الاتحاد العام لنقابات عمال سوريا ينهض من تبعات الحرب


جهاد عقل
الحوار المتمدن - العدد: 6151 - 2019 / 2 / 20 - 20:39
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

الاتحاد العام لنقابات عمال سوريا، ينهض بقوه من تبعات الحرب على الوطن سورية.
- تنظيم الحركة النقابية بهمة عالية وإفتتاح متحف يوثق تاريخ الحركة النقابية.
- قوى العدوان الإرهابيه قامت بتدمير مقر الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب.

جهاد عقل

• بداية لمحة تاريخية

واجهت الحركة النقابية العربية السورية منذ بداياتها، طريق النضال ضد الإحتلال، فقد بدأ نشاطها في ظل الإحتلال الفرنسي للوطن السوري ، وإضطرار الحركة النقابية العمل بشكل سري ، فالشرارة الأولى للعمل النقابي المُنَظَّم حدثت عندما قام :" إتحاد عمال دمشق عقد مؤتمره التأسيسي 1934 م بصورة سرية "(1) ،وبعد نضال مستمر تم إنتزاع إعتراف بالتنظيم النقابي السوري ، من قوات الإحتلال الفرنسي ، وجرى عقد المؤتمر التأسيس للإتحاد بتاريخ 18/8/1938م "وتحول هذا الإجتماع الى مؤتمر تأسيسي أسفر عن تشكيل الإتحاد العام لنقابات العمال ومقره دمشق"(2) .

لكن لا بد لنا من الإشارة هنا ،أن جميع الوثائق والادبيات النقابية تُشير الى أنّ الحراك النقابي في بلاد الشام(سوريا ،لبنان وفلسطين) كان متشابكاً ومن قام بالدور الأساسي في تأسيس الحركة النقابية في هذه البلدان الرفاق الشيوعيين ، وعن ذلك جاء:" لعب الرفاق الشيوعيون السوريون منذ اللحظات الأولى للتأسيس دوراً مهماً في العمل بين صفوف العمال ،قيادياً وتنظيمياً ، وهذا الدور مكّن الشيوعيين من أن يصبحوا قوة سياسية هامة تُساهم في مقاومة الإحتلال الفرنسي ومقاومة إستغلال الطبقة العاملة ،وكذلك مقاومة محاولات القوى الرجعية التي سعت الى جذب العمال الى صفوفها ،عبر القيادات النقابية الوسطية في مواقفها والمتأثرة ببعض القيادات السياسية في ذلك الوقت"(3).

بعد الإعتراف والتنظيم إستطاعت الحركة النقابية إجبار الحكومة بتاريخ 11/6/1946م تشريع قانون عمل يشمل الحقوق الأساسية للعمال مثل العمل ثماني ساعات في اليوم والحق بالضمان الإجتماعي والإضراب. بعد الإستقلال بدأ الإتحاد العام لنقابات عمال سوريا يأخذ دوره النقابي والوطني وأصبح قوة هامة في المشهد النضالي الإجتماعي والسياسي السوري.

• المبادرة لتأسيس الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب

خلال إنعقاد المؤتمر الثامن للإتحاد العام لنقابات العمال في سوريا في آذار 1955م إقترح عدد من الأعضاء إنشاء منظمة عمالية عربية تحمل إسم إتحاد العمال العرب ، وتم إتخاذ قرار أو توصيه بالعمل من أجل تنفيذ ذلك، بعدها تم توجيه دعوات لممثلي إتحادات نقابية عربيه لإجتماع تشاوري خلال العام نفسه وبتاريخ 6/12/1955م شُكّلت لجنة تحضيرية لإعداد الدستور وبتاريخ 22-24/3/1956م عُقد المؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ، على أن يكون مقره العاصمة السورية دمشق ، ومنها يمارس نشاطاته .

