بين الثقافة والوسائل التثقيفية: الواقع، والأفاق.


محمد الحنفي
الحوار المتمدن - العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 17:45
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

إلى روح الرفيق الفقيد القائد العظيم أحمد بنجلون في ذكرى وفاته.

من أجل استحضار روحه، التي لا تفرق رفيقاته، ورفاقه، الذين لا زالوا على قيد الحياة.

من أجل التأكيد على أن التمسك بالاشتراكية العلمية، هو المدخل إلى أي تقدم، أو تطور نسعى إليه، على جميع المستويات.

من أجل الإنسان، كما تصوره الفقيد القائد أحمد بنجلون، في فكره، وفي ممارسته.

محمد الحنفي

كثيرا ما يتعامل المهتمون الرسميون، وغير الرسميين، مع الثقافة، على أنها تراكم معرفي كثير، أو متوسط، أو عادي، مع أن الأمر ليس كذلك، مطلقا، خاصة، وأن فهما كهذا، يصير في إطاره المثقف الممتاز، هو الحاصل على الدكتوراه، والمتوسط، هو الحاصل على الماجيستر، أما الحاصل على الإجازة، أو الباكالورية، فيمكن اعتبارهم متثاقفين.

والذي نعرفه، ويعرفه، معنا، غير واحد: أن الحاصلين على مختلف الشهادات، حتى ولو كانوا ينتجون المعرفة، لا يمكن أن يكونوا مثقفين. فما يمارسونه من مهن، يجعلنا لا نعتبرهم مثقفين، إلا تجاوزا. وإلا، فإن من يستحق أن يعتبر مثقفا تجاوزا، هو المنتج للوسائل التثقيفية، الحاملة للقيم الثقافية، المقومة للشخصية الفردية، والجماعية، التي تحتاج إلى تقويم مستمر. وإلا، فإن المثقف الحقيقي، هو الذي يتوفر على شخصية سليمة، متزنة، وملتزمة بالقيم الثقاقية النبيلة، التي تجعله يحترم الآخر، حتى وإن كان يختلف معه في كل شيء، مادام إنسانا، تفرض إنسانيته احترامه، مهما كان جنسه، أو الطبقة التي ينتمي إليها، أو لغته، أو مستواه التعليمي، أو لونه، أو معتقده.

والوسيلة التثقيفية، هي كل ما ينتجه من ندعوه بالمثقف تجاوزا، سواء كان ما ينتجه من وسائل تثقيفية: قصة، أو رواية، أو شعرا، أو مجرد موسيقى، أو غناء، أو مسرحا، أو شريطا سينمائيا، وغير ذلك من المقروءات، والمرئيات، والمسموعات، وكل ما يمكن أن يمدنا بالقيم الثقافية النبيلة، أو الفاسدة، أو المزدوجة (نبيلة وفاسدة)، والرفيعة، أو المغرقة في الفساد، أو في ازدواجية القيم الثقافية، التي تلتصق بشخصية المستهلك، لتلك الوسيلة التثقيفية، التي تهدف، بالدرجة الأولى، إلى تقويم الشخصية الفردية، والجماعية، أو إلى إفسادهما.

وانطلاقا مما رأيناه، فإن علينا أن نميز بين مستويات ثلاث:

1) مستوى المنتج للوسائل التثقيفية، التي يحتاج إليها المجتمع، أي مجتمع، الحاملة للقيم الثقافية النبيلة، أو للقيم الثقافية الفاسدة، أو للقيم الثقافية المزدوجة (النبيلة والفاسدة)، التي تلتصق بالشخصية الفردية، والجماعية، على حد سواء، بعد استهلاك تلك الوسائل التثقيفية المقروءة، أو المرئية / المسموعة، أو المسموعة، أو نص المسرحية، أو المغناة، أو الموسيقى، أو الأشرطة السينمائية، أو المشاهد المسرحية، وغيرها من الوسائل التثقيفية الكثيرة.

