قانون تنظيم المحتوى الرقمي تعزيز للدكتاتورية وتكميم للأفواه، لنفشله بهبة جماهيرية


منظمة البديل الشيوعي في العراق
الحوار المتمدن - العدد: 7525 - 2023 / 2 / 17 - 20:58
المحور: حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير     

أصدرت هيئة الاعلام والاتصالات في 14/ شباط 2023 مسودة قانون ما أسمته بتنظيم المحتوى الرقمي في العراق، وذلك بالتزامن مع حملة شنتها وزارة الداخلية ضد بعض صناع المحتوى من الشابات والشباب بحجة انهم يروجون لما تسميه السلطات بـ “المحتوى الهابط" في محاولة لإعادة الناس الى زمن البعث، ومذكرة بحملات شرطة الاخلاق في إيران التي مارست أبشع الجرائم بحق النساء والشباب وأخرها قتل الشابة مهسا اميني الذي فجر انتفاضة عارمة عمت مختلف المدن الإيرانية. كما ان حملة وزارة الداخلية ومسودة قانون هيئة الاتصالات يُذكَر بممارسات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية التي تلاحق النساء والفتيات والشباب لمخالفتهم معايير السلطة ورجال الدين هناك.
ان المطلع على نص مسودة القانون يثار غضبه ويشعر بالغثيان من حجم الممنوعات التي يحاول فرضها على المجتمع، فهو يحاول اسكات أي صوت او كلمة تنتقد النظام السياسي والمؤسسات التي يرتكز في بقاءه عليها، ومنها المؤسسة الدينية والمؤسسة العشائرية والمؤسسة الأمنية بالإضافة الى المؤسسة القضائية، فهناك فصل خاص بكل مؤسسة من هذه المؤسسات، وقائمة الممنوعات تطول حتى ان بعضها يؤكد ان المس باي منها سواء بشكل مباشر او غير مباشر وبشكل صريح ام ضمني يعرض صاحبها الى الغرامة المالية التي تصل في بعض منها الى خمسة ملايين دينار بالإضافة الى الملاحقة القضائية، بغض النظر عما تقوم به هذه المؤسسات بالضد من الجماهير، فحتى لو قامت المؤسسة الأمنية بمجازر بحق المواطنين كما حصل ابان انتفاضة أكتوبر فلا يحق لاحد انتقادها، كونها محمية من النقد بموجب هذا القانون!
لقد ركزت مسودة القانون في اغلب فقراتها على ما أسمته "الالتزام بالمعايير الاجتماعية السائدة" ولا أحد يعلم ما هي هذه المعايير ومن الذي وضعها وسنها، فهل من ينتقد تزويج الصغيرات او من يعارض مسألة الحجاب الاجباري يعد مخالفا للمعايير الاجتماعية السائدة؟ ام ان من ينتقد طقوس وممارسات رجال الدين وزعماء العشائر وما يحاولون فرضه من قيم ومعايير متخلفة ورجعية على المجتمع يكون قد خرق هذه المعايير ويجب محاسبته ومحاكمته؟!
ان واحدة من فقرات هذا القانون تجرم كل من ينتقد ما تسميه " بالنظام الديمقراطي في العراق او الخروج عن الدستور والقوانين النافذة" ووفق هذا التوصيف فأن أي شخص ينتقد نظام المكونات والطوائف والمحاصصة فهو معرض للمسائلة، حسب مسودة القانون التي تعتمد على قانون سنه نظام البعث عام 1969.
كذلك فان هنالك مواد ضمن هذه المسودة تتعلق بما سماه القانون بازدراء الأديان ونقد رجال الدين وأماكن العبادة والمرجعيات الدينية، فجميع هذه المسميات لا يحق لاحد كشف علاقتها بالنظام والية عملها، فجميعها من المحرمات والمقدسات بحسب المسودة، ولا يمكن لاي صاحب حساب بعد ذلك نقد وفضح سرقاتهم ولا الحديث عن نهب مئات المليارات من أموال الوقفين السني والشيعي، على سبيل المثال.