لكن هذا الإتحاد الذي ضم في البداية ممثلين عن النقابات في كل من سوريا ومصر ولبنان والأردن وليبيا ، ولاحقاً إنضمت إليه مختلف الإتحادات النقابية العربية مثل العراق والجزائر والسودان وتونس والمغرب واليمن وفلسطين وغيرها، بقي يعمل في محدودية معينة ، وهي البقاء في ظل السياسات الحكومية الرسميه وعدم إبراز إستقلاليته وإتخاذ مواقف أكثر وضحاً ، بل مواصلة التماهي مع السياسات الحكومية.
• الإرهاب يضرب منذ البداية الحركة النقابية

منذ إندلاع الحرب العدوانية على الدولة السورية قبل ثماني سنوات ، كانت الحركة النقابية والمؤسسات والمقرات النقابية هدفاً للإرهابيين ومن يقف معهم ويدعمهم ، حيث تعرضت هذه المقرات للإعتداءات والتفجير والقصف وسقوط العديد من الضحايا الشهداء من بين النقابيين والعمال، ووفق تصريح للنقابي جمال القادري رئيس اتحاد نقابات عمال سوريا اليوم ، قبل فترة قليله تحدث عن سقوط شهداء عددهم أكثر من عشرة آلاف عامل وهم يعملون في أماكن عملهم وفقدان حوالي أربعة آلاف لا يعرف مصيرهم حتى الآن.

وضمن هذه الإعتداءات الوحشية قيام مجموعة داعشية في الثاني من شباط/فبراير 2.13م بتنفيذ عملية إغتيال بشعه لإبراهيم عزوز وزوجته وإبنتيه في منطقة الشيخ سعيد بمدينة حلب وهو أخ النقابي محمد شعبان عزوز رئيس الإتحاد العام لاتحاد نقابات عمال سوريا يومها.
كما وقامت مجموعه إرهابية إخرى بعملية تفجير ليلية إستهدفت فيها مقر الإتحاد العام لنقابات العمال العرب في دمشق ،أدت الى تدمير المبنى على جميع محتوياته. وبفضل وقوع الإعتداء التخريبي في الليل لم يسقط شهداء في المبنى.
بعدها إضطر الإتحاد الى نقل نشاطه ومكاتبه في هذه المرحلة الى العاصمة المصرية القاهرة.

• تجديد النشاط النقابي السوري وسط التحديات

قبل عدة أشهر وبالتحديد بتاريخ 30/8/2018م عقد المجلس العام لنقابات عمال سورية "دورته الحادية عشرة ، وذلك في مبنى إتحاد العمال بهمة عالية التي تظهر من مداخلات الأعضاء وتم التعبير من خلالها عن إفشال
"المخططات التي رسمت منذ ثماني سنوات لتدمير وتخريب سورية حيث سعت أدوات الإرهاب والإجرام التي إستخدمت لتدمير كل أشكال الحضارة والتاريخ ولتمحو إرثاً حضارياً يمتد لمئات السنين" كما قال في الإجتماع النقابي نفسه محمد شعبان عزوز ، مؤكداً أن عمال سوريا الوطنيين الشرفاء قدموا التضخيات الكبيرة "وهم يواصلون عملهم على خطوط الإنتاج لتأمين إستمرار العملية الإنتاجية وتقديم مختلف الخدمات في مجالات الكهرباء والمياه والإتصالات والطرق والنقل وغيرها". مهما قيل عما قدمته الطبقة العامله السورية من تضحيات خلال ثماني سنوات لا يمكن أن يعبر عن حقيقة معاناتها ، بما في ذلك قضايا الترحيل والتهجير واللجوء وغيرها من تبعات العدوان الهمجي على وطنها سوريا.

• الخروج من حطام الحرب وإعادة النشاط النقابي بهمة عالية – تأسيس متحف الخركة النقابية.

بعد تحقيق النصر على قوى العدوان والظلام ومن يدعمها ، باشرت الحركة النقابية السورية إسترداد عافيتها التنظيمية وتجديد مقراتها وعقد الجلسات المنتظمة لهيئاتها وانتخاب ممثليها وقيادتها ، وذلك للتأكيد على مواصلة طريقها النضالي ، وفي الدورة الثامنة لاتحاد عمال سورية المنعقدة نهاية شهر نيسان 2017م ، تم الإعلان عن حدث تاريخي هام يشد عضد الحركة النقابية السورية ، وهو إفتتاح "متحف الحركة النقابية السورية" جرى من خلاله توثيق تاريخ هذه الحركة ، في جناح خاص ببناية الاتحاد العام بدمشق بمنطقة ابو رمانه ، ويضم المتحف وثائق ومواد تؤرخ مسار نشوء هذه الحركة منذ المؤتمر التأسيسي في آذار 1938م وحتى الدورة 26 في العام 2015م ، كما يشمل المتحف وثائق فيها توثيق الدور السوري في تأسيس الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ، ودوره في الإتحاد النقابي العالمي الذي كان مقره مدينة براغ ، وتاريخ الحركة العمالية النسائية ودور المرأة العاملة .

• الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عوده الى سوريا.

بعد غياب قسري عن مقره الأم في سوريا ، عقد في مبنى الاتحاد العام لنقابات العمال بدمشق لقاء تشاوري لرؤساء اتحادات العمال العرب ، والإجتماع السنوي للأمناء العامين للإتحادات المهنية العربية تحت عنوان "دور الإتحادات المهنية العربية في إعمار سورية" وبحث الإجتماع الذي عقد في يوم الجمعه 11 كانون الثاني 2019م ، قال الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب النقابي غسان غصن في كلمة الإفتتاح :" نلتقي اليوم في دمشق مطهرة من رجس الإرهاب وأنتم في الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب لم تغادروها يوماً لا بل كنتم دائماً في مواجهة قوى الشر ولم تتنكروا لها يوماً يوم أنكرها الجاحدون ولم تغدروا بها يوماً يوم طمع بها المتآمرون. كيف لا وأنتم في إتحاد العمال العرب تنبض قلوبكم بنبضة القومية والعروبة." وتطرق الى ما عانت منه سوريا وشعبها من "أعتى" حرب "جند لها رعاع الأرض بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتمويل الرجعية العربية لتنظيمات إرهابية ".
هذا وتم التأكيد في الإجتماع على ضرورة التكاتف والوحدة وأن تقوم الاتحادات العمالية العربية وأعضاءها بدور هام في إعادة بناء ما دمرته الحرب العدوانيه.

أما النقابي جمال القادري رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية وبعد الترحيب بالمشاركين طرح ما واجهته سوريا من عدوان على مدار الثماني سنوات وقال : كانت الحرب على سوريه، لأن سورية كانت بقيادتها وشعبها صخرة صماء وعقبة كأداء في وجه مشروع لئيم رسم لعالمنا العربي وخطط له بليل أسود من قبل أعدائنا ولأن سورية منعت تصفية القضية الفلسطينية ..."
وتطرق بالتفصل للعديد من المؤمرات التي حيكت ضد الشعوب العربية وتحويل اسرائيل الى شرطي للمنطقة لتنهب خيراتها لصالح القوى الإمبريالية في العالم.

وأضاف القادري:" إن المهمة المطلوبة منّا نحن العمال العرب والقيادات النقابية ، إستنهاض الوعي لتحصين شعوبنا كي لا تنساق وراء مخططات جهنمية ليست لمصلحة الشعوب وإنما مصالح وأجندات غربية". وأضاف مناشداً:" الى عدم الثقة بأن أمريكا وأوروبا يحملون همّنا أو أنّ قطر والسعودية سيعلموننا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ،هذا العُهر السياسي الحاصل في العلاقات الدولية حيث تقوم الدول الغربية بدعم أنظمة لا تعرف معنى صندوق الإنتخاب وتتصدى لتعلمنا أصول الديمقراطية والإنتخاب وهذا الأمر من مهازل العصر ونكد الدهر".
وأكد أن "ورشة الإعمار إنطلقت في سورية ،داعياً الإخوة العرب المشاركة ، بإستثناء الذين إنخرطوا في المخطط اللئيم والمشبوه على سورية".
في النهاية لا بد من التعبير عن التقدير والإجلال للحركة النقابية السورية وقيادتها وللطبقة العاملة السورية ، التي تكبدت الخسائر الفادحة جراء العدوان الإرهابي على وطنها ، وإستطاعت الحفاظ على دورها النضالي في صد هذه الحرب الهمجية بالقيام بدورها بمواصلة العمل والإنتاج في ظل ظروف صعبة وتحت القصف والهجوم على أماكن العمل ، نعم ثماني سنوات من العدوان قامت به قوى الظلام والإمبريالية والصهيونية ، ولم تستطع كسر شوكة هذا الشعب ولا كسر الشوكة النضالية لطبقته العاملة ولحركته النقابية ، وهذا ما شعر به القاده النقابيون العرب. خلال إجتماعهم فقد عبر الجميع عن إستعدادهم لوضع كافة خبراتهم وإمكانياتهم للمساهمة في إعمار سورية.

-المصدر:-
1-3 : عادل ياسين — موقع قاسيون 30/4/2010