2) مستوى المتلقي الفردي، أو الجماعي، الذي يعتبر مستهدفا بالقيم، التي تلتصق بالشخصية الفردية، والجماعية، مما يجعل الأفراد، والجماعات: المستهلكين، والمستهلكات، والمستهلكة للوسائل التثقيفية، يتحلون، وتتحلين، وتتحلى بالقيم النبيلة، التي ترفع شأن كل فرد، وترفع شأن الجماعة، على المستوى الوطني القيمي، وعلى المستوى القومي القيمي، وعلى المستوى الدولي القيمي، مما يؤثر إيجابا على الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، الأمر الذي يقتضي، من منتجي الوسائل التثقيفية، الاهتمام بجعل تلك الوسائل، زاخرة بالقيم الثقافية النبيلة، سعيا منهم إلى جعل تلك الوسائل التثقيفية، حاملة لكثافة القيم النبيلة، التي تعمل على ملء الفراغات، القائمة في مسلكيات الأفراد، والجماعات، حتى يتحصن الجميع: أفرادا، وجماعات، ضد القيم التي تفسد سلوك الأفراد، والجماعات، وتجر المجتمعات البشرية، إلى ممارسة كل أنواع التخلف: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

ذلك، أن محاربة القيم الفاسدة، المنتجة للفساد في المجتمع، هي مهمة ثقافية، بامتياز، ومهمة من يوصفون بالمثقفين، تجاوزا، كذلك بامتياز، وكون الفساد منتشرا في المجتمع، معناه: إما أن الموصوفين بالمثقفين، تجاوزا، لا ينتجون إلا قيم ثقافة الفساد، أم أن ما ينتجونه من وسائل تثقيفية، لا يرقى إلى مستوى الاهتمام الفردي، والجماعي، مما يجعل الإقبال عليه محدودا.

3) مستوى مرور القيم، من شخصية منتج الوسائل التثقيفية، إلى شخصية التلقي، كفرد، وكجماعة. وهذه القناة، تتمثل في الترسيمة التالية: (منتج الوسائل التثقيفية ـــ:. منظومة القيم الثقافية النبيلة، او الفاسدة، أو المزدوجة القيم الثقافية، المحمولة في الوسائل التثقيفية ــــ:. المتلقي الفردي، أو الجماعي).

والمنظومة الثقافية، يمكن أن تكون نبيلة، ويمكن أن تكون غير نبيلة، ويمكن أن تكون مختلطة، بحسب الأهداف، التي يسعى منتجو الوسائل التثقيفية، إلى تحقيقها، انطلاقا من قناعتهم بضرورة العمل على إنتاج قيم ثقافية معينة، وإما استجابة لتوجه قائم، على وجود تصور معين، لما يجب أن تكون عليه القيم الثقافية.

والأهداف المذكورة، يمكن تصنيفها إلى:

ا ـ أهداف تسعى إلى إغناء المجتمع: أفرادا، وجماعات، بالقيم الثقافية النبيلة، التي ترتقي بالأفراد، وبالجماعات، إلى مستوى ما عليه الأفراد، وما عليه الجماعات، في البلدان المتقدمة، والمتطورة، والساعية إلى المزيد من التقدم، والتطور.

ب ـ أهداف تسعى إلى جعل المجتمع زاخرا بالقيم الثقافية الفاسدة، التي تجعل المجتمع، برمته، فاسدا، وأفراده ممارسين للفساد، وجماعاته مطبوعة على إنتاج الفساد، بغاية جعل ذلك الفساد، وسيلة لإحداث تراكم رأسمالي كبير، بالإرشاء، والارتشاء، وبإغداق امتيازات الريع على العملاء، وبالتصعيد إلى البرلمان، وإلى الجماعات الترابية، من أجل المساهمة في النهب، على جميع المستويات، وبممارسة التهريب، من، وإلى المغرب، وبالاتجار في الممنوعات، حتى يصير تقويم المجتمع، وتطهيره من الفساد، من باب المستحيلات، من أجل أن يطمئن منتجو الوسائل التثقيفية، الحاملة للقيم الثقافية الفاسدة، أو يطمئن موجهوهم.

