ساد ستوكهولم القسم الحادي عشر رالف لندغرن (2) نسخة مزيدة ومنقحة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4414 - 2014 / 4 / 4 - 09:58
المحور: الادب والفن     


- حورية! عَجَّ رالف لندغرن بابنته.
- بابا! هتفت حورية.
- ماذا تفعلين هنا في بيت الرجس؟
- إنه هاكان، أخذ معنا موعدًا هنا، أنا ومارغريتا.
- مارغريتا هنا أيضًا؟
- أيضًا.
- أينها؟
- ...
- لا تضحكي!
- إنها تحت.
- تحت، يا دين الرب!
- لا تُضِعْ نَفَسَكَ باطلاً، يا بابا!
- كيف لا أُضِيعُ نَفَسِي في هذا الخراء؟
- من حقها أن تفعل ما تشاء، إنه جسدها في نهاية المطاف.
- جسدها في هذا الماخور!
- ساد ستوكهولم ليس ماخورًا، بابا.
- هو ماذا إذن؟ كنيسة؟
- وليس كنيسة.
- لهذا أنتِ هنا في حجابك!
- وليس مسجدًا.
- هل يكون كَنيسًا؟
- وليس كَنيسًا.
- هو ماذا؟
- علبة ليلية ليست كغيرها. نحن في السويد، بابا!
- في أكبر ماخور!
- بابا، من فضلك!
- ها أنا ذا، قال هاكان.
- ها أنتَ ذا أخيرًا، قالت حورية.
- أعتذر عن التأخر! مساء الخير، يا بابا!
- أختك تحت!
- مارغريتا؟
- تحت، يا دين الرب!
- لماذا تركتِها؟ عاتب هاكان حورية.
- هي حرة بجسدها تفعل فيه ما تشاء، حسمت حورية.
- هل سمعت ما تقوله أختك المحجبة؟
- سمعت، وأنا متفق معها.
- أنا لا.
- غريب أمر واحد مثلك عالم باللاهوت دنيوي، بابا!
- سأشخ على العالم باللاهوت الدنيوي الذي هو أنا!
- بابا!
- مارغريتا لم تزل صغيرة، يا دين الرب!
- ليست صغيرة صغيرة، هل أذكّرك بعمرها؟
- لم تزل بعد قاصرة.
- خلال عدة شهور تصبح بالغة.
- لندغرن، صاح هوراس ألفريدسون، لماذا لا تأتي بأبنائك إلى طاولتنا؟
- خلال عدة أشهر.
- وما الفرق؟
- عدة أشهر.
- لم أكن أعلم أنك عقلية قديمة إلى هذه الدرجة.
- رالف، صاحت كاتارينا لندغرن، تعال بأبنائك أو نأتي.
- طيب، طيب!
- سنأتي إذن، قال هوراس ألفريدسون.
- لا، لدينا مشكلة نحلها أنا والأولاد.
- هل أجلب لك سوطًا، اقترح هوراس ألفريدسون، وانفجر ضاحكًا.
- اخرس! نبرت كريستينا سفينسون.
- اخرس! أعاد بيتر أكرفيلدت، وانفجر ضاحكًا.
- هاكان! أمر الأب، انزل في الحال، ونادِ أختك!
- وكيف لي أن أعرف أينها؟
- ابحث عنها!
- لا، لن أبحث عنها ككلاب الأمن!
- هاكان، قل لبابا.
- أن يقول لي ماذا؟
- هاكان، قل لبابا لماذا نحن في ساد ستوكهولم.
- ليس كي يجلدوا لي صغيرتي مارغريتا؟
- قل لبابا، يا هاكان.
- أنا كلي آذان صاغية.
- هاكان.
- بابا، لم أعد أذهب إلى الثانوية منذ عدة أشهر.
- أولاد القحبة! لم يرسلوا لي رسالة واحدة.
- كنا نخبئها، بابا.
- وأمكم تعرف؟
- لا.
- لماذا، يا هاكان؟ أنت أيضًا تريد أن تعذب أمك، أن تعذب أباك؟
- أعذب أمي، أعذب أبي، أنت تَهْذِي أم ماذا؟
- الآن أنا أهذي!
