حسبة برما


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4954 - 2015 / 10 / 13 - 07:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

حسبة برما
بقلم: خليل كلفت
لا أحد يريد داعش ولا أحد يريد الأسد ولا أحد تقريبا لا يعترف بأن استمرار نظامه فى السلطة ضرورى لفترة انتقالية يتم فيها القضاء على داعش وتتطور فيها قوة بديلة قادرة على حكم البلاد، وهذا البديل غير جاهز ويحتاج تطويره إلى زمن طويل.
والمواقف بين التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة والتحالف الجديد بين الأسد وإيران وحزب الله وروسيا متباعدة إلا أنها جميعا تعرف بوضوح حقيقتين: إحداهما أن الأسد ليس له مستقبل فكيف يحكم شعبا أباده وشرَّده ودمر حياته لعقود طويلة قادمة، والحقيقة الثانية هى أن اختفاء الأسد وداعش فى نهاية الأمر لن يترك مكانهما بديلا قابلا لأىّ حكم وقادرا عليه.
وبالطبع فإن التحالف الجديد ليس سوى إعادة تسمية لتحالف ظل قائما فى سوريا منذ سنوات تحولت فيها الثورة الشعبية التحررية إلى ثورة إسلامية سنية تحارب الحكم العلوى.
لا أحد يريد داعش، ومع هذا وصل الخيال السقيم بنا وبالعالم كله إلى تفاسير تفوق كل خيال إلى حد الزعم بأن روسيا جاءت ليس لمحاربة داعش بل لحماية الأسد، بل هناك مزاعم بأنها جاءت لتقصف الشعب السورى! ولكنْ كيف يحمى الروس الأسد دون أن يحاربوا داعش التى كانت قد صارت قاب قوسين أو أدنى من إسقاط الأسد الأمر الذى يعنى شيئا واحدا هو إقامة دولة الخلافة الإسلامية الداعشية.
وهناك تفاسير تنطلق من حقائق لا يمكن إنكارها فى حدِّ ذاتها، فهناك مزاعم بأن روسيا تدخلت بحثا عن المياه الدافئة ولحماية مصالحها فى سوريا والمنطقة وفى سبيل مستقبلها كقوة عظمى فى عالم متعدد الأقطاب. ولا شك فى أن هذه أهداف معروفة ومنطقية لروسيا غير أن تدخلها على هذا المستوى لم يحدث إلا لسبب محدد فى سياق محدد وهو بالذات محاربة داعش.
ويتجاهل المحللون السياسيون فى كل مكان السبب الحقيقى للتدخل الروسى، فقبل مصالح روسيا فى سوريا التى صارت خرائب دائرية لا معنى لمصالح أحد فيها، وينطبق هذا أيضا على مصالح الغرب فيها، تبرز أولوية القضاء على داعش وباقى المنظمات الإسلامية الإرهابية.
وقد صارت داعش خطرا على شعوب وبلدان العالم، ومنها بلدان شاركت فى خلق وتطوير وتمويل الإسلام السياسى الإخوانى بكل فروعه ومن هذه الفروع القاعدة التى أنجبت داعش.
وينبغى أن نُدرك أن أمريكا وأوروپا والياپان والصين وروسيا وإسرائيل ودول الخليج لا تريد داعش. لماذا؟ لأن داعش تستطيع أن تقيم دولتها فى البلدان المجاورة، لتنطلق منها إلى فتح العالم.
وعلينا أن ندرك أن إسرائيل ذاتها لا تريد دولة داعش على حدودها. ودول الخليج لا تريد داعش لأنها يمكن أن تتغلغل فيها وتقيم فيها دولتها. وقد رأينا أن داعش بذراعها الطويلة لم تترك مكانا فى العالم دون بدء القتال فيه.
وكان ولا يزال وسيظل الأسد شرا مستطيرا على الشعب السورى، ولكنه لا يشكل خطرا مباشرا على غيره؛ فلماذا تعاديه دول كثيرة فى المنطقة؟ طبعا لأمرين: أولا، لأنها فى حرب مع الإسلام السياسى الذى تُدرك خطورة انتصاره على كل بلدان المنطقة، وثانيا، لأنه صار أداة من أدوات التوسُّع الإيرانى الشيعى ضد الإسلام السياسى السنى.
وعلينا أن ندرك أن داعش خطر كبير على روسيا. ذلك أن روسيا القريبة جغرافيًّا، بمناطقها الإسلامية وجوارها الإسلامى، تخشى داعش فهى تعنى الخراب والدمار للبشر والحجر، كما يُقال، حتى لتماثيل ومعابد وثقافات الحضارات القديمة.
وببساطة تامة كان هدف تدخل روسيا هو إبعاد هذا الخطر عن نفسها وعن العالم. فهى تُدرك تماما أن سوريا ضاعت وأن مصالحها فيها ضاعت ولا سبيل إلى استعادة مصالحها هناك.
ولا يُدرك حكامنا أن التدخل الروسى كالأمريكى والأوروپى دفاعٌ حتى عن دولهم التابعة والرجعية. ذلك أنه إذا سيطرت داعش على أىّ مكان فى العالم فإنها سوف تنتقل منه إلى كل مكان آخر فيه.
ورغم أن أمريكا تعلم أن نظام الأسد كان، رغم جهود الغرب، على وشك السقوط، وأن هذا كان سيقلب أوضاع المنطقة رأسا على عقب لغير مصلحة وسمعة وهيبة القوة الأمريكية العظمى، فإنها تشن حملة كبرى ضد روسيا. ومن المفارقات أن التدخل الروسى أنقذ أمريكا من هذا المأزق.
وتعلم أمريكا أن التدخل الروسى يُساهم فى دحر داعش وأنه حقق لأمريكا هدفا أساسيًّا من أهدافها هو إبعاد خطر إقامة دولة داعشية على حدود إسرائيل.
ولكل هذا لم يكن أمام الغرب إلا أن يقنع بالتنسيق مع روسيا لاستبعاد أىّ اشتباكات غير مقصودة فوق سماء سوريا.
ولكن حملة أمريكا ضد روسيا لم تتوقف عن مطاردة أشباح سيطرة روسية محتملة؛ خاصة وأن روسيا تُعلن استعدادها للتدخل ضد داعش فى العراق إذا طلب العراق ذلك. وكان ردّ العراق هو أنه لا يستبعد مثل هذا الطلب إذا حان الحَيْن.
ولستُ من عُشاق روسيا ولا كنتُ من عُشاق الاتحاد السوڤ-;-ييتى السابق، غير أن التحليل السياسى يقتضى الموضوعية الصارمة.
11 أكتوبر 2015