ج ـ أهداف تسعى إلى جعل قيم ثقافة المجتمع مزدوجة، منها القيم الثقافية النبيلة، التي يتحلى بها من يختار ذلك، ومنها القيم الثقافية الفاسدة، التي يتحلى بها من يختار ذلك، أيضا، انطلاقا من الوسائل التثقيفية، التي قد تكون حاملة للقيم الثقافية النبيلة، التي ترفع شأن الأفراد، والجماعات، أوقد تكون حاملة للقيم الثقافية الفاسدة، التي تعمل على نشر الفساد في المجتمع. الأمر الذي يترتب عنه ازدواجية في القيم الثقافية، التي يترتب عنها ازدواجية في الشخصية الفردية، والجماعية، في نفس الوقت. وقلما نجد شخصا بشخصية غير مزدوجة، يتحلى إما بالقيم الثقافية النبيلة، وإما بالقيم الثقافية الفاسدة. وهذا النوع المزدوج، هو السائد في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، مهما كانوا، وكيفما كانوا، إن لم نقل إنهم يحملون شخصية ثلاثية الأبعاد، لأن العربي المسلم، والمسلم غير العربي، يحمل شخصية بقيم إسلامية، وأخرى بقيم ثقافية نبيلة، وأخرى بقيم ثقافية فاسدة. ولذلك، فالعربي، يصدر عن تعامله مع جميع أفراد المجتمع، كمسلم، بشخصية تحمل قيما ثقافية إسلامية، مهما كان مصدر تلك القيم:

هل هو القرءان؟

هل هو الحديث؟

هل هو تجارب المسلمين عبر التاريخ؟

ومعلوم أن الشخصية الثلاثية الأبعاد، هي شخصية مريضة، أكثر من الشخصية الثنائية الأبعاد، والشخص الذي يلتزم بحمل قيم ثقافة بعد واحد، من القيم الثقافية النبيلة، أو الفاسدة، أو الإسلامية، التي تتعدد شخصياتها، كذلك.

وما نقوله عن الشخصية الفردية، نقوله، كذلك، عن الشخصية الجماعية.

فماذا يقتضيه الواقع من ثقافة، ومن وسائل تثقيفية، ومن بناء الشخصية الثقافية؟

إن الواقع، مهما كان، وفي أي بلد كان، يقوم على تغذية الأفراد، والجماعات، بمختلف القيم الثقافية المحمولة، عبر الوسائل التثقيفية، المنتجة للقيم الثقافية، بقطع النظر عن كونها ثقافة نبيلة، أو ثقافة فاسدة، أو مزدوجة، أو قائمة على أساس ديانة موسى، أو ديانة عيسى، أو على أساس الدين الإسلامي، أو على أساس أحد مذاهب الدين الإسلامي، أوعلى أساس أحد توجهاته المؤدلجة له.

وفي جميع الأحوال، فالأفراد، والجماعات، هم الذين يختارون منظومة القيم، مهما كانت، وكيفما كانت. وهذا الاختيار، الموجه، أو التلقائي، هو الذي ينتج لنا، في الواقع، شخصيات مختلفة، إلى درجة التناقض، في بعض الأحيان، خاصة، وأن الشخصية لا تميز بين القيم الثقافية، ولا تعمل على امتلاك الحس النقدي، ولا تدرك أن ما تستهلكه من قيم ثقافية، تلتصق بشخصيته، انطلاقا من القراءة الورقية، أو الإليكترونية، أو المشاهدة السمعية / البصرية، أو السماع إلى الأخبار، أو إلى برنامج معين، أو الموسيقى، والأغاني، أو مشاهدة مسرحية معينة، أو سماعها، أو السماع عنها، أو مشاهدة شريط سينمائي... إلخ.