- كل ما في الأمر أنني لم أعد أطيق الأمر.
- هاكان أكبر بكثير من عمره، بابا.
- أرى ذلك! لهذا يريد أن يدفن نفسه في الخراء!
- أنا لا أريد أن أدفن نفسي في الخراء، بابا!
- وكيف تفسر فعلتك؟
- كما قالت حورية.
- وماذا ستفعل في عالم الخراء؟
- سأرى.
- لن ترى.
- سأرى، سأرى.
- لن ترى، لن ترى.
- سأرى، سأرى، سأرى.
- لن ترى، لن ترى، لن ترى.
- يا دين الرب! قولي له، حورية!
- هاكان سيرى، بابا.
- يا دين الرب! سيرى ماذا، حورية؟
- ما سيفعل في المستقبل.
- سأرى ما سأفعل في المستقبل.
- لأنك لا ترى ما ستفعل في المستقبل؟
- لا.
- يا دين الرب!
- توقف عن قول يا دين الرب، بابا!
- يا دين الرب!
- بابا!
- واحد ذكي مثل هاكان!
- أنت مخطئ، بابا!
- أنت ذكي لأنك سويدي!
- لأني خراء، بابا!
- لأنه هاكان، بابا!
- لأنه سويدي!
- أنت ذكي لأنك سويدي، بابا!
- لا تسخر، هاكان!
- أنا لا أسخر.
- هو لا يسخر، بابا.
- لم تخن ماما يومًا.
- في ساد ستوكهولم تقول هذا!
- ساد ستوكهولم ليس خيانة.
- وما هو؟
- خيانة ليست خيانة.
- إخلاص.
- إخلاص ليس إخلاصًا.
- ليس هذا ما يبرر ذكائي السويدي.
- ماما، هذا آخر ما يهمها. آه، بابا؟
- ماما، لم تخني يومًا.
- بلى.
- هاكان!
- ماذا تقول؟
- لا شيء، ظننت أنك...
- لهذا تقول عني ذكيًا لأنني سويدي؟
- وماذا كنتَ ستفعل؟
- السويدي الذكي لن يفعل شيئًا لأجل إنقاذ المظاهر.
- لم أكن أعرف أنك جبان إلى هذه الدرجة، بابا!
- الذكي جبان بطبعه.
- ليس إلى هذه الدرجة.
- الجبن أحسن الحلول.
- لن ترغمني على العودة إلى الثانوية، بابا؟
- لا.
- أترى كيف أنت جبان؟
- وأنت يا من يحاول الهرب من صعوبات الحياة كالأرنب؟
- أنا جبان مثلك.
- لا.
- بلى بلى.
- لم يكن الله معي يومًا، لهذا كفرت به، هذا صحيح، وليس لصعوبات الحياة، أما إذا كنت تعتبر العالم اللاهوتي الدنيوي الذي مثلي جبانًا لأنه دنيوي، فهذا شيء آخر، إنه موقفك من موقفي لا من شخصي. ماما لم تعتبرني أبدًا جبانًا لأنني أترك لها أن تقرر في كل شيء، في أكلنا وشربنا ولبسنا وطريقة حياتنا، طريقة حياتنا، هاكان، يكفي أن تنظر إلى أختك حورية في أي ثوب هي...
- بابا!
- هذا لأن ماما شجعتها...
- ماما شجعتني هذا صحيح ولم تقرر طريقتي في الحياة.
- ماما تَرَكَتْها تفعل.
- لأنك جبانُ ماما.
- أنت لا تريد أن أرفع يدي عليها.
- سوطك، بابا، أنت لا ترفعه عليها، وترفعه على غيرها.
- كفى أنتما الاثنان!
فرشت حورية سجادة حريرية أخرجتها من حقيبة يدها، وأخذت تصلي دون أن تأخذ إذنًا من أحد. كانت طريقتها في إسكات أبيها وأخيها، فالاثنان صمتا، وحدقا بها. لما انتهت، ابتهلت إلى الله ابتهالاً طويلاً ميز كل واحد منهما في همس الصوت عدةَ مراتٍ ذِكْرَ اسْمِهِ.
