أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سليمان القرعان - الالهية البوشية يقررها الجنود والحظ















المزيد.....

الالهية البوشية يقررها الجنود والحظ


خالد سليمان القرعان

الحوار المتمدن-العدد: 2021 - 2007 / 8 / 28 - 08:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقول بوش : "إن الأحداث لا تحركها الصدفة أو التغيُّر الأعمى"، بل تحركها "يد الرب العادل الأمين". كان بوش واثقًا منذ البداية بأن رئاسته جزء من خطة إلهية، بل انه قال : "أعتقد أن الرب يريدني أن أدخل المنافسة على منصب الرئاسة". وبرز اقتناعُه بأنه إنما ينفذ إرادة الرب بشكل أكثر صراحة منذ الحادي عشر من سبتمبر. فقد قدَّم نفسَه، في خُطَبِهِ عن حالة الاتحاد وخُطبِهِ في المناسبات العامة الأخرى، بصفته قائدًا لحرب كونية ضد الشر. أما عن شن حرب على العراق فيقول: "إننا لا ندعي معرفة الطرق كلها التي تعمل بها العناية الإلهية، ومع هذا فنحن نثق بها". ويقول إن الرب يباشر شؤون العالم، وهو يدعو الولايات المتحدة لتقود عملاً صليبيًا تحريرياً في الشرق الأوسط، وإن "نداء التاريخ وجِّه للدولة الأحَقّ".
كل واحد من الأصوليين المسيحيين والليبراليين ممن يعتنق سياسة التدخل يعتنق صيغةً رسالية معينة، ومن هذه الصيغ: مماثَلةُ هذه الحرب بشكل زائف بالحرب ضد هتلر؛ ومقارنة الخيرية الأمريكية بالمنكر الأوروبي؛ وجَحْد كون المصالح المادية القذرة وراء المشروع المندفع لتصدير الديموقراطية الأمريكية.
ويؤكد مؤيدو بوش لأولئك القلقين من استعمال اللغة الدينية أن الخطابة التي تتذرع بالعناية الإلهية خصيصة أمريكية خالصة جدًا. وهذا صحيح، لكن يجب أن نفهم أنه يمكن أن تكتَسب العناية الإلهية معاني مختلفة تبعاً للظروف. فيمكن أن يَدعم اعتقادُ المرء بأنه إنما ينفذ إرادةً إلهيةً أهدافًا مشروعةً، ويسانِد مقاومة الظلم، لكنه يمكن أن تشجع على بعض التبسيطات الخطيرة أيضا - خاصة إن كان المؤمن بها يمتلك ما يكاد يكون قوة غير محدودة، مثلما هي حال بوش. كما يمثل انزلاق المرء إلى الاعتقاد بأنه يتحلى بالصلاح خطرًا محدقاً.
وقد قاوم الخطباء العظام القائلون بالعناية الإلهية إغراءَ الاعتقاد بادعاء الصّلاح. ومن هؤلاء الدكتور مارتن لوثر كنج الابن حين كتب وهو نزيل أحد سجون مدينة برمنجهام: "سوف نسترد حريتنا لأن التراث المقدس لدولتنا وإرادة الرب الأبدية منسوجان بإحكام في مطالبنا التي هي صدى لهما"، وكان قصده من ذلك السعي لإيجاد قاسم مشترك مع الجنوبيين البيض، لا التنبؤ باندثار القائلين بالفصل العنصري والمدفوعين بالنزعة الشيطانية.
كذلك كان إبراهام لنكولن حين توسل العناية الإلهية في خطاب تنصيبه لفترة رئاسته الثانية، فقد كان قصدُه دعوةَ الشماليين المنتصرين والجنوبيين المهزومين للتصالح. وكان قصده حين وصف الحرب الأهلية [الأمريكية] بأنها كفَّارة وطنية عن آثام العبودية، "أن يضمِّد جراح الوطن" ويستلهم درساً أخلاقياً من الخسائر المفزعة في الجانبين. ويمكن أن يقدِّم التفكيرُ المتوسل بالعناية الإلهية في أحسن أحواله نقيضًا قوياً لادعاء الصلاح.
ومع ذلك فكثيرًا ما اختَزل الساسة والمنظرون الأخلاقيون الأمريكيون الإيمانَ بالعناية الإلهية لتكون تسويغاً دينياً للقوة العارية. فلم يكن يُنظر إلى يد الرب، في أربعينيات القرن التاسع عشر، حين ظهرت فكرة أن قدَرَ الولايات المتحدة أن تتوسع إلى المحيط الهادي، أمرًا غيبيا (كما هي في الاعتقاد المسيحي التقليدي)، بل كانت "تتحقق" في التوسع الأمريكي. أما عن السكان الأصليين غير المنتجين في السهول الوسطى الواسعة فقد قال الصحفي هوراس جريلي في سنة 1859: "يجب أن يموت هؤلاء الناس - إنه ليس بمقدورنا أن نساعدهم. لقد أَورث الرب هذه الأرض أولئك الذين يفتحونها ويحيونها، ومن العبث مقاومة القدر الحقّ".
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى بيَّنت أفعال وودرو ولسون أن من الممكن استخدام خطابة الخلاص لأغراض تتجاوز حدود النزعة الوطنية، ومع هذا فهي لا تزال ضحية. فقد صرح أنه بالانخراط في الحرب وضمان السلام العادل "حققت أمريكا امتيازًا لا نهائياً في تحقيق قَدَرها وإنقاذ العالم".
وأدى فشلُ حلم ولسون بعد الحرب بمعظم الأمريكيين إلى التشكك في أحلام إنقاذ العالم أثناء الحرب العالمية الثانية. لهذا كانت أكثر حروبنا ضرورةً أكثرَها تأبِّيا على التأويلات التي تتوسل العناية الإلهية أيضا. فقد كانت تلك حربًا قذرة، وكان يجب أن يقوم أحد ما بها: وكانت تلك هي النظرةَ السائدة، عند راسمي السياسات وعند الشعب الأمريكي أيضاً. ولم تصطبغ الحرب العالمية الثانية بصبغة الطهارة إلا بعد حين.
أسهمت الحرب المخطط لها ضد العراق ومن ثم إعادة إعماره في إحياء معنى العناية الإلهية العاطفي المُرضي للنفس مرة أخرى. وربما أمكن الافتراض بأن الهجوم على الولايات المتحده يجعل المشاريع المتلبسة بقيم المدينة الفاضلة غير ضرورية - وهو ما حدث عند كثير من الأمريكيين أثناء الحرب العالمية الثانية. ومع أنه يمكن ألا تحتاج حربٌ على الإرهاب التوسلَ بالعناية الإلهية لتسويغها فإن حرباً يُقصد منها إعادة رسم الوضع في الشرق الأوسط تحتاج إلى خطابة تماثل في فخامتها فخامة أهدافها. لذلك يَخدم المنظورُ المتوسل بالعناية الإلهية هذه الأغراض: فهي تشجع على رواج منظور النَّفق، وتثبِّط الحوار وتختزل الدبلوماسية إلى لي الذراع.
وأسوأ من ذلك كله، فهي تُجمِّل الواقع الفوضوي للحرب ونتائجها. وتُعفي الثقةُ بالعناية الإلهية، مثلُ ثقة المخططين الاستراتيجيين بالقنابل الذكية، المرءَ من ضرورة النظر في الدور الذي تلعبه الصدفة في الصراع المسلح، وهو أقل الأمور الإنسانية خضوعا للتنبؤ. فلأننا محاطون بالإرادة الإلهية والخبرة العلمية الأمريكية فكل شيء تحت سيطرتها.
الذين خاضوا معترك الحروب، بدءًا من الجنرال شوارتسكوف وانتهاء بأدناهم، يرفضون هذه الصور الزاهية. ومن المؤكد أن الجنود الأمريكيين في منطقة الخليج يرفضونها كذلك. وينبغي ألا يكون هذا مفاجئاً: ذلك أن هناك على الدوام فرقاً بين المخططين للحرب والجنود في الجبهة. فالمخططون مقتنعون بأن بمقدورهم التحكم بنتائج الحرب؛ أما الجنود فيعرفون القسوة العشوائية للقدر بصورة مباشرة إذ يمكن فيها أن تُقطع أطراف هذا الجندي، ويترك جندي آخر سالماً. إنهم يعرفون قوة الحظ.
وربما لا يوجد مُلحِدون في الخنادق الأمامية، لكن لا يوجد فيها كثير من المؤمنين بالعناية الإلهية أيضاً. وكان الجنود الذين يخوضون المعركة دائمًا ولا يزالون أقلَّ ثقة من السياسيين بالفكرة القائلة بأن الرب يقف في صفِّهم. إنهم يثقون بربٍّ أقدم وهو الحظ. وقد دأب الجنود الأمريكيون منذ الحرب الأهلية الأمريكية حتى حرب عاصفة الصحراء على لبس التمائم والحجب التي تجلب الحظ - وهي من أنواع مختلفة جدًا، بدءًا بميداليات القديس كريستوفر والأحجار الملساء وانتهاءً بخصلات من ضفائر معشوقاتهم. ولم لا؟ فجهودهم لجلب الحظ تتصل اتصالاً مباشرًا بتجاربهم الخاصة في الحرب التي تقوم على الحظ.
لكن قوة تفكير الوعاظ القائلين بالعناية الإلهية، تستمد قوتها من الاعتقادات المتطرفة عند الأصوليين المسيحيين واليهود أما أكثر المؤوِّلين إنسانيةً لتلك الفكرة فيتعرضون لمزيد من الإقصاء والتجاهل، ويأخذ الأيديولوجيون زمام القيادة، مطمئنين إلى أنهم إنما ينفذون إرادة الرب.



