في اليوم العالمي للقضاء على الفقر: هل حقاً توجد خطط لتنفيذ ذلك؟


جهاد عقل
الحوار المتمدن - العدد: 7771 - 2023 / 10 / 21 - 12:23
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

وفقا لمعطيات نشرتها الأمم المتحدة بخصوص تاريخ إعلان اليوم العالمي للقضاء على الفقر، يتضح لنا أن البداية كانت من اجتماع عُقِدَ في ساحة "تروكاديرو" بالعاصمة الفرنسية باريس في 17 تشرين أول / اكتوبر1987، وعليه "يرجع تاريخ الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على الفقر إلى يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1987. ففي ذلك اليوم اجتمع ما يزيد على مائة ألف شخص تكريما لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع، وذلك في ساحة تروكاديرو بباريس، التي وقِّع بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. وقد أعلنوا أن الفقر يُشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وأكدوا الحاجة إلى التضافر بغية كفالة احترام تلك الحقوق. وقد نُقشت تلك الآراء على النصب التذكاري الذي رُفع عنه الستار ذلك اليوم. ومنذئذ، يتجمع كل عام في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر أفراد من شتى المشارب والمعتقدات والأصول الاجتماعية لإعلان التزامهم من جديد إزاء الفقراء والإعراب عن تضامنهم معهم.

ثم تبنت الأمم المتحدة هذا اليوم بقرار منها رقم 47/196 بإعلان "اليوم الدولي للقضاء على الفقر" يوم 17 أكتوبر / تشرين أول "كيوم الكفاح من أجل القضاء على الفقر"، من ثم جرى ترسيخ هذا القرار في " مؤتمر القمة الاجتماعية الذي عقد في كوبنهاغن في 6-12 آذار / مارس عام 1995 حدد ثلاث قضايا أساسية هي: القضاء على الفقر، وخلق فرص العمل، والتكامل الاجتماعي، وذلك للمساهمة في إنشاء مجتمع دولي يمكِّن من بناء مجتمعات آمنة وعادلة وحرة ومتناغمة توفر الفرص ومستويات معيشة عالية للجميع”.( الأمم المتحدة 17 أكتوبر 2023)

هل حقاً جرى تنفيذ شعار "القضاء على الفقر"؟

من خلال متابعتنا لهذا الموضوع لاحظنا أن الأمم المتحدة وقوى الرأسمالية، خاصة مؤسساتها "صندوق النقد الدولي" و " البنك الدولي " وبتوجيه من الدول الرأسمالية الغنيّة، تضع الدراسات، والمشاريع، مثل مشروع " التنمية المُستدامة"، التي تهدف الى تقليص عدد الفقراء في العالم، لكن هذه الخطط، وبالرغم من ظاهرة "تغيير الأرقام لعدد الفقراء في العالم" ما زال هناك حوالي 1,3 مليار إنسان يعيشون في فقر، عدد كبير منهم، بل معظمهم يعيشون في فقر مُدقِع، ولم يستطع المسؤولون في كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إخفاء هذه الحقيقة المُرّة، في اجتماعهم الأخير الذي عُقِد هذا الشهر في مراكش بالمغرب، حيث جرى التأكيد مجدداً على ارتفاع عدد الفقراء منذ العام 2020. وفي كلمة القاها أجاي بانغا، رئيس مجموعة البنك الدولي حاول من خلالها "شد أزر الناس" الفقراء بالخروج من دائرة الفقر بقوله: ”وعلينا شد أزر الناس وتقوية عزمهم ودفعهم نحو التقدم، كما علينا في مجموعة البنك الدولي أن نبث روح التفاؤل والأمل وإحداث الأثر المرجو”. ( موقع البنك الدولي 13 أكتوبر 2023)

وأكد البنك الدولي ذلك في دراسة له جاء فيها: ”على مدى 25 عاماً تقريباً، كان عدد الفقراء المدقعين – أي الذين يعيشون على أقل من 2,15 دولار للفرد في اليوم - آخذاً في التراجع باطراد. لكن هذا الاتجاه توقف في عام 2020، عندما ارتفع معدل الفقر بسبب الاضطرابات الناجمة عن أزمة كورونا مقترناً بآثار الصراع وتغيّر المناخ - اللذين أديا بالفعل إلى إبطاء وتيرة الحد من الفقر".

لن نخوض في كامل معطيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، خاصة وأننا نرى أن لهما الدور الكبير ليس في الخروج من ضائقة الفقر في ما يسمى الدول النامية، بسبب القروض التي تحصل عليها هذه الدول وبفوائد عالية (بل تُفرَض عليها) مما يكون جٌلَّ همها – أي الحكومات- أعادة القروض والفوائد بدلاً من العمل على وضع مشاريع تنمية وايجاد فرص عمل لائقة بأجر يؤديان الى اخراج الناس من ضائقة الفقر.


موضوع عام 2023: "العمل اللائق والحماية الاجتماعية - وضع الكرامة موضع التنفيذ للجميع”.



كما ذكرنا أعلاه تواصل الأمم المتحدة إحياء هذا اليوم في كل 17 تشرين أول / أكتوبر من كل عام، بهدف وضع هذه القضية على جدول أعمال المجتمع الدولي، وكما في كل عام تضع الأمم المتحدة شعار لهذا اليوم ترفعه مختلف الهيئات الدولية والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني، يهدف ذلك الشعار الى إرسال رسالة للدول قد تساعد على رفع وتيرة مكافحة الفقر في تلك الدول خاصة وفي العالم أجمع.

