رسالة من المثقفين العرب إلى مثقفي الغرب.. سطحية و أصولية مستترة


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 7819 - 2023 / 12 / 8 - 02:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

وجه باحثون وأدباء وفنّانون وكتاب عرب فاق عددهم الألف من مختلف البلدان العربية رسالة مفتوحة إلى مثقفي الغرب مؤرخة يوم 24 نوفمبر الماضي، دعوهم فيها إلى استنكار الجرائم الوحشيّة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والإعلان عن موقف تأييد صريح للحقوق الوطنية الثابتة لشعب فلسطين على أرضه، متهمين المثقفين الغربيين بأنهم يلوذون بالصمت والتجاهل حين يتعلق الأمر بقضية فلسطين وحقوق شعبها على أرضه.

فماذا يقصد أدونيس، إبراهيم الكوني، فتحي المسكيني، علي أومليل.. والبقية الموقعة، والتي ستوقع لاحقا، بحقوق شعب فلسطين على أرضه؟

إذا كان المقصود هو حل الدولتين، فهذا تحصيل حاصل فأغلب المثقفين الغربيين يعترفون بذلك الحق بمن فيهم اليهود، أما إذا كان المقصود بحقوق شعب فلسطين على كل أرض فلسطين ورمي اليهود في البحر كما تقول منظمة حماس فذلك أمر آخر، مستحيل أن يقبل به المثقفون الغربيون أو غير الغربيين.

علاوة على ذلك وبغض النظر عن كل أمر آخر، ما الفائدة من طلب الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وهي حقوق معترف بها دوليا ومنذ عقود.
ومن الغريب أن رسالة المثقفين العرب إلى المثقفين الغربيين لا تذكر حماس، لا من بعيد ولا من قريب، وكأن لا دخل لها في ما يحصل من دمار في غزة، وكأنها ليست معنية بالأمر بتاتا في حين أنها هي السبب المباشر في مأساة أهل غزة.

والأغرب من ذلك كله أن الموقعين يعتبرون حماس حركة مقاومة في مستهل رسالتهم: “بمناسبة المواجهات التي تجري بين الـمقاومة الفلسطينية وقوى الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزّة ومحيطه”. وبغض النظر عن الاستعمال السخيف لكلمة “بمناسبة” في نصهم، أصبحت حماس الأصولية التي مرغت الغزيين في الوحل على مدى عشريتين تقريبا هي “المقاومة الفلسطينية” في عرف هؤلاء المثقفين. بل وكأنها هي الشعب الفلسطيني وقضيته. لم نسمع أبدا أن هؤلاء المثقفين قد انتفضوا في وجه حماس وهي تجرم في حق الفلسطينيين في غزة التي احتلتها بالقوة.

نعم.. ما تفعله إسرائيل في غزة أمر مدان بالنسبة إلى كل إنسان طبيعي التكوين ولكن هل من المفيد للقضية الفلسطينية أن تقرن بحماس وخاصة بعد ما ارتكبته من فظائع يوم 07 أكتوبر الماضي؟

ونحن نقرأ رسالة هؤلاء المثقفين العرب نلاحظ وكأنهم لم يسمعوا بما فعل جند حماس في ذلك اليوم المشؤوم، فنجدهم يكتبون متجاهلين الواقع وضاربين عرض الحائط بالقيم التي يطالبون المثقفين الغربيين باحترامها: “إن اتّهام المقاومة ووصفها بالإرهاب انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي الذي يُقر بحق الشعوب في تحرير أراضيها المحتلة بالوسائل كافة، بما فيها المسلحة”.

فهل هي مقاومة مشروعة وأخلاقية وغير إرهابية، في نظر السادة والسيدات المحترمين والمحترمات، ما ارتكبته حماس في حق شبان وشابات يرقصون في الخلاء من قتل وتنكيل بالجثث وسبي للنساء وخطف للشيوخ والعجائز والأطفال؟

يتهم المثقفون العرب – هذا هو الاسم الذي أطلقته هذه المجموعة على نفسها – المثقفين الغربيين بازدواجية المعايير وهي تهمة من البديهي أن توجه لهم أيضا ويستحقونها بكل جدارة إذ لم ينبس أغلب الموقعين، إن لم يكن كلهم، ببنت شفة إزاء الهمجية والوحشية التي كان ضحيتها مدنيون يوم 07 أكتوبر، بل اعتبر بعضهم تلك المجزرة في حق المدنيين عملا مقاوما بطوليا من قبل حماس؟

ولا يتطلب الأمر ثقافة سياسية عالية لنعرف بأن الغرب ليس واحدا موحدا. ومن هنا فالحديث عن “مثقفين غربيين” هو ضرب من التعميم المغالط إذ الغرب متعدد في كل شيء بما في ذلك التفكير والثقافة. فمثلا نجد اليسار والخضر مختلفين تماما عن غيرهم وهم مناصرون للقضية الفلسطينية، ومنهم من يبدي معارضته الشديدة لدولة إسرائيل.
هل غاب عن المثقفين العرب أن أغلب المثقفين الغربيين هم من اليسار المناصر لحقوق الشعوب والسلم وأن اليمين ذاته بدأ يتطرف ضد العرب والمسلمين بسبب الإرهاب الإسلامي الذي ضرب بهمجية في أوروبا وأميركا وبقية العالم؟ فهل الرسالة موجهة إلى مثقفي اليمين أم أن كاتبي الرسالة قد مسّهم جهل بالغرب؟

أما من الناحية العملية فحينما يدعو المثقفون العرب مثقفي الغرب إلى الحوار على قاعدة القيم والمبادئ العليا التي تقوم عليها الحضارة الإنسانية، فتحت أي إطار؟ ومن يمثل من؟ وبأي حق؟

هل يعرف كاتبو الرسالة بأن لا وجود لمثقف غربي ولا يوجد سوى مثقف فرنسي وألماني ونرويجي وأميركي وياباني؟ وأن الرسالة لا تصل عندما يكون اسم المرسل إليه والعنوان خاطئين!

وبما أن حماس في نظر بعض المتعلمنين واليسارجيين والعروبيين حركة مقاومة وهي الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني، فلو انتصرت وأقامت دولتها كما هي معلنة في أدبياتها وميثاقها، فهل يستطيع هؤلاء المناصرون للحركة الإسلامية المتطرفة أن يعيشوا تحت حكمها الإسلامي؟ هل يمكن لواحد منهم أن يقدم عهدا بأنه سيعيش في غزة الحمساوية؟ أم أنهم سيواصلون العيش تحت سماء العلمانية والحرية ويتركون الفلسطينيين يرزحون تحت حكم الشريعة الإخوانية التي ستطبقها حماس كما كانت تفعل في غزة طيلة حكمها، ذلك الحكم التسلطي المطلق الذي ألغى الانتخابات ونسي سطح غزة واتجه نحو بناء الدهاليز والأنفاق.