#خالد_سليمان_القرعان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا ومشروع النفط العراقي
- مساعدات البترول ونظام الظل الاردني
- الأقليمية الدفاعية وضروراتها في تصور الدولة اليهودية
- الولايات المتحدة الامريكية وموقفها الصريح من الازمة اللبناني ...
- حول وثائق الاستخبارات الأمريكية : تقرير مجلس الاستخبارات الق ...
- الدولة الاردنية عبء على الانسان الاردني
- الإعلام الموجه قبيل الحرب على العراق
- بوتين وتخثر الحرب البارده في الدفاعات الامريكية
- في صراعات القوى العظمى والاحادية النسبية
- الحرب الامريكية في العراق والتحول السياسي
- الولايات المتحدة الامريكية وتعزيزاتها العسكرية في العراق وال ...
- استراتيجية الولايات المتحدة والقرن الافريقي
- معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية
- فرسان مالطا الى أين
- البعد الامني بين الاتحاد الاوروبي وأمريكا
- دور ايران في الخطر الاقليمي على المنطقة العربية
- الصراعات الايدولوجية والتوجه الامريكي من اجل السيطرة على الع ...
- مدخل ودراسة موضوعية : في حرب الولايات المتحدة الامريكية على ...
- دولة أسرائيل الى أين
- استراتيجية عربية وفقا لقرارات قمة بيروت العربية العاتية


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سليمان القرعان - الالهية البوشية يقررها الجنود والحظ