- هنا، تصلين هنا، في ساد ستوكهولم! استنكر هاكان.
- قل له، بابا! طلبت حورية دون أن تترك سجادتها.
- في الإسلام تَغْلِبُ النيةُ على كل شيء، إذا كانت نيتك سليمة كان فعلك سليمًا.
- ولكن الصلاة في علبة ليل!
- أوائل المسلمين كانوا يصلون تحت أقدام الأصنام في مكة، فما فسد من مكان يصلح بالصلاة.
- شكرًا بابا! ابتسمت حورية قبل أن تتوجه بكلامها إلى أخيها، والشيء الآخر، والشيء الآخر... قل لبابا، يا هاكان.
- أي شيء آخر، يا دين الرب؟
- هل أقول أنا لبابا؟ طيب. بابا، هاكان يخرج مع واحدة "بلاك".
- واحدة بلاك.
- سويدية، بابا.
- سوداء ولدت هنا.
- ذكية.
- لستُ ضد.
- أعرف أنك لستَ ضد.
- إذن مم كنت تخشى؟
- ترددتُ ككل جبان، هذا كل ما هنالك، بابا.
- ادعها إلى البيت.
- طيب.
- ماما تعرف؟
- لا.
- مارغريتا تعرف؟
- نعم.
- أنا وماما لا.
- لا.
- أنتم أبناء لقذرين.
- ...
- ادعها إلى البيت.
- ...
- هل سمعتني؟
- سمعتك.
- ادعها إلى البيت.
- سأبحث عن مارغريتا، قالت الأخت الكبيرة، وهي تنهض، وتطوي السجادة، وتضعها في حقيبة يدها.
- لا، ليس أنتِ! عارض الأب. بحجابك، أنا لا أريد!
- وما به حجابي؟
- سيسخرون منك.
- لن يسخروا مني، الكل يحترم الكل هنا.
- قفاي!
- بابا!
- معذرة!
- هكذا كنا نفعل صغارًا ونحن نلعب عندما يغيب أحدنا.
- حقًا! ما زلتم صغارًا.
- كان الواحد منا ينتظر على أحر من جمر الغضى أن نجده.
- هذا إذا ما لم يكوِ أختك أحدٌ من الممسوسين.
- لن يكوي مارغريتا أحد.
- أو يفصدها أو يشقها.
- لا تبعث الخوف في قلبي، بابا!
- الخوف هنا جزء من لعبة الكبار!
- سأناديها.
- حورية.
- نعم، بابا.
- سآتي معك.
- وأنا كذلك.
- وأنتَ كذلك.
- سأعود إلى الثانوية، بابا.
فتحوا الغرف التحت الأرضية واحدة بعد الأخرى بحثًا عن مارغريتا، فاختطفتهم أياد مجهولة. وجد رالف لندغرن نفسه بين أذرع قوية لرجال ونساء أذرعهم في قوتها سواء، وكذلك هاكان وحورية. ذهب العالم اللاهوتي من ذراع إلى ذراع حتى وقع على فتى يشبه جوستين، فكاد عقله يطير. "جوستين!" صاح رالف لندغرن. أخرسه الفتى بقبلة طويلة، وجذبه إلى سرير مسماري ألقاه عليه، فصرخ رالف لندغرن والمسامير تخترق جسده. ليهدئ بعضًا من وجعه، جاء الفتى بعضوه إلى فم العالم بالأديان، فجننه. أخذه كما يأخذ المزامير والآيات، وهو يريق عليه العمر، وكل المتعة تغرقه في موجها، متعة الجسد، ومتعة الروح. دَلَّله بين أصابعه، وأغدق عليه وابلاً من حرارة يديه، ومن جديد بين شفتيه، ومن جديد في فمه، وأغدق عليه وابلاً من حرارة فمه. همس دائخًا "يا الله!" استعاد الإيمان، فانتفض انتفاض العضو في فمه، ساخ، كالشمعة ساخ، ذرف الدمع، وأعاد القول "يا الله!" وبدوره، ارتقى بعضوه إلى فم الغِرِّ، فتناوله الغِرُّ بِحُمَيّا، وقضمه. صرخ رالف لندغرن ما لم يصرخ من قبل، وتلوى على السرير المسماري، والدم يتفجر من كل بدنه. الدم. المني. هذا الدِّبْق. هذه القذارة. هذا البّزَّاق. يتراخى. يزلق، فتزلق روحك، وتحس تحت لسانك بطعمٍ مَسْخٍ، طعم الوجود. تدوخ، وتتساءل هل هذه هي الحياة؟ قبل قليل، كانت الحياة كلها بين ذراعيك، والآن تتركها تذهب من ورائك. تشعر بالتفاهة. أنت، العالم، الآلهة. وبالنهاية. الموت، القبر، العدم.