ومعلوم، أن أي منتج، لأي وسيلة تثقيفية، يحدد، مسبقا، الأهداف، التي يسعى إلى تحقيقها في المجتمع:

هل هي أهداف ثقافية نبيلة؟

هل هي أهداف ثقافية فاسدة؟

هل هي أهداف ثقافية مزدوجة: (نبيلة / فاسدة)؟

وهل هي أهداف ثقافية ثلاثية الأبعاد: (إسلامية ـ نبيلة ـ فاسدة).

هل ما يقوم بإنتاجه منتجو الوسائل التثقيفية، بدون أهداف؟

خاصة، وأن نوعية الأهداف، هي التي تحدد نوعية القيم الثقافية، التي تبثها الوسائل التثقيفية، حتى تصير في خدمة تحقيق الأهداف الثقافية المفيدة.

والواقع الذي يغلب فيه الفساد، بسبب سيادة القيم الثقافية الفاسدة، يحتاج من منتجي الوسائل التثقيفية، إلى تكثيف إنتاج الوسائل التثقيفية، الحاملة للقيم الثقافية النبيلة من جهة، وإلى تكثيف القيم الثقافية النبيلة، في كل وسيلة تثقيفية من جهة أخرى، من أجل محاربة القيم القيم الثقافية الفاسدة، السائدة في المجتمع.

أما إذا كان يغلب، في الواقع، القيم الثقافية النبيلة، فإن على منتجي الوسائل التثقيفية، أن يعملوا على إنتاج الوسائل التثقيفية، الحاملة لكثافة القيم الثقافية الفاسدة، سعيا إلى إفساد المجتمع، ضد تسريب القيم الثقافية النبيلة، والعمل على بث القيم الثقافية الفاسدة، في مسلكيات الأفراد، والجماعات، من كل الفاسدين، المتربصين بالمجتمع، والساعين إلى إفساده، خاصة وأن ألحفاظ على سلامة المجتمع، من تسريب الفساد، أصعب من محاربة الفساد.

أما إذا كان هدف المنتج للوسائل التثقيفية، هي بث ازدواجية القيم الثقافية في المجتمع، فإن أفراد المجتمع، غالبا ما يلتقطون قيم ثقافة الفساد، التي تحملها الوسائل التثقيفية، ولا يبالون بالقيم الثقافية النبيلة، المحاربة لقيم ثقافة الفساد، الأمر الذي يترتب عنه تحول منتج الوسائل التثقيفية المزدوجة القيم الثقافية: (النبيلة / الفاسدة)، إلى منتج لقيم ثقافة الفساد، الذي يخرب المجتمع. وإذا كان هناك، في إنتاجه للوسائل التثقيفية، قيم ثقافية نبيلة، فلإته قلما نجد، في المجتمع، من ينتبه إليها، ويسعى إلى التصاقها بشخصيته الفردية، أو بالشخصية الجماعية، إلى جانب التصاق قيم الثقافة الفاسدة، بالشخصية الفردية، أو الجماعية، مما يجعل، أي فرد في المجتمع، أو أي جماعة منه، مريضا، أو مريضة بازدواج الشخصية.

أما الشخصية الثقافية التي يسعى منتجو الوسائل التثقيقية في المجتمع ،أي مجتمع، فهي شخصية الفرد، أي فرد، يصدق عليه مفهوم المثقف، (المقوم)، أو (المعوج)، أو (المقوم / المعوج)، بناء على طبيعة القيم، التي التصقت بشخصيته. فإذا كانت القيم الثقافية التي التصقت بشخصيته نبيلة، كان ذلك الفرد مثقفا سليما، بشخصية مقومة، بفعل القيم الثقافية النبيلة، التي انتقلت من الوسيلة التثقيفية، إلى شخصيته الفردية. وما قلنا عن الفرد، نقوله، كذلك، عن الجماعة.

