عساكر الفصل الثالث عشر


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4862 - 2015 / 7 / 10 - 12:39
المحور: الادب والفن     

في الكرملين، كان بوت-بوت، بوجه الطفل، والنظرة العطوفة، والابتسامة الخجولة –للدكتاتوريين الأكثر دموية سحنة طفلية- يترأس مجلس حرب. ارتدى هو وكل مستشاريه الألبسة العسكرية، وهم يقولون إنهم ضد الحرب في العراق، ويتحدثون عن أحسن الطرق لمواصلة الحرب في شيشينيا.
- أبيدوا، أبيدوا، أبيدوا، ردد بوت-بوت بدم بارد طبيعي. إنها الكلمة الرئيسة، رفاق. امحوا شيشينيا من الخريطة.
- فقط من الخريطة؟ سأل وزير الدفاع بسحنة حائرة.
- أعنى من سطح الأرض.
- أي أرض، رفيق؟ سأل وزير الدفاع من جديد. الأرض الروسية أم الأرض أجمع؟
- الشيء نفسه، رفيق، أفلت قائد الجيوش.
- إذن أنا لست موافقًا، رفيق، عاد وزير الدفاع إلى القول. أنا لن أضحي بشبر واحد من أرض روسيا.
- شيشينيا ليست جزءًا جزءًا جزءًا من روسيا، رفيق، أوضح بوت-بوت بابتسامة ملائكية، إذن يجب محوها من الخريطة.
- إذا كان محوها فقط من الخريطة، أنا موافق، رفيق، قَبِلَ وزير الدفاع بالأمر.
- من الخريطة، رفيق، يعني من الأرض، أوضح قائد الجيوش.
- إذن أنا هنا لست موافقًا، عاد وزير الدفاع إلى القول. الأرض روسيا، رفاق! أتذكّر الآن ما كان يقوله الرفيق ستالين: كل الأرض حمراء، كل الأرض الاتحاد السوفياتي.
- لكن لم يعد هناك اتحاد سوفياتي، رفيق! قذف قائد جيش المشاة.
- أنت تمزح، رفيق؟ استغرب وزير الدفاع. منذ متى؟
- ليس لما كان بوت-بوت موظفًا في البلدية. كان ذلك بعد دخوله في الكي جي بي.
- هذه الفترة لا حساب لها عندي، لي الاتحاد السوفياتي دومًا، رفيق. ولن أتقاعس عن واجباتي، ولا عن حقوقي. من جهة أخرى، نصف الحقول النفطية في سيبيريا تخصني.
- النصف الآخر لي، رفيق، تدخل بوت-بوت بصوته الناعم. وعليك أن تفعل كل شيء لمحو شيشينيا من الخَ... أريد القول من شيشينيا.
- إذا كان الأمر محو شيشينيا من شيشينيا، رفيق بوت-بوت، تستطيع الاعتماد عليّ، قال أخيرًا وزير الدفاع. لكن محو شيشينيا من الأرض، ف "نييت". لأن كما كان يقول الرفيق لينين...
- ستالين، قذف رئيس الوزراء الروسي الذي يتثاءب منذ بداية الجلسة ولا يرغب في الكلام.
والآخر:
- كل الأرض حمراء، كل الأرض الاتحاد السوفياتي. يمكنك الاعتماد عليّ، رفيق بوت-بوت. والعراق؟
- ماذا العراق؟
- أنت لا تريد محوه من خريطة روسيا؟
- لا، المقصود للعراق الخريطة الأمريكية.
- إذا أردت، رفيق، أن أمحوه من أرضهم، وأحسن منهم، ما عليك سوى أن تقول لي، فأفعله بكل سرور، رفيق، لا شيء إلا لأزعجهم، هؤلاء الرأسماليون الأمريكيون الخراء.
- اترك لهم هذا العمل، رفيق، قال قائد الجيوش، العراق جزء منن أرضهم، سيسحقونه أفضل من أي واحد.
- كما تشاء، رفيق.
- ولهذا السبب لن تقصف أساطيلنا إلا شيشينيا، قال أميرال البحرية.
- لأن شيشينيا جزء من أرضنا، قال وزير الدفاع. فجأة، عاد إلى القول: لكن الرفيق لينين...
استيقظ رئيس الوزراء قليلاً:
- ستالين.
