أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسيون - الخطر الاستراتيجي القادم















المزيد.....

الخطر الاستراتيجي القادم


قاسيون

الحوار المتمدن-العدد: 1995 - 2007 / 8 / 2 - 11:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



- إبراهيم البدراوي

فجأة طفت واحدة من الأزمات وخرجت من كمونها لتنبهنا للخطر الاستراتيجي القادم. تحركت قطاعات جديدة من الشعب. هذه المرة لم يكن التحرك بسبب تأخير صرف المرتبات أو المطالبة بالحوافز أو الإجازات أو احتجاجا على الإحالة الإجبارية على المعاش المبكر أو بسبب كوارث الخصخصة.. الخ، وهي الأسباب المباشرة لتحركات العمال المستمرة حتى الآن.

التحركات الجديدة بسبب العطش، عطش الناس، وعطش الأرض الزراعية في بلاد النيل، أخرج سكان قرى عديدة في أكثر من محافظة في حركة عارمة حاملين أوعية ماء فارغة وقطعوا الطريق الدولي شمال الدلتا، أطلقت بعض الصحف على هذه التحركات اسم «ثورة الجراكن»، واحتج وتحرك الناس بأساليب أخرى في مناطق أخرى، إذ لاتصل إليهم مياه الشرب النقية أو مياه الري.

العطش للبشر والأرض هو أحد وجوه أزمة المياه في بلاد النيل، أوجه أخرى حديثة تتمثل في تلويث النيل بطريقة إجرامية عبر إلقاء كل أنواع المخلفات فيه وعدم قيام الحكومة بدورها لحمايته، بما تسبب في إصابة المصريين بأمراض خطرة. ويلحق بذلك القصور الشديد في تنقية مياه الشرب والاستخدام المنزلي من حيث الكم والكيف. وكالعادة تلقي التبعة على المسؤولين السابقين، ونقص الاعتمادات المالية، ويرتفع بالتالي سقف الجباية الحكومية برفع أسعار المياه.

حينما تم بناء السد العالي عبر ملحمة مصرية تاريخية كان الهدف منه توفير المياه والطاقة الكهربائية وزيادة الرقعة الزراعية وإنقاذ البلاد من موجات الجفاف الذي عانت منه أفريقيا في العقود الأخيرة ومن وحشية الفيضانات المدمرة، وكان المشروع يتضمن أعمالاً تكميلية هامة للغاية لتوليد الطاقة الكهربائية وتجاوز الآثار الجانبية المؤثرة على جودة المياه والاستفادة القصوى منها والحد من ارتفاع منسوب المياه الجوفية في الدلتا إلى غير ذلك من الآثار الجانبية. إلا أن سلطة السادات والسلطة الحالية لم تفعل أي شيء من هذه المشاريع المكملة، وهكذا بدأ الخط البياني للمشاكل في الصعود.

المؤرخ اليوناني القديم (هيرودوت) قال إن مصر هبة النيل، وهي مقولة غير دقيقة بل وخاطئة، ذلك أن مصر هي هبة الجدل العظيم بين جهد وقوة عمل الإنسان المصري مع الطبيعة، أي الصراع الإبداعي للإنسان المصري مع الطبيعة لتطويعها، أي مع النيل والأرض لبناء حضارته الموغلة في القدم. وفي إطار ذلك جرى جدل التطور العظيم لمصر، وتكونت الأمة المصرية (كأقدم أمة في التاريخ) من خلال دولة مركزية قوية لها دور حاسم في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، أي تنظيم عملية الاستفادة من الثروة المتمثلة في الأرض والمياه وطريقة توزيعها، ورعاية وحماية النهر إلى حد التقديس. وذلك عكس ما يحدث الآن وما يرتكب في حق النهر الخالد من جرائم.

لكن أمامنا الآن ما هو أشد خطراً مما يحدث راهناً. أمامنا الخطر الاستراتيجي الساحق، الذي يزحف إلينا حثيثاً بسبب قصور وجهل، بل وتواطؤ الطبقة الحاكمة وسياساتها التي لا تطمح لأكثر من المزيد من النهب وخراب الوطن وتدمير الشعب.

يتردد منذ سنوات- خصوصا من العدو الصهيوني- أن الحروب القادمة هي «حروب المياه». كما يتردد في تقارير منظمات دولية أن العالم سوف يواجه في المستقبل شحاً في الموارد المائية.

منذ أوائل خمسينات القرن الماضي كانت سلطة يوليو مدركة لخطورة قضية المياه، ولأن النيل ينبع من أفريقيا، فقد أولت القارة اهتماماً خاصاً، حيث أعطت علاقاتها مع حركة التحرر الوطني أولوية فائقة، وقدمت مساعدات كبيرة مادية وسياسية لهذه الحركات (رغم أن ذلك كان موضع اعتراض قوى اليمين)، ولذلك قطعت الغالبية الساحقة من الدول الأفريقية علاقاتها مع الكيان الصهيوني عقب عدوان 1967 (عادت العلاقات بعد الصلح الساداتي المشين)، ووضعت مصر خطوطاً حمراء لا يتم تجاوزها في حال نشوب أي خلاف أو نزاع مع أي من دول حوض النيل خاصة السودان وأثيوبيا، وتسوية هذه الخلافات بسرعة، وذلك حفاظا على المصالح الوطنية المصرية والأمن القومي للبلاد من منطلقات مبدئية.

