وماذا لو كانت داعش؟


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4993 - 2015 / 11 / 22 - 14:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أوجه ندائي الحار إلى الناشرين والممولين لنشر الكتاب الأداة التثقيفية "المشروعان مشروع التنوير ومشروع الدولة" بعشرات آلاف النسخ، وتوزيعه في جميع بلدان العالم العربي...


أولاً
إذا كانت داعش هي التي ارتكبت مجزرة باريس، في هذه الحالة نحن لا يهمنا كيف بقدر ما يهمنا لماذا، لماذا المجزرة؟ لماذا الدم في باريس اليوم وفي باماكو وأمس في أنقرة؟ لماذا لا يتوقف رئيس الوزراء الفرنسي عن ترداد مجازر أخرى قادمة، وفي بروكسل ينتشر الجيش في كل شوارع العاصمة؟ لماذا كل هذه المجازر السابقة والأخرى اللاحقة؟

ثانيًا
عندما يدمرون بيتك قريتك مدينتك ويكون لك الخيار بين الموت والفرار من الموت، فهل ستشكرهم على ذلك؟ هل ستقول لهم دمرتم بيتي قريتي مدينتي حسنًا فعلتم؟ قتلتم أطفالي سلامة أطفالكم؟ هل ستشد على أياديهم مرحبًا بالقاتلين؟ في وضع فاجعي يصبح الدين –أنا هنا لا أتكلم عن داعش أتكلم عن الإنسان العربي- ذريعة لفعل كل ما هو مشين، حجابًا لإخفاء كل ما هو شنيع، برنامجًا لارتكاب كل ما هو فظيع، وليس لأنني متدين أو غير متدين، فالمفجوع تدفعه فاجعته إلى ارتكاب فواجع مماثلة ولا يدفعه دينه، وهو بقوتها يتصرف، يكون سلوكه، قوة تدميرية لكنها في الوقت نفسه وجودية، تحت مبررات إعادة بناء بيته قريته مدينته باختصار إعادة بناء حياته يريد تدمير الحياة.

ثالثًا
عندما يرفضون كل الحلول السلمية ويواصلون مخططاتهم الجيوسياسية والجيوعسكرية والتي هي تقطيع جسد الوطن العربي، تمزيقه، تفتيته، سحقه، وتحويله إلى دويلات طائفية، وبين الهنا والهناك، شن حروب تدميرية تدفع ثمنها السعودية وقطر وبلدان الخليج –والجزائر فلا أحد يتكلم عن الجزائر والقاعدة العسكرية الأمريكية في الجنوب قاعدة على كفلها- تدفع ثمنها الجزائر وبلدان الخليج وقطر والسعودية مليارات تشغل أمريكا وباقي الدول الغربية مصانع أسلحتها وكل المصانع الأخرى الملحقة بتصنيع أسلحتها، وترفد اقتصادها رفد الحائط في الوول ستريت لتحول دون أزمة قادمة ساحقة ماحقة، على حساب مجتمعنا، على حساب اقتصادنا، على حساب لقمة العيش عندنا، لن أقول ثقافتنا وتقدمنا وحضارتنا، فهل ستشكرهم على ذلك؟ هل ستقول لهم أفرغتم خزائني حسنًا فعلتم؟ نهبتم ثرواتي هنيئًا لكم؟ هل ستشد على أياديهم مرحبًا بالمقَطِّعين لوطنك؟ في وضع فاجعي تصبح الوطنية –أنا هنا لا أتكلم عن داعش أتكلم عن الإنسان العربي- ذريعة لتأكيد الأنا، وليس لأنني عربي وأنت فرنسي أو أمريكي أو بريطاني أو بلجيكي أو تركي...، فالمفجوع يواجه كل هؤلاء على اعتبارهم الآخر المعتدي المقطِّع لأوصاله وأوصال بلده، وعندما يواجه الأخطار المحدِقة به يكون كمن أغشى الله على بصره، فلا يفرق في الآخر بين معتدٍ وغير معتدٍ.

رابعًا
عندما يعملون من داعش –أنا هنا أتكلم عن داعش- قوة أخطبوطية إلهية جبارة، كما هي عادتهم مع القاعدة مع العراق مع كوبا في الماضي، تصل أصابعها إلى كل مكان في العالم لتبرير قوتهم الأخطبوطية هم الإلهية الجبارة، عولمتهم العسكرية، سطوتهم على العالم، وبالتالي عولمتهم الاقتصادية القائمة على الحربين الحرب الميدانية عندنا والحرب النفسية عندهم –يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري "نحن مكيّفون أَدَوِيًا من طرف الكل"- ليُحْكِموا قبضتهم على شعوبهم ومقدرات شعوبهم قبل شعوبنا ومقدرات شعوبنا، فتكون المجازر المرتكبة بأية داعش كانت أو بأية قوة أخرى باسم داعش، مجازر يذهب ضحيتها الأبرياء: أول أمس في أنقرة، أمس القريب في باريس، اليوم في باماكو، غدًا في بروكسل أو في أية عاصمة أوروبية، فهل الغرب الرسمي بريء ومجزرة باريس كما لو كان هو الذي ارتكبها في حق الأبرياء من الباريسيين؟ لماذا كل هذه المجزرة الإعلامية في حق كل شعوب العالم وأولها الشعوب الغربية؟

خامسًا
داعش تنظيم فاشي كحماس أوجدوها – ليس أنا من يقول هذا الوثائق والتصريحات التي تؤكد ما أقول لا تعد ولا تحصى- لغايات سياسية خسيسة، وهي ستبقى حتى ينتهي الدور المرسوم لها، فإلى متى؟ جِراح العالمين العربي والعالمي فاقت الحدود، والحل السياسي ممكن غدًا، ممكن اليوم، هذه اللحظة، المليارات التي تنفق للهدم، سنداوم على إعطائها لأمريكا وللغرب، ولكن للبناء، بناء سوريا، بناء العراق، بناء الدولة الحُلم دولة غزة ومعان، هذا المشروع الهائل الذي ينهل من الذكاء والنظريات كوسائل للعمل، والذي لو تم تنفيذه لتغير وجه المنطقة، لتغير وجه العالم، مع دوام فتح حنفيات النفط لهم ولنا، لاقتصادهم ولاقتصادنا، لتقدمهم ولتقدمنا، بلا مجازر تُرتكب عندهم وعندنا، بلا دموع تذرفها أمهاتهم وأمهاتنا، بلا فواجع لإنسانهم وإنساننا، دولة غزة ومعان تحت الشرط الفاجعي للجميع، لهم ولنا، تخرج من الحُلم إلى الواقع في 24 ساعة.

***

لكن أهم ما في فكرة الدولة هو إمكانية تحقيقها وممارستها في الحياة اليومية لكلٍ منا... الحلم بدولة الإنسان التي تحفظ كرامة الإنسان، هو حلم يراود الأذهان، وسوف يحققه المضطهدون والمقموعون ...

قاسم حسن محاجنة