- أنت تخرينا مع لينينك وستالينك! وأنا، من أكون؟ رفيق الخراء، لا حساب لي عندك؟ قذف بوت-بوت، والابتسامة على شفتيه، هادئًا أكثر ما يكون الهدوء.
- بلى، بلى، رفيق بوت-بوت، لكن يلتسين مَنْ أُفَضِّل. هو، أورثك الرئاسة لتحميه. وأنا، هو مَنْ أُفَضِّل، رفيق، لأنه عندما نهب البلد، أخذ كل شيء ما عدا حقولي النفطية في سيبيريا.
- أنا من سيأخذها منك رفيق، لأن هذا الخراء يلتسين مفضلك. هكذا ستكون كل الحقول النفطية في سيبيريا لي، قال الرئيس، بأكبر ما يكون عليه من الهدوء.
- لكن رفيق بوت-بوت، هذا لا يجري بين مقاتلي الحرية ومعبودي الأممية.
وسمعوا صوتًا ناعسًا:
- معبودي قفاي، رفيق!
- نعم، رفيق رئيس الوزراء، معبودو قفاك، يا حبذا، بشرط أن يكون أحمر.
- إن لم يكن أحمر، رفيق، تَدَخَّلَ رئيسُ المخابرات، ليس هناك أكثر فعالية من القرع بالعصا.
- وزوجتك، كيفه قفاها، رفيق؟
- أبيض كله، رفيق رئيس الوزراء، لا أجمل. إنها روسية حقيقية، زوجتي.
- من المحال محوها من الخريطة، رفيق، قال وزير الدفاع.
- من؟ زوجتي؟
- قفاها، رفيق!
ثم، بينما عاد رئيس الوزراء إلى النوم، راح كل واحد من القادة يحكي عن صنائعه كرئيس لعصابة مافياوية.
- أنا، رفاق، قائد الجيوش وكل أوغاد المعدات الحربية.
- أنا، رفاق، وزير الدفاع وكل أوغاد الدعارة.
- أنا، رفاق، قائد جيش المشاة وكل أوغاد التهريب.
- أنا، رفاق، أميرال الأساطيل وكل أوغاد المخدرات.
- أنا، رفاق، رئيس المخابرات وكل أوغاد الصناعة.
استيقظ رئيس الوزراء، وكما يبدو لن يعود إلى النوم هذه المرة:
- وأنا، رفاق، رئيس الوزراء وكل أوغاد تجار النعاس.
- أنا، رفاق، قال بوت-بوت، رئيس الدولة وكل أوغاد الأوغاد.
- إذن بفضلنا، رفيق، قال وزير الدفاع، أنت تنتفع من دولة قوية، والأشغال تمشي جيدًا.
ورفيق هذا، ورفيق ذاك... كانوا كلهم أعضاء قدامى في الحزب الشيوعي، واضطلعوا بمسئوليات مهمة في الكي جي بي. بدلوا الموضوع، وراحوا يحكون عن الدولارات والنقود.
- كم تختلس من صناديق الدولة، رفيق؟ سأل وزير الدفاع رئيس الوزراء.
- بشكل شرعي أم بشكل غير شرعي، رفيق؟ سأل رئيس الوزراء بدوره.
- هل من فرق هناك، رفيق؟
- نعم ولا، رفيق.
- إن لم يكن سرًا من أسرار الدولة، قله لنا، رفيق. هكذا سننتفع به.
- بشكل شرعي، أختلس مليوني روبل كل شهر. أقول هذا لوزرائي، لكن في الواقع لي. وبشكل غير شرعي، مليونين آخرين كل شهر. أقول هذا لي، لكن لوزرائي.
- أنا، رفاق، بصفتي رئيسًا للمخابرات، وبالتالي لا يمكنني الخروج من الشرعية، أختلس كل ميزانية جهازي حسب الأصول. لهذا السبب، يستلم كل عملائي رواتبهم من السي آي إيه.
- أنا، رفاق، بصفتي قائدًا لجيش المشاة، أختلس بكل الشرعية الممكنة كل المساعدة المنصوص عنها لتفكيك الأسلحة النووية وتصليح المفاعلات. على أي حال إذا ما تفجرت الأرض، زالت روسيا ونحن معها، ولن يبقى أحد ليجري معي هذا النوع من الحسابات.
