أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في شأن مشكلات العرب الواقعية ومشكلتهم الثقافية















المزيد.....

في شأن مشكلات العرب الواقعية ومشكلتهم الثقافية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1972 - 2007 / 7 / 10 - 11:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا مشكلة واحدة ولا اثنتان؛ تواجه العرب المعاصرين، بالأحرى، ثلاث مشكلات كبرى: مشكلة الدولة، مشكلة الدين، والمشكلة الغربية. استدام عهدنا بالمشكلة الغربية بفعل قيام إسرائيل، وتكونت حولها الإيديولوجية القومية العربية التي انشغلت بمناهضة الاستعمار أو الامبريالية والصهيونية، وأعلت من قيم الاستقلال والتحرير والوحدة العربية؛ وحول مشكلة الدولة تكونت الإيديولوجية الديمقراطية التي عرفت نفسها بمقاومة الاستبداد والدكتاتورية، ونشطت من أجل قضايا الحريات وحقوق الإنسان والمجتمع المدني؛ وحول مشكلة الدين تكونت الإيديولوجية العلمانية التي تناضل ضد الأصولية والإسلام السياسي، وتدعو إلى الفصل بين الدين والدولة. وبينما شغلت المشكلة الغربية ربع القرن الممتد من إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين إلى أواسط السبعينات، فإن مشكلة الدولة قد تكون شغلت أذهان قطاعات رائدة من المثقفين والمناضلين السياسيين حتى أواخر القرن أو حتى واقعة 11 أيلول 2001 الإسلامية الأميركية. وفي حين كان للحركات الإسلامية حضور كبير في ربع القرن الأخير من القرن العشرين، لم ينظر إلى الدين ذاته كعنوان لمشكلة متميزة، ونخمن أنه قد ينظر يوما إلى زمن ما بعد 11 أيلول بأنه زمن المشكلة الدينية.
ونتحدث عن مشكلات، لا عن مسائل، لنقول إن الأمر يتعلق بأوضاع مضطربة ومشوشة وفاقدة للشكل وعلاقات مختلطة ومتشابكة، وإننا نفتقر إلى صياغة منظمة وعقلانية لتلك الأوضاع والعلاقات بما يجعل منها مسائل متميزة يسهل استيعابها نظريا، والتحكم بها عمليا. فلقد نظرنا كثيرا إلى الغرب من منظوري الامبريالية وإسرائيل، ما حد من قدرتنا على الانفتاح على تنظيمات الغرب السياسية والاقتصادية والحقوقية، كالليبرالية والديمقراطية، بل والاشتراكية ذاتها، وما سهل علينا الانزلاق ضمن استقطابات الحرب الباردة السياسية والاستراتيجية. وفي مرحلة لاحقة جنحنا إلى تصور للديمقراطية معاد للدولة أو غير مهتم بها، فبدا كأننا نعتقد أن الديمقراطية لا تقتضي غير توزيع سلطة الدولة القائمة، على غرار ما سبق لنا أن تصورنا أنه لا يلزم من أجل الاشتراكية غير التأميم والإصلاح الزراعي. وفي طور لاحق يبدو أننا نعمل من أجل فصل الدين عن الدولة دون أن نشغل بالنا بوضع الدين والحالة الثقافية والنفسية لمجتمعاتنا. وكما فاتنا في الطور الأول جوهر القومية وراء الخطابة القومية الصاخبة، أعني صنع الأمة المندمجة وبناء الدولة أو السلطة العمومية، فاتنا في الطور الثاني أن الديمقراطية دون الأمة تفضي إلى الطائفية ودون الدولة تفضي إلى انهيار الكيان ذاته.
ويبدو أننا مؤهلون لأن نرتكب اليوم خطا مماثلا. فالعلمانية دون نهضة ثقافية وفكرية، ودون إصلاح ديني مؤسس على تمييز الدين عن غيره ونفي الإكراه منه، قد تقود إما إلى دكتاتورية بلا ضفاف أو إلى مجتمعات صغيرة الروح والقلب دون أن تكون كبيرة العقل. ويبدو لنا اليوم أنه دون "تراكم أولي" في السلطة لا مجال للديمقراطية، ودون "تراكم ثقافي أولي" على غرار ما كانه عصر النهضة الأوربي ستكون فرص العلمانية ضعيفة ومحدودة.
وإنما لذلك نتكلم على إيديولوجيات قومية وديمقراطية وعلمانية، أي على أنظمة تفكير وولاء وحساسية، تغلب فيها القيم والبرامج على المفاهيم والنظريات، والرموز والشعارات على القيم والبرامج. وسيتقدم منطق التعبئة على منطق العمل ومنطق العمل على منطق المعرفة. كما ستشيع حلول وصيغ سحرية من نوع إن الطريق إلى فلسطين يمر عبر كذا، والوحدة العربية هي الشرط الضروري لكذا، وتغيير البنية التحتية هو المدخل إلى التغيير الشامل، والإسلام هو الحل،..أي أن هناك مشكلة أساسية وهناك مفتاح سحري يفتح أبواب مشكلاتنا جميعا على حلولها النهائية.
