دراسة: نحو قرن من تجربة الحركة الشيوعية في البلاد النضال الأممي هو الجواب في الصراع القومي الدامي!(حلقة 4):


عصام مخول
الحوار المتمدن - العدد: 4329 - 2014 / 1 / 8 - 22:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

•ماير فلنر في في مؤتمر إعادة وحدة الشيوعيين اليهود والعرب: "إن وحدة اليهود والعرب تثبت مرة أخرى، أن الانقسام في الشرق الاوسط وفي البلاد، هو ليس بين اليهود والعرب، بل بين القوى الرجعية الموالية للاستعمار والمعادية للشعب من جهة، وبين القوى الديمقراطية المعادية للاستعمار من جهة أخرى. إن الانقسام هو ليس عنصريا، بل سياسيا وطبقيا."
*عصبة التحرر الوطني برنامج ديمقراطي، تقدمي وأممي*


كانت تداعيات هذا الصراع تتسارع، وكانت ملامحه الفكرية والسياسية تنضج وتتضح، وكان القرار بحل الكومنتيرن في هذه المرحلة يلغي امكانية تدخل خارجي لحسم الصراع. لقد نضجت ظروف الانقسام على أساس قومي حاد، وظهر في العام 1943 الحزب الشيوعي الفلسطيني بعضويته اليهودية، واعتكف قسم من قادة الحزب عن العمل السياسي ومنهم السكرتير العام رضوان الحلو، وبالمقابل كانت قد نضجت الظروف للإعلان في حيفا عن عصبة التحرر الوطني بقيادة مجموعة من الشباب أبرزهم إميل توما وتوفيق طوبي وفؤاد نصار وإميل حبيبي ومعهم الشيوعي المخضرم بولس فرح. وأصبحت عصبة التحرر الوطني الاطار الذي نشط فيه الشيوعيون العرب في لحظة كانت فيها الطبقة العاملة الفلسطينية تتوسع بشكل كبير ويزداد وزنها ووعيها الطبقي والوطني بسرعة، وذلك بفضل جملة من التطورات الاجتماعية والاقتصادية، طرأت على بنية المجتمع العربي الفلسطيني. وأخذت الطبقة العاملة الفلسطينية تطمح الى التحول إلى "الطبقة القائدة قوميا. وفي ظروف تبلور تيار وطني يساري عريض بين صفوف الجماهير العربية، نجح في سعيه الى تأطير هذا التيار بابتكار شكل تنظيمي "متميز " كان يقع في منتصف الطريق بين شكل التنظيم الشيوعي، وشكل المنظمة القومية اليسارية. (ماهر الشريف، المصدر السابق ). بينما يعتبرها العديد من الباحثين تنظيما شيوعيا عمل في فلسطين في هذه المرحلة ويعتبرها قادتها الاطار الذي جمع الشيوعيين العرب ونظم نشاطهم في تلك المرحلة التاريخية الدقيقة..
إن تجربة عصبة التحرر الوطني القصيرة والمكثفة تستحق دراسة منفصلة، قد لا يتسع لها المجال هنا.ولكنني أكتفي هنا بنقل مقتطفات من برنامج عصبة التحرر الوطني بشأن مستقبل فلسطين، كما عرضه إميل توما في اجتماع الاحزاب الشيوعية في دول الكومنولث في لندن عام 1945 وعكس من خلاله موقفا أمميا ديمقراطيا وتقدميا واضح المعالم:
