أخيرا عاصفة الحزم


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4764 - 2015 / 3 / 31 - 09:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     


بعد شهور من الانتظار بدهشة إزاء بطء رد الفعل السعودى والعربى والإيرانى والدولى، وبمخاوف قيام دولة حوثية فى اليمن تنقل القوة الإيرانية إلى قلب دول الخليج، وبصورة تهدد طريق باب المندب، والتجارة العالمية النفطية وغير النفطية، وإغلاق قناة السويس، وكذلك أمن المنطقة المعنية، جاء أخيرا رد الفعل وبقوة لافتة، وبمجموعة من النتائج العسكرية السريعة وجهت ضربات قوية إلى الفتح الحوثى بالتحالف مع الرئيس اليمنى الذى خلعته الثورة الشعبية اليمنية فيما كان يقمعها بوحشية.
ومن المعطيات السابقة، بكل نتائجها الخطيرة الممتدة، لا يمكن لعاقل، مهما كان موقفه من السعودية ودول الخليج، ومن السياسة المصرية الراهنة، إلا أن يستنتج أن التدخل العربى العاجل كان قد صار ضروة قصوى.
وإذا اتخذت الدول المعنية موقف اللامبالاة فسيكون معنى هذا أننا نتخذ موقف اللامبالاة إزاء مصير الشعوب العربية. حيث لا يمكن لعاقل أن يبنى تصوراته على هذيانات الفيسبوك الخفيفة الدم عند من يتذوقونها.
وكان المبدأ المستقر إلى الآن هو أن نواجه بكل قوة أىّ تهديد مباشر أو غير مباشر يتهدد دُوَلنا أو شعوبنا، ولا يمكن تفاديه بوسائل أخرى. ويعنى سقوط اليمن أو السعودية أو ليبيا دون شك سقوط مصر. ويتصور هؤلاء الساخرون أننا لا نملك دولة ينبغى أن نحرص عليها. فهم يرون أن انهيار دولتنا أو خضوعها هى وشعبنا لقروسطية الإخوان المسلمين أو إيران لا ينبغى أن يزعجنا. ذلك أنهم يتصورون أن حالتنا الراهنة لا تقلّ سوءًا عن حالتنا المحتملة تحت غزو إيرانى، لنا أو لمن حولنا.
ويعتقد مفكرو الفيسبوك هؤلاء أن الصراع يدور ضد دُولنا وليس ضد شعوبنا. وإذا كان الصراع يدور ضد شعوبنا فسيقولون إن شعوبنا محكومة الآن على كل حال بديكتاتوريات عسكرية أو پوليسية. فلا فرق بين أن تحكمنا هذه الديكتاتوريات أو أن تحكمنا ديكتاتوريات غيرها.
وإذا كان من الصعب أن نتصور أن جمهورية إيران الإسلامية ستحكمنا مباشرة، فإننا سنكون على كل حال خاضعين للنفوذ الإيرانى من خلال توابعها فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكل الأغلبيات أو الأقليات الشيعية التى تتلاعب بها إيران بزعم حمايتها.
أما إذا كان الصراع يدور ضد دولنا فسيكون هذا أدعى للتجاهُل التام لدولنا لأنه فى هذه الحالة سيكون الصراع ضد الدول التى تضطهدنا. ويعنى هذا فصلًا تاما بين الشعوب من ناحية والدول من ناحية أخرى.
فهل يمكن أن نتصور الشعب بلا دولة أو الدولة بلا شعب؟
والحقيقة أننا لن نتخلص من الدولة قبل انتهاء انقسام المجتمع إلى طبقات. ونحن لا نعلم كم من العقود أو القرون ستمرّ قبل أن نصل إلى المجتمع الخالى من الطبقات. ومع أن الدولة هى دولة الطبقة الحاكمة، فإن لها وظائف أساسية تَحُول دون أن يهبط المجتمع البشرى إلى غابة أسوأ من غابة الحيوانات.
وأنا لستُ مطلقا من عَبَدة الدولة. ولا أتعاطى تقديس أو تكريس الدولة، ولا يكون هذا إلا بإدراك واضح لوظيفة الدولة، وهى وظيفة مؤقتة بالمعنى التاريخى. ونحن نقاوم هذه الدولة والطبقة الحاكمة التى تمثلها فى سبيل ضرورات النضال السياسى والاقتصادى والاجتماعى للطبقات الشعبية وفى سبيل حقوقها وحرياتها فى حدود ما يمكن تحقيقه فى مجتمع طبقى. وهناك من يخلطون بين الدولة فى مفهوم القانون الدولى أو الدستورى، والدولة بالمفهوم الاجتماعى الطبقى. وتتهم الدول معارضى الطبقة الاجتماعية الحاكمة بأنهم يريدون تدمير الدولة والوطن، مع أنه لا أحد يريد تدمير الدولة بهذا المعنى الدستورى.
وإذا عُدنا إلى الأحداث الأخيرة فى اليمن فسيكون لدينا غزو حوثى مفاجئ منذ عدة شهور بالتحالف مع الرئيس الذى خلعته الثورة. وأخذ الغزو يتطور بسرعة ليشمل اليمن من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وكان غزوا همجيا واسع النطاق، إلى حد اعتقال رجال الدولة، ورفض كل عروض التفاوض والصلح. ولا يمكن بالطبع أن يجرؤ الحوثيون على هذا العمل الكبير دون اعتماد على الرئيس اليمنى السابق بحكم طموحه إلى العودة إلى السلطة بابنه، ودون اعتماد على إيران.
وكانت النتائج المحتملة خطيرة. وإذا التفتنا إلى المصلحة المصرية فإن انتقال القوة الإيرانية إلى قلب دول الخليج يمثل تهديدا مباشرا لمصر التى لا يفصلها عن المنطقة المعنية سوى البحر الأحمر. كما أن السيطرة الإيرانية على باب المندب والبحر الأحمر تعنى احتمال إغلاق قناة السويس ووقف التجارة العالمية، ويعنى هذا كارثة اقتصادية على مصر. أىْ أن مصلحة مصر هى المشاركة فى الحرب وليس فى تفاديها.
ولا شك فى أن هناك مخاوف من تورُّط مصر فى حرب مع اليمن فى وقت تواجه فيه حصارا حربيا من الغرب الليبى والشرق السيناوى والحمساوى والجنوب السودانى ومن الداخل المصرى. غير أن نتائج حرب اليمن يمكن أن تكون كارثة حقيقية. ولا مبالغة فى هذا فمن كان يتخيل هذه التطورات المفاجئة إلى جانب السيطرة الإيرانية على العراق وسوريا ولبنان؟ ولا مناص من الحرب لحماية الدولة والشعب.
28 مارس 2015