نظرة عامة على علم المكتبات /1..


احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن - العدد: 7893 - 2024 / 2 / 20 - 10:24
المحور: الادب والفن     

# علم المكتبات (غالباً ما يطلق عليها دراسات المكتبة، والببوغوثيكوغرافيا، واقتصاد المكتبات) هو مجال متعدد التخصصات يُطبق الممارسات ووجهات النظر وأدوات الإدارة وتكنولوجيا المعلومات والتعليم وغيرها من المجالات المكتبية.
ويقوم بجمع وتنظيم وتنسيق وحفظ ونشر مصادر المعلومات؛ والاقتصاد السياسي للمعلومات.. تأسست أول مدرسة أمريكية لعلوم المكتبات من قبل ملفل ديوي "مخترع تصنيف ديوي العشري"في جامعة كولومبيا في عام 1887م(1).
تاريخياً شمل علم المكتبات أيضًا علوم الأرشيف. ويشمل ذلك كيفية تنظيم موارد المعلومات لتلبية احتياجات مجموعات المستخدمين، وكيفية تفاعل الأفراد مع أنظمة التصنيف والتقنية، وكيفية الحصول على المعلومات وتقييمها وتطبيقها من قبل الأشخاص داخل المكتبات وخارجها، وكذلك عبر الثقافات، وكيف يتم تدريب الأشخاص على تلقي تعليماً مهنياً في المكتبات، والأخلاقيات التي توجه خدمة المكتبة وتنظيمها، والحالة القانونية للمكتبات وموارد المعلومات، والعلوم التطبيقية لتكنولوجيا الكمبيوتر المستخدمة في التوثيق وإدارة السجلات.
لا يوجد تمييز متفق عليه بشكل عام بين مصطلح علم المكتبات وبين علم المكتبات والمعلومات، وهي إلى حد ما قابلة للتبادل، وربما تختلف بشكل ملحوظ في الدلالة. ويعتبر معظم أمناء المكتبات أنه مجرد اختلاف للمصطلحات، يهدف إلى التأكيد على الأسس العلمية والتقنية للموضوع وعلاقته بعلم المعلومات.
يمكن أيضًا اعتبار علم المكتبات والمعلومات بمثابة تكامل بين حقلي المكتبة وعلم المعلومات؛ تتناقض فلسفة المكتبة مع علوم المكتبات كدراسة لأهداف ومبررات أمانة المكتبة على عكس تطوير وصقل التقنيات. كذلك سمي في بعض الدول أو المناطق باقتصاد المكتبات هذا المصطلح فرضه التدفق الهائل للمعلومات على المكتبات والمراكز الوثائقية، فأصبح ما يسمى باقتصاد المعلومات أي تسييرها بطريقة اقتصادية لتمكين الباحث أو القارئ من الولوج السهل والسلس الى مبتغاه من الكتب و المصادر(2).

نظرة على تاريخ المكتبات
تميز التراث العربي والإسلامي على مدار سنوات طويلة بامتلاكه العديد من الكتابات والمخطوطات والرسائل، وظل الوطن العربي منتجاً للمعرفة حتى في الحقبة اليونانية الرومانية عبر مكتبة الإسكندرية القديمة، لتنطلق شعلة المعرفة مرة أخرى بعد سنوات من الكمون مع بزوغ الحضارة العربية الإسلامية، التي تعددت مراكزها. وبدأت الحركة العلمية والأدبية عند العرب وازدهرت مع ظهور الدين الإسلامي الحنيف وما تبع ذلك من حركة علمية واسعة الانتشار والتخصص.

مكتبات مصر القديمة
نبدأ الرحلة من مكتبات مصر القديمة ذات الحضارة العرقية، حيث تشير العديد من النصوص إلى وجود مكتبات في مصر منذ الدولة القديمة، وقد اتخذت مسمّيات مختلفة مثل (دار الكتب – دار لفافات الكتب – بيت البرديات – مقر المخطوطات – ديوان الكتب – دار الكتب المقدسة – بيت الكتابات – بيت الكتبة الإلهية – خزانة الكتب).
ومن أبرز النصوص التي تشير إلى وجود المكتبات في مصر القديمة: سجل حجر بالرمو، الذي ورد فيه (أن فرعون مصر ساحورع ثاني ملوك الأسرة الخامسة عمل آثاره للتاسوع "الآلهة" في دار الكتب المقدسة).

خزانات الملوك
وكانت البدايات الأولى للمكتبات في مصر القديمة عبارة عن تلك المجموعات من الكتب التي احتفظ بها الملوك والأمراء في قصورهم، حيث كان يخصص في القصر غرف لحفظ السجلات والمخطوطات الرسمية، وسجلات الحكومة ووثائقها.
بالإضافة إلى هذا كانت القصور الملكية منذ بداية الدولة القديمة وحتى نهاية العصر المتأخر؛ مقرًّا لتربية أبناء الأمراء وتعليمهم وتثقيفهم.

مكتبة الإسكندرية القديمة
وتعد مكتبة الإسكندرية القديمة أشهر مكتبات العالم القديم والعصور الوسطى قاطبة، فهي لم تكن أكبر المكتبات الحاوية للكتب في ذلك الوقت فحسب، ولكنها أيضًا اقترنت بالأبحاث العلمية وتردد عليها العلماء من جميع أنحاء حوض البحر المتوسط حتى بعد اندثارها منذ أكثر من 1600 عام، ظلت مكتبة الإسكندرية حية في أذهان العلماء. فقد كانت مكتبة الإسكندرية القديمة مجمعًا ثقافيًا وفكريًا فذًا، فلقد شجعت على المعرفة والانفتاح على الآخر، كما حملت راية العلم والمعرفة العالم أجمع لفترة تربو على سبعة قرون.

مكتبة «آشور بانيبال»
تم الكشف عن بقايا مكتبة «آشوربانيبال» في العاصمة الأشورية نينوى، التي تقع بقاياها اليوم ضمن حدود مدينة الموصل العراقية، وقد أطلق اسمها على المحافظة التي تضم معظم أراضي بلاد آشور القديمة، وإلى جوار نينوى، تقع أبنية جامعة الموصل.

العصر الإسلامي
إهتم الخلفاء والسلاطين المسلمون بإقامة المكتبات العامة للناس، وكانوا يتباهون بما يجمعون فيها من كتب مخطوطة ومنسوخة، وينفقون عليها ببذخ شديد لتنميتها وتضمينها بالمخطوطات التي لا توجد في أي قطر سواها، حتى يأتي الناس إليها من كل مكان، للقراءة والاطلاع والنسخ، فانتشرت خزائن الكتب في أقطار العالم الإسلامي من سمرقند وفاس إلى بخارى وقرطبة.
ومن بغداد ودمشق إلى حلب والقاهرة، ولقد بلغ من اهتمام المأمون وولعه بجمع الكتب أنه أصر أن يكون أحد شروط الصلح مع الإمبراطور الرومي ثيوفيلوس تسليم محتويات إحدى المكتبات في القسطنطينية فنقلها إلى مكتبة بغداد فوق مئة بعير، ويروى أيضاً أن الخليفة الحاكم صاحب الأندلس كان يبعث مندوبين عنه إلى جميع البلدان، يفتشون عن المخطوطات النادرة، ويدفعون مبالغ طائلة مقابل شرائها أو نسخها .
وقيل أيضاً إن فهرست مكتبته في قرطبة تألف من 44 كراسة بكل منها عشرون ورقة وقد قيل أيضاً إن غرناطة لما سقطت كآخر معاقل المسلمين في الأندلس ألقى المتطرفون الصليبيون الأسبان من جماعات محاكم التفتيش مئات الأطنان من المخطوطات العربية في النهر الذي تقع عليه المدينة، حتى أزرق لون مائه من شدة أحبار هذه المخطوطات.
ويتساءل المستشرقون الإسبان اليوم عما تكون عليه الدراسات الثقافية في أسبانيا وغرب أوروبا، لو لم يقدم رجال محاكم التفتيش على هذه الجريمة الشنعاء، صحيح إن الندم لا يفيد صاحبه، ولكنه يمثل يقظة الضمير الأوروبي وندمه على جرائمه التي ارتكبها في حق الحضارة الإسلامية رغم فضلها عليه وعلى حضارته.

بيت الحكمة
ويعدّ بيت الحكمة أو خزانة الحكمة في بغداد رمزاً لازدهار المكتبات العربية الإسلامية، يذكر المؤرخ المشهور القلقشندي عنها: (إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن، إحداها خزانة العباسيين ببغداد، فكان بها من الكتب ما لا يحصى ولا يقوم عليه نفاسة ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتار بغداد وقتل ملكهم هولاكو المستعصم آخر خلفائهم ببغداد فذهبت خزانة الكتب فيما ذهب، وذهبت معالمها وأمضت آثارها.)

دار (علم سابور) محج العلماء
دار -علم سابور- أسسها سنة 383هـ/ 993م الوزير سابور في محلة بين السورين بالكرخ غرب بغداد، وكانت دوراً كبيرة كمكتبة عامة، وفصل ابن الأثير محتوياتها إذ يذكر: (كان بها عشرة آلاف مجلد من أصناف العلوم». في حين يقول عنها ياقوت الحموي: «لم يكن في الدنيا أحسن كتبًا منها، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة.)
وقد أوقف عدد من العلماء كتبهم عليها، إذ أودعوا فيها مكتباتهم، ومنهم جبرائيل بن عبيد الله بن بختشوع الذي أوقف كتابه في الطب الموسوم «الكناش الكبير» أو «الكافي» كما كان بعض العلماء يرسلون كتبهم لها لتقييمها علمياً، حيث إن قبوله فيها يعتبر اعترافًا بقيمته العلمية».

أبنية جميلة
كانت المكتبات الإسلامية تقام في أبنية جميلة تشرح صدور المترددين عليها، وكان بها حجرات متعددة تربط بينها أروقة فسيحة، وكانت الكتب توضع على رفوف مثبتة على جدران الحوائط، وقد خصصت بعض الأروقة للاطلاع، وبعض الحجرات للنسّاخ والنسخ، والبعض الآخر لدروس العلماء والمناظرات، وكانت هذه المكتبات تؤثث بأفخر الأثاث.
وتفرش أرضيتها بالبسط والحصير، حيث يجلس المطلعون، ومن وصف المقريزي نفهم أن الستائر كانت تقام على النوافذ والأبواب، ولراحة المطلعين كانت أسماء الكتب وأسماء مؤلفيها تكتب على أطراف الصفحات وكان بالمكتبات العامة فهارس منظمة حسب موضوعات الكتب، كما كانت تلصق على جانب كل رف ورقة بها أسماء الكتب التي يحتويها، وقد سمح بالاستعارة الخارجية، خاصة للعلماء والأعيان(2).