1- أن جوهر المسألة الفلسطينية هو الاستقلال الذي تقف الامبرياليتان الامريكية والبريطانية في طريق تحقيقه.
2- تبدو المسألة أحيانا وكأنها " نزاع بين العرب واليهود وليس صراعا بين الشعب العربي والجماهير اليهودية من جهة، والامبريالية من جهة ثانية "، وفي هذا المجال وبرغم صحة القول إن "الكفاح ضد الامبريالية لا يمكن فصله عن الكفاح ضد الصهيونية، إلا ان هناك ضرورة لوضع خط فاصل يميز بين الصهيونية كما تمثلها أميركا وبريطانيا، وبين الجماهير اليهودية المضللة في فلسطين التي لها مصلحة مشتركة مع الشعب الفلسطيني."
3- ليس صحيحا القول ان القضية المركزية هي قضية الهجرة اليهودية،. صحيح أن الهجرة تقف حائلا على طريق التعاون الجماهيري بين العرب واليهود في نضال مناهض للامبريالية. ولكنها ليست القضية المركزية في فلسطين. القضية المركزية هي أن الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين يكافح من أجل استقلاله، وأن الصهاينة تتبعهم جماهير اليهود لا يكافحون من أجل الاستقلال وضد الاستعمار البريطاني.
4- .. إن الكفاح ضد الانتداب البريطاني وضد الامبريالية البريطانية، لا يمكن أن يفصل عن الكفاح ضد الصهيونية والهجرة وبيع الاراضي".
5- إذا كانت قد وقعت "صدامات بين العرب واليهود" فهي لم تكن الصفة المميزة لحركة التحرر العربي ". إن الخطأ الاساسي في موقف الحركة الوطنية هو أنها لم تتخذ موقفا إيجابيا من الجماهير اليهودية باعتبارها مميزة ومختلفة عن الصهيونية.
6- إن التعاون الطبقي العمالي العربي- اليهودي وكفاح القوى التقدمية اليهودية المتقدمة ضد الارهاب الصهيوني، عاملان جديدان يساعدان في الكفاح المناهض للامبريالية ". (مجلة "الضمير" 28.11.1945 سميح سمارة، ص 288- 289 )
يحمل هذا البرنامج كل مقومات الموقف الأممي الدقيق والواقعي والديمقراطي. وهو الأكثر تحديدا لطبيعة المواجهة مع الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، من دون أن يبعده ذلك عن خوض النضال لكسب اليهود التقدميين إلى جانب المعركة التحررية للشعب الفلسطيني.
"وتعترف العصبة لدى تقديمها هذا الحل بالحاجة إلى حماية حقوق اليهود الموجودين حاليا في فلسطين. وتعترف كذلك بأن هذه الحقوق لا يمكن حمايتها إلا في دولة فلسطينية حرة مستقلة" (اميل توما – مؤتمر صحفي في القدس، 6 حزيران 1947 ).
"كانت عصبة التحرر الوطني هي الفصيل الوطني الوحيد الذي يطرح البرنامج المتكامل، المستند في جوهره على وحدة فلسطين واستقلالها، والذي يأخذ في الاعتبار الواقع السياسي الراهن، بما فيه وجود ما يزيد عن 650 ألف يهودي، يشكلون ثلث تعداد السكان ويشغلون مركز التطور الرأسمالي الذي يشمل البلاد." (سميح سمارة، ص 289 ).




