ديمقراطية للگِشر


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 7029 - 2021 / 9 / 25 - 03:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

اجواء الإنتخابات العراقية المزعومة في دولة الإنفلات المليشياوي افرزت بعض المعطيات التي يتناسب تفسيرها والفوضى التي تعم هذه الأجواء بكل ما تقدمه هذه الفوضى من مساحات للتزوير والتهديد وشراء الذمم ولعلعة السلاح وحرية العبث في وساءل الدعاية الإنتخابية والكثير الكثير مما يضعه البعض في مفهوم الحرية والديمقراطية التي يضمنها الدستور العراقي الأعرج .
ومما يجري تبريره استناداً الى هذا الدستور ايضاً ومحتواه الديمقراطي للگِشر ظاهرة الموقف من المقاطعين لمسرحية " تريد ارنب اخذ ارنب .... تريد غزال اخذ ارنب " ، وعلى الأخص الموقف من الحزب الشيوعي العراقي الذي يشكل رأس الرمح ، كما معروف عنه في كل المواقف الوطنية الحاسمة ، حيث تجلت هذه المواقف العدائية، وليس النقدية الموضوعية ، على مستويين .
المستوى الأول الذي تقوده فصائل يقال عنها انها تمثل الداعين للإنتخابات والمؤيدين لإجراءها تحت هذه الأجواء التي لا تتوفر فيها ابسط مقومات انتخابات حيادية ونزيهة وفي ظروف سلام اجتماعي لا يتحكم فيه السلاح المليشياوي المنفلت . ولا ندري إن كانت العصابات التي هددت نشطاء الحزب الشيوعي العراقي حينما حاولوا التعبير عن نشر مبرراتهم لمقاطعة الإنتخابات وهم لم يحملوا معهم غير الحرف الناطق بهذه المبررات التي ، على ما يبدو ، ارعبت المُهًدِدِين ، لا ندري ان كانت هذه العصابات حكومية بحتة ، اي تنظيمات لأحزاب حاكمة ذات اذرع مسلحة ، ام انها خليط من كل الأحزاب المشاركة في الإنتخابات حتى تلك التي تقف الآن على ابواب الإسلام السياسي يحدوها الأمل بان تجد في نهاية المطاف ما يبرر اشتراكها في هذه المهزلة الإنتخابية .
اما المستوى الثاني فقد ظهر فرسانه وبعضهم معبئ بحقد الماضي ، وربما من مواقع منافسة الحزب على السباق في رفع الشعارات ونشر الأقاويل التي يراد لها ان تعكس القناعة بالديمقراطية والتنافس السلمي في هذه الأجواء التي اصبح السلام الإجتماعي فيها مفردة غريبة على اسماع المواطنين القابعين تحت اجواء الإسلام السياسي وحكوماته التي نشرت الفقر والبطالة والتشرد والمرض وشحة الخدمات وانتشار الجريمة وزيادة لصوص المال العام وكل ما يرافق التلاعب في هذه الإنتخابات التي لا يراد منها إلا تدوير نفايات النهج السياسي المحاصصاتي الطائفي السائد منذ سقوط دكتاتورية البعث على ايدي محتلي وطننا وما جاء به هذا المحتل من الذين وضعهم على قمة مواقع النهب والسلب واللصوصية .
ربما يمكننا ان نفهم مواقف وغضب وحقد العصابات المسلحة ومليشيات الأحزاب الحاكمة على الحزب الشيوعي العراقي ونشاطاته التي تشكل دوماً شوكة في عيون هذه الأحزاب . إلا اننا لا نفهم بعض المواقف الحاقدة من حملة الفكر الديمقراطي والتوجه المدني ، تلك المواقف المشوبة بالتجريح بتاريخ الحزب والسخط على مواقفه السياسية في مراحل مختلفة من تاريخ نضاله الذي قد لا يستوعبه كثير منهم لأنهم لم يعيشوا اجواء العمل السياسي آنذاك . ان توجه بعض الديمقراطيين هذا لا يصب في الأهداف التي يتبنونها في عملهم السياسي والساعية الى تحقيق وحدة القوى الديمقراطية للوقوف بوجه وحدة قوى الإسلام السياسي الحاقدة على كل ما يمت للديمقراطية والدولة المدنية بصلة . اي انهم يصبون الزيت على تلك المواقد التي يشعلها الإسلاميون لحرق القوى الديمقراطية جميعاً. فهل ينسجم هذا مع ما يدعونه من تبني للفكر المدني الديمقراطي وهم ينكلون باقدم قوة ديمقراطية في وطننا المسلوب .
من الطبيعي ان تشكل ممارسة النقد بين القوى الديمقراطية اساس العمل المشترك . ومن الطبيعي جداً ايضاً في العمل السياسي ذو التوجه الديمقراطي ان يرتكز النقد على احترام الإختلاف في وجهات النظر وتباين المواقف السياسية من هذه القضية او تلك . وعلى اساس النقد العلمي المتبادل هذا يجري الإتفاق على تحديد اهداف المرحلة بين القوى التي يجمعها تحقيق هذه الأهداف في المرحلة السياسية المعينة.