أما إذا كانت القيم الثقافية المحمولة في الوسائل التثقيفية، التي يتداولها الناس في المجتمع، فاسدة، فإن شخصية الفرد، الذي تلتصق به تلك القيم الثقافية الفاسدة، وبدون إرادته، يصير مثقفا فاسدا، والمجتمع الذي تنتشر فيه تلك القيم الثقافية، يصير فاسدا. والفاسد، فردا كان، أو جماعة، لا يمكن أن ينتج إلا الفساد.

ولذلك، فنحن عندما نقول: بأن مجتمع كذا، أو كذا، فاسد، وأفراده فاسدون، فلأن أفراد هذا المجتمع، والمجتمع نفسه، نشأ، ونما، على على قيم ثقافة الفساد.

وعندما تصير الشخصية المثقفة، فردية، أو جماعية، مزدوجة، فإن ذلك ناتج عن طبيعة القيم الثقافية المزدوجة السائدة في المجتمع.

والشخصية المزدوجة، شخصية مريضة بالازدواجية الثقافية، سواء كانت فردية، أو جماعية، ومرضها يقتضي عرضها على الطبيب النفسي، الذي يجعل منها إما شخصية مثقفة سليمة، وإما شخصية مثقفة فاسدة.

وبناء على ما رأيناه فإن:

1) الثقافة: هي مجموع القيم النبيلة، أو الفاسدة، أو المزدوجة (نبيلة/ فاسدة)، التي تلتصق بالشخصية الفردية، أو الجماعية. فتوجه المسلكية الفردية، أو الجماعية، في الاتجاه الذي يحدده منتجو المسائل التثقيفية، أو يحدده موجهوهم الذين تخدم مصالحهم القيم المحمولة، عير الوسائل التثقيفية، التي تلتصق بالشخصية الفردية، والجماعية.

2) المنتج للوسائل التثقيفية، التي تعود أفراد المجتمع، على اعتباره مثقفا، لا يتجاوز ان يمتلك القدرة على إنتاج نوع معين، من الوسائل التثقيفية، سواء كان قصة، أو رواية، أو شعرا، أونصا مسرحيا، أو مسرحية مشخصة، أو موسيقى، أو غناء، أو شريطا وثائقيا، أو سينمائيا، وغير ذلك من الوسائل التثقيفية، التي لا تحد، والتي ينتجها من يصطلح على تسميتهم بالمثقفين، تجاوزا؛ لأنهم لا يتجاوزون أن يكونوا منتجين للوسائل التثقيفية، مهما كانت تلك الوسائل: إيجابية، أو سلبية.

3) الوسائل التثقيفية: هي وسائل، يحتمل أن تكون حاملة للقيم الثقافية النبيلة، أو للقيم الثقافية الفاسدة، أو مزدوجة القيم الثقافية: النبيلة، والفاسدة، التي تقف وراء كثرة المعتمدين للقيم الثقافية الفاسدة، وقلة المعتمدين للقيم الثقافية النبيلة، نظرا لدور الفساد، في إبراز التنمية الاقتصادية، وكأنها مزدهرة، كما تبرز الفاسدين، وكأنهم بناة الاقتصاد الوطني، القائم على أساس اعتماد الريع المخزني، والنهب، والإرشاء، والارتشاء، والاتجار في الممنوعات، والتهريب من وإلى المغرب، والتهرب الضريبي.

4) التضليل المصاحب لمفهوم الثقافة، ومفهوم المثقف، ومفهوم القيم الثقافية، هو الذي يجعل المسار الثقافي في بلادنا، وفي البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، لا يعرف طريقه إلى الوضوح، الذي يجب أن تنطبع الثقافة به. وهذا الوضوح يقتضي:

ا ـ أن حامل شهادة متوسطة، أو عليا، ليس، بالضرورة، مثقفا، خاصة، وأن ما يشتغل عليه من معرفة، لا يتجاوز ما يفيده في المهنة، التي يمارسها.

ب ـ أن الحامل لمفهوم المثقف، تجاوزا، هو المنتج للوسائل التثقيفية، التي يمكن أن ينشغل بها الفرد، أي فرد، والتي تلتصق به قيمها النبيلة، أو الفاسدة، أو هما معا، في نفس الوقت، خلال استهلاك أي وسيلة تثقيفية معينة.

