قحطانيات14: عبد الله مطلق القحطاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5351 - 2016 / 11 / 24 - 20:49
المحور: الادب والفن     

الفاصل والواصل
في "محنة القرآن بين السلف والخلف" نقرأ أول ما نقرأ: "بدايةً صديقي القارئ الكريم العزيز علي الإقرار بأني لا أملك الشجاعة ولا الجرأة لأكتب كل ما هو متعلق ببحث عنوان الموضوع ! وليس خوفا من غضب واعتقال الحكومة فحسب ! بل وأيضا من ردة فعل بعض المتخلفين من المتشددين المتعصبين في مجتمعي وما أكثرهم! ! رغم ما سأقوله الآن وما لا أجرأ على قوله هو في الواقع حسن ولا غبار عليه ! بل أجزم أنه سلاح لكل مسلم معتدل ومنفتح العقل للرد على من يطعن في القران الكريم !! ولا يعني هذا أن القرآن الكريم نفسه لم يوقع المسلم في محنة سرمدية مع العقل !! إذ أن القرآن الكريم خص طائفة وجماعة من المسلمين بعلم تأويله !! ولعمري إنها أم الكوارث وسبب كل بلاء أصاب المسلمين قديما وحديثا" (انتهى). الفصل بين عدم امتلاك الشجاعة والجرأة للكتابة عن محنة القرآن والخوف من غضب الحكومة واعتقالها وردة فعل المتشددين المتعصبين الكثيرين أو بعضهم، وبين ما سيقال عن محنة القرآن وما لا يقال لعدم امتلاك الجرأة، ليكون الوصل: القول الغائب والحاضر قول حسن ولا غبار عليه وسلاح لكل مسلم معتدل ومنفتح العقل. إذن عملية الفصل والوصل عملية تصنيف للسرد في نفيه وإثباته، عدم امتلاك الشجاعة والجرأة والخوف من الغضب والاعتقال وردود فعل المتشددين نفي للرد على من يطعن في القرآن، وهذا الرد إثبات. إذن النفي كفاصل والإثبات كواصل كلمتان دلاليتان لفعلين أساسيين، فعل تأويل القرآن من كل لسان وليس من لسان جماعة خصها بعلم تأويله، وفعل القرآن نفسه على العقل عندما أوقع المسلم في محنة سرمدية.

الكابت الفكري
"نطالع النص القرآني التالي : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ، وأخر متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم ، يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ، سورة آل عمران آية 7 ، إذن القرآن الكريم أقر ابتداء أن فيه آيات محكمات أسماها أم الكتاب ! محكمات أي بينات واضحات الدلالة ولا التباس فيها على أحد من الناس ! ومنه أي القرآن الكريم آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم" (انتهى). يبدو هنا ما ندعوه "الفوضى المنظمة"، مقابل العقل المنظم، ونحن هنا لا ننتقد القرآن الكريم، بل نثني عليه، فهو يميز بين آيات محكمات وآيات متشابهات، وهذا شيء طبيعي لكل كتاب اللغة فيه وسيلة نقل للفكر، لكنه –أي القرآن- يتدخل ككابت للفكر، لأن من هم في قلوبهم زيغ هم الذين من المفترض أن يجادلوا فيه الآيات المحكمات قبل المتشابهات، ويكرسوا فوضاه المنظمة كفوضى للجدل الحر، فيكرس عدم الفوضى، يكرس عدم الجدل، فالتأويل لا يعلمه إلا الله، هذه القوة الإيديولوجية التي يتراجع أمامها أصحاب الفكر، فما بالك غير أصحاب الفكر، ليدعوهم بالراسخين في العلم، بينما هم أبعد ما يكون عنه.

