بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل السابع2


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5243 - 2016 / 8 / 3 - 16:00
المحور: الادب والفن     

كانوا سعداء، وكانوا بسطاء. تركهم عبد السلام يفتحون قلوبهم.
- أنت تعلم، أبو فريد، قال الأبيض، أنني أحببتها طوال الوقت، وهي تعرف، دون أن أقوله لها.
- إنه حب غريب، همس أبو فريد.
- أمي هنا، اسألها، تقل لك.
علت أمه في قلب الخندق مثل سنديانة، ونحن المقاتلون، كنا نجد عافيتنا في ظلها. قال لنا عبد السلام إن هذه المرأة لم تكن من لحم ودم. كان يراها كخيمة كبيرة، وأحيانًا ككوبة من النجوم القاتمة. كانت تخيفه أم الأبيض في الوقت الذي كانت فيه تستهويه. كان يريد الاحتماء في ظلها وفي الوقت نفسه كان يريد التخلص منها بتسليمها إلى أيدي الأعداء.
قالت لابنها:
- أبو أرز كان يعلم أيضًا، لهذا رماك في الحبس. كان يعتقد أنه يدمر الحب الذي تكنه لها، على أمل أن تقع في حبه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!
رفعت يدها باتجاه فتحة يحاول المهاجمون التسلل منها إلى المخيم.
- انتبه، هناك، يا أبا فريد! صاحت. اضربي، يا فريدة! اضرب، يا أبيض، من أجل كل ما هو أسود! سلم الله يدك، يا أحمر!
أحضرت الذخائر.
- أنت كنت تعلم، قالت لابنها، هم لا.
- نعم، كنت أعلم، رد الأبيض.
- كان أخوك يحبها أيضًا، كان يحبها على طريقته، ولم يُقلق هذا الحب أبدًا أبا أرز.
وتوجهت إلى عبد السلام، إلينا:
- لم ير المعتصم فشكة في حياته، المسكين! ذبحوه! جنى على نفسه بنفسه. أَبِيَّة كذلك ستجني على نفسها بنفسها. الاسم الحقيقي لأخيه "المستقيم"، ولأخته "المسالمة"، فاسم الواحد منا يمليه علينا سلوكنا. أما الأبيض... فأنتم تعرفون حكايته.
قال الأبيض بين صَلْيتين مزهوًا:
- وتعرفون كلكم اسم حبيبتي!
- حبيبتك اسمها غزة، قال أبو فريد. هذا الحب الغريب!
- وأنا أقاتل من أجلها، عاد يقول مزهوًا.
- وأنت تقاتل من أجلها.
قفز الأبيض نحو الذين كانوا قد نجحوا في التسلل إلى المخيم، ورشهم، وأمه لا تتوقف عن الصياح:
- انتبههههههه! انتبه إلى نفسك، يا أبيض، من أجل حب غزة!
ما لبث الأبيض أن عاد، وبطرس يغطيه، وعبد السلام يغطي بطرس. كان بطرس طوال الوقت صامتًا، وكان يَدْعَم فريدة دون أن يفوه بكلمة.
- كل شي تمام، يا الأحمر؟ سأله القائد الفلسطيني.
لم يجب.
- وأنت، فريدة، لماذا لا تتكلمين؟
- لا تستطيع تصديق أن أختها توجد فوق مع الكتائب، قال أبوها.
- أخوك عدوك، رمت أم الأبيض.
كان صوتها يخلو من كل انفعال.
- اليوم لا عجب في هذا، أضافت .
حملت قاذفة صواريخ على ظهرها، وتابعت:
- كل شيء ممكن في هذا العالم البشع. أمس كاليوم، دومًا ما كان هناك الأخوة الأعداء. نعم، من الممكن أن يكون هناك واحد من لحمك ودمك عدوًا، واحد من دينك، أو من مدينتك. أنا، لم أصنع أبنائي هكذا، لكنها الظروف التي تصنع البشر.
ارتفع صوت أم الأبيض عاليًا، مما كان يعني أن المعارك قد فقدت حدتها، هذا الصوت الذي كان يَلْحُمُنا في الهدوء وفي الصخب. كان كلام أم الأبيض يرن في آذاننا بلا كلل، وكان عبد السلام يفكر في أبي الدميم، في أبي أرز، في أبي المشارق، في كمال الدرزي، في تقي الدين. كان يتخيل نفسه في كل العواصم العربية، في غزة، في القدس، في دير ياسين.
- حتى في دير ياسين، كان هناك أخوة خانوا، ختمت أم الأبيض. أما عنا، فنحن متحدون على اختلافنا.
حقًا كنا سودًا وبيضًا، لكننا كنا نقاتل معًا. وحقًا كذلك كنا نقاتل لمصلحة مشتركة، ما عدا عبد السلام الذي كان يقاتل فقط لمصلحته. كلما هدمنا عمارة، كلما قتلنا ميليشيًا، كان عبد السلام يقترب قليلاً من الهدف الذي رسمه لنفسه. اليوم، ضد مدن الصفيح والموت، وغدًا، لأجل ناطحات السحاب والحياة. أخفى ابتسامته بيد، وترك بطرس يوضح لأبي فريد:
- من الممكن أن تكون أخت فريدة الشقيقة والعدوة، حتى أن من الممكن أن تكون قاتلتها، لو كانت هذه مصلحتها. لا علاقة لهذا بالدم أو بالدين. يكفي أن تلقي نظرة من حولك في تل الزعتر، كل الجنسيات وكل الأديان تقاتل. إلا أننا نعمل كلنا طرفًا مما تدعوهم الجرائد "المسحوقين". لماذا؟ لأن لنا مصلحة مشتركة. ليس هناك سوى أبي أرز من يقول المسلم يقتل المسيحي والمسيحي يقتل المسلم. هذه واجهة الصحارة، ما في داخلها، شيء آخر: أن لا يحق للأبيض حب غزة، وأن يُحْكم عليه بالبقاء منفيًا كل حياته. أن لا يحق لي حب بيروت، وأن يُحْكم عليّ بالبقاء ميتًا-حيًا كل حياتي. أن لا يحق لفريدة حب الجنوب، وأن يُحْكم عليها بالبقاء مصلوبة أمام حبها.
تأوه أبو فريد عميقًا:
- آه! يا ولدي. علمونا أشياء تكرهها قلوبنا لكنها تغلغلت في عقولنا.
من جديد، عادت المعارك على كل الجبهات. كان عبد السلام ينظر إلى دمار بيروت بعين الرضى، ويحثنا على مواصلة قَنْبَلَتِنا لمواقع أبي أرز، على دفعه إلى التمترس في البنايات المقابلة كي نهدمها واحدة بعد واحدة.

يتبع...