وأصل الجمود ثقافة


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 4717 - 2015 / 2 / 11 - 13:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يجد التخلف أو الجمود تفسيره الأهم في تمسك العرب المرضي بتقاليدهم العتيقة. و ما زاد الطين بلة أن هذا التأخر الشامل و المستديم الذي يضرب بلادهم لم يفسر بأسبابه الحقيقية إلا في كتابات نادرة. لقد اغتصبت الموضوعية و أخذ الخطاب التبريري جل المساحة. و لم يخرج أغلب مفسّري الفشل العربي من أسر فكرتين اثنتين، تعودان بشكل دائم في معظم ما يكتب منذ قرنين، الأولى أطروحة الاستعمار الأوروبي ثم الإسرائيلي و الثانية أطروحة تخلي المجتمع العربي عن عقيدته الدينية. ولم تتخلص الكتب المدرسية من الأطروحتين البتة في كل البلدان العربية و في كل أطوار التعليم. و قد نمّت الأولى رفضا مرضيا لا آخر له و لا أول لما يسمى "الغرب" وكأنه واحد موحد لا تنوع فيه و لا اختلاف وبات في وعي أغلبية الناس و لاوعيهم المسؤول عن وضع العرب و المسلمين المزري لا غير. وساهمت الأطروحة الثانية في عودة التدين السياسي الجماهيري عموما و المد الأصولي الإخواني خصوصا و الذي ركب بمكر موجة العودة العفوية لممارسة الشعائر الإسلامية و تغذى منها أحسن تغذية خلال العشريتين الأخيرتين.
فهل انتظر العرب الاستعمار كي يدخلهم في مرحلة الانحطاط ؟
لقد كنا مقيمين و مستقرين في أزمة حضارية منذ القرن الخامس عشر، بل و يجزم المؤرخون أن الحضارة العربية الإسلامية قد توقفت عن الإبداع مع حلول القرن الثاني عشر. فهل من المعقول أن نتمادى في رد التخلف الثقافي و العلمي و الاقتصادي إلى الاستعمار أو مؤامرة اليهود و النصارى؟ ألا يسبق الانحطاط الاستعمار دائما ؟ ألم تكن معظم المجتمعات العربية في حالة يرثى لها من الوهن في بداية القرن التاسع عشر ؟
كان من الصعب على تلك المجتمعاتـ/ القبائل مقاومة أطماع جيرانها الذين كانوا في أوج قوتهم الاقتصادية و العلمية و الثقافية. لقد استعمر العالم الإسلامي لأنه كان في انحطاط، فالاستعمار نتيجة و ليس سببا. و حتى و إن ساهمت الحركة الاستعمارية في إدامة التخلف و ترسيخه، فهي ليست مصدرا له بأي حال من الأحوال.
تحدث المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي عن "القابلية للاستعمار" و ردها إلى نقص الوازع الديني بدل ردها إلى سببها الحقيقي: هيمنة الفكر الديني المتزمت.
أما جمود ما بعد الاستقلالات فيعود أساسا إلى ندرة سياسيين من قامة الحبيب بورقيبة في تونس، الرجل الوحيد في العالم العربي الذي كانت له الشجاعة في مواجهة الأسباب الحقيقية لتأخر بلاده عن أوروبا. لقد ثار على البنى الاجتماعية و السياسية الرثة التي سهلت مجيء الاستعمار. و بدأ بعدم نسيان الأهم و هو الاشتباك الجدي و العقلاني مع الأصولية و قطع الطريق أمام الإخوان المسلمين.