الهذيان اللغوي
"لكن لاحظ معي التالي – يقول القحطاني- : 1 - اختلف السلف في المحكم والمتشابه !! فبعض الصحابة قالوا المحكمات ناسخه ، وحلاله وحرامه ، وحدوده وفرائضه ، وما يؤمر به ويعمل به ، وقال ابن عباس رأي آخر : المحكم في قوله تعالى : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا. .. ، أي الآيات 151 و 152 و153 من سورة لأنعام !! ، 2 : - أيضا اختلفوا في المتشابه !! فقال بعضهم : إنهن المنسوخة ، والمقدم منه والمؤخر ، والأمثال فيه والأقسام ، وما يؤمن به ولا يعمل به !! ، وقيل هي الحروف المقطعة في أوائل السور ، 3 : - وما يعلم تأويله إلا الله !! و الراسخون في العلم !! طبعا كالعادة اختلف القراء في الوقف عند إلا الله ، وبالتأكيد مثل هذا الخلاف له ما له وعليه ما عليه" (انتهى). هذا المقطع يشي بما فيه من هذيان لغوي، ولا حاجة بنا إلى تفصيله، تبريره، أو تفنيده، لا تورية فيه، ولا تجنيس، أو جناس، والجناس هو تشابه كلمتين أو أكثر في اللفظ، وهنا الألفاظ كلها واحدة وإن اختلفت المواقف في المُحكَم وفي المُتشابَه، هناك تسطيح لا أكثر، تسطيح يقيد المعاني، ويفقدها في نهاية المطاف فحواها، لهذا يكون "الوقف عند الله"، كقوة إيديولوجية كما قلنا، كقوة إيديولوجية مريحة لمن يهذو.

من قوة إيديولوجية إلى قوة سياسية
سنرى في المقطع القادم كيف يغدو الله في السماء كقوة إيديولوجية، الله على الأرض كقوة سياسية، وسنرى كذلك أن هذه القوة السياسية لن تكون إلا بتغييب القوة الفكرية، العقل، فدون تغييب القوة الفكرية لن تكون هناك قوة سياسية، لن تكون هناك قوة إيديولوجية، وهذا يعني كذلك قوة فكرية لغير العقل، لكتبة الحاكم ووعاظه –كما سيجيء في النص- وقوتهم الفكرية ستقوم على "الفوضى غير المنظمة" باسم الفوضى المنظمة للقرآن ويا للمفارقة، بعقلهم المنظم، فالعقل المنظم ليس حكرًا على أحد، واستغلال القرآن الكريم بكل الطرق لمصلحة الحاكم والحكم كاستغلال وسائل الإعلام اليوم لتسويق الكوكا كولا، فوسائل الإعلام هي القرآن، والكوكا كولا هي الحاكم : "لكن مكمن المشكلة ليست في تعدد التفاسير !! أو الأقوال والآراء !! ، المشكلة الحقيقية في الاستغلال السياسي والتوظيف !! والأخطر في الأمر محاولة تغييب العقل رغم ما ورد من آيات كثيرة في القرآن الكريم تحض وتدعو إلى إعمال العقل والتدبر !! بل إن الحاكم المسلم لم يستغل وحده القرآن الكريم قدر ما استغله وعاظ سلطانه طوال تأريخ الإسلام !! ، وبالطبع المحكم إياه و المتشابه !! العجيب في الأمر أن العام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ لا يأتون بذكره أبدا في مواضع البيعة والطاعة والخضوع للحكام ، أو في أحكام الدعوة والجهاد الآني في عهد البعثة وحدها !! لم يأتوا بذكرها في آيات القتال كلها والتي قيد مطلقها بآية ولا تعتدوا على سبيل المثال !! وفي ما يسعك وما تشاء قياسه ولا حرج ، وعليه فإني أجزم أن القرآن الكريم كان ضحية الاستغلال والتوظيف السياسي ، ومن كثير من العلماء والفقهاء لمنافع ومغانم شخصية وعلى حساب البسطاء والعامة من المسلمين ! ولما لا وهم ابتداءً جعلوا أنفسهم الخاصة !!" (انتهى). لهذا –نستنتج- مثلما كانت وسائل الإعلام في وقتنا ضحية الاستغلال والتوظيف السياسي كان القرآن كذلك، في وقته (السلف) وفي وقتنا (الخلف)، لمنافع ومغانم الخاصة على حساب العامة. وفي فوضاهم المنظمة، تصبح مفردة الخاصة تورية لمفردة العامة، كهذيان لغوي، وذلك لأن كاتب السلطة الكفء يتقن جيدًا استعمال الجناس في غير محله.