بعد السلام اليهودي الذي كرسه السادات واستكمل به شطب الخط الوطني على كل الصعد، تراجع الدور المصري في أفريقيا، حتى تلاشى الآن. واندفع الكيان الصهيوني بكل قوة لمد نفوذه في أفريقيا، وبالذات في دول حوض النيل، واستطاع هذا الكيان المعادي أن يملأ الفراغ الذي تركته مصر، وهذا هو جوهر الخطر الاستراتيجي على مستقبل مصر.

تركز الدولة اليهودية على دول منابع النيل. ساندت ودعمت كافة حركات التمرد في أنحاء السودان، وتجري الآن عملية تخريب لاتفاقيات التسوية التي عقدت، وها نحن نشاهد لجوء الآلاف من دارفور لإسرائيل، والأخطر المسكوت عنه هو عمليات التهويد الواسعة في هذا الاقليم. لقد أدت الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى توقف العمل في قناة (جونجلي) في جنوب

السودان، وهو مشروع شديد الحيوية لأنه يحافظ على نسبة عالية للغاية من الماء وعدم ضياعها في مستنقعات الجنوب الشاسعة وتوجيه المياه عبر هذه القناة إلى الشمال، علما بأن منابع هضبة البحيرات التي تأتي منها المياه إلى قناة (جونجلي) تتميز بأنها ممطرة طول العام وهي مصدر مائي هائل. والخلاصة هي أن الخطر الماثل لتقسيم السودان يمثل كارثة بالنسبة لمصر.

على الجبهة الأثيوبية كارثة أخرى سببها جعفر نميري في فترة تحالفه مع الإخوان المسلمين (كان نميري هو حليف السادات الوحيد في سنواته الأخيرة). تمثلت الكارثة في دور نميري الكبير في تهجير (يهود الفلاشا) من أثيوبيا إلى الكيان اليهودي. المسكوت عنه الآن أن هؤلاء اليهود قد جرى إعدادهم وتأهيلهم، وعاد الكثيرون منهم إلى أثيوبيا كرجال أعمال وخبراء يتركز وجودهم ونشاطهم حول (بحيرة تانا) المنبع الآخر للنيل ومصدر فيضه صيفاً في كل عام. وهذا الوجود اليهودي النوعي يحمل مخاطر سياسية واقتصادية كبيرة على مصر.

على جبهة دول هضبة البحيرات نسج الكيان الصهيوني علاقات واسعة مع هذه البلدان تتعمق كل يوم في غياب كامل للدور المصري، وكلها بلدان لها علاقات تاريخية مع مصر منذ مراحل كفاحها من أجل تحررها الوطني (أوغندا وكينيا وتنزانيا والكونغو وأفريقيا الوسطى وغيرها). ومرة أخرى فإن المسكوت عنه هو عمليات التهويد الواسعة التي تجري في هذه البلدان، والتي يصحبها إعداد للمتهودين المنتقين كرجال أعمال وخبراء في بلدان منابع النيل وخطر التأثير السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي الإسرائيلي في هذه البلدان.

هذا هو الحصاد المر لسياسات الطبقة المسيطرة على البلاد وسلطتها السياسية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وما جرته على البلاد من خراب، وتعريضها لمخاطر إستراتيجية شديدة تهدد الكيان الوطني، بعد أن تخلت عن دورها الإقليمي والدولي فأدخلت الوطن إلى ما يتجاوز الأزمة الشاملة. أي إلى مرحلة تهديد الوجود ذاته.




#قاسيون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «رَشّ انبز»... بس على مين وليش؟
- الأزمة الفلسطينية... استعصاء عابر أم مأزق دائم؟
- تخدير «سلمي» لمسار «عدواني»
- الوصفة القاتلة لصندوق النقد الدولي .. إلغاء الدعم والتضخم ال ...
- في ذكرى معركة ميسلون المجيدة.. كم مشينا على الخطوب كراما وال ...
- الوافد الجديد.. حذار
- رباعي غير «وتري»
- أطول حروب التاريخ
- هزم في مارون الراس.. فأطل من «العربية»!
- يسار در.. أمام سر..
- العميد «محمد أمين حطيط»:ما يحدث اليوم.. سيؤسس لمئة عام من ال ...
- سنة على «حرب تموز المجيدة» والمقاومة أكثر قوة
- الحكومة.. من الإعلان إلى النتائج
- إعتذار إلى البنك الدولي،وشكر لوزير الاقتصاد والتجارة... وبشر ...
- ظاهرة الفقر والإفقار- مصر نموذجاً
- العراق: ثلاثية التفتيت، والنهب، والأطماع
- القضايا الوطنية بين «حرق المراحل» وتحضير «البدلاء»..
- من سيمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية؟
- مبادرة على طريق وحدة الشيوعيين السوريين
- شرعية المقاومة في مواجهة «محمية شرم الشيخ»!


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسيون - الخطر الاستراتيجي القادم