لماذا فشل القطاع السياحي في الجزائر؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 7321 - 2022 / 7 / 26 - 02:23
المحور: المجتمع المدني     

أسئلة كثيرة بدأت تطرح منذ فتح الحدود البرية يوم 15 جويلية بين الجزائر وتونس حول قطاع السياحة في الجزائر وعلى وجه الخصوص بعد ملاحظة ذلك الشغف الكبير لدى الجزائريين لقضاء عطلتهم الصيفية في البلاد التونسية بعد عامين كاملين من الغياب إثر غلق الحدود بسبب كوفيد. آلاف السيارات تعبر الحدود نحو سوسة والحمامات ونابل وتونس العاصمة وغيرها من الأماكن التي يجد فيها الجزائريون ما لا يجدون في بلادهم. قبل الكوفيد كان يصل عدد الجزائريين الذين يقضون عطلتهم في بلاد بورقيبة الى حوالي مليونين.

ولكن بغض النظر عن الهجرة الصيفية نحو تونس والتي نتمنى ان تزداد وتقوي الروابط الاقتصادية والثقافية والسياسية بين الشعبين الشقيقين الجارين، كما نتمنى أيضا أن تفتح الحدود الغربية مع المملكة المغربية، ينبغي التساؤل عن أسباب ركود الحياة السياحية في الجزائر بل عن أسباب فشل القطاع ليس في جذب سياح من الخارج بل حتى في المحافظة على السياح المحليين إذ لو كانت التأشيرات سهلة المنال نحو أوروبا لغادر جزائريون كثيرون البلد أيام عطلهم الصيفية.

من العوائق الكثيرة وأهمها هو ذلك النقص الكبير في طاقة الاستيعاب وجودته المتعلق بالاستجمام على الشواطئ البحرية إذ لا تزال البنية التحتية هشة غير متناسبة مع الطلب وعدد سكان البلاد المتزايد كل عام.

يقول السيد سعيد بوخالفة، رئيس النقابات الوطنية للوكالات السياحية أن العرض الفندقي لا يزال هزيلا جدا وبعيدا عن الجودة المطلوبة فهو لا يتعدى 60000 سرير على طول الساحل الجزائري مما جعل الأثمان ترتفع وتصبح الأغلى على مستوى بلدان البحر الأبيض المتوسط كله. أما السياحة الصحراوية فلا يتوفر جنوب الجزائر الكبير سوى على 10000 سرير ويبقى السائح الجزائري شبه غائب في الجنوب الذي يبقى وجهة سياحية مجهولة لدى معظم الجزائريين ويعود ذلك لعدم الاهتمام الرسمي الفظيع بالتعريف بأهمية الجنوب الطبيعية والثقافية والحضارية والبيئية وبسبب الضعف الإعلامي والاشهاري الذي يكاد يطمس عظمة الطاسيلي والهقار وجانت وتاغيث وغيرها من الجواهر ذات الصيت العالمي.

من المؤسف ألا تتوفر الــ 14 ولاية الصحراوية على ميزانيات إشهار خاصة للتعريف بما تزخر به من مناظر طبيعية فريدة وتراث فني عريق في المعمار والموسيقى والريّ الخ. ومن الغريب والحال هكذا أن تقلص السلطات الجزائرية ميزانية الديوان الوطني للسياحة الى أربع مرات في السنوات الخمس الماضية. انخفضت الميزانية من 40 مليار سنتيم الى 9 مليار وهو مبلغ ضئيل لا يتعدى ضمان أجور الموظفين وطبع بعض منشورات لا تسمن ولا تغني من جوع.

علاوة على كل ما سبق اعتقد أن أكبر خطر واجهته السياحة الجزائرية والذي لا يزال يهدد تطورها هو انغلاق الذهنيات والتوجس من مظاهر الاصطياف على الشواطئ إذ لا يزال يطرح ارتداء الشورت او السروال القصير في الشارع مشاكل بالنسبة للرجال أما ارتداء القطعتين بالنسبة للنساء على الشاطئ فهو من المستحيلات السبع في جزائر اليوم.

في الجزائر، لا تنعدم الشواطئ والغابات والجبال والاثار وكل ما يجعل البلد قبلة سياحية بل يعاني من السلوكات الفصامية، وخضوع وزارة السلطات بما فيها وزارة السياحة إلى ضغوط الكثير من اللوبيهات الإسلامية والمحافظة واحترام السلطات المبالغ فيه لرجال دين أصوليين وعدم إيجاد الطريق المناسب للتعامل مع ديكتاتوريات الأجيال الجديدة المؤسلمة من طرف نظام تربوي هو من انتاج وفرض السلطة ذاتها. وهو نظام مطعّم بما تبثه القنوات التلفزية من جهل وتزمت والتي باتت كقنوات طالبان.

أما بالنسبة للوافدين من الخارج فعلى الرغم من الــــ 22 معلم أثري روماني الذي كان يمكن أن يجعل الجزائر ثاني مقصد عالمي بعد إيطاليا، فلم ير الجزائريون حافلة سياح أجانب واحدة تجوب شارعا من شوارع مدينة من مدنهم منذ مدة طويلة وذلك بسبب مرحلة الإرهاب او العشرية السوداء الدامية التي حتمت التسيير الأمني الصارم للأوضاع وغلق الحدود وبالتالي عزوف الأجانب عن زيارة الجزائر. وللمقارنة فقط، فلئن كان الفرنسيون مثلا يستطيعون القدوم الى تونس بدون جواز سفر معتمدين على بطاقة الهوية فقط، فإن الجزائر تفرض الفيزا عليهم وعلى كل الأوروبيين بل يصعب الحصول على الفيزا الجزائرية ان لم تكن من أصعب الفيزات على الاطلاق.

لقد كانت العاب البحر الأبيض المتوسط ناجحة شعبيا ولكنها لم تكن كذلك سياحيا ولم يحل بالجزائر سوى الرياضيين والمشرفين عليهم. والسؤال الذي يبقى معلقا:هل ترغب السلطات فعلا في جعل الجزائر قوة سياحية ضاربة كجاراتها المتوسطيات أم لا؟