بنية سلطة السلف وبنية سلطة الخلف
كما سنرى في المقطع القادم، يحاول القحطاني تبسيط كلامه بالتدليل العقلاني على مسائل كثيرة بائدة، كنشر الإسلام بالسيف، لم تعد تطرحها دول كثيرة، وجعلت من سلطة السلف أداة فصل لسلطة الخلف، غير أن داعش وبوكو حرام تعيدان توزيع أوراق اللعب القديمة، وتجعلان من سلطة السلف أداة وصل لسلطة الخلف: "وللتدليل العقلاني البسيط على كلامي فإننا نرى أن جميع الدول العربية والإسلامية لم تعد تطرح مسائل كثيرة ومنها على سبيل المثال نشر الإسلام بالسيف والقوة ، أو تحلم بالتوسع والغنائم أو اقتناء العبيد والسبايا وملكات اليمين والإماء !! ، بل اليوم نرى تنظيم دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام هو من يرى ذلك !! وكذلك منظمة بوكو حرام ، وبالطبع غير هذين التنظيمين الإسلاميين تنظيمات أخرى ، لأن مطمحها الحكم والسلطة والتوسع كسلفهم في القرون الغابرة والماضية" (انتهى). الدلالات كثيرة في البنيتين، بنية سلطة الخلف وبنية سلطة السلف، وهما تتواصلان في نفس الوقت الذي تنفصلان فيه، لنخرج بالدلالات إلى رأي شخصي للقحطاني: "وفي رأيي الشخصي بعد سنوات طويلة من الدراسة والبحث في العلوم الشرعية الإسلامية أقول : لو سلم القرآن الكريم من هوى تفاسير وعاظ بلاط السلاطين وكل مفتي ضال لكان الإسلام وأهله بخير اليوم ، وأيضا آيات الجهاد والقتال الآني في عهد البعثة لو لم تسقط في كل عصر وأوان ومكان ، لم نكن اليوم نتجرع مرارة إرهاب المتطرفين" (انتهى). وإلى نصيحة للقحطاني: "ونصيحتي للعقلاء والإنسانيين من المسلمين والإسلاميين أن يمعنوا ويتمعنوا مطولا في علم أصول الفقه وخاصة في أبواب العام والخاص والمطلق والمقيد لكن بتجرد وحيادية وأن يبتعدوا عن الإسقاط لغرض الاستغلال والتوظيف ، ولعمري إن هذه الأبواب وحدها كافية لتخليص الإسلام من كل سوء طاله من المستفيدين من المسلمين حاكمين ومحكومين ومن غيرهم !!" انتهى). وإلى جزم للقحطاني: "وأجزم بالتمعن بمثل هذه الأبواب سيخرجون بخطاب ديني إسلامي عصري ومتمدن وحضاري ينهض بمجتمعاتنا العربية والإسلامية ودون إثارة غضب من غيبة عقولهم دهرا طويلا ، وسيطهر عقولنا من دنس ما يخالف إنسانيتنا" (انتهى). الرأي والنصيحة والجزم متعددة المعاني ككلمات هي في نفس الوقت دلالات، باستقلال عن سياقاتها، وهي لذلك تصبح العناصر المرجعية للمقالة، فلا نسمع غير صوت القحطاني، و "دكتاتورية" كلماته، وهذا شيء ماشٍ في المقالة كنوع سردي.

انطباق الفاصل والواصل
ينهي عبد الله مطلق القحطاني مقالته بالملاحظة التالية: "محنة القرآن الكريم اليوم مع الخلف أشد وأنكر وأنكى فهؤلاء المتخلفون صدعوا رؤوسنا بالإعجاز العلمي والعددي الخ !! وكأنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل من الصحابة والتابعين والسلف !! أو وفقوا إلى أمر في القرآن الكريم غفل عنه صاحبه ! والمصيبة جمعوا ترهاتهم مع ما قلته آنفا بشأن سلفهم" (انتهى). هنا ينطبق الفاصل على الواصل، السلف على الخلف، الماضي على الحاضر، الدلالات على المعاني، هذا ما تعنيه في هذا السياق مفردة "ترهات".

يتبع قحطانيات15