في بيانها الصادر بهذه المناسبة أكدت الأمم المتحدة: "يهدف اليوم الدولي للقضاء على الفقر، الذي يُحتفل به سنويًا في 17 تشرين الأول/أكتوبر، إلى تعزيز التفاهم والحوار بين من يعيشون في فقر وبقية أطياف المجتمع. ويعتمد موضوع هذا العام على شهادات مباشرة تُظهر أن من يعيشون في براثن الفقر المدقع غالباً ما يعملون لساعات طويلة ومرهقة في ظروف خطيرة وغير منظمة، لكنهم مع ذلك عاجزين عن كسب ما يكفي لإعالة أنفسهم وأسرهم بشكل مناسب".

وكذلك: "يدعو موضوع هذا العام إلى حصول الجميع على العمل اللائق والحماية الاجتماعية بوصفها وسيلتين من وسائل دعم الكرامة الإنسانية لكل الناس، والتوكيد على أن العمل اللائق يجب أن يحسن من أحوال الناس، ويتيح أجوراً عادلة وظروف عمل آمنة، كما يقر كذلك بالقيمة المتأصلة والإنسانية لكافة العمال. وعلى نحو مماثل، هناك حاجة ماسة إلى إتاحة الحماية الاجتماعية الشاملة لضمان أمن الدخل للجميع، مع إعطاء الأولوية لأفراد المجتمع الأضعف. وشعار هذا اليوم هو كذلك دعوة للقادة السياسيين وصانعي السياسات لاعتماد الكرامة الإنسانية بوصلة إرشادية في كافة عمليات صنع القرار، لضمان النهوض بحقوق الإنسان الأساسية والعدالة الاجتماعية عوضا عن السعي لتحقيق أرباح تجارية للشركات".

ارتفاع ما بين 95 الى 165 مليون في عدد الفقراء

تؤكد مختلف الدراسات الصادرة في الآونة الأخيرة بأن مخطط الأمم المتحدة والمؤسسات الرأسمالية بمشروعها المُسمّى "التنمية المٌستدامة" للعام 2030، بخفض عدد الفقراء في العالم، بل المحاولة على تنفيذ شعار "القضاء على الفقر"، لم ينجح، بل الوضع يتدهور، وتعزو هذه المؤسسات ذلك الى حدوث جائحة كورونا، وتنامي قضايا النزاعات العسكرية والحروب في مختلف أنحاء العالم، وارتفاع الأسعار وارتفاع جدول الغلاء وغيرها من الأسباب، مما يعني انضمام حوالي 95 مليون شخص الى دائرة الفقر المُدقِع في العالم.

وتأكيدا على ذلك ما جاء في دراسة للبنك الدولي نشرها في 14 أيلول 2022 جاء فيها: "يمكن أن يكون لتضخم أسعار الغذاء تأثير مدمر على الأسر الفقيرة، حيث ينفق الشخص العادي في البلد منخفض الدخل نحو ثلثي موارده على الغذاء، في حين يشكل هذا الرقم ما يقرب من 25% من دخل نظيره في البلد مرتفع الدخل".

وأضاف: "تشير البحوث إلى أن نيران تأثيرات الأزمات الحالية ستطال بالتأكيد معظم البلدان حتى عام 2030. وفي ظل هذه الظروف، أصبح هدف خفض معدل الفقر المطلق العالمي إلى أقل من 3% بحلول عام 2030، والذي كان بالفعل في خطر قبل الجائحة، أمراً بعيد المنال الآن ما لم تتخذ البلدان تدابير سريعة ومهمة وملموسة على صعيد السياسات".

لكن معطيات هذا العام تشير الى ارتفاع كبير في عدد الفقراء ووفق ما نشرته الأمم المتحدة يتضح ما يلي: "على مدى السنوات الثلاث الماضية، ارتفعت معدلات الفقر في البلدان الفقيرة، حيث بلغ عدد الأفراد الإضافيين الذين يعيشون على أقل من 3.65 دولار في اليوم إلى 165 مليون بحلول عام 2023 وفقًا لموجز سياسات جديد من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بعنوان "التكلفة البشرية للتقاعس عن العمل: الفقر والحماية الاجتماعية وخدمة الديون، 2020-2023. يعيش جميع هؤلاء الفقراء الإضافيين في اقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط الأدنى، حيث يعاني أفقر 20٪ في البلدان منخفضة الدخل أكثر من غيرهم مع بقاء دخلهم دون مستويات ما قبل الجائحة في عام 2023. الحماية الاجتماعية قابلة للتكيف و"وقف الديون والفقر" لإعادة توجيه سداد الديون نحو النفقات الاجتماعية الحرجة." ( الأمم المتحدة 14 تموز 2023)

كارثة الفقر تجتاح عالمنا، وتعاني منها مختلف الشعوب خاصة في كل من أفريقيا وآسيا وفي العالم العربي، كما تؤكد المعطيات يعيش في عالمنا أكثر من 1.2 مليار شخص في فقر متعدد الأشكال، بحوالي 112 دولة، أكثر من نصف هؤلاء من أطفال حتى جيل 18 سنة، والسؤال هو هل فعلاً تتوفر مصادر وخطط لإخراج هذا العدد الكبير من دائرة الفقر؟ وهل تضمن هذه الخطط إخراج أطفال يولدون في دائرة الفقر ويقبعون فيها، بسبب عدم توفر الإمكانيات المالية لإخراجهم من دائرة الفقر، كلمة أجاي بانغا رئيس مجموعة البنك الدولي في مؤتمر مراكش كانت بعنوان: "خلق عالم خالٍ من الفقر على كوكب صالحٍ للعيش فيه"، فهل حقاً سيتكمن البنك الدولي وغيره من المؤسسات الرأسمالية الاستغلالية تحقيق هذا الشعار في ظل ما يقومون به من نهب خيرات الشعوب لصالح القوى الرأسمالية المُسَيطِرة على اقتصاد الدول النامية والشعوب عامة؟