ليس من حق رئيس الجمهورية


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4603 - 2014 / 10 / 14 - 09:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     


يُفزعنا ما نسمع ونقرأ من تصريحات لمسئولين وبالأخص لرئيس الجمهورية عن احتمال عودة الإخوان المسلمين إلى المشاركة فى الحياة السياسة بشرط أن ينبذوا العنف. ونركز على الرئيس لأن كبار المسئولين فى مصر ناطقون باسمه وناقلون لأفكاره وتوجيهاته كما كانت العلاقة دائما فى مصر بين رؤساء الجمهورية وكبار المسئولين.
فهل يوجد لدى الحكم الجديد توجُّه فعلىّ نحو المصالحة وعودة الإخوان؟ وهل يمكن أن يرضخ لضغوط داخلية أو خارجية تفرض عليه هذا الموقف؟ وإذا "سلَّمنا" بأن لرئيس الجمهورية الحق الدستورى فى اتخاذ القرار حتى فى مثل هذه القضايا الخطيرة، فهل نتجاهل مسئولية الشعب عن حياته ومستقبله مع أنها تأتى قبل كل مسئولية دستورية ورغم أن رؤساء الجمهورية السابقين بلا استثناء هم الذين فرضوا علينا الإخوان وحروبهم بالوكالة؟
ويمنح دستور مصر رئيس الجمهورية سلطات مطلقة، فى غياب سلطة تشريعية حقيقية وسلطة قضائية مستقلة؛ بحيث تتحول السلطة التنفيذية عن طريق الإحلال فى الممارسة الفعلية إلى سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية. وتعمل أجهزة الدولة على تحويل كل رئيس جديد إلى حاكم مطلق.
وعندئذ تتمثل إحدى وظائف الدولة، بمشاركة ومباركة الشعب، فى صُنْع الحاكم المطلق. ولا يستطيع رئيس جديد أن يُفلت من مقتضيات وآليات هذه الثقافة الاستبدادية المتوارثة.
ونسمع ونقرأ الآن تصريحات وشائعات تتعلق بترتيب مفاوضات على المصالحة وعودة الإخوان المسلمين إلى المشاركة فى الحياة السياسية بشرط نبذ العنف. ويعتقد كثيرون أنه يوجد توجُّه فعلى كهذا عند القيادة الحالية للدولة، انطلاقا من أن الصدام بين الجيش والإخوان أمر سطحىّ عابر رغم تحالف إستراتيجى يجمع بينهما، بدليل نموهم اقتصاديًّا وسياسيًّا وحتى عسكريَّا فى عهدىْ السادات ومبارك.
ويعمى مثل هذا الاعتقاد عن فهم التناقضات والصراعات بين مختلف قطاعات الطبقة الرأسمالية الحاكمة. وعندما يصل هذا الصراع إلى ذروة يبدأ بينها الصراع المرير وحتى الحرب المدمرة. ويثبت التاريخ الحديث والمعاصر فى العالم كله هذه الحقيقة التى تُخفيها فترات من التعاون أو الشراكة دون تحالف إستراتيجى حتى فى عهد مبارك الذى شهد النمو المتواصل للإخوان المسلمين على رأس الإسلام السياسى.
ويخطئ من لا يدرك الآن أن ثورة إسلامية إخوانية، من طراز الثورة الإسلامية فى إيران، كانت فى الطريق لانتزاع السلطة والاقتصاد من أيدى نظام مبارك وعصابته وطبقته، ولم ينقذنا منها سوى ثورة يناير الشعبية.
ورغم وحدة الطبقة التى جمعت بين مصالحهم يجب أن ندرك التناقضات التى فرَّقت بينهم.
والحساب بسيط . فالأخونة تعنى ببساطة إحلال الإخوان محل كل رجال الأعمال ورجال الدولة الإداريين والعسكريين، ويعنى هذا أن رجال الدولة والأعمال سيذهبون إلى السجون والمعتقلات والمنافى والمشانق. وعندما تنشب حرب فعلية بين هذين القطاعين الرأسماليين يغدو من الغباء المطلق أن يتصور أحد أن المصالحة ستكون ممكنة فى مستقبل منظور.
فما مدى قدرة الضغوط الداخلية والخارجية على إجبار الدولة على المصالحة رغم الخط الأحمر الرسمى والشعبى؟ الواقع أنه ليس من السهل فى زمن حروب الإسلام السياسى أن ينضم الحكم الجديد إلى هذه الحروب بالوكالة عن الإمبريالية والرجعية. ذلك أن تأمين مستقبله لن يكون إلا بالانتصار على الحرب التى تحاصرنا من الإخوان المسلمين من الشرق الحمساوى والغرب الليبى والجنوب السودانى ومن داخل مصر، ومن المحيط الإقليمى والدولى. وباستثناء الحروب التى تخوضها مصر بداخلها، والحروب التى قد تضطر إلى خوضها عبْر حدودنا فإنه لا يمكن أن يحارب نفسه بالانضمام كبيدق شطرنج للمشاركة فى هذه الحروب بالوكالة التى تستهدفه الآن فى المحل الأول.
ويبقى احتمال قرار يتخذه رئيس الجمهورية بالمصالحة تفاديا لاتساع نطاق الحرب على مصر لإعادة الإخوان إلى الحكم. غير أن المصالحة لن تكون إلا عونا للإخوان لمحاربتنا من مركز أقوى.
ويعنى تصريح الرئيس مؤخرا بأن الشعب سيسقط البرلمان لو جاءت إليه الانتخابات بالإخوان أن الحكم الجديد يستبعد تماما السماح بعودة الإخوان، وأنه سيركز جهوده على مقتضيات اللا-أخونة أىْ تطهير مؤسسات الدولة من تغلغل الإخوان فيها، إلى جانب المواجهة الأمنية بلا هوادة.
فماذا لو غيَّر الرئيس رأيه متخطيا هذا الخط الأحمر؟ إن علينا قبل كل شيء أن ندرك أن هذا ليس من حق رئيس الجمهورية بعد أن أوصلنا رؤساء الجمهورية السابقون إلى هذه الهاوية، بفضل ممارساتهم السياسية والاقتصادية والأمنية المدمرة، وبفضل موقفهم اللامسئول إزاء الإسلام السياسى متجاهلين الالتزام برعاية مصالح الشعب، عن طريق فتح الباب واسعا أمام نمو وتمكين وحش الإسلام السياسى الذى يقتل ويدمر فى سبيل السيطرة على مفاصل ومفاتيح الاستغلال الاقتصادى والدولة.
ولهذا يكون من حق الشعب وواجبه أن يقاوم احتمال تكرار النتائج المفزعة لحكم الرؤساء السابقين جميعا، وذلك بعدم السماح لأىّ رئيس للجمهورية فى الحاضر أو المستقبل بفتح الباب من جديد أمام النتائج المنطقية المدمرة لسيطرة الإخوان المسلمين على الدولة والمجتمع؛ لأن هذا ليس من حق رئيس الجمهورية مهما تسربل بسربال الدستور!
27 سبتمبر 2014