ليفعلها تحالف - سائرون - ويقلب ميزان القوى السياسية


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 5885 - 2018 / 5 / 27 - 18:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ليفعلها تحالف " سائرون " ويقلب ميزان القوى السياسية
منذ انتهاء الإنتخابات العراقية الأخيرة وظهور نتائجها التي وضعت تحالف " سائرون " على قمة الفائزين الأوائل ، تدور المباحثات وما يرافقها من تكهنات حول تشكيل الحكومة الجديدة من خلال التوصل الى تأليف اكبر كتلة برلمانية تستطيع القيام بذلك . كما يتداول الشارع العراقي من خلال وساءل الإعلام المختلفة اسماء شخصيات متعددة لرئيس الوزراء الجديد الذي سيشكل الطاقم الوزاري من الكتل المتآلفة برلمانياً .
حين استعراض الساحة السياسية العراقية الحالية وما تمخضت عنه نتائج الإنتخابات الأخيرة ، نستطيع القول ان الفائزين فعلاً هي تكتلات ساسة المحاصصة السابقين الذين حصلوا بمجموعهم على اكثر الأصوات وبالتالي على اكثر المقاعد البرلمانية . ويستند هذا الطرح على المسح الفعلي لمكونات العملية السياسية القادمة الذي يثبت لنا من خلال عملية حسابية بسيطة ان سياسة المحاصصات القديمة ، بكل اطيافها ، هي التي حققت الفوز الأكبر وبالتالي حصولها على العدد الأكبر من النواب ، بالرغم من تصدع بعض واجهاتها واختفاء بعض رموزها الذين يشكلون جزءً من سياسة الفساد السائدة في الدولة العراقية الآن . إلا ان اختفاء بعض رموز الفساد من الساحة السياسية العراقية ، والذي يشكل واحداً من العوامل الإيجابية التي تمخضت عنها الإنتخابات العراقية الأخيرة، لا يعني اختفاء كل الفاسدين الذين اُعيد " انتخابهم " ليشكلوا امكانية اعادة النهج المحاصصاتي السابق والإستمرار في سرقة المال العام والإستهتار بحقوق وعقول المواطنين .
إلا ان الفارق الذي يميز نتائج الإنتخابات الأخيرة وما افرزته من وصول بعض العناصر الوطنية حقاً والتي تبنت منذ الإعلان عنها برنامجاً عراقياً بعيداً عن تعدد الولاءات والإنتماءات التي ابعدت انتماء المواطنة كعامل اساسي في رسم سياسة الدولة العراقية والذي اتصف به برنامج تحالف " سائرون " ، سيجعل من تنفيذ سياسة المحاصصات السابقة ليس بالأمر السهل الذي يستطيع المتحاصصون فيه ان يستمروا على سياسة " ضملي واضملك " الخبيثة التي تبادلها لصوص السياسية العراقية في الحكومات السابقة . وهذا يعني ان صعوبة الإستمرار في سياسة المحاصصات القديمة سيتحقق فيما لو علِم رواد الفساد بانهم ، في هذا البرلمان الجديد ، ليسوا منفردين بالساحة السياسية العراقية ، كما كانوا سابقاً ، كما نهم لم يصبحوا في وضع يتيح لهم تجاهل الأصوات الوطنية القليلة جداً التي كان يضمها مجلس النواب العراقي السابق، بحيث لم يكن لها ذلك الأثر الواضح في كل محاولاتها التي جرت لفضح الفاسدين ، ناهيك عن نجاح المحاولات لتقديم رؤوس الفساد الى القضاء العراقي الذي لم يبد هو الآخر تجاوباً مع كل ملفات الفساد التي أعلن عنها بعض قادة الفساد هؤلاء انفسهم.
إذن سيكون سلوك طريق تشكيل قوة معارضة واسعة داخل البرلمان العراقي من تحالف " سائرون " وبعض ممثلي القوائم الصغيرة الأخرى التي لم يتلوث نوابها بقذارات الحكومات السابقة ، هو الطريق الأفضل لخدمة الوطن وتحقيق البرامج الإصلاحية . إن ذلك سيتم فيما لو اتجه النواب الحاملون للهوية الوطنية العراقية البعيدة عن الولاءات الأجنبية والرافضة لتقاسم السلطة على اسس دينية او قومية او مناطقية عشائرية إلى تشكيل كتلة برلمانية قوية ، بالرغم من قلتها عددياً ، إلا انها قادرة على تتبع خطى الفاسدين في كل زاوية من زوايا عملهم وفضحهم امام الجماهير التي ستقودها هذه الكتلة المعارضة لينغصوا حياة الحكام السراق ويجعلوا حياتهم مصحوبة بالرعب الذي سيينتابهم من خلال الحراك الجماهيري على مختلف المستويات ، إن ذلك كله سيتحقق من خلال اصرار كتلة المعارضة القوية هذه على تحقيق البرنامج الإصلاحي الذي طرحه تحالف سائرون دون اي تلكؤ او تردد ، ودون اي اعتبار لحليف قد لا تكون له مصلحة آنية او بعيدة في تحقيق برنامج الإصلاح ومحاربة الفسا وتقديم المفسدين وسارقي المال العام خلال الخمسة عشر سنة الماضية الى القضاء.
بالإضافة إلى ذلك فإن تحالف " سائرون " سيسجل ، إذا ما سلك طريق المعارضة ، بادرة جديدة في تاريخ السياسة العراقية وذلك من خلال تثبيت مبدأ المعارضة البرلمانية الحقيقية القوية، وليس الشكلية الهامشية ، التي تعتبر من المقومات الأساسية للحكم الديمقراطي .وهذا يعني ان تحالف " سائرون " سيقلب حسابات لصوص السياسة على اعقابها مما ينتج عنه سلوكهم لطرق همجية اكثر للدفاع عن لصوصيتهم وكل ما سرقوه من المال العام الذي يضعهم امام المساءلة القضائية ، فيُسخرون ما لديهم من امكانيات اجرامية لكسر شوكة المعارضة ، وهذا ما يزيد من اندحارهم امام الجماهير التي سوف لن تتخلى عن قياداتها في تحالف " سائرون " والتي سوف لن تتوانى او تتباطئ بالدفاع عن حقوقها .وحينما نقول ان قوى المعارضة البرلمانية التي ستكون الجبهة المؤهلة لمواجهة الفاسدين على الساحة السياسية ، فإن ذلك يعني ان هذه القوى يجب ان تكون مؤهلة ومهيئة لتوظيف كل الإمكانيات السلمية والدستورية التي تسمح لها بممارسة المعارضة الديمقراطية والدفاع عن حقوق الجماهير واسترداد ما سُرق منها طيلة السنين الماضية .
الدكتور صادق إطيمش