في أثناء ذلك، وجد هاكان نفسه على صدر فتاة لم تتجاوز العشرين من العمر، لها جديلتان صغيرتان، وثديان صغيران، ووجهٌ طفليّ لا ينقطع عن الابتسام. ابتسم هاكان للوجه الملائكي، وقبّله برقة خوفًا عليه من الانكسار، لكنه تفاجأ بعنف شيطاني، والفتاة تغتصبه قبلةً كَلِبَةً مزقت شفتيه، وما لبث أن أحس إلى جانب عضوه المنتصب عضوًا آخر منتصبًا مثله. كانت الفتاة فتى متخنثًا. تصارع العضو مع العضو، باليدين والفمين والردفين، وخرج الاثنان من الصراع مهزومين. ما ألذ الهزيمة! الهزيمة الهزيمة والهزيمة المغلّفة بالانتصار! ما ألذ الشعور بكونك مغلوبًا على أمرك! ما ألذ أن تسعى إلى ذلك بيديك وقدميك، بكلك! ما ألذ العقاب! ما ألذ الولادة من جديد من بين رِدفين يقذفانك، وفي الوقت ذاته يقذفان الخراء! لَذة ما بعدها لَذة الخراء، الحياة، على عتبة الشباب، في قلب الخراء. لذة الحياة. لذة الخراء. تمجيده. عبادته. الخضوع له. الخراء. اللذة. خراء اللذة. لذة الخراء. رِدفين يقذفانك كما يقذفان الخراء. أقصى لذة. ثم تفوح رائحة الخراء، فتسد أنفك بيدك، وتقاوم، تصرخ. منذ قليل كنتَ تصرخ من اللَذة، والآن تصرخ من شدة رائحة الخراء. الحياة. الشباب. الرهان. الحياة رهان، الحياة خراء. لذيذ. رائحته تزكم الأنوف، تخنق الأنفاس. رائحة الخراء. رائحة الحياة.
وعلى العكس، رقّت أصابع مغتصبي حورية على وشاحها، وسالت دموعهم على حجابها. لم يخلعوه، تركوه استيهامًا يدغدغ أبدانهم منذ آلاف السنين. رفعوه عن فخذين بيضاوين كنار الجحيم، وثديين متدليين كرمان النعيم. وبعد ذلك، تبادلوها كلهم في محراب ساد: أنا أحطم عفتي، بابا، لينجح هاكان في حياته، همهمت حورية، وعلى الرغم من ذلك، سيخفق هاكان في كل شيء. مارغريتا أخفقت، وأنا في صدد الإخفاق، إلا أنني في هذا العالم سعيدة، سعادة الشيطان سعادتي. عالم قاسي القلب هذا العالم، يمجد الأقوى، يَعِزُّ الأَرْجَل، يعبد الأخرأ، يُطفئ شموس منتصف الليل، يُشعل أقمار منتصف النهار، عالم أسود القلب هذا العالم، بلون حائك الجليد. لمن نتركه، وهو لنا؟ ما نحب؟ من نحب؟ ها أنا أترك كل ما أحب، كل من أحب، وأول من أحب الله، وأركض نحو غياب ذراعيك!



* يتبع القسم الثاني عشر