لماذا نحن شعوب انتحارية تمجّد الموت ؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 7848 - 2024 / 1 / 6 - 14:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في بداية التسعينات (يونيو – حزيران 1990) هب أغلبية الجزائريين لنصرة جبهة الإنقاذ الأصولية في صناديق الاقتراع، وقدموا لها جل البلديات والولايات على طبق من ذهب، 853 بلدية من بين 1539 بلدية و32 ولاية من بين 48 ولاية، فتنمّر الإسلاميون وبدؤوا في التفكير في الاستلاء على كل السلطة وتغيير طبيعة النظام إلى دولة إسلامية، والشروع في تطبيق الشريعة. وفي انتظار ذلك حاولوا تنظيف المكتبات البلدية من كل الكتب التي لا تدخل في إستراتيجيتهم، وألغوا الحفلات وأوصدوا أبواب قاعات السينما، ولوحوا بمعاقبة كل من رأوا فيه أو فيها خروجا عن الشريعة. وليس هذا فحسب بل قاموا بأعمال إرهابية خطيرة.

ومع ذلك، في الدور الأول من انتخابات 26 ديسمبر 1991 التشريعية، استمر الجزائريون في مواصلة الانتحار، وأعطوا مرة أخرى وبسخاء 232 مقعدا من أصل 430 إلى الحزب الأصولي الذي يقول أحد زعيميه علي بلحاج “الديمقراطية كفر”، و”سنطبق الشريعة سواء أراد الشعب الجزائري أم لا”!

وقد نتج عن هذا الاختيار/الانتحار تلك الحرب المدمرة التي دامت عشرية كاملة، وراح ضحيتها 200 ألف من الجزائريين على يد هؤلاء الذين اختارهم الجزائريون أنفسهم. ورغم الفظائع اللاإنسانية التي ارتكبها الإسلاميون في تلك الحرب، كالقتل وخطف النساء وحرق المحاصيل وغيرها من الأفعال الوحشية، لم يعتبر الجزائريون، ويعمل بعضهم كل ما في وسعه لإعادة جبهة الإنقاذ الإجرامية الممنوعة إلى الساحة السياسية الجزائرية من جديد. وليس هذا فحسب بل قد يهب الجزائريون لإعطاء الأغلبية لهذا الحزب الإرهابي في حالة مشاركته في انتخابات مقبلة، حسب مؤشرات كثيرة.

وغير بعيد عن الجزائر صوّت التونسيون، أو بالأحرى أغلبيتهم، لصالح حزب النهضة، وهو ما جعل قطاع السياحة يبور في تونس، إذ أضرب الغربيون عن زيارة البلد كما كانوا يفعلون طيلة أيام السنة، وقد أدى هذا الانتحار الانتخابي إلى هروب رأس المال خوفا من غد مجهول، فاستفحلت البطالة وعم اليأس، ودخلت تونس الخضراء في زمن أسود.

ومصر هي الأخرى أهداها أغلب المصريين في انتخابات تشريعية ورئاسية إلى الإخوان المسلمين المغامرين، وكادت تسقط وتنتحر لولا نخبة أنقذتها من الكارثة الإسلامية في آخر لحظة. ولا تزال الجماهير المصرية مدفوعة بشخصيات إخوانية كثيرة تحاول الانتحار من جديد متمنية دخول الجيش المصري في حرب ضد إسرائيل نصرة لحماس الإسلامية الإخوانية!

حيثما وجدت انتخابات في منطقتنا، لا تبحث الجماهير عن الحاكم الراشد، بل عن الحاكم الذي ينتقم لها، وليكن ما سيكون.

صوّت الجزائريون لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهم يدركون أن لا حل لديها لمشاكل البلد. صوتوا لعلي بلحاج وعباسي مدني لينتقما من حزب جبهة التحرير الذي كان يحكم البلد منذ 30 عاما.

نفس الشيء بالنسبة إلى المصريين والتونسيين الذين صوتوا للإخوان من أجل الانتقام من حسني مبارك وأولاده، ومن زين العابدين بن علي وحاشيته، مع علمهم أن لا النهضة قادرة على حل مشاكل تونس، ولا الإخوان قادرون على حل مشاكل مصر.

أما الفلسطينون في غزة، فقد سلّموا أمرهم إلى حماس الإخوانية، فعاثت في غزة فسادا طيلة 16 سنة، ثم نفذت عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر الماضي لتجلب على إثرها الدمار لهم. ومع ذلك فهم مستمرون في تبجيلها وتبجيل زعمائها، إذا ما صدقنا نتائج الاستطلاع الذي أجراه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” بالتعاون مع مؤسسة “كونراد أديناور” في رام الله. لقد ارتفعت نسب دعم حماس في الضفة الغربية ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب، بينما 90 في المئة من سكان غزة يطالبون الرئيس محمود عباس بالاستقالة.
كما أظهر الاستطلاع أن 60 في المئة من الفلسطينيين الذين تم سبر آرائهم يرون أن “المقاومة هي الطريق الأمثل لإنهاء الاحتلال”. أما عن عملية طوفان الأقصى فقد أعرب 72 في المئة في غزة والضفة أن قرار الهجوم كان صحيحا. أما السؤال عن من سيحكم غزة بعد الحرب فقد أبدى 60 في المئة (75 في المئة من الضفة الغربية و38 في المئة من غزة) تفضيلهم لحكم حماس على أي بديل آخر.

نلاحظ تباينا كبيرا في تأييد حماس بين أهل غزة وأهل الضفة الغربية، إذ شعبية حماس أعلى بكثير في الضفة الغربية منها في غزة! فكيف يمكن تفسير هذه الشعبية الكبيرة في الضفة مقابل غزة؟

مثلما هو الحال بالنسبة إلى الجزائريين والتونسيين والمصريين الذين صوتوا لصالح أحزاب من أجل الثأر والانتقام، نجد أن الفلسطينيين في غالبيتهم يبحثون عمن يثأر وينتقم لهم، لا عمن يجد لمشاكلهم حلولا. ألا يرغب أهل الضفة في الانتقام من المستوطنين الإسرائيليين في القطاع والسلطة الفلسطينية معا؟

من المؤسف أن تصبح أرواح الناس رخيصة بدعوى الشهادة في سبيل الله والوطن. ومن المؤسف أكثر أن يستشهد الفقراء فقط بينما يتغنى المُنصّبون أنفسهم زعماء بعدد القتلى، يصفونهم بالشهداء، كأن الشهادة لا بد منها ومقدرة على المسحوقين فقط.

هل تقديم الشهداء بأعداد ضخمة هو ما يحل المشاكل ويحرّر الأوطان؟ متى تبدأ شعوبنا في تقديس الحياة بدل الموت؟ متى تتوقف عن الحلم بذلك النصر الوهمي المستحيل؟