أصول تفسير الأحلام عند بن سيرين


زهير الخويلدي
الحوار المتمدن - العدد: 6370 - 2019 / 10 / 5 - 00:49
المحور: الادب والفن     

" ليس نوع من العلم مما ينسب إلى الحكمة إلا يحتاج إليه في تأويل الرؤيا "1
عاش محمد بن سيرين من سنة 653 ميلادي إلى سنة 729 ميلادي تاريخ وفاته في البصرة بالعراق وأدرك العصر الذهبي للإسلام وكان تقيا ورعا وبار بوالديه وبرع في علوم الفقه والحديث والزهد ولم يعرف له سوى كتاب منتخب الكلام في تفسير الأحلام وهو كتاب ظل موضع خلاف بين المؤرخين في أصالة الابتكار والاكتفاء بتلخيص وجمع ما وصله من معارف موروثة عن الإغريق والفرس والهنود. لقد اعتقد البعض أن الكتاب من تأليف النيسابوري المعروف بأبي سعيد الواعظ وظن البعض الآخر أنه شرح لكتاب إغريقي وضعه أرطميدورس الافسي بعنوان "تعبير الرؤيا" ولقد ترجمه حنين ابن إسحاق إلى العربية في القرن التاسع ميلادي وتمت ترجمته إلى الأنجليزية بعد ذلك بعنوان "تفسير الرؤيا لأحمد". في الواقع لا يمكن التشكيك في وضع كتاب حول تفسير الأحلام من طرف بن سيرين ولا يمكن القول بأنه أخذ عن أرطميدورس وتأثر بكتابه تعبير الرؤيا لأن الترجمة العربية التي قام بها حنين أنجزت بعد وفاته.
يضع بن سيرين ثلاثة شروط ينفذ من خلالها الطالب في علم الرؤيا:
- الأول هو حفظ الأصول ووجودها ووجوهها واختلافها وقوتها وضعفها في الخير أو الشر.سبب
- الثاني هو تأليف الأصول بعضها إلى بعض حتى تخلصها كلاما صحيحا على جوهر أصول التأويل.
-الثالث: هو شدة الفحص والتثبت في المسألة حتى تحصل المعرفة الحقة بها2 .
الإشكال الذي عالجه بن سيرين في كتابه هو طبيعة الأحلام ومكوناتها ومضمون الرؤيا وتراوحها بين إمكانية التعبير عن الواقع والحقيقة من جهة وتضمنها للأكاذيب والترهات والأشياء الباطلة من جهة ثانية. لهذا السبب يستنجد بن سيرين بعلم التفسير ويطالب باحترام الأصول المفسرة وقواعد التأويل كما جرت في العربية لكي يتم معرفة محتوى الرؤيا أثناء الأحلام والتبين ان كانت صادقة حقيقية أو كاذبة ومليئة بالأباطيل: "ولا تصدرن رأيك في مسألة حتى تفتشها وتعرف وجهها ومخرجها ...فإن صفيتها من هذه الآفات التي وصفت لك ووجدت ما يحصل من كلام التأويل صحيحا مستقيما موافقا للحكمة فذلك تأويلها صحيح"3 . كما يرفض بن سيرين عبارة أباطيل الأحلام وإمكانية الكذب أثناء الرؤيا ويقر بوجود الرؤيا الصادقة التي قد تدل على الخير والعافية والصحة وقد تنبه من الشر وذلك نتيجة المرض في النفس والاعتلال في الجسم. " إن الرؤيا الصادقة قسما: قسم مفسر ظاهر لا يحتاج إلى تعبير ولا تفسير ، وقسم مكنى مضمر تودع فيه الحكمة والأنباء في جواهر مرئياته"4 وهو هنا يسبق سغموند فرويد في الإشارة إلى ضرورة المرور من الظاهر إلى الباطن ومن الرمزي إلى الحقيقي لكي يتمكن المرء من معرفة محتوى الرؤيا ومضمون الحلم. على هذا الأساس تحوز الرؤيا على وجوه كثيرة متلونة متضادة متنافية مختلفة لم يصر إلى وجه منها دون سائرها إلا بزيادة شاهد وقيام دليل من ضمير الرائي في المنام أو دليل في المكان الذي رأى نفسه فيه"5 . وإذا تمكن المرء من الأصول المفسرة فهم طبيعة الحلم وعرف أن الرؤيا لها وجه يدل على الخير ووجه يدل على الشر وحمله التأويل من ظاهر اللفظ المرئي في المنام الى باطنه المقصود أو المنتظر حصوله. كما يتناول بن سيرين بالبحث تعبير الرؤيا بالزيادة والنقصان والتأويل بالمثل والتأويل بالضد والمقلوب وتعبير الرؤيا بالوقت ويربط أصول الرؤيا بالطبع والصنف والجنس والنوع من الأشياء والموجودات. في نهاية المطاف لم يتغير أي شيء من أصول الرؤيا القديمة ولكن حالات الناس هي التي تغيرت ولذلك يجب أن تذهب همة المرء في اتجاه التأويل وقراءة المرئي والعلم بأغراضه ومحتواه ومقاصده ومطلوبه. غير أن الاعتماد على الظواهر الغيبية أثناء تفسير الأحلام هو وقوع في الذاتية وتفسير بأمور غير موضوعية كشف عنها فرويد حينما ركز على الرغبات غير المشبعة المكبوتة في منطقة اللاوعي وأشار إلى استحالة تضمن الأحلام إشارات روحانية بالمستقبل ورفض الكهانة والتنجيم بالانطلاق من الرؤيا التي تحدث في المنام وخلصها أيضا من الذكرى التي تحصل للمرء عند إثارة الحواس والخيال وأقر بالطابع اللغوي للحلم ووضع فرضية التداعي الحرية واعتمد على تقنية التأويل بغية قراءة المحتوى الخفي فيها. فمتى يكف المرء عن الاعتقاد في الأوهام ويؤمن بأن الأحلام هي حقيبة الأسرار التي تحدد الشخصية؟
الإحالات والهوامش:
[1] محمد بن سيرين، تفسير الأحلام الكبير، طبعة منقحة تحت إشراف مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، 2004، ص14.
[2] محمد بن سيرين، تفسير الأحلام الكبير، مصدر مذكور، ص13.
[3] محمد بن سيرين، تفسير الأحلام الكبير، مصدر مذكور، ص13.
[4] محمد بن سيرين، تفسير الأحلام الكبير، مصدر مذكور،ص05.
[5] محمد بن سيرين، تفسير الأحلام الكبير، مصدر مذكور،ص05.

المصدر:
محمد بن سيرين، تفسير الأحلام الكبير، طبعة منقحة تحت إشراف مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، 2004.
كاتب فلسفي