سوريا: ماذا بعد الجحيم؟


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4912 - 2015 / 9 / 1 - 08:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     


بلدان تعيش فى جحيم حروب أهلية مدمرة متداخلة مع حروب بالوكالة، وبلدان تعيش فوق براميل بارود تُهَدِّد بالانفجار، وبلدان تحميها ثروتها النفطية وقلة سكانها من حروب أهلية وشيكة ولكنها أطراف رئيسية فى الحروب بالوكالة، أهمها السعودية وقطر ومعهما تركيا مع الإسلام السنى، وإيران مع نظام الأسد العلوى.
ولأن الحرب بالوكالة تتداخل بالضرورة مع الحرب الأهلية، فإن مصالح البلدان "الموكِّلة" العربية والإقليمية والدولية وبالأخص أمريكا التقت بالمصالح "الوكيلة" ورسمت خريطة سياسية بالغة التعقيد لكثرة أطرافها، ولتداخلها مع مصالح أخرى، ولأنها عملية متغيرة لمصالح ومواقف مختلف أطرافها، إلى حدِّ أن يُحارب طرف خارجى "موكِّل" طرفا داخليا "وكيلا" من صنعه منفردا أو بالاشترك مع غيره. أَضِفْ إلى هذا أن محاربى الإسلام السياسى فى الحرب الأهلية ليسوا طرفا محليا بل هم محاربون إسلاميون قَدِمُوا من أربعة أركان الأرض.
كما أن هذه الأزمة المستعصية تمضى فى طريق الامتداد إلى تركيا وإيران وپاكستان وغيرها، بالإضافة بالطبع إلى أفغانستان التى توطنت فيها طالبان والقاعدة.
ولهذا ينبغى أن نُدرك أن منطقتنا تمرّ بأزمة مصيرية ومدمرة للمنطقة كلها، فى لحظة تاريخية بكل معنى الكلمة؛ أزمة أن نكون أو لا نكون.
وقد يبدو أن ظهور داعش كان سبب ما حلّ بنا وبالعالم كله، ولكن تنظيم الدولة الإسلامية داعش ليس سوى الوريث الطبيعى لمختلف تنظيمات الأصولية الإسلامية السياسية، وطموحها إلى أن تكون دولة خلافة إسلامية تركية سعودية سُنِّيَّة من جانب، ودولة إمپراطورية إيرانية خمينية شيعية من جانب آخر، وترمى كل دولة منهما، وبالطبع وكلاؤهما المحليون، إلى توظيف هذه الأيديولوچيا الدينية السياسية، سنية كانت أم شيعية، فى عملية تحقيق مصالح سياسية واقتصادية.
والحقيقة أن كل حل سياسى تفاوضى خدعة يفضحها الحل السياسى المطروح منذ عقود طويلة للقضية الفلسطينية، حيث يُدرك جميع هؤلاء الحكام المبشِّرين بالحل السياسى، وكذلك القادة الفلسطينيون، أن إسرائيل استولت فى حرب 1967 على باقى فلسطين وانتهى الأمر، ولا مجال لأىِّ حلٍّ من أىِّ نوع.
ويفترض كل حل سياسى تنازلات أساسية، ويتخذ شكل تقاسُم السلطة، فَمَعَ مَنْ سيتمُّ تقاسُم السلطة فى العراق وسوريا وليبيا؟ مع داعش التى ستنفرد بالسلطة بعد حين؟ ومَعَ مَنْ سيتمُّ تقاسُم السلطة فى اليمن؟ مَعَ الرئيس المخلوع، صالح، قائد الثورة المضادة هناك مستعينا بحلفائه الحوثيين بهدف استعادة السلطة إذا نجح فى هزيمة قوات المقاومة الشعبية التى تمثل الثورة لأنها تُقاوم استعادة النظام القديم، رغم أن هذا يحدث بالتحالف مع أحد امتدادات النظام القديم، هادى.
ويمكن الحديث عن الحل السياسى بالطبع فى حالة قوة كبرى كالولايات المتحدة وقوة تستمد قوتها "المتكافئة" من كونها تحارب فى مرحلة متقدمة من حرب "لا متناظرة" مثل ڤ-;-ييتنام.
وبعد أن كان التركيز على حل سلمى يستبعد الأسد فى أىِّ مرحلة، صار التركيز الآن على حل سلمى يستبعد الأسد، مع التسليم الإجماعى بدوره الراهن، والمقصود به ألَّا يؤدى إسقاط الأسد الآن إلى قيام دولة إسلامية داعشية لا يريدها أحد، وكان من الضرورى بالتالى تَرْك نظام الأسد والإسلام السياسى الداعشى يأكلان بعضهما البعض، بحيث يكون التخلص من الأسد وداعش بضربة واحدة، بالاعتماد على قوى سورية معتدلة مع أن هذه القوى بالغة الضعف الآن، وقد تحتاج إلى عقود لتصير قوة يُعتمد عليها. ومعنى هذا هو استمرار هذه الحرب التى تستعصى على الحلِّ.
ويرتكز العراق فى مقاومته لمشروع داعش، أىْ مشروع الخلافة الإسلامية للعراق وسوريا على الأغلبية الطائفية الشيعية، ويختلف بذلك عن سوريا التى يعتمد بقاؤها على موقف حلفائها القابل للتأثر بتداعيات الاتفاق النووى الإيرانى مع الغرب.
وفى العراق، دولة متماسكة تكمن نقطة ضعفها سياسيا وعسكريا فى طائفيتها، على حين يمثل الأكراد رغم كل شيء نقطة قوة أثبتت أهميتها. ويعتمد العراق على جواره الإيرانى ومع أن إيران تساعد النظام السورى أيضا فإنها لا تجاوره، وتتخذ تركيا المجاورة موقفا ضد الأسد، وهو موقفٌ مؤيدٌ للإسلام الداعشى بالضرورة.
وكلما أخذت تركيا فى اعتبارها كابوس قيام دولة داعشية فى سوريا، صارت مستعدة للحرب على داعش، رغم أولوية حربها على حزب العمال الكردستانى.
ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بمستقبل حرب متغيرة الأطراف والتحالفات والتطورات. ولكننا عندما نُدرك الطابع المستعصى لحلٍّ سياسى يضع حدًّا للحرب، أو لاحتمال قيام دولة داعشية فى العراق وسوريا، سنُسقط من حسابنا خدعة الحل السياسى.
وفى العراق وسوريا وليبيا واليمن يروجون للحل السياسى الذى يعنى تقاسُم السلطة بتسليمها لداعش وقيام دولة داعشية. غير أن هذا الصراع العسكرى يجذب ويَجُرُّ صفوفا جديدة من الشباب إلى حرب بلا نهاية.
ولا تستطيع الأطراف الخارجية، حتى إذا أدركت عبثية الحرب، أن تسيطر، تماما ودائما، على الأطراف المحلية. وعلينا نحن أن نفكر "هنا والآن" فى مسألة نتهرَّب منها دائما لأنها مرعبة حقا: مسألة البحث عن مخرج حقيقى من هذه الحرب المستعصية؟!
29 أغسطس 2015