الرسوم المسيئة وتأجيج الإسلاموفوپيا


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4695 - 2015 / 1 / 20 - 07:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


تأتى الرسوم المسيئة للإسلام والاستجابة الأصولية عليها بالمزيد من تأجيج صراعات عسكرية كبرى تدور بالفعل فى عالمنا المضطرب المختلّ، وتغطى خريطة العالم، حيث تنطلق هذه الأصولية المقاتلة إليه من بؤرة الشرق الأوسط حاملة معها الدمار إلى كل مكان. ومن المرجح أن يؤدى هذا الصراع، بحكم توازن القوى، إلى هزيمة حاسمة لمشروع الإسلام السياسى الذى بدأ القتال ضد الغرب فى عقر داره منذ 11 سبتمبر 2001، بكل الدمار الذى قاد إليه ذلك الحدث الرهيب. وكان الهجوم الأصولى على البرجين ومواقع أخرى فى الولايات المتحدة قد أتى انتقاما من الحرب الأمريكية والعالمية ضد إرهاب القاعدة وطالبان فى أفغانستان.
وبعد عقود من إيواء الغرب لجماعات الأصولية الإسلامية الإرهابية لاستخدامها عند الضرورة، صار عليه منذ ذلك الحين فصاعدا أن يدفع الثمن، كما صار على شعوب "العالم الإسلامى" أن تدفع بدورها ثمن تحويل ديكتاتورياتها الحاكمة لأقسام واسعة من شعوبها إلى طريق الإرهاب كملاذ أخير ضد متلازمة الفقر التى خلقت البيئة الاجتماعية والثقافية الملائمة.
وبالطبع فإن هذه التطورات الآخذة فى التفاقم ترتبط بتأجيج الإسلاموفوپيا الغربية ضد الإسلام والإسلاموفوپيا الإسلامية ضد الغرب. وقد دخلت فى رؤوسنا كلمة الإسلاموفوپيا المنحوتة فى الغرب فى أوائل القرن العشرين، من الإسلام والخوف أو الخوف المرضىّ، مغلَّفةً بالإبهام والغموض. والمقصود بهذا التعبير هو توجس الغرب إزاء الإسلام والمسلمين.
ومع هذا فقد استخدم الإسلام السياسى هذا التعبير ضدّ معناه الأصلى وأراد به أن يحرق روح المجتمعات الغربية متَّهما إياها باضطهاد المسلمين بوصفهم مسلمين لابتزاز الدول والشعوب الغربية باستغلال عقدة الذنب الناشئة عن ماضى وحاضر الممارسة الإمپريالية لتلك البلدان، فى سبيل فتح مجال أوسع فأوسع أمام الغزو أو الفتح الإسلامى الأصولى للغرب فيما يسمى بأسلمة الغرب، وهنا تبدأ حرب غير متكافئة ضد الغرب فى عقر داره، وهى حرب تغذيها حماقة القوة التى دفعت الأصولية الإسلامية إلى توسيع نطاق الحرب التى لا يمكن أن تنتهى إلا بدمارها.
ومن المهم أن ندرك أن الدول الغربية الاستعمارية لا ترسم سياساتها تجاهنا أو تجاه غيرنا على أساس الأديان. إنها ترسمها فى الحقيقة على أساس المصالح الاقتصادية والسياسية والإستراتيچية؛ وهذا الإدراك ضرورى لتحديد سياساتنا ومواقفنا وردود أفعالنا على أساس الحقائق، وليس على أساس الأوهام. وهذا شرط مهم من شروط تفاعلنا الصحى مع هذه الشعوب ثقافيا وإنسانيا وسياسيا.
وبهذا يصبّ المفهوم الأصولى للإسلاموفوپيا فى التيار العام للزينوفوپيا (الخوف من الأجانب) فى الغرب.
وللزينوفوپيا بالطبع مصادر كثيرة منها دور العمل الرخيص المهاجر إلى الغرب والذى يزاحم جماهير عاملة محلية تعانى أصلا البطالة والإفقار النسبى والمطلق، وقد يكون هذا العامل الأجنبى المنافس لعمال الغرب فى عقر دارهم مسلما أو مسيحيا أو بوذيا، فهى لا تقتصر على معاداة الأصوليين الإسلاميين ولم تبدأ بهم. وهناك بالطبع شوڤينية شعوب الغرب وراء رأسمالياتها.
وهناك كذلك دور العداء التاريخى بين الاستعمار الغربى وشعوب المستعمرات بكل ويلات الاضطهاد الاستعمارى، وبكل الضغائن التى تراكمت لدى الجانبين، نتيجة للحرب الاستعمارية العدوانية ضد الشعوب التى كانت تقاوم وتقاتل الاستعمار فى حرب دفاعية فى سبيل الاستقلال والتحرر من التبعية الاستعمارية.
كما يوجد تراث عنصرى فى الغرب لا يجوز إغفاله. فهناك التراث الاستعمارى والقومى والشوڤينى والفاشى والنازى واليمينى الذى يتغذى عليه إحياء وصعود التيارات والمنظمات اليمينية والفاشية فى الغرب فى العقود الأخيرة.
ومعنى هذا أننا نتعامل مع ردّ فعل مجتمعات الغرب على السلوك الفكرى والإرهابى الأصولى الذى يعيث فى الغرب فسادا بالفعل، فهى مجتمعات الاستغلال الرأسمالى والفساد المالى والاستبداد المسلح بالتكنولوچيات الحديثة، مجتمعات استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وحرب الكل ضد الكل، مجتمعات أساطير الأيديولوچيات الاستعمارية التى لم تبرأ منها الشعوب الغربية بعد.
وتساهم الأصوليات الإسلامية فى تأجيج الإسلاموفوپيا والزينوفوپيا بسلوكها الذى يقوم على النظر إلى البلدان الغربية، التى نذهب إليها باحثين عن العمل هربا من البطالة والفقر، أو بحثا عن الأمان هربا من الاستبداد الپوليسى والعسكرى، على أنها ساحة مفتوحة لفتوحات أو غزوات إسلامية جديدة. وطالما استمر هذا السلوك الإسلامى الأصولى فإن كوارث رد فعله، بين أشياء أخرى، لن تقتصر على الإسلام السياسى أو الإسلام أو المسلمين بل ستمتدّ إلى المجتمعات الغربية من خلال استفحال خطر الاتجاهات اليمينية والفاشية كما نرى بوضوح فى الانتخابات الپرلمانية والرئاسية فى الغرب أو الشمال.
ومع تأييدنا المطلق للنضال الاستقلالى الحقيقى لشعوبنا ضد الإمپريالية الغربية وضد أمركة العالم، إلا أننا ضد حركات أسلمة الغرب وضد أسلمة الشرق، على السواء. ولماذا نعتبر رد الفعل المتوقع من المجتمعات الغربية ضد سلوك الإسلام السياسى إزاءها بروح الغزو والفتح والأسلمة خوفا مرضيا نفسيا تستحوذ أوهامه على العقول فى الغرب؟ ولا مناص بالطبع من أن ينتهى رفض الغرب لأسلمته إلى مواقف عدائية ضد المسلمين فى الغرب وفى العالم وإلى حروب عدوانية جديدة ضدهم.