أبعاد تدخُّل روسيا فى سوريا


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4940 - 2015 / 9 / 29 - 02:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

أبعاد تدخُّل روسيا فى سوريا
بقلم: خليل كلفت
كان لاستقبال "التدخل الروسى" فى سوريا اتجاهان عالميان يبدوان متناقضين أشد التناقض. وربما كانا رغم تناقضهما متداخليْن عند الطرف الواحد. والهدف الذى يتفق عليه الجميع فى هذا الصراع هو القضاء على داعش. لأن داعش صارت تمثل خطرا داهما على كل دول وبلدان وشعوب العالم.
ومن المدهش حقا أن تختلف، إلى الحد الذى نشهده الآن، أطرافٌ متفقة أو متوافقة ليس فقط على الهدف بل كذلك على أن تكون وسيلة تحقيقه الحرب. ومن الصعب تفسير الحملة الدعائية الأمريكية والأوروپية والعالمية ضد روسيا باختلاف الهدف أو وسائل تحقيقه.
ورغم الترويج العالمى بقيادة الولايات المتحدة والأمم المتحدة للحل السلمى فإن الممارسة العملية المتواصلة بلا هوادة هى الحرب على دولة داعش الإسلامية الإرهابية. ولأن الجهات الداعية إلى الحل السلمى لهذا الصراع العسكرى تُدرك حقيقة أن الحل السلمى مع دولة داعش مستحيل، فإنها تُواصل الحرب إلى النهاية، مع محاولة إثبات حُسْن النية بدعاية سلمية ملفَّقة صاخبة.
وصحيح أن صراعات مسلحة كثيرة قد انتهت بحلول سلمية تفاوضية ولكنها نجحت فى ذلك لأنها كانت صراعات قابلة للحل السياسى، بين أطراف صراع عسكرى كانت تريد الحل السياسى العاجل؛ وهذا هو ما حدث بين أمريكا وڤ-;-ييتنام، وبين مصر وإسرائيل، وبين البيض والسود فى جنوب أفريقيا.
غير أن الوضع الآن مختلف تماما، فنحن الآن فى خضم صراع غير قابل للحل السياسى، وصارت القاعدة التى فرضت نفسها الآن هى أن داعش لا تريد أحدا غيرها على وجه الأرض ولا يريدها أحد فى أىّ مكان، ولا تريد داعش سوى قطعة أرض تُقيم عليها دويلة خلافتها الإسلامية، ويعرف التحالف الدولى أنها ستجعل هذه الدويلة نقطة انطلاق إلى "فتح" العالم كله.
إننا إذن أمام صراع لا يقبل الحل السياسى مهما كان ما يتمناه الطرفان، أحدهما أو كلاهما، داعش أو التحالف الدولى ضده. وهذا لأن تغلغل داعش فى الدولتين العراقية والسورية على أساس حل سلمى تفاوضى، لا يعنى فى هذه الحالة سوى اقتسامٍ لسلطة الدولة، سينتهى إلى تحويل العراق وسوريا إلى دولة داعشية فى وقت لاحق.
وداعش، بالطبع، ضد الجميع، والجميع ضدها. ورغم أنها لم تمس المصالح الأمريكية والغربية والإسرائيلية، بشكل إستراتيچى، أو حتى بمجرد شكل كبير، مع التسلُّح بدعاية صاخبة ضد أمريكا والغرب وإسرائيل، وبصورة خاصة ضد الاستعمار والصهيونية، تُركِّز دول التحالف فى الممارسة العملية على تصعيد الحرب على داعش بلا هوادة.
وهناك بالطبع هدف محتمل أو أهداف محتملة لكل طرف فى التحالف الدولى أثناء وبعد التخلُّص من كابوس داعش غير أن القضية الأساسية هى التخلص من هذا الكابوس، مهما أراد الجميع استغلال الحرب لتأمين مراكزهم فى المستقبل.
وتريد إيران بالطبع تعزيز نفوذها وسيطرتها لتصير رقما صعبا فى المنطقة وفى العالم من خلال دورها فى العراق الشيعى، وسوريا العلوية، وحزب الله اللبنانى الشيعى، وحركة أنصار الله الحوثية فى اليمن. ويأتى هذا فى سياق صراع مرير بين السيطرة الشيعية والسيطرة السنية الطائفية.
وأخيرا جاء تدخل روسيا مفاجئا للجميع، رغم أنه ليس خارج سياق التوافق الدولى، ورغم أنه تطور منطقى للدور العسكرى الروسى فى سوريا ضد داعش وأخواتها. وكان الأمر المنطقى هو أن يدعو التدخل الروسى إلى ترحيب دول التحالف الذى يرحِّب بكل جهد عسكرى من أىّ دولة؛ فلماذا كل هذه الزوبعة الكبرى التى أثارها هذا التدخل ولم تهدأ إلى الآن؟
على أن التدخل الروسى رغم أنه يأتى محاطا بشكوك عميقة بشأن نوايا الدب الروسى، ضرورى للحيلولة دون الإسقاط العاجل لنظام الأسد. والحقيقة أن التدخل الروسى هو التطبيق العملى المباشر للهدف المتفق عليه الآن فى التحالف الدولى، تماما كما كان التدخل الأمريكى على رأس هذا التحالف. ولهذا نجد التحالف الدولى يتجه بسرعة فائقة إلى التنسيق والعمل المشترك مع روسيا، بل حتى إدخالها فى التحالف الدولى، وهذا ما لن ترفضه روسيا على الأرجح.
وصارت المشكلة تتمثل فى ضرورة ترْك الأسد وداعش يتقاتلان لفترة طويلة ممتدَّة لأن انتصار داعش وإسقاط نظام الأسد وهذا محتمل بل مرجَّح فى حالة عجز القوى الإقليمية والدولية عن دحرها، كما تتمثل فى إحلال دولة داعش محل هذا النظام فى غياب القدرة الإقليمية والدولية على حماية الأسد، الذى يعنى استمرارُه تجدُّد تنظيم داعش بحكم استعادة الأوضاع التى حوَّلت الثورة السورية إلى "ثورة" إسلامية داعشية.
ويثير استمرار النظام بدون الأسد طوال فترة ممتدة مشكلة مدى وجود تحالُف سورى متماسك قادر على إدارة الدولة. ويبدو أنه لا مفرّ تقريبا من قيام سيطرة أجنبية متعددة الأطراف، حافلة بالتناقضات والصراعات فيما بين القوى المحلية، وفيما بين القوى العالمية، وفيما بين هذه وتلك.
وباختصار فإن من المرجَّح أن يمنع التدخل الروسى سقوطا عاجلا لنظام الأسد تماما كما منع التدخل الجوى الأمريكى من قبل سقوط بغداد تحت أقدام زحف داعش.
25 سپتمبر 2015