- أنا، رفاق، بصفتي قائدًا لكل الجيوش، أسرق عقولاً إلكترونية بكل شرعية، لأبيعها لمافيا السلاح، التي أديرها أيضًا. هذه المافيا نفسها تعيد بيع هذه العقول الإلكترونية نفسها للجيوش، وأقبض الثمن مرتين.
- أنا، رفاق، تدخل للمرة الأولى شخص صغير جدًا، سمين جدًا، أختلس كل المساعدة المخصصة لبناء المحطة الفضائية الجديدة لأنني ضد: أرض روسيا كبيرة بما فيه الكفاية لنا جميعًا. فليفطس رجال فضائيينا والآخرون، الأمريكيون أولهم! عوضًا عن ذلك، أنا مع تقوية أسطولنا الجوي للحيلولة دون أي هجوم من البلدان الصغيرة كالصومال أو جزيرة موريس مثلاً. وبما أن هذه البلدان لن تكون لهم الوسائل للاعتداء علينا، كل ميزانية أسطولي لي.
- وقفا زوجتك، رفيق؟ سأل رئيس الوزراء بصوتِ من استيقظ تمامًا.
- أتركه كله لك، رفيق، واعتن به، لأن عمره سبعون سنة.
- أفحمتني، رفيق!
- فيما يخصني، أمتلك بكل طيبة خاطر قفا زوجتك، رفيق، الثالثة التي لها عمر ابنتي الأخيرة. بالمقابل، أترك لك المتاحف، المكتبات، الجرائد، قنوات التلفزيون، دكاكين ومطاعم اللوكس، خيول السباق، القصور، البيوت الريفية...
- قف، قف، قف! صاح بوت-بوت. وأنا، أنت تنساني، رفيق؟
- لا، أنا لا أنساك، رفيق. لقد قلتَهَا منذ قليل: البلد في أيدي الأوغاد والأوغاد على حذائك. لقد سبق لك امتلاك كل شيء، رفيق، من أقفية زوجاتنا حتى الشياطين الشيشانيين.
- الشياطين الشيشانيون، رفيق؟ لفظ بوت-بوت بخوف طفل متروكًا في الظلام.
- كل الأرض حمراء، رفيق، حسب رفيقنا ومرشدنا ستالين، كل الأرض روسية. لهذا حتى شياطين هذا البلد المسلمون، الذين لا علاقة لهم بروسيا في شيء لا من قريب ولا من بعيد، هؤلاء الشياطين بطرابيش حمراء وجلابيب سوداء، الذين فروا أمام جنودنا الشقر، الجميلين والأقوياء، ليذهبوا للاختفاء عند الأمريكان، كل هؤلاء لك كذلك.
ورفيق هذا، ورفيق ذاك... شربوا الفودكا كالماء، فالفودكا معبودتهم، تسري في أوردتهم. رجعوا بعد ذلك إلى الأزمة العراقية، وقالوا مع صد-صد أو مع الأمريكان، نصف الحقول النفطية تبقى لهم لمائة سنة على الأقل. لكم هم أغبياء، هؤلاء الأمريكيون! سيعملون حربًا لامتلاك أقل من النصف، لأن من اللازم ألا ننسى اليابانيين. هنأوا أنفسهم للحصول على نصف احتياطي هذا البترول دونما حاجة لهم إلى إراقة قطرة دم واحدة. وعندما عادوا إلى حربهم في شيشينيا، ارتدوا سحناتهم الجادة، واختاروا ترك الأمريكان يقومون بحربهم في العراق طالما أنهم لا ينشعلون بإبادة الشعب الشيشاني. وعلى عكس حالة هؤلاء الأمريكان الأغبياء، لا أحد يرفع صوته ضد مذبحتهم: بحر من الدم يغرق هذا البلد الإسلامي فيه، وكل العالم، العالم الإسلامي في المقدمة، ينظر، ولا يعمل أي كابوس في الليل. هرب الشياطين بطرابيشهم الحمراء وجلابيبهم السوداء أمام تقدم الجنود الشقر، ووجدوا ملجأً عند الأمريكان، الوقت الذي ينهون فيه شغلهم في العراق. يا حبذا لو يكون طويلاً، لأن الجيش الروسي يخشى رجوعهم. صفق العساكر الروس للسلام، سبّحوا لستالين، أخطأوا أيضًا، وأنشدوا النشيد الأممي.


يتبع الفصل الرابع عشر