ما هو مستقبل جماعة الإخوان في الغرب؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 7219 - 2022 / 4 / 15 - 18:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لئن فتح الربيع العربي المجال لإمكانات سياسية متعددة، فقد وضع أيضا جماعة الاخوان المسلمين امام تحديات كثيرة في الغرب. وان كنا لا نستطيع تحديد كل انعكاسات تلك الانتفاضة على مستقبل الاخوان في الغرب، يمكن القول إن تاريخهم سينقسم كتاريخ إخوانهم في الشرق الى مرحلتين: ما قبل وما بعد الربيع العربي.

وجاءت البداية من النمسا حيث صادق برلمانها على أول قانون في أوروبا يمنع جماعة الاخوان المسلمين ويعتبرها حركة إرهابية دينية وكان ذلك يوم 08 جويلية 2021. والامر الذي سرّع هذا الاجراء ولو أن تحركات الجماعة كانت منذ مدة تحت الرقابة والتحقيقات، هو تلك العملية الإرهابية الاسلاموية التي راح ضحيتها 4 أبرياء وجرح 23 آخرين يوم 20 نوفمبر2020 بمدينة فيينا. وعموما، يبدو أن المسؤولين الاوروبيين قد بدأوا ينظرون إلى جماعة الاخوان بأعين مفتوحة بعدما أكدت تقارير كثيرة خطرها المتغلغل في قلب المؤسسات الأوروبية عن طريق موظفين منتمين اليها يعملون في مختلف المرافق العمومية الأوروبية.

لقد تسلّل الإخوان إلى السجون والشرطة والجيش والمدارس والجامعة والنوادي الرياضية ومترو الأنفاق والسكك الحديدية والنقل الحضري والمطارات وشركات الحراسة والمستشفيات والحماية المدنية وغيرها من المصالح والقطاعات الهامة حسب التقرير البرلماني الفرنسي الذي جاء تحت عنوان "الخدمات العمومية في مواجهة التطرف .

وما لم ينتبه إليه أغلبية الغربيين، شعوبا وحكومات، هو أن الاختلاف الوحيد بين جماعة الإخوان وداعش هو الطريقة المتبعة للوصول إلى المبتغى فقط أما الهدف فهو تطبيق ما يسمّى "شريعة" وإعادة ما يسمّى "خلافة" وأسلمة الوجود والسيطرة على العالم كله. وما استعصى على فهم الكثيرين في أوروبا هو أن كلاهما يخدم الآخر بوعي دائما ودون وعي أحيانا، فالإخوان يستغلون الوحشية التي يرتكبها الدواعش ليقدموا أنفسهم على أنهم إصلاحيون مسالمون يمثلون حصريا الإسلام الحقيقي المعتدل. فيما يستغل الدواعش من جهتهم موقف الإخوان المخاتِل والمهادن ظاهريا ليقدموا أنفسهم للناس كثوريين وكدعاة لإسلام قوي، لا يساومون في المبادئ والعقيدة. وتبقى المسألة مسألة توزيع أدوار ولو كان ذلك عن بعد. ولئن عانى الأوروبيون من تأخر كبير في إدراك خطر الاخوان المسلمين مقارنة ببلدان عربية كالإمارات والسعودية ومصر، فهذا التأخر يعود أساسا الى خبث الاخوان وقدرتهم على الظهور بمظهر الحمل الوديع المدعي تمثيل الجاليات الإسلامية والبديل السلمي للجهاديين وذلك باستعمال خطاب الديمقراطية وحقوق الانسان..

ومع هذا الاستنفار المتنامي تجاه الجماعة، فما هو مستقبلها على الأراضي الاوروبية؟ بغض النظر عن كل الشهادات والتحقيقات التي تدل على أن الجماعة قد فقدت كثيرا من قوة تأثيرها إلا أن بعض المؤشرات تدل على عكس ذلك في نظر الباحث لورانزو فيدينو* الذي يرى أن المنظمات الاخوانية في الغرب، الأكثر تجذرا في المجتمع الغربي والمسيّرة أكثر فأكثر من طرف أعضاء جدد، ستدخل في مرحلة جديدة أكثر ازدهارا في تاريخها في البلدان الغربية إذ سيفهم المسؤولون الجدد ابتداء من الآن ضرورة تقديم صورة حسنة لجمعياتهم بغرض تحقيق الأهداف على المدى المتوسط والبعيد. ومن هنا قد يتمكن هذا الجيل من الإخوان اذا ما طبّق استراتيجية محكمة من إعطاء نفَس جديد للإخوان في الغرب. وخاصة إذا ما تمكن هؤلاء المسؤولون الجدد من التخلص من أيديولوجية الحركة الصلبة.

ويرى بعض الملاحظين، حسب نفس الباحث، أن مرحلة ما بعد الاخوان قد حانت وأن الاخوان المسلمين الغربيين سيحدث لهم ما حدث للشيوعيين الأوروبيين في سنوات السبعين والثمانين الذين تخلصوا من المظاهر الأكثر راديكالية في ايديولوجيتهم وذابوا في النظام القائم. ولا يتفق أخرون مع هذا الطرح بدليل أن الجماعة قد نجحت دائما في جذب أنصار جدد والمحافظة على الخط الايديولوجي المحافظ كما هو إذ كلما ابتعدت بعض مكونات الجماعة كثيرا من النواة الأيديولوجية أو انفصلت عنها تماما، يتمكن الحرس القديم دائما من إعادة هيكلة المكونات الأخرى كي تبقى الجماعة متماسكة.

في كلتا الحالتين ستجد الجماعة نفسها في وضع لا تحسد عليه: فإن انتصر المحافظون المتشددون ستجد نفسها وجها لوجه مع الحكومات الأوروبية وستسقط منظماتها الواحدة تلو الأخرى تحت طائلة القوانين المتكاثرة لمحاربة الإرهاب. وإن حاول "المتفتحون" التطبيع مع النظام القائم والذوبان فيه ستنفجر الجماعة من الداخل

*لورانزو فيدينو ــ "الاخوان المسلمون، الدائرة المغلقة"، دار قلوبل وتش اناليزيس ، باريس 2022