*مؤتمر إعادة الوحدة الاممية*


كانت الفترة بين 1943 وحتى 1948، هي الفترة الوحيدة التي عمل فيها تنظيمان شيوعيان في فلسطين يتشكلان على اساس قومي، في وقت كانت تمر فيه البلاد بأخطر التطورات في تاريخها، وتتحول سياسيا وديمغرافيا وطبقيا، وتمضي نحو التقسيم، والحرب والنكبة. وتطرح مهام جديدة وتحديات غير مسبوقة على الحركة الشيوعية.
في أكتوبر 1948 اتحد الشيوعيون العرب الذين بقوا في وطنهم في القسم الذي قامت عليه اسرائيل، مع الشيوعيين اليهود في إطار الحزب الشيوعي الاسرائيلي. حدث ذلك في ظروف جديدة، وتحولات عاصفة، عصفت بفلسطين، كان من نتائجها قيام دولة اسرائيل ونكبة الشعب الفلسطيني وتهجيره وسط مؤامرة ثلاثي الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية.
وحين يعالج الشيوعيون اليهود والعرب مسألة إعادة توحيد صفوفهم، يبدأون عادة من الاعتبار بأن سنوات الانفصال الخمس الماضية لم يكن لها مبرر موضوعي. ويقول توفيق طوبي: " لقد حدثت هذه الفرقة، التي لا مبرر لها، في فترة تاريخية مصيرية.وقد أضرت بنضال الشعبين ضد الامبريالية ومن أجل تحررهما واستقلالهما، ومن أجل التقدم الاجتماعي وتجذير الافكار الاشتراكية ". ويتابع طوبي:" كانت هذه سنوات انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتداعي الكولونيالية البريطانية في البلاد. وفي هذه الفترة المصيرية بالذات كانت القوى التقدمية اليهودية والعربية المعادية للامبريالية، أحوج ما تكون فيه، الى التعاون المشترك بين الشعبين في نضالهما ضد العدو المشترك. فوحدة كهذه، كانت ستساعد على طرد الحكم الكولونيالي البريطاني بآلام وخسائر أقل، وبدم ودموع أقل لكلا الشعبين، وخصوصا للشعب العربي الفلسطيني."(توفيق طوبي –الوحدة التي صمدت في الامتحان، ثلاثون عاما على مؤتمر إعادة وحدة الشيوعيين اليهود والعرب "، الاتحاد 20.10. 1970 )
عشية انعقاد مؤتمر إعادة وحدة الشيوعيين العرب واليهود،في أكتوبر 1948، أصدرت اللجنة المركزية لعصبة التحرر الوطني تحليلا نقديا قيّمت فيه تأثير السنوات الخمس السابقة، التي انتظم فيها الشيوعيون العرب واليهود في فلسطين، في تنظيمين منفصلين على أساس تركيبة قومية. واعتبرت اللجنة المركزية للعصبة، أن "بناء عصبة التحرر الوطني على أساس قومي منفصل خلق في صفوفها الوهم، بأن الشعب العربي في فلسطين مؤهل وقادر على تحرير البلاد من براثن الامبريالية بمفرده، ومن دون الأخذ في حسابه، القوى الثورية داخل الشعب اليهودي. وقد تم إبراز هذه الفرضية الخاطئة بشكل ملموس في سياسة العصبة الاساسية، بشأن مسألة الوحدة القومية العربية. وحدة بين القيادة البرجوازية والإقطاعية الجديدة وبين القوى الشعبية الناشئة. إن الفرص لنجاح وحدة من هذا النوع، كانت غير قائمة أصلا، فكيف يمكن لعملاء الامبريالية أن يشاركوا في الجبهة المناهضة للامبريالية؟ وخلصت اللجنة المركزية لعصبة التحرر الوطني الى أن نتيجة هذه السياسة، كانت التنكر لضرورة إدانة القيادة البرجوازية والإقطاعية الجديد والنضال من أجل عزلها عن قيادة الحركة الوطنية.(العربية –ع.م).كان من غير الممكن أن نقيم جبهة كفاحية عربية – يهودية موحدة، ما لم نخض في الوقت نفسه معركة ثورية حازمة ضد الامبريالية من جهة، ومن أجل عزل البرجوازية العربية والرجعية اليهودية من قيادة الجماهير، من الجهة الأخرى.
وفي البيان الصادر عن الحزب الشيوعي الاسرائيلي (اليهودي العربي) في مؤتمر إعادة وحدة الشيوعيين اليهود والعرب، جاء، إن وحدة طليعة الطبقة العاملة في دولة اسرائيل هو مكسب هام في نضال الطبقة العمالية في البلاد. وفكرة أخوة الشعوب تحتفل بانتصارها الهام الاول في دولة اسرائيل. إنها خطوة هامة نحو إزالة نتائج سياسة الاستعمار البريطاني "فرق تسد " التي استمرت ثلاثين عاما.
واعتبر ماير فلنر في المؤتمر: "إن وحدة اليهود والعرب تثبت مرة أخرى، أن الانقسام في الشرق الاوسط وفي البلاد، هو ليس بين اليهود والعرب، بل بين القوى الرجعية الموالية للاستعمار والمعادية للشعب من جهة، وبين القوى الديمقراطية المعادية للاستعمار من جهة أخرى. إن الانقسام هو ليس عنصريا، بل سياسيا وطبقيا."