ج ـ أن الوقت قد حان، للتمييز بين مستويين:

ـ مستوى حمل الشهادة العليا، والاهتمام بتتبع ما يفيده في مهنته، ولا يتجاوز ذلك إلى غيره.

ـ ومستوى إنتاج الوسائل التثقيفية، التي يستهلكها عامة الناس، من أجل التزود بالقيم الثقافية التي هم في حاجة إليها.

د ـ أن المثقف الحقيقي، ليس هو الحامل للشواهد العليا، وليس هو منتج الوسائل التثقيفية. فمفهوم المثقف، ينصرف إلى المستهدف، المستهلك للوسائل التثقيفية، الحاملة للقيم الثقافية، المقومة لشخصية المستهلك للوسائل التثقيفية المختلفة، والمنتجة، والحاملة للقيم الثقافية النبيلة، أو للقيم الثقافية الفاسدة، أو المزدوجة، من أجل إغناء شخصيته، بما هو إيجابي من القيم الثقافية النبيلة، في مقابل التخلص من القيم الثقافية الفاسدة، أو إغنائها بالقيم الثقافية الفاسدة، أو المزدوجة، لتحصين شخصية معينة، بالقيم الثقافية النبيلة، أو بالقيم الثقافية الفاسدة، أو بالقيم الثقافية المزدوجة، بالنسبة للمرضى بازدواجية القيم الثقافية.

ولعلنا، بتناولنا لموضوع:

بين الثقافة، والوسائل التثقيفية: الواقع والآفاق.

نكون قد عملنا على وضع الأصبع، على مكمن الداء، من أجل طرح مفهوم الثقافة، ومفهوم المثقف، ومفهوم الوسائل التثقيفية، ومفهوم القيم الثقافية، للنقاش الواضح بين المهتمين بالموضوع، في أفق العمل على إزالة التضليل السائد، في هذا المجال، ومن أجل أن نعتبر أن الثقافة، إما ذات بعد إيجابي، بالنسبة لمستهلك الوسائل التثقيفية، أو ذات بعد سلبي، أو مزدوج القيم الثقافية، بالنسبة إليه، سعيا إلى جعل الاهتمام بالبعد الإيجابي، الذي يجب أن يعتمد في العملية الإنتاجية، من قبل منتجي الوسائل التثقيفية المعتمدة، سعيا إلى الارتقاء بالمجتمع، في اتجاه التطور، والتقدم، بعد التخلص من القيم الثقافية الفاسدة، ومن القيم المزدوجة المكرسة لازدواج الشخصية، التي تهم كل فرد في المجتمع، يعمل على استهلاك الوسائل التثقيفية.

فهل توفقنا فيما طرحناه، من خلال هذه الأرضية، حول الثقافة، والوسائل التثقيفية: الواقع، والآفاق؟

وهل يثير هذا الموضوع نقاشا ما، من أجل تصحيح المفاهيم، في أذهاننا، في تعاملنا مع منتجي الوسائل التثقيفية، ومع الثقافة، ومع المستهدفين بالوسائل المذكورة؟

وهل يصير للثقافة، بمعناها الإيجابي، دور معين، بعد تصحيح المفاهيم في واقعنا؟

وهل يعرف المجتمع تحولا معينا، بهد ازدهار الثقافة، حسب المفاهيم المحددة أعلاه؟

إننا، عندما نطرح إعادة النظر في مفهوم الثقافة، ومنتج الوسائل التثقيفية، والمثقف، فلأننا نسعى إلى جعل الثقافة ذات دور معين في واقعنا: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وفي بناء الشخصية الفردية، والجماعية، في المجتمع الذي نعيش فيه، من أجل أن نساهم من قريب، أو بعيد، في بناء حضارة العصر، الذي نعيش فيه.

ابن جرير في 30 / 01 / 2020