التنوير2: أركان التنوير


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4880 - 2015 / 7 / 28 - 10:46
المحور: الادب والفن     

العلم والثقافة
اعلم أن كل حركة للتنوير لا بد أن تمضي بإعتاق العقل الإنساني من كل ما هو لاهوتي، واسترقاقه بكل ما هو عقلاني، والاسترقاق في هذا السياق يأخذ معنى المعرفة التي لا حدود لها، فهل هناك أنوارٌ للمعرفة في العالم العربي؟ في الواقع هناك أنوار للمعرفة في العالم العربي باهتة، طغت عليها أنوار للامعرفة، فأضاءت –نعم أنوار اللامعرفة تضيء بسوادها- هنا وهناك تحت أشكال في الدين والسياسية لا في العلم والثقافة، لهذا فكر الأنوار في عصرنا العربي سيقوم على العلم والثقافة، دونهما ستجد قوى الفساد بين ظهرانينا مرتعًا، وعلى العكس، بهما سيكون النمو الاقتصادي عمادًا، الاقتصاد في تنوعه، وفي تنافسه، ومع التنوع الاقتصادي والتباري تكون الشركات، وتكون الأشغال. وبكلمات جازمة أقول إن العلم والثقافة يبدأ الواحد والآخر خارج قاعات المدارس والجامعات، وذلك بنشر الفكر الإيجابي لا السلبي في النفوس: أينما ذهبت تقرأ ما هو مهين للنفس، نحو ما توجهت تُواجَه باليأس والإحباط. إذن على كل واحد منا أن يبدأ بنفسه لا بغيره، الكاتب كالقارئ، المعلم كالطالب، العامل كزارع القمح، البحار كصائد السمك، السائق كمتسلق الجبل، قبل أن تكون هناك إصلاحات في ميدان التربية والتعليم، وقبل أن تُكَرِّس العادة العلم والثقافة في حياتنا.

الرأي العام
أنت الرجل الجديد في رأسك قبل أن تكون في بيتك أو في مكتبك أو في دكانك أو في شركتك أو في معملك أو في مزرعتك أو... أو...، بهذه الطريقة البسيطة، البسيطة جدًا ينتشر التنوير من باب إلى باب، ومن حارة إلى حارة، ومن درب إلى درب. أمام الماكينة الهائلة لإسقاط الروح، لا بد من الروح النقدية، وإعلاء الروح. عندئذ يكون الرأي العام أكثر جذرية وأكثر تنويرية، لا يبلع كل ما يقال، وكل ما يقال يصبح في موضع شك وتساؤل. وحتى لا يقع الرجل الجديد في مطب كل ما هو محير لروحه، يكون من واجب الأقلام المتنورة أن تأخذ بيده، باللين حقًا، ولكن بالشدة لو احتاج الأمر، فلا تكفي الإدانة لتريح روحك، وإنما تفنيد الإدانة، ولا تكفي الورود بعد نزع الشوك عنها، وإنما قطع أعناقها لو احتاج الأمر. في حالتنا يجب التوقف عن ترديد أن العهر في كل مكان من حولنا، وإلا اعتاد الرأي العام عليه، العهر في كل مكان من حولنا، لكن هناك عهر نَيِّر –تحت كل مترادفات العهر وخاصة من هم من ورائه: سلطويون وبطريركيون ومازوخيون ومصاصو دم ومبتزون وجيفيون وهراطقة مال وأنذال بورصة ومخططون استراتيجيون ومُهِوِّلون يضحكون ومهرجون لا يضحكون و... و...- كما أن هناك عقلاً نَيِّرًا، فأنا مع العهر النَّيِّر كنظام في وضع كوضعنا، إن كان في هذا النظام تقليص من حجم العهر السياسي، وتمديد من حجم الفعل العقلاني في المجتمع، إن كان في نظام العهر النَّيِّر اقتصاد أقل توقفًا على سعر البندورة، وأكثر تطورًا مما هو عليه عند ابن عمنا الإسرائيلي.

الاقتصاد
أنت تعرف دون أن أقول لك أن كل اقتصاد قوي يريد أن يساير زمانه يقوم على العلم، وفي بلادنا اقتصادنا يديره صندوق النقد الدولي، والسماسرة في الغرب، وهذا الكلام لا يعني الصومال –لا تنس أن الصومال دولة عربية، ولا موريتانيا. كيف؟ موريتانيا دولة عربية!- هذا الكلام يعني قطر والإمارات والكويت والبحرين والسعودية التي هي من أغنى البلدان في العالم، ولا بد إذن من التحرر من هؤلاء السماسرة للقيام بإصلاحات في كل الميادين التي لها علاقة بالاقتصاد، النمو النَّيِّر يستوجب هذه الإصلاحات، فلماذا الإصلاحات؟ لتجد لك مكانًا تضع فيه قدمك في بلدك أولاً وفي العالم ثانيًا، لأنك إن لم تخلق في بلدك الشروط الجديدة لاقتصاد قوي منفتح على داخل بلدك قبل أن يكون منفتحًا على خارجه، فلن ينجح اقتصادك، ولن تكون العلاقة بين الداخل والخارج علاقة ديناميكية، لأن العلاقة في أساسها ديناميكية بين الداخل والخارج، الخارج هنا لا يصبح السماسرة في الغرب ولا صندوق النقد الدولي، الخارج هنا يصبح المعارف التي اكتسبها الغرب في الاقتصاد، استثمار الغرب لا سمسرته، والتبادلات الدولية على كافة أنواعها، لا التجارية فقط. هكذا تزداد الإنتاجية، هكذا يدوم النمو الاقتصادي.

الحرية
أنت حر بطبعك أم بتطبعك؟ سؤالي هذا يبحث عن النقاط المعتمة فيك، فأنا لا يهمني ما تأكله كل يوم –إن وجدت ما تأكله- ما يهمني ما يأكل روحك، ما يتأكلك من داخلك دون وعي منك، الحرية كما تمليه عليك رغباتك التي لا تعلم ما هي، رغبات شيطانية ربما، لكنها تنعم بكل حرية و... دومًا دون وعي منك. والآن بوعي العقل، وبإملاء من وعي التنوير، يكون الجواب على سؤالي عن الحرية بنظام يضيء النقاط المعتمة فيك، بإملاء وقسوة هذا صحيح، يقمعان فرديتك، ولكن لضرورة، تحت حجة صالح الحكم تارة والصالح العام تارة، إنه النظام الديمقراطي، وعلى أي حال إنه النظام الأفضل بين كافة الأنظمة، نظام بدأه الإنجليز في الأيام السالفة، ولم يزل جديدًا في الأيام الحالية، فأنحِ باللوائم عليهم إن لم يعجبك: الحرية تكون في مملكة معتدلة تنفصل فيها السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. في السعودية، هذا حلم من الأحلام، لكنه ليس حلمًا من المستحيل تحقيقه، وفي الحالة السعودية تتوقف الأمور على الظروف، والظروف لم تعد اليوم تتباطأ كما كانت عليه في الماضي: العمل من مكة "فاتيكان إسلامي" يجمع كل رجال الدين في المملكة بشتى أصنافهم يحافظون فيه على امتيازاتهم، حماية الملك للقانون، احترام ممثلي الأمة للملك. هل يكفي هذا الحرية بالطبع والحرية بالتطبع؟ هل يكفي هذا الحرية، الحرية بلا زيادة، فقط الحرية؟ هناك حقوق يعرفها المجتمع، وهناك حقوق لا يعرفها سوى صاحبها.


يتبع التنوير3