ليس هناك "مشكلة أساسية". هناك ثلاث مشكلات متراكبة لا تشتق أي منها من غيرها، ولا يضمن التقدم في معالجة أي منها تقدما تلقائيا في معالجة الأخريات. ما قد يثير التشاؤم حيالها هو أنها مشكلات بالغة التعقيد، وأن المصالح والعداوات والأوهام المتكونة حول أي منها هائلة. غير أن ثمة ما يدعو للتفاؤل أيضا: إنها مشكلات بشرية عادية، لا تحتاج إلى غير جهود بشرية لضبطها والتحكم بها. وليس بين هذه الجهود البشرية العادية التضحية "بالروح والدم"، بل إن هذه ربما تزيدها تعقيدا وتزيد مجتمعاتنا انقساما وثقافتنا تمزقا. وإذا كانت الحالة الذهنية للعرب المعاصرين تجمع بين التشوش والغضب والتصدع فقد يكون بعض السر في ذلك أنه يجتمع لنا الكثير من التضحيات والقليل من الوضوح، الكثير من العنف والقليل من الشرح، الكثير من "الجهاد" والقليل من "الاجتهاد". ينبغي أن يكون هذا غريبا. إذ يفترض المرء أن إقدام الناس على البذل يتناسب مع ما لديهم من يقين بشان أنفسهم والعالم، وأن التشوش والحيرة مفضيان إلى العجز والقعود. لكن لعل بعضنا يجدون في العقيدة الجهادية توضيحا مفرطا للعالم، يحل "العلم" محل الحيرة والتشوش، ويضمن لنفوسهم الالتئام، ويترجم غضبهم إلى عنف مقدس. بيد أن مجتمعاتنا المعاصرة لا يمكن أن تتوحد حول يقينهم. هنا مفارقة: الواضح (الديني) لا يوحد أو يؤسس لإجماع، وما قد يوحد ليس واضحا. وإذا كنا في أزمة فلأن اجتماعنا المعاصر لا يستطيع الجمع بين وضح أهدافه وقيمه ووعيه الذاتي وبين إجماعه السياسي ووحدته.
يبقى أن القول إننا حيال مشكلات ملتبسة وليس مسائل متميزة يوجب اعتناء أكبر باستقلال الثقافة والفكر، أي بعمليات صنع المعاني من التجارب واستخراج الأفكار المتميزة من الانفعالات المختلطة. في الأساس كانت غلبة المقاربة "الفعلجية" في ثقافتنا وتاريخنا المعاصر، هذه التي تعلي من شأن الفعل: العمل والنضال والكفاح والمقاومة والجهاد والتضحية..، مصدرا لتعقيد مشكلاتنا. ولا يزيد الفعلجيون المشكلات إلا إشكالا واختلاطا بسعيهم إلى حلها قبل تحويلها إلى مسائل، أي بتغليب الارتجال والخبط الأعمى، ودون حيازة الوضوح الضروري اجتماعيا بشأنها. ولطالما انبهر المثقفون، ومنهم كاتب هذه السطور بالطبع، بالمنظور الفعلجي (الثورة..، تغيير العالم..، تحرير فلسطين..) بدل أن يدافعوا عن استقلال الثقافة، فجعلوا من أنفسهم وكلاء لسحرة فاشلين ندر أن أفلحوا في أي شيء.
ليس ثمة ما يدعو إلى التشاؤم بشأن أوضاعنا الراهنة غير ذلك. لا نصدر في هذا عن افتراض أن المثقفين هم صانعو العالم أو مغيروه، بل عن اعتقاد بأن مصدر التشاؤم هو تشوش المدارك واختلاط المعايير وليس تدهور الأحوال وعناد الوقائع. فإدراكنا المشوش، العاجز عن إنتاج "الأشكال" والحدود والضوابط والقواعد، هو المشكل؛ ومن شأن إصلاحه أن يجعل مشكلاتنا الكبرى، المشكلة الغربية والمشكلة الدينية والمشكلة السياسية، مسائل عملية واضحة، لا تحتاج إلا إلى مزيد من الوقت والجهد لحلها.
إذاً، بلى، هناك "مشكلة أساسية". لكنها ليست أيا من مشكلاتنا الثلاثة المشار إليها، بل هي المشكلة الثقافية. وجوهر هذه أن ثقافتنا مقصرة في إنتاج الأشكال (والأنظمة والمناهج..)، الأمر الذي يحول مصاعبنا الواقعية إلى مشكلات مستعصية، أوضاع لا شكل لها كما سبق أن قلنا. كيف نفهم قصورنا الثقافي؟ ما هي أصوله؟ وكيف نعالجه؟ هذا هو السؤال.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإصلاح السياسي وإعادة بناء الهوية الوطنية في سورية
- بصدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا..
- نظرات أولى في أطوار التاريخ السياسي الإيديولوجي المشرقي المع ...
- أية أكثرية جديدة لحل المشكلات الطائفية؟
- حين تكون المذابح أداة سياسية.. السياسة تموت!
- في نقد العلمانية والديمقراطية أو مشكلتا الدين والدولة
- في عقلانية الدول وغبائها المرشح، في أغلب الظن، أن يستمر طويل ...
- أية دولة تقتضي العلمانية فصلها عن الدين؟
- هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي
- في شأن الطائفية والدولة والمثقف: تعقيب على موريس عايق
- في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السوري ...
- تأملات في السلطة الدينية والسلطة السياسة ومعنى العلمنة في عا ...
- بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء
- ضمائر الحداثة المنفصلة والمتصلة و...المعاقة
- ملحوظات أولية في شأن اللغة والطائفية
- في العلاقة بين الأوليغارشية والطائفية
- أقليات وأكثريات: هويات ثقافية، علاقات اجتماعية، أم عمليات اج ...
- أطوار متعددة في حرب لبنانية واحدة
- نمذجة تاريخية مقترحة للنظم السياسية المشرقية
- -ميدل- إيستولوجية-: في شأن المعرفة والسلطة و.. العدالة!


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في شأن مشكلات العرب الواقعية ومشكلتهم الثقافية