إلا ان الذي نراه ونسمعه ونقرأه هذه الأيام ، وتحت رايات ما يسمى بالدعاية الإنتخابية ، من بعض القوى الديمقراطية المشاركة فيها والتي تستهدف النيل من موقف الحزب الشيوعي المخالف لها في هذا التوجه المسرحي للعملية الإنتخابية .
لقد وصل التجريح بمواقف الحزب الشيوعي والتهجم على سياسته حقباً من التاريخ لم يعشها بعض هؤلاء المتهجمين ، ولا اقول الناقدين ، وخاضوا مناقشات عشوائية او نشروا تعليقات تهكمية على قنوات التواصل الإجتماعي وهم يتندرون في إيجاد المصطلحات التي تنال من تاريخ اعرق حزب سياسي على الساحة السياسية العراقية بكل ما قدمه من تضحيات وما ناله من ملاحقات وما عاشه من منافي وسجون ومعتقلات .
مَن يتحدث عن التاريخ ايها السيدات والسادة يجب ان يستوعب احداثه اولاً ويعي آليات العمل السياسي في اية مرحلة من مراحل العمل الوطني . وبما ان بعض هؤلاء السيدات والسادة من الديمقراطيين الذين لا يتركون مناسبة دعاية انتخابية لمرشحيهم إلا وربطوها بالهجوم على الحزب الشيوعي العراقي وموقفه من مهزلة الإنتخابات هذه ، وليس من مبدأ الإنتخابات كوسيلة من وساءل العمل الديمقراطي التي يؤمن بها الحزب ايماناً كاملاً ومستعد على ممارستها اذا ما توفرت بعض الظروف التي يمكن ان تساهم في عملية التغيير المنشودة ولو بتثاقل الخطى ، وهذا ما لا يتوفر في هذه الإنتخابات التي يطبل لها البعض ويمنعوا الشيوعيين من الإدلاء بآراءهم حولها باعتبارها مسرحية تدوير نفايات المحاصصات ليس إلا.
نعود وننصح السيدات والسادة الذين ينالون من تاريخ الحزب بالتجريح ، خاصة فيما يخص التحالفات الإنتخابية القصيرة الأمد او الجبهات الوطنية التي دخل فيها الحزب والتي جعلوها محاور هجومهم ، بان يستوعبوا المراحل التاريخية التي يتحدثون عنها اولاً ومن ثم تقييم المواقف على اساس ذلك . لا نريد ان ندخل في دروس التاريخ في هذا المجال المحدود ، إلا اننا نقول لو يتفضل هؤلاء السيدات والسادة ويدققوا في سياسة الحزب الشيوعي العراقي في كل هذه التحالفات والجبهات فسوف لن يجدوا ولا مرحلة واحدة من هذه المراحل تخلى فيها الحزب عن مبدئين اساسيين من مبادءه . المبدأ الأول هو الحفاظ على الهيكل التنظيمي الذي يقره النظام الداخلي للحزب ، بكل ما تعرض له هذا المبدأ من محاولات التخريب والقضاء عليه من خلال كافة اجراءات القمع التي مورست ضد الحزب في كل تاريخه النضالي الذي يشرف على التسعين عاماً .
اما المبدأ الثاني فيتعلق بصيانة الفكر الذي يهتدي به الحزب كتوجه عام يتربى عليه رفاقه ويثبتون عليه رغم كل ما انتشر من إغراءات البراءه او التهديدات بدءً بالعهد الملكي وانتهاءً بعهد الإسلام السياسي هذا. طبعاً هذا لا يعني عدم وجود اخطاء في هذه المرحلة او تلك . إلا ان المهم في الأمر هو الثبات على هذين المبدئين ثم اكتشاف هذه الأخطاء ، بل وعرضها على الجماهير حتى اللاحزبية منها مع ما يتم من اجراءات تعديل بوصلة المسيرة تبعاً للظروف السياسية السائدة . وهنا اتحدى شخصياً كل من يقدم حزباً سياسياً على الساحة السياسية العراقية تعامل مع اخطاءه امام الجماهير الشعبية اكثر من الحزب الشيوعي العراقي الذي يستمد وجوده من هذه الجماهير اصلاً. والخطأ في العمل لا يعني إلا استمرارية العمل وعدم النكوص بعد كل انتكاسة حتى وإن كانت كارثية . وقد صح المثل القائل ان الوحيد الذي لا يخطأ هو ذلك الذي لا يعمل .