لا يمكن لأي ناشط او حزب ساسي او نقابة في حال إقرار هذا القانون ان يدعو الى مقاطعة الانتخابات، فهي جريمة بعرف هيئة الاتصالات، ولا أحد يعلم ما هي الوسائل التي يمكن ان تحتج من خلالها الجماهير على هذا النظام " الديمقراطي" جدا؟ كذلك فان انتقاد القضاء ممنوع فهو سلطة فوق جميع السلطات ولا يجوز نشر أي محتوى قد يشكك او ينتقد اجراءاته التي دائما ما كانت ولا تزال بجانب السلطة، فلم نشاهد اية إجراءات قضائية بحق متهم تابع لجهة سياسية رغم وجود الوثائق والأدلة التي تؤكد سرقته لمليارات الدولارات.
يتعدى هذا القانون تجريم من ينتقد النظام ومؤسساته ويذهب إلى أبعد من ذلك؛ اذ ان احدى مواده تؤكد ان من ينتقد العلاقات الدولية للعراق في المنطقة والعالم، فإنه يقع تحت طائلة هذا القانون، ومعنى ذلك ان من ينتقد الولايات المتحدة بسبب حربها على العراق واحتلاله ورعايتها لهذا النظام على سبيل المثال، فإنه سيكون تحت المسائلة القانونية. كما ان من ينتقد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب دعمها للمليشيات سيكون هو الاخر تحت ملاحقة القضاء، الى جانب من ينتقد تركيا والسعودية وروسيا وحلف الناتو وغيرهم.
ان سن هذا القانون الرجعي يعبر في حقيقته عن ازمة خانقة يعيشها النظام الإسلامي القومي الحاكم في العراق، فمع الصراع السياسي بين اجنحته المختلفة بالإضافة الى قضية خفض قيمة الدينار امام الدولار والاحتجاجات المتواصلة لمختلف الفئات المطالبة بالتعيين وفرص العمل وتوفير الخدمات، بالإضافة للمصالح المتضاربة لداعميه الإقليميين والدوليين، يعمل هذا النظام على تفريغ ازماته من خلال المزيد من القمع وكبت الحريات وتكميم الافواه، إضافة الى محاولة توجيه الأنظار الى قضايا أخرى تشغل الرأي العام.
تشكل مسودة القانون تعميقا للممارسات الفاشية ومحاولة لتكميم الأفواه وخنق الحريات، وهو تمهيد لخلق محاكم تفتيش جديدة برعاية هيئة الاعلام والاتصالات التي تلعب دور الحارس للنظام، وهو في ذات الوقت تعبير عن عمق الازمة التي يعانيها، فهو غير قادر على إعادة إنتاج نفسه الا بالمزيد من القمع.
يعد الأنترنت مكسب البشرية المعاصرة وسيلة لدى الطبقات المضطهدة والتحرريين ونضالهم ضد الفاشيين والدكتاتورين، فعلينا ان لا نسمح للسلطات بإخذها منا عن طريق قوانين استبدادية وقروسطية.
ايتها الجماهير التحررية في العراق
ان الوقوف والتصدي لمشروع هذا القانون بكل حزم وقوة، هو الضامن الوحيد لإيقاف تشريعه. نناشدكم ونناشد جميع العمال والكادحين والمنتفضين والشبيبة والنساء ومحبي الحرية والاشتراكيين وكل أصحاب المحتوى الالكتروني من التحرريين المعارضين للنظام السياسي الحالي رفع أصواتهم وتنظيم الوقفات والاحتجاجات وقيادة الحملات على المستوى المحلي والعالمي، وايصال مطالبهم لجميع المنظمات والتجمعات المدافعة عن حرية الرأي والتعبير، وتشكيل ضغط يضطر القائمين على هذ القانون لسحبه والاعتذار للجماهير في العراق.
تبقى منظمة البديل الشيوعي تناضل جنبا الى جنب معكم وبكل حزم في افشال هذه المحاولة البائسة لفرض هذا القانون.
16- شباط - 2023