العجوز الحلقة الخامسة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4600 - 2014 / 10 / 11 - 12:46
المحور: الادب والفن     

يحكي الناس بلا لف ولا دوران عن برابرة كانوا يعيشون مع ذئابٍ هناك في الجبال، جاؤوا من بعيد، ومنهم من شق البحار هاربًا أمام أعدائه. كانوا مَدينين لأعدائهم بالفضل والجميل، لما يكون الفضل بالمعروف عذابًا، والاعتراف بالجميل نكرانًا. حاول رئيسهم، "الحاكم باسم الله"، الاتصال بأبي جميلة مراتٍ عدةً لاقتسام خيرات الوادي والماء دون أن يفلح. وفي كل مرة، لم يكن يُخْطِرُ بقدومه، فزاد الحالة خطورة، ولم يستدرك أخطاءه. ادعى أن السحاب له بوصفه سيدًا للجبال: لكم الأرض ولي الغيم، قال، ودونَ مطرٍ يحبلُ بِهِ الغيم، أرضكم لا تساوي شيئًا، فلنقتسم. لم ينفع شيء، حتى هذا اللقب السلمي "الحاكم باسم الله" لم يخدم حامله. سَكَّنَ الناس روعهم ولم يُسَكِّنوا تعطشه إلى أرضهم عندما قالوا ساخرين: حاكم منذ متى، واحد مثله؟ وباسم الله فوق هذا! هذا فوق الحد! فأغلظ لهم في القول: صاحب هذه الأرض لمن يملك الغيم! بموجب حقٍ لا يُعلى عليه عال، رمى إلى اجتياح كل شيء، إلى ابتلاع كل شيء، ولم ينتظر متى يشيب الغراب. على طريقته، كانت الحكمة ضالته، فاضطلع بمسؤولية الوجود، وأخذ على عاتقه حرية أتباعه. لينفح الأفظاظ، أفظاظه، بِظَرْفِ العقل، وينتزعهم من البربرية، كان عليهم ارتكاب أشنع الأفعال، إلا أنهم كانوا قليلي العدد، أولئك البرابرة، وفضلاً عن ذلك ضعفاء. ارتضوا بأكل العشب والصيد في الصحراء بانتظار أن يصبحوا أقوياء وأكثر عددًا، وكل ليلة تلمع عيونهم وعيون أصدقائهم الذئاب عندَ النظرِ رغبةً في كل هذا الأخضر الشاسع على مرمى أبصارهم، كل هذا الماء الغَدَق، كل هذه الحضارة المغرية. في البداية، خاف ناس القرى الاثنتي عشرة منهم، ثم تعودوا عليهم، ومع الوقت نسوهم. لم يضعوا القدم أبدًا عندهم، وعندما كانوا يضطرون إلى تسلق الصخور لحاجة ماسة، كانوا يدورون حول كهوفهم آخذين المنافذ الأكثر وعورة، مخاطرين بحياتهم، وروح المخاطرة أبعد ما يكون من الميل إلى المخاطرة. كانت كل شرور العالم القادمة من وراء الجبال تمضي حتمًا بأولئك البرابرة، وكل الأمراض، وكل اللعنات، وكل الأخطار الأخرى، وكان من الأفضل تفادي كل هذا والقعود في البيت. كان نوعًا من الدفاع السَّلبي لا يخلو من الاحتقارِ بعضُهُ نحو أولئك المجردين من كل شيء والذين لن يقدروا على شيء بحالٍ مِنَ الأحوال.



يتبع الحلقة السادسة