَّ، في هذه الحال، من أن يتمتَّع كل مواطن (من مواطنيها) بالحقوق التي يتمتَّع بها غيره، ولا بدَّ لنا، بالتالي، من أن نَفْهَم مبدأ "التساوي في الحقوق" فَهْماً ينتفي منه كل استثناء، فلا فَضْل لمواطن على مواطن إلا بالتزام هذا المبدأ، قولا وعملا.

ومبدأ "التساوي في الحقوق" بين المواطنين جميعا إنَّما يَسْتَلْزِم ويقتضي أن لا يُقر لأيِّ مواطن حقٌّ يُمْكِن أن يُجْحِف بحقٍّ لغيره (فردا كان هذا "الغير" أم جماعة). إنَّكَ، وعملاً بمبدأ "التساوي في الحقوق" بين المواطنين جميعا، لا يحقُّ لكَ ولا يجوز أن تَمْنَح مواطناً الحقَّ في أن يتبوأ هذا المنصب العام أو ذاك وأن تمنعه، في الوقت نفسه، عن غيره.

وغني عن البيان أنَّ "الدستور"، في جوهره، يجب أن يقوم على مبدأين لا تفريط فيهما أبدا، وهما: مبدأ "الدولة (والوطن أيضا) لمواطنيها كافة"، ومبدأ "تساوي المواطنين كافة في الحقوق".

وأحسب أنَّ دستورا بهذين المبدأين هو وحده الذي في مقدوره أن يؤسِّس لعلاقة تشبه "الزواج الكاثوليكي" بين "الشعب" و"الديمقراطية"، فينتفي السبب لـ "شعب يَنْبُذ الديمقراطية بإرادته الحرَّة"، ولـ "ديمقراطية تُناقِض الإرادة الحرَّة للشعب".

"الديمقراطية" هي المجتمع في وحدته وانقسامه؛ ولكنَّها لا تُقِرُّ إلا بالانقسام الذي فيه، وبه، تغتني وتَتَّسِع وتَتَعَمَّق، فهي مع كل انقسام عابِرٍ للحواجز بين الأديان والطوائف (الدينية) والأعراق والأجناس.. وبين الرجل والمرأة، فـ "وحدة المجتمع" يجب أن تكون كامنة في كل انقسام.

وعليه، لا بدَّ لـ "الأحزاب السياسية" من أن تُمثِّل "الانقسام" في معناه هذا، فـ "الانقسام الفكري والسياسي (الذي تُمثِّله الأحزاب)" يجب أن يَقْتَرِن بـ "العضوية" التي تَظْهَر فيها وتتأكَّد الوحدة بين مُكوِّنات المجتمع، فـ "الحزب الديمقراطي (الدستوري)" إنَّما هو الحزب الذي مهما اختلف فكريا وسياسيا عن غيره يمكن ويجب أن يكون مُتَّسِعا، لجهة الانتساب إليه، لمواطنين مختلفين دينيا وعرقيا..

إنَّ على المفكِّرين الإسلاميين الحريصين على تطوُّر وتقدُّم شعوبهم ومجتمعاتهم أن يبذلوا من الجهد الفكري ـ الديني ما يكفي لجَعْل العامَّة من المسلمين يفهمون "النظام الديمقراطي"، بأوجهه ومبادئه وقيمه كافة، على أنَّه ليس من الكفر في شيء، وينتمي، مفهوما وممارَسة، إلى "الحلال" من أمور حياتهم الدنيا.





#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 6 سنوات على -عالَم بوش بن لادن-!
- ليَنْطِقوا حتى نَخْرُج عن صمتنا!
- -حماس- تمخَّضت فولدت -فاشية سوداء-!
- الحاكم العربي في حقيقته العارية!
- -الغيبية- و-الغيبيون-!
- في الطريق إلى -اللقاء الدولي-!
- بوش يوشك أن يفتح -صندوق باندورا-!
- مناقشة ل -الرأي الآخر- في مقالة -التسيير والتخيير في فتوى شي ...
- العراق بين -التقسيم- و-التقاسم الإقليمي-!
- -التسيير والتخيير- في فتوى شيخين!
- هذا -التلبيس- في قضية -الربا-!
- المال.. إله الحياة الدنيا!
- غلاءٌ.. سَقْفُه السماء!
- توصُّلاً إلى الفصل بين الدين والسياسة
- التربية
- بين -أيلول بن لادن- و-أيلول بوش-!
- هناك مَنْ جَعَلَ الشفاء في الدواء!
- هي الآن -خريطة الطريق- إلى بغداد!
- الأخلاق والدين
- أهو خيار فلسطيني جديد؟!


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - -الديمقراطية- ليست مِنَ -الكُفْر-!