وتبعاً لنوعية الحليف واهدافه من هذا التحالف ، قاسى الحزب الشيوعي العراقي من نكبات تجلت بتخلي الحليف عن الأهداف الموضوعة للتحالف . والملاحظ هنا ان انفراط اي تحالف يرافقه اضرار جسيمة تحل بمجموع الحركة الوطنية وتوجهاتها ، إضافة الى ما يعانيه الحزب من تبعات سلبية بسبب هذا الإنفراط . فماذا يعني ذلك ؟
إن ذلك يعني بكل بساطة لجوء الحزب الشيوعي العراقي الى تبني المصلحة الوطنية كمبدأ اساسي لخوض التحالف . اي ان الحزب جعل المصالح الحزبية التي كان من الممكن الحصول عليها من التحالف متأخرة عن المصلحة الوطنية . اي ان الأضرار التي يعاني منها الوطن بمجموعه بسبب انفراط التحالفات مع الحزب الشيوعي العراقي تشير وبوضوح الى عمق تبني المصالح الوطنية قبل المصالح الحزبية . وعلى هذا الأساس جرت ملاحقة الحزب الشيوعي العراقي بعد انفراط الجبهة الوطنية مع حزب البعث عام 1973 ، والمتابع الجيد لتطورات الوضع السياسي في العراق بعد انفراط هذه الجبهة عام 1979 سيجد بدون ادنى شك بدء الخراب الذي بدأه مجرم العصر صدام بحروبه العبثية وسياساته التي وضعت وطننا على المسار الذي انتج الوضع القائم المأساوي الذي نحن عليه الآن . ومن هذا المنطلق يمكننا ايضاً تقييم انفراط جبهة الإتحاد الوطني بعد انتصار ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة ، وما آلت اليه اوضاع الإحتراب التي جرت على الساحة السياسية العراقية . ومن هذا المنطلق ايضاً ينبغي النظر الى التحالف الإنتخابي مع التيار الصدري الذي ادى انفراطه الى ان ينهج التيار الصدري نهجاً يتصدى لثوار تشرين واهداف ثورة تشرين بعد ان شارك في مظاهرات الإحتجاج التي تصدى لها ومارس العنف ضدها بعدئذ. ثم قس على ذلك في التحالفات الأخرى التي يفخر بها الحزب كمتبني للقضية الوطنية قبل المصالح الحزبية ، بالرغم مما جره عليه هذا التبني من نكبات .
الأصدقاء الديمقراطيون المتهجمون على الحزب الشيوعي العراقي في هذه الظروف العصيبة التي تتطلب تحالف القوى الديمقراطية حتى وإن اختلفت في بعض توجهاتها ، وهذا اكثر من طبيعي في العمل السياسي ، جعلوا من بيان قيادة الحزب الشيوعي العراقي قبيل انتفاضة تشرين الأول عام 2019 الذي اوعز فيه الى اعضاءه واصدقاءه عدم المشاركة بها وذلك بالنظر لجهل القوى الفاعلة فيها . وهذا الأمر بالذات الذي شكل ظاهرة فريدة من نوعها يجب ان يفخر بها الحزب الشيوعي العراقي الذي افرز قاعدة حزبية صححت موقف القيادة باقل من اربع وعشرين ساعة وذلك حينما بادرت هذه القاعدة الى المشاركة بالإنتفاضة منذ ساعاتها الأولى وجعلت قرار المشاركة هو السائد منذ انبثاق ثورة تشرين وحتى يومنا هذا. اي حزب هذا الذي افرز قاعدة متنورة واعية لما يدور حولها في ربوع هذا الوطن رغم تشابك الرؤى واختلال الموازين بسبب الفساد والخراب الذي يعم الوطن كنتيجة حتمية لحكومات لصوصية جاء بها الإحتلال بعد ان البسها الجبة والعمامة . وهذا الدرس الذي استوعبته قيادة الحزب فجعلت قرارات الحزب قرارات جماعية تحددها جماهيره وقواعده التنظيمية التي قررت عدم المشاركة في المهزلة الإنتخابية القائمة الآن في وطننا .
انني في الواقع في الوقت الذي يؤسفني جداً انزلاق بعض الأصدقاء في مسالك التجني على الحزب الشيوعي العراقي بمجرد اختلافه معهم في موقفهم من الإنتخابات التي قيَّمها الحزب بشكل لا يستطيع معه دعمها لفقدانها اقل مقومات الإنتخابات الديمقراطية في اجواء آمنة لكل المشاركين فيها ، ارجو من هؤلاء الأصدقاء فعلاً مراجعة مواقفهم هذه والتخلي عن التفكير الجزئي بحدث مختَلَف عليه والإنصراف بالتفكير بالوطن وهمومه وكل ما يعانيه اهلنا من مآسي يومية والتي تتطلب وحدة القوى الديمقراطية وتجاوزها لكل ما يعرقل وحدتها ووقوفها تجاه الهجمة الرجعية التي تقودها احزاب فاسدة اهلكت البلاد والعباد واحرقت الأخضر واليابس، كل ذلك باسم الدين الذي جعلوه مطية لصوصيتهم وسبيل كل انتهاكاتهم .
اما باب النقد العلمي الموضوعي البناء فيجب ان يظل مفتوحاً لكل القوى الخيرة التي لا تريد من نقاشها الموضوعي حول اختلاف وجهات النظر سوى الإرتقاء بالوطن واهله نحو تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية ، دولة المواطنة لا دولة المحاصصات ، دولة الخبز والحرية والعدالة الإجتماعية .