بوتين: هل أصبح زعيم أعداء الديمقراطية في بلداننا؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 7291 - 2022 / 6 / 26 - 17:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كان صموئيل هنتنغتون محقًا، على الرغم من بعض التناقضات الخفيفة هنا وهناك: ضوضاء العالم تعطي مصداقية كل يوم لنظريته حول صدام الحضارات وتُكذّب نظرية نهاية التاريخ إذ أصبح يبتعد أكثر فأكثر ذلك الانتصار النهائي للديمقراطية الليبرالية، الذي تنبأ به مواطنه فرانسيس فوكوياما سنة 1992، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يزال صراع الحضارات يعتمل في عقول جزء كبير من الجماهير المسلمة. ألا يعبر الاصطفاف خلف بوتين في غزوه لأوكرانيا عن ذلك العداء العميق للديمقراطية الغربية لدى قطاعات واسعة في البلدان الإسلامية؟ ألا يبحث هؤلاء عن منقذ؟

ينظر هؤلاء إلى بوتين على أنه بطل سقط من السماء كهدية لينتقم ويثأر بدلهم من هذا الغرب الذي أغرقهم في التخلف والحروب الأهلية. ولكن، لماذا يتعاطف العديد من سكان هذه الضواحي من العالم مع هذا الديكتاتور العجوز الذي لم يبق له ما يخسره والذي لا يكره الغرب فحسب، بل يكره البشرية جمعاء؟

لأنهم تربوا مثل بوتين وتكونوا داخل ثقافة سياسية مسكونة بنظرية المؤامرة رسّخت في وعيهم ولاوعيهم أن الغرب يتآمر عليهم وأنهم ضحاياه الأبديين وأنهم غير مسؤولين عن تأخرهم وأزماتهم المزمنة. وعلى عكس ما يعتقدون، فهذا الزعيم المعتدي على شعب مستقل باسم الهجوم على "النازية الجديدة" هو ذاته ينهل من فكر متطرف يعادي الغرب ويناهض الديمقراطية وقريب جدا من الفكر النازي ويكفي الاطلاع على بعض خطابات فلاديمير بوتين الأخيرة لنعرف أنه متأثر جدا بفكر إيفان إيلين، فيلسوفه المفضل، والذي كان منبوذا لا يسمع به أحد وأعاد له الفاشيون الروس الاعتبار بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

يحمل بوتين في أعماقه كرها كبيرا للعالم الحر يكاد يكون مطابقًا للأطروحات الاسلاموية والعروبية المنتشرة بكثرة في معظم بلدان ما يسمى بالعالم "العربي الإسلامي". فهو لا يتوجس من الناتو فحسب، بل يخشى أيضًا الديمقراطية الليبرالية، ويعتبرها عدوًا لدودا له ولنظامه الأوليغارشي. ويخشى الرأي العام في البلدان العربية-الإسلامية ذلك أيضًا. رأيٌ عامٌ نخره خطاب الإخوان المسلمين الذي هيمن على وسائل الإعلام والمدارس والمساجد. هؤلاء الاخوان الذين يعتبرون، مثل بوتين، أن الديمقراطية الليبرالية هي عدو يجب مناهضته بكل الوسائل.

في افتتاحيات الصحف والتعليقات على الشبكات الاجتماعية وعلى القنوات الفضائية، يتم تقديم بوتين باحتشام تارة ودون حياء أحيانًا على أنه بطل يتحدى الغرب "الاستعماري". ولا يخجل القوم من تأييد عدوانه الهمجي على أوكرانيا. إذا كان الشعب الأوكراني هو الذي يتعرض للعدوان، فإن صناع الرأي في هذه البلدان يتلاعبون ويضللون الجماهير الفقيرة المعادية أصلا لأمريكا وذلك باستحضار جرائم البنتاغون في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى ويُذكّرون على الخصوص بدعم البيت الأبيض الدائم لإسرائيل. من وجهة نظر بعض المعلقين والمحللين في هذه الدول العربية الإسلامية فإن صواريخ بوتين التي تسقط على الأوكرانيين لا تشكل عدوانًا على دولة ذات سيادة وانتهاكًا للقانون الدولي، بل هي " هجوم دفاعي ، على حد تعبير مقدم الاخبار على قناة التلفزيون الرسمي الجزائري.

لامبالاة شبه كاملة تجاه الضحايا المدنيين الأوكرانيين! ففي الوقت الذي يرتكب فيه بوتين المجازر في أوكرانيا، يتحدث هؤلاء عن الضحايا العراقيين والفلسطينيين واليمنيين، فكأن الشعب الاوكراني مسؤول عن مصائبهم وعما تفعل أمريكا والغرب! في تركيا ألّب رجب طيب أردوغان شعبه ضد الغربيين وقدمهم كأعداء للإسلام وموالين للقضية الكردية ومناهضين للأتراك وباتوا حسب استطلاع رأي "جيرمن مارشال فوند" يعتقدون بنسبة 58 % أن الولايات المتحدة الامريكية هي عدوة لمصالح تركيا. ولا يشجب سوى 34% منهم الاعتداء الروسي على أوكرانيا بينما يُحمّل 48% منهم مسؤولية الولايات المتحدة والحلف الأطلسي في الحرب الدائرة حسب استطلاع "ميتروبول" في شهر مارس الماضي.

في فرنسا تذهب مواقف الإسلاميين ومن يسير في ركبهم نفس الاتجاه. رقية ديالو تدين علانية "الامتياز الأبيض" في هذه الأزمة الأوكرانية: "عندما يتألم السود أو العرب أو المسلمون، يعتبر ذلك من الامور الطبيعية والمقبولة.. والعكس بالنسبة للأوكرانيين (البيض).." ولكن تتناسى الاسلاموية رقية ديالو أن أوروبا استقبلت أكثر من مليون لاجئ سوري في فترة وجيزة علاوة على ملايين الافارقة والأسيويين منذ سنين. ليس من المستحيل أن تكون هذه الأفكار هي الأكثر انتشارًا في الضواحي الفرنسية حيث يشاهد ويتابع الناس هناك برامج القنوات الفضائية العربية والأصولية، والتي غالبًا ما تجري هذه المقارنات البائسة بين اللاجئين.

يُنظر إلى فلاديمير بوتين على أنه بطل، ومنقذ للأحياء ومنتقم للضحايا. يشبه ما يعرف بــ "الإمام المنتظر " حسب التقليد الإسلامي، ذلك الرجل المُخلّص الذي سيعود في آخر الزمان لفرض العدل والسلام في العالم. وقد تم تفعيل هذه الفكرة الغريبة في الستينيات من قبل الإسلاميين والعروبيين وبدأوا يتحدثون عن "سقوط الغرب" وحتى اليوم..