الفلسطينيون بين الحصار والترحيل


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4535 - 2014 / 8 / 6 - 09:25
المحور: القضية الفلسطينية     


مع استمرار إسرائيل بلا هوادة فى حرب الإبادة الجماعية على غزة، لا مناص من تأجيل استكمال مقالاتى عن البرلمان فى مصر قليلا فى سبيل وقفة عند شعار رفع حصار غزة!
والحقيقة أن الحصار يشمل إلى جانب الضفة وغزة، مناطق أخرى أبرزها الجولان. والضفة وغزة محاصرتان، والوضع فى الضفة الغربية أسوأ منه فى غزة، حيث لا يقتصر الأمر على الحصار، بل يتواصل الاستيطان اليهودى فيها، وابتلاع أراضيها، وتمزيق أوصالها.
والضفة وغزة مرصودان لمصير مرعب: الاحتلال، والحصار، والاستيطان اليهودى للأراضى على طريق ضمِّها، والحرب عليهما، والترحيل لطرد وتشريد البشر وضم أراضى الضفة وغزة؛ وينطبق هذا على عرب 1948، ولكل شيء فى الحياة وقت.
وشعار رفع حصار غزة هو الأعلى دائما، عند كل عدوان عليها، تماما كما كانت ترتفع شعارات الاحتجاج ضد الاحتلال أثناء القمع الدموى لانتفاضات الضفة الغربية. ولأنه تم سحب الاحتلال من غزة فإنها تبدو وحدها محاصرة. مع أن الضفة محاصرة بالاحتلال، وغزة محتلة بالحصار. ولكن شعار رفع حصار غزة هو الأعلى صوتا، حتى فى الأوقات العادية، إنْ جاز القول.
وقد يكون ضغط ارتفاع الكثافة السكانية وراء التركيز على رفع حصار غزة دون غيرها. غير أن السبب الكبير لهذا التركيز يتمثل فى انتماء أقوى منظمات المقاومة فى غزة إلى الإسلام السياسى الإخوانى. ولا تبرِّر عداوتنا لإسرائيل تسليمنا بأن الإسلام هو الحل.
وسرعان ما يتحول كل عدوان على غزة إلى حصار لمصر. فمصر فى زعمهم هى التى تحاصر غزة بإغلاق المعبر، حتى إذا كان مفتوحا، ومصر هى التى تقف مكتوفة اليدين أمام المذبحة. والسؤال المنطقى هو: ما المقصود بفتح المعبر؟ وبالطبع فإن فتح المعبر يعنى، كما تفعل مصر بالضبط، استقبال الحالات الحرجة للجرحى، وإمداد غزة بالمساعدات الغذائية والطبية المصرية والعربية والعالمية.
ولا يمكن أن يعنى فتح المعبر فَتْحَهُ "سداح مداح"، لأن حماس الإخوانية تشتبك فى حرب فعلية ضدنا عبْر سيناء والداخل المصرى. ومن غير المعقول أن تفتح مصر المعبر أمام تدفُّق حماس وغيرها على سيناء لمحاربة مصر مع الإخوان. ومن التداعيات المحتملة لفتح المعبر على مصراعيه، احتمال توريط مصر فى حرب لم تستعد لها مع إسرائيل. ولا يمكن أن يفكر عاقل فى تحريض مصر على مغامرة عسكرية، كما فعلت فى حرب 1967 بكل نتائجها الكارثية على مصر والمنطقة. كما يعنى فتح المعبر على مصراعيه التعجيل بالترحيل الإجبارى إلى سيناء.
وفى ضوء الحصار الإخوانى الأمريكى المفروض على مصر، من الداخل، والغرب الليبى، والشرق الحمساوى، والجنوب الإخوانى البشيرى، يعنى إقدام مصر على مغامرة عسكرية عودة الإخوان إلى حكم مصر كجزء من الخلافة الإسلامية الإخوانية الداعشية، وهو خطر قائم حتى بدون أىّ مغامرة إذا تهادن أو تهاون الحكم الجديد فى مصر مع الإخوان والسلفيِّين.
وسواء أكانت أو لم تكن التطورات الجارية فى إطار مخطط أمريكى إخوانى لتوريط مصر فى حرب مع إسرائيل لجنى ثمارها المُرَّة فإن تداعيات المسار الفعلى لانجرار مصر إلى مغامرة عسكرية ستهدد بتدمير مصر من خلال حكم إخوانى داعشى تابع لأمريكا وإسرائيل.
ومن المنطقى بالتالى أن يتمثل الهدف أو الحلّ التوسُّعى فى ابتلاع ما بقى من أراضى فلسطين ومرتفعات الجولان ومناطق أخرى. ويقتضى هذا بالضرورة الاحتلال والحصار والحرب والإبادة والترحيل. ولا جديد فى الأمر حيث قامت إسرائيل منذ قيامها بترحيل ملايين الفلسطينيِّين.
ويمثل حصار غزة مسألة حياة أو موت لإسرائيل، كما أن حل الدولتين باطل الأباطيل وقبض الريح، فالهدف أو الحلّ هو التوسع.
وقد حققت إسرائيل الآن العديد من أهدافها فيما تتوهم عنتريات حماس فرْض شروط مثل رفع الحصار وفتح المعابر وبناء مطار وميناء بحرىّ لغزة إلخ... ولا يمكن أن يقوم بفرض رفع الحصار مجتمعٌ دولىٌّ متواطئ، أو جوارٌ عربىٌّ غير مستعدّ بحكم حدود القدرة العسكرية، ولا يمكن فرضه إلا بقدرة فلسطينية مقتدرة، فى إطار عوامل عربية ودولية مواتية.
وقد أوشكت إسرائيل على تحقيق أهدافها، عن طريق تدمير غزة، وأنفاقها، وصواريخها، إلى مستوى يساوى نزع سلاح المقاومة، وبداية النهاية لحماس.
وتتمثل نتيجة محتملة لهذه المذبحة الوحشية للأطفال والشيوخ بدم بارد والتدمير الوحشى للقطاع فى استعادة مركز فلسطينى واحد يكون ضمانة لعدم السماح للمغامرين أو العملاء باللعب بالسلاح، مع تحقيق التعددية السياسية والفكرية للأحزاب والحركات والأفراد، فالمركز الواحد هو الذى ينبغى أن يقرر متى يتقدم ومتى يتراجع، متى يستعمل السلاح ومتى يركز على وسائل أخرى، والنقد الثورى للجيفارية معروف للجميع.
وبالمزيد من إحكام الحصار بتشديد الرقابة على المعابر لمنع تدفُّق الأسلحة، تُحقق إسرائيل خطوة مهمة فى مجال تحويل قضية فلسطين إلى قضية إنسانية خالصة، ولا توجد مبادرات أو مفاوضات من شأنها أن تغيِّر هذه النتيجة: تشديد حصار غزة كما تريد إسرائيل، وليس رفعه كما تتوهم المقاومة. والحديث مرير